Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما دلالة انضمام جنرال إثيوبي إلى ميليشيات تحارب الحكومة؟

خلافات مامو مع النظام بدأت منذ يونيو 2019 بعد عملية اغتيال قادة سياسيين في الأمهرة وأنباء عن انشقاق قائدين آخرين

الجنرال تيفيرا مامو أثناء إعلانه في فيديو مسجل انضمامه لقوات فانو (مواقع التواصل)

ملخص

مثلت الرسالة التي بثها مامو أكبر عملية انشقاق لمصلحة "الفانو"، من قبل إحدى أرفع الرتب العسكرية، لشخصية عملت في الجيش النظامي لأكثر من أربعة عقود، وقادت حروباً عدة أثناء حكم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ثم في عهد رئيس الوزراء الحالي، مما يضيف إلى رصيد "الفانو" على المستويات العسكرية والسياسية والرمزية. 

أعلن الجنرال الإثيوبي تيفيرا مامو انضمامه إلى ميليشيات فانو الأمهرية المعارضة التي تحارب حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. وقال مامو الذي عمل في الجيش الإثيوبي لمدة تتجاوز 42 عاماً، في رسالة فيديو بثتها المواقع التابعة للحركة المسلحة، إنه اختار أن يقف إلى جانب شعب الأمهرة الذي يتعرض "للتصفية العرقية"، بحسب وصفه.

ودعا مامو الإثيوبيين إلى التعبئة ودعم نضال "الفانو" وإنهاء حكم حزب الازدهار الحاكم، وقال "لقد تم ذبح شعب الأمهرة مثل الدجاجة وتجري محاولات ممنهجة للتخلص منه"، ولام الجنرال الذي اعتقل لمرتين، الأولى في عهد رئيس الوزراء الأسبق ملس زيناوي أثناء حكم جبهة تحرير تيغراي، بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري، وأخرى في عهد رئيس الوزراء الحالي آبي أحمد، لذات التهمة، المجتمع الدولي والدول الكبرى التي "لم تمارس أي ضغوط حقيقية"، لإيقاف ما وصفها بـ"المذبحة" في حق شعب الأمهرة، الذي يتعرض للقتل والتهجير وتدمير مقدراته، موضحاً أن صمت القوى العظمى لم يثن الجيل الشاب من الأمهرة عن الاستمرار في المقاومة، إذ انتظموا ضمن قوات "الفانو" للدفاع عن حقوقهم القومية والوطنية، وقادوا نضالاً باسلاً لحماية البلاد من سياسات حزب الازدهار بقيادة آبي أحمد.

وكانت وسائل إعلام إثيوبية ذكرت منذ نحو أسبوعين اختفاء الجنرال مامو بعد أدائه الصلاة في إحدى الكنائس في الـ30 من يونيو (حزيران) الماضي، إذ ظل يخضع لرقابة مشددة في مكان إقامته الجبرية، ولم يكن مسموحاً له بمغادرة المنزل إلا لأداء الصلاة كل يوم أحد.

ونقلت إذاعة محلية أن مامو كان يعاني آلاماً في الساق، مرتبطة بجراح قديمة ناجمة عن رصاصات أثناء إدارته الحرب الإريترية - الإثيوبية (1998-2000)، وقد أوصي بسببها بالسفر إلى الخارج للحصول على رعاية طبية أفضل. ورفضت حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد منحه تأشيرة خروج إلى إسرائيل منذ ما يقارب عامين. 

انشقاقات جديدة 

ولفتت صحيفة "مونتير" الإثيوبية إلى أن خلافات مامو مع النظام الحاكم بدأت منذ يونيو 2019، بعد عملية اغتيال القادة السياسيين في إقليم الأمهرة التي راح ضحيتها الدكتور أمباتشو والجنرال أسامينيو تسيجي الذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس دائرة السلام والأمن في المنطقة، إذ تم القبض على الجنرال تيفيرا مامو. كما اعتقل لفترة وجيزة في العاصمة أديس أبابا بعد توقيع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وإدارة آبي أحمد على اتفاق بريتوريا.

وظل الجنرال مامو يتحدث علناً ضد ما يسميه "المذبحة التي تتعرض لها عرقية الأمهرة في أجزاء مختلفة من البلاد" كما ظل ينتقد تحركات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، أثناء الحرب الأخيرة في الإقليم الشمالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومثلت الرسالة التي بثها مامو أكبر عملية انشقاق لمصلحة "الفانو"، من قبل إحدى أرفع الرتب العسكرية، لشخصية عملت في الجيش النظامي لأكثر من أربعة عقود، وقادت حروباً عدة أثناء حكم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ثم في عهد رئيس الوزراء الحالي، مما يضيف لرصيد "الفانو" على المستويات العسكرية والسياسية والرمزية. 

من جهة أخرى نقلت إذاعة محلية أن العميد تيزيرا نيجوسي، وهو قائد عسكري آخر، قد سلك طريق تيفيرا وانضم إلى قوات "الفانو" في منطقة جوندار بإقليم الأمهرة، في اليوم الثاني لصدور إعلان انشقاق مامو، كما أشار تقرير الإذاعة إلى أن ثمة تقارير غير مؤكدة تفيد بأن جنرالاً عسكرياً ثالثاً انضم إلى قوات "الفانو". 

تطور نوعي 

من جهته يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون أن انضمام جنرال متمرس في التجارب القتالية إلى قوات "الفانو" قد يمثل تطوراً نوعياً في أداء هذه المجموعة المسلحة في نضالها ضد الحكومة المركزية في أديس أبابا، وقدر أن يحدث ذلك انعكاسات مهمة على جميع المستويات، بخاصة على مستوى رفع القدرات القتالية، إضافة إلى التأثير السياسي والرمزي، باعتبار أن تيفيرا مامو شخصية تحظى بتأثير كبير في الأوساط السياسية الأمهرية، إذ ظل يدلي بآرائه السياسية المعارضة للأنظمة المتعاقبة منذ نظام ملس زيناوي ثم هيلي ماريام ديسالينج وصولاً إلى آبي أحمد، مما أكسبه تأثيراً سياسياً طاغياً بخاصة لدى الفئة الشبابية من الناشطين الأمهرة.

ويوضح بيهون أن "عملية انشقاق مامو كشفت عن القصور الواضح للمنظومة الأمنية، وإمكانية أن يكون الفانو قد أحدثت اختراقات واسعة داخلها، بخاصة أن الجنرال ظل يخضع لمراقبة أمنية لصيقة منذ عام 2019، إذ وضع قيد الإقامة الجبرية إثر إطلاق سراحه، بعد فترة اعتقال دامت أكثر من عام، مما يوحي أن المنظومة الأمنية التي تباهى رئيس الوزراء بقوتها في خطابه الأخير في البرلمان ليست على النحو الذي أشير إليه".

 

وتوقع المحلل الإثيوبي أن تتبع خطوة مامو خطوات أخرى من قبل قادة رفيعي المستوى في المؤسسة العسكرية الإثيوبية التي تعاني اختراقات واسعة، وتململاً واضحاً نتيجة الحروب المشتعلة في أكثر من إقليم.

ويشير بيهون إلى أن الروح القتالية داخل الجيش النظامي آخذة في الانهيار، لجهة انعدام الوازع الوطني، إذ تجري معظم العمليات القتالية ضد مجموعات إثيوبية معارضة للنظام، بخاصة في إقليمي الأمهرة وأروميا، وهما قوميتان تشكلان نحو 70 في المئة من تعداد السكان، منوهاً بأن الإحصاءات تشير إلى أن نسبة المنتمين إلى القوميتين داخل الجيش الإثيوبي تقارب النسبة ذاتها، مما يصعب معه توفر وازع القتال ضد مجموعات تنتمي إلى المكونات العرقية والثقافية ذاتها.

انشقاق متوقع 

بدوره قلل المتخصص في الشأن الإثيوبي محاري سلمون من أهمية انشقاق مامو وانضمامه إلى قوات "الفانو". وقال في حديثه إلى "اندبندنت عربية" إن "مامو قد انشق من الجيش منذ وقت طويل، وتعرض للاعتقال بتهم عدة من بينها التخطيط لقلب نظام الحكم. والحدث الأساس هو قدرته على الإفلات من الطوق الأمني المضروب عليه، للانضمام إلى ميليشيات الفانو".

ونوه سلمون بأن عملية انشقاق مامو ليست سابقة أولى كما يتم الترويج لها بصورة واسعة في وسائل الإعلام الأمهرية، إذ سبقها انشقاق وزير الدفاع الأسبق الجنرال صادقان قبري تنسائي، في عام 2020، وانضمامه إلى قوات الدفاع التيغراوية أثناء الحرب بين الجبهة الشعبية والجيش النظامي. إذ قاد التمرد ضد الحكومة المركزية لعامين، قبل أن ينضم إلى فريق المفاوضين في جنوب أفريقيا، الذين أنجزوا اتفاقية بريتوريا للسلام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022.

ويرى أن تلك التجربة توحي لمآلات الاحتراب الأهلي السائد في إثيوبيا، إذ لا يمكن إيجاد حل للأزمات المتراكمة من خلال العمل المسلح. ويضيف "إذا كان انشقاق الجنرال صادقان الذي تقلد منصب وزير الدفاع لأكثر من عقد من الزمن قد أدى في النهاية إلى الانخراط في عملية السلام وتقلد منصب نائب رئيس الحكومة الموقتة في تيغراي، فإن انشقاق مرؤوسه السابق الجنرال مامو لن يمثل استثناءً في هذه الحالة".

ويقرأ محاري رسالة مامو المنشورة على وسائل التواصل على أنها تحمل نفساً يفتقد الروح الوطنية، ويتنافى مع أخلاقيات المؤسسة العسكرية الإثيوبية، التي اكتسب منها رتبه العسكرية إلى جانب سمعته السياسية. وزاد بالقول "من حق مامو أن يناضل من أجل مصالح القومية الأمهرية، لكن اعتبارها أنها الضمانة الوحيدة للوحدة الوطنية الإثيوبية يعد تجاوزاً غير مقبول، في عرف العسكرية الإثيوبية". 

وأضاف المحلل الإثيوبي أن معظم الإقليم والقوميات الإثيوبية تشكو من التهميش والإقصاء، وشح الإمكانات المادية المسخرة للمواطن الإثيوبي، لكن اختزال الأزمة الوطنية في قومية بعينها يخصم من رصيد الجنرال المنشق والفصيل العسكري الذي انضم إليه. 

ويختم محاري حديثه بالقول إن الطريق الوحيد لحلحلة الأزمة الإثيوبية يتمثل في الجنوح للسلم، عبر الجلوس إلى طاولة مفاوضات، وهو أيضاً ما كشفته حرب تيغراي، من أن المواجهات العسكرية لن تنجح في إيجاد الحل.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير