Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نظام عالمي جديد يبصر النور في الأمم المتحدة

بدأ نفوذ الولايات المتحدة يأفل وقد تتصدر أزمة فنزويلا والتغير المناخي الاخبار لكن يتوجب الاهتمام بقضايا اخرى

تأييد روسيا لفنزويلا المعادية لأميركا من المساحات التي ظهر فيها التغير في النظام الدولي حاضراً (وكالة الصحافة الفرنسية)

هلموا، هلموا.. عاد السيرك السنوي إلى المدينة من جديد. نشرت الحواجز وضباط الشرطة، ورجال الأمن بقصمانهم الزرق متأهبون. سيكون وسط مانهاتن في حال ازدحام خانقة، وعندما ينطلق المهرجان سيُضخ حوالى مليار دولار في اقتصاد مانهاتن المزدهر بالفعل.

وأكثر ما سيلفت الانظار في الدورة الـ 74 من اجتماعات الجمعية العامة هو الناشطة البيئية غريتا تونبرغ وحال الطوارئ المناخية، والحديث المتواصل عن أداء الرئيس ترمب واحتمالات أن يخرج عن طوره، والعمل على إنهاء الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران في اليمن. ومع التركيز الكبير على مثل هذه القضايا الضخمة، ستُغفل مسائل اخرى، على الرغم من أن الموضوعات التي غالباً ما لا تُرصد تكتسي القدر نفسه من الأهمية.

 ففي صلب الدبلوماسية العالمية، ستوفر الجمعية العامة لقادة العالم منتدىً لتقديم تحليلاتهم النقدية وأفكارهم وبعض الاستعراضات العرضية. إلا أن العمل الحقيقي يُنجز خارج القاعات الرئيسية. فالدبلوماسيون وموظفو السفارات يرتبون اجتماعات جانبية. وعليه، ليست نواة هذا المنتدى الجمعية العامة، وإنما جناح المندوبين - تحديداً مقصف الأمم المتحدة - الذي سيكون المحور حيث يقوم الدبلوماسيون والموظفون بصياغة السياسات والتكتيكات والبرامج، أثناء احتساء مشروبات مناسبة الأسعار.

 فما هي تلك الحوادث الصغيرة التي لن تلفت الانتباه ولن تسمع عنها الكثير؟ واحدة منها يرجح أن تكون الإطلالة الأخيرة لأنغيلا ميركل كمستشارة ألمانيا. ويُقال إلى أن خوان غوايدو ("الرئيس المؤقت" ورئيس مجلس النواب بالبرلمان الفنزويلي) يخطط لإلقاء خطاب مضاد للمعارضين بالتزامن مع خطاب ناري مرتقب للرئيس مادورو، وسيكون نشاط غوايدو من هذه الحوادث الصغيرة. ومنها كذلك التقدم العالمي العام في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، الإطار الحالي لتنسيق جهود التنمية في العالم.

وهذا الأخير سوف يكون أكبر مصدر للقلق بالنسبة الدبلوماسيين، لكن في صمت. وإذا وضعنا جانباً التهديد الوشيك لتغير المناخ، فإننا لسنا على درب تحقيق الأهداف الطموحة قطعاً التي وضعناها لأنفسنا بشكل جماعي لفترة 2015-2030. لقد كان من المفترض أن نكون قد قضينا على الفقر المدقع - الذي يعني العيش على أقل من 1.90 دولارًا في اليوم دون الحصول على التعليم ولا الرعاية الصحية ولا الطعام المنتظم.  وفي الواقع يبدو الآن أن الفقر المدقع سيستمر على الأقل لفترة العشر السنوات الاخرى المقبلة، ما يعني أنه سيشمل حوالي 6 في المائة من سكان العالم في عام 2030. كما أن نسبة الجوع في العالم آخذة في الارتفاع للسنة الثالثة على التوالي. أما التقدم في المساواة بين الجنسين فأصبح أبطأ من المتوقع، ناهيك عن كون خُمس النساء في العالم قد تعرضن للعنف البدني أو الجنسي في العام الماضي. وستساهم حال الطوارئ المناخية في مفاقمة كل هذه الأزمات، مما يزيد من تعقيد الأوضاع المعقدة أصلا.

وفضحت أزمة المناخ آليات الأمم المتحدة ذاتها. فالمنظمة الدولية تعمل وفق فلسفة "بلد واحد، صوت واحد،" وهذا يعني أن كل دولة لديها صوت مساوٍ لأي دولة اخرى. فعلى سبيل المثل، الولايات المتحدة لديها صوت واحد، وفيجي لديها صوت واحد؛ المملكة المتحدة لديها صوت واحد، وكذلك كوبا وجامايكا وسنغافورة وجزر سيشل والبحرين والرأس الأخضر – وهكذا تتضح الصورة. وعندما يتعلق الأمر بشيء مثل تغير المناخ، اتفقت الدول الصغيرة مؤخرا على توحيد الجهود لمقاومة المقترحات البيئية الطموحة. وهناك القليل مما يمكن القيام به إذا شكلت هذه الدول كتلة ضد بلدان أوروبا الغربية، على سبيل المثل، التي تتبنى طموحات شرسة لمعالجة تغير المناخ.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتتعقد هذه القضية بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بدول مجموعة "البريك" (البرازيل وروسيا والهند والصين) التي تشعر بأنها مطالبة بتقييد مسيراتها التنموية، في حين أن دولاً اخرى مثل الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا تمكنت من بناء قدراتها الاقتصادات والمجمعات الصناعية من دون أي قيود على أساليبها التدميرية للمناخ. وهذا هو أحد دواعي انتشار إنكار التغير المناخي والشكوك حول الكولونيالية (الاستعمار) الجديدة. وفي هذا الصدد لا ينفرد رئيس البرازيل، جايير بولسونارو، بمعاداة أنشطة الدفاع عن المناخ، كما لا يساعد دونالد ترمب بمواقفه المتقلبة التي يفوق عددها عدد الوضعيات في الكاما سوترا. لكن الأمر الذي أصبح واضحا هو أن نفوذ الأميركيين تراجع أكثر من أي وقت مضى.

وهذا يضع العالم في وضع محفوف بالمخاطر تبذل الأمم المتحدة قصارى جهدها لتجاوزه بمساعدة (أو في بعض الأحيان بمقاومة) دولها الأعضاء المزعجة. فخلال العقد الماضي، كان تركيز الجمعية العامة مُنصبّاً في المقام الأول على الحد من الصراعات، واليوم تحتاج إلى التركيز على تهديد وجودي أوسع وأكبر. وتشكل حالة الطوارئ المناخية جزءاً من هذا التهديد، لكن عوامل مثل الفقر المدقع والتوسع الحضري السريع وانعدام الأمن هي كذلك ملحة.

لقد كان الجوع في الثمانينات أمرا بسيطًاً. كان ينجم عن نزاع، وعندما تُبرم تسوية النزاع كان يختفي الجوع. لكن كيف نتعامل مع الجوع في وقت السلم؟ هذا ما ليس حله يسيراً. وماذا نفعل إذا ضرب تسونامي دولةً جزرية او أرخبيلية يبلغ عدد سكانها 100 ألف وأصبحت غير صالحة للعيش؟ الحقيقة البسيطة هي أننا على بُعد بضع سنوات فقط من ظهور أوائلُ اللاجئين بسبب تغير المناخ، وفي غياب مساع دبلوماسية، العالم بأسره على المحك.

وفي الأيام الخوالي كانت لحظات الغضب الاستعراضي متوقعة في الجمعية العامة، وكثيراً ما أضافت نكهة إلى ما كان عادةً عملاً إجرائيا مُملاً للغاية. لكن في هذا العام، يُنظر إلى فورة الزعماء الشعبويين بنوع من الفزع. ومع تعاظم التحديات، آمل شخصياً أن ينجز الدبلوماسيون وموظفو الخدمة المدنية المزيد من العمل في حانة الأمم المتحدة هذا العام، وأن يقتصد السياسيون ومساعدوهم الكلام في القاعة الرئيسية. قد لا يكون هذا هو النظام العالمي الذي نستحقه، لكنه النظام المتوفر، وقد يكون الفرصة الوحيدة المتاحة لإحداث تغيير.

(أمين باشا هو الاسم المستعار لدبلوماسي أممي يعمل في نيويورك)

© The Independent

المزيد من آراء