ملخص
علاء نموذج واحد لآلاف الحالات التي تعرضت لبتر أطرافها العلوية أو السفلية في الحرب الإسرائيلية على غزة، لكنه كان واحداً من المحظوظين الذين حصلوا على طرف اصطناعي في أثناء القتال ولم ينتظروا أن تضع الحرب أوزارها ويتعافى النظام الصحي في القطاع.
اقترب الطبيب من الطفل علاء ثم جلس أمامه يتفقد الجرح الذي سببه بتر قدمه، وبعد أن تأكد من تماثل الإصابة للشفاء أخذ قياسات قدمه السليمة استعداداً لتركيب طرف اصطناعي له.
على ورقة بيضاء كان الطبيب يسجل قياسات القدم: من أسفل الركبة حتى الرسغ 15 سنتيمتراً، وكف القدم طولها 13 سنتيمتراً، وإجمالي طول علاء 1.2 متر، أما وزنه فــ23 كيلوغراماً، وعمره الحالي سبع سنوات، والقدم المبتورة هي اليمنى.
بينما يلعب
بعد أن جهز الطبيب قياسات قدم علاء أرسل البيانات إلى جهة الاختصاص في المستشفى الميداني الإماراتي لتجهيز طرف اصطناعي للطفل بطريقة تناسب عمره ومراحل نمو جسده وتطوره، ثم جلس العامل الصحي إلى جانب الطفل وأخذ يسمع قصته.
كان علاء يلعب في بيته عندما شنت الطائرات المقاتلة الإسرائيلية غارة جوية على أحد الأهداف القريبة من منزله، وبسبب قوة انفجار الصاروخ تطايرت الشظايا حتى كسرت زجاج نوافذ غرفته ودخلت حيث المكان الذي يلهو فيه واخترقت جسده.
أصابت الشظايا التي كانت ساخنة كاللهب قدم علاء من منطقة أسفل الركبة، وسببت له قطعاً وصل إلى العظام والأوتار والشرايين، وعلى أثر هذه الإصابة نقل سريعاً إلى المستشفى لتلقي العلاج هناك، لكن الأطباء كانوا منهكين ولا توجد لديهم أي علاجات أو أدوات طبية للتعامل مع جرح الطفل.
اتخذ الأطباء مضطرين خيار بتر طرف علاء السفلي، وبسرعة قصوا له قدمه اليمنى من أسفل الركبة وأجروا له عملية جراحية سريعة لتطبيب جرجه بعد عملية البتر، ولكنهم كانوا عاجزين عن تقديم الأدوية ووسائل الرعاية الصحية للطفل.
ظل علاء يعاني شحاً في الأدوية، الأمر الذي سبب له إرهاقاً نفسياً شديداً وصل حد اليأس، لكن فكرة تركيب طرف اصطناعي له أسهمت بطريقة ما في تحسين نفسية الصغير وإعادة الأمل في عودته للمشي مجدداً.
خطوات اصطناعية
بعد نحو خمسة أشهر من بتر قدم علاء، عمل الأطباء على تركيب طرف اصطناعي له، وأدخله العاملون الصحيون في غرفة التأهيل النفسي والجسدي استعداداً لتدريبه على المشي مجدداً وتأهيله للتعامل مع الطرف الجديد الذي أضيف إلى جسده الصغير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اهتم الأطباء كثيراً بعلاء ورافقوه في عملية التدريب على المشي لأسابيع طويلة تمكن في نهايتها من أن يخطو خطوته الجديدة بواسطة الطرف الاصطناعي، لكن الصغير بدت عليه علامات اليأس لفقدان قدمه على رغم أنه كان يمشي باجتهاد وفرح.
علاء هو نموذج واحد لآلاف الحالات التي تعرضت لبتر أطرافها العلوية أو السفلية في الحرب الإسرائيلية على غزة، ولكنه كان واحداً من المحظوظين الذين حصلوا على طرف اصطناعي في أثناء القتال ولم ينتظروا أن تضع الحرب أوزارها ويتعافى النظام الصحي في غزة ليبدأ الأطباء مهمة تركيب أطراف مثلها للمبتورين وتأهيلهم للحياة الطبيعية من جديد.
حشود المبتورين
بحسب فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فإن الحرب في غزة تؤدي إلى فقدان 10 أطفال ساقاً أو ساقين كل يوم.
بصورة أوسع فإن "أونروا" توضح أن غزة تحوي نحو ألفي طفل فقدوا أحد أو كلا الطرفين السفليين، ونحو العدد نفسه فقدوا أطرافهم العلوية، وقرابة ثلث المصابين الذين يزيد عددهم على 77 ألف جريح يحتاجون إلى أطراف اصطناعية.
يقول المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أشرف القدرة، "نقص الأدوية والإمدادات الطبية منذ اندلاع الحرب جعل عمليات بتر الأطراف هي الحل عند الأطباء، وكان ذلك خياراً وحيداً متاحاً من أجل إنقاذ حياة المواطنين مما أدى إلى ازدياد حالات المعاقين حركياً".
نفوس مكلومة
يعتقد هؤلاء المبتورون أنهم نجوا من الموت المحقق، لكنهم في الوقت نفسه لا يجدون علاجاً ولا أطرافاً اصطناعية تساعدهم على تخطي صعوبات الحياة، هذا الأمر دمر نفسيتهم كثيراً وباتوا يخافون من المستقبل.
تقول أستاذة علم النفس الاجتماعي وفاء موسى "الذين يتعرضون لبتر أطرافهم سواء كانوا كباراً أو صغاراً يحتاجون إلى دعم مكثف وطويل من أجل مساعدتهم على التأقلم مع حالات الفقدان أو حتى لتجهيزهم نفسياً للتعامل مع العضو الجديد في أجسادهم".
وتضيف، "تكون حال المبتورين النفسية صعبة، وهم في حاجة إلى علاج نفسي ودعم اجتماعي وأسري بطريقة تساعدهم على القيام بأدوارهم بصورة طبيعية، لكن هذا التدخل يأتي غالباً بنتائج إيجابية بعد تركيب الأطراف الاصطناعية".
بسبب الحرب
في الواقع، لا تستطيع المستشفى الميداني الإماراتي تركيب أطراف اصطناعية لجميع المبتورين في قطاع غزة، إذ إن هناك نقصاً حاداً في صناعة الأطراف وصعوبة شديدة في استيرادها، لكنها في الوقت نفسه تسهم بطريقة ما في مساعدة الأشخاص الأكثر حاجة لأطرافهم من أجل مواصلة حياتهم.
يقول مدير المستشفى الميداني الإماراتي الطبيب سلطان الكعبي، "تركيب الأطراف الاصطناعية للجرحى يساعد الأشخاص من هذه الفئة على استكمال حياتهم الطبيعية، ما نقوم به شيء رائع بخاصة في غزة، إذ يواجه الناس صعوبة في السفر لإجراء مثل هذه العمليات، كما أن صناعة الأطراف محلياً أمر مستحيل".
بحسب الكعبي فإن فريق عمله يقدم خدمات التأهيل الحركي والنفسي للمبتورين لإعطائهم الأمل في العودة للحياة الطبيعية التي كانوا عليها قبل إصاباتهم، لكنه يشير إلى أن هذه الحلول تعد موقتة ما لم تحظَ باهتمام طويل الأمد، وهذا لا يتحقق إلا في وقف الحرب.