Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أنا حميت الأشخاص البسطاء من مافيا العصابات المسلحة المقامرة

أصبحت الأعمال وإدارة الشؤون المالية طبيعة ثانية لألكسندر ليبيديف، الذي رأى الفساد الاقتصادي بشكل مباشر في هذه المقتطفات الثلاثة من كتاب صدر له عن سيرته الذاتية، يستذكر فيه الأوليغاركيين الروس وازدراءه للمحتالين الماليين.

صوة غلاف اليكسندر ليبيديف "هانت ذا بانكر" أو ملاحقة المصرفيين (من كويللر بابليشينغ)

آمل ألا يكون هنري رزنيك مستاء كثيرا، فهو دافع عني بطريقة بارعة خلال المحاكمة، ويجب أن يكون إجباريا على طلاب القانون والمحامين ذوي الخبرة حضور مرافعاته في قاعة المحكمة. كان القاضي يستمع إليه بانتباه، على الرغم من أن الفتاة الصغيرة من مكتب المدعي العام، لم تكن ربما لتعرف عمَّ كان المحامي يتكلم.

وكان واضحا أن شخصا ما سأل رؤساءها عمَّ يجري، وأوصى بمسار عمل محدد. ولم يكن لدي أي صعوبة في فهم مضمون قرار الحكم: هذا الرجل ليس موشكا على الهرب إلى الخارج، فما هي الفائدة من وضعه في السجن كي يتعفن؟ التحقيق والمحاكمة نفسهما كانا حتى الآن عقابا كافيا له، فلديه ثلاثة أبناء، اثنان منهم ما زالا قاصرين.

لتهمة "الاعتداء" صدر علي حكم بتأدية 150 ساعة في الخدمة المجتمعية. وكان بإمكاني بسهولة تجنب حتى تلك العقوبة. وبالطبع، نحن استأنفنا ضد العقوبة في محكمة موسكو المحلية، وكانت هناك محاكمة ثانية.

تحدد تاريخ الجلسة الأخيرة بيوم الجمعة 12 سبتمبر(أيلول) 2013. ولو أني لم أحضر إلى قاعة المحكمة لأنهى قانون التقادم الدعوى بشكل تلقائي، لأن "الجريمة" (حسب الرواية الرسمية في الإدانة) وقعت قبل سنتين. وللقيام بذلك، كان علي أن أتظاهر بالمرض وأحصل على شهادة طبية مزيفة، أو إيجاد سبب يبرر عدم قدرة المحامين على الحضور.

قررتُ أن أفرض تنفيذ الحكم النهائي، وهو نهج يُعتبَر من وجهة نظر المنطق البرغماتي (العملي) قريبا من البلاهة. إلا أنه كان واضحا عدم وجود عقوبة أشد، لأن أكثر الأحكام قسوة أصبحت آنذاك جزءا من الماضي، وبالطبع، لم يكن أمرا مسرا حين يكون لديك أسرة، وأطفال وخطط للمستقبل، وأنت تستحضر باستمرار إمكانية أن تقضي، بعد فترة قصيرة، سنوات في السجن على جريمة، كان من الواضح تماما، أنك لم ترتكبها.

في أوج المحاكمة، حين كنت أواجه بالفعل إمكانية مشاهدة العالم من وراء القضبان، كتبتُ إلى رئيس الوزراء ديمتري ميدفيدف طالبا منه، ضمن إطار حملة مكافحة التدخين، إبعاد السجناء المدخنين عن غير المدخنين داخل نفس الزنزانة. لقد كنت أهيئ نفسي لهذا الاحتمال.

غير أن الرسالة لم يكن لها أي تأثير على المحاكمة، إذ قد يكون على رئيسنا المحب للرياضة البدء بحملة ضد تدخين 750 مليون سجارة تصنع من قبل وحوش التبغ في الولايات المتحدة.

وكانت فكرة العمل من أجل منفعة قرية بوبوفكا، حيث يقع مقر "شركة الأرض الوطنية" الخاصة بي، حضرتني حالما أصبح واضحا أني تمكنت من تجنب عقوبة السجن. كان عنوان بيتي مسجلا في مقاطعة باسماني بموسكو، ونظريا كان ذلك المكان الذي سأؤدي فيه عقوبتي.

بالتأكيد، لن يستطيع عامل يدوي إضافي أن يغير الكثير في حياة الموسكوفيين. فدائرة الخدمات الإسكانية والمجتمعية لديها آنذاك الكثير من العمال الضيوف المهيئين لتنظيف الشوارع من الطين والثلج، وخلال العملية يعطون جزءا من أجورهم إلى الشخص الذي يتوقع منهم أن يقوموا بذلك، وهم لن يحصلوا مني على أي شيء عدا الكثير من التأزم.

لذلك، فإني استأجرتُ سكنا في قرية بوبوفكا وبدلتُ رسميا عنوان إقامتي ( اليوم أصبح أمر كهذا سهلا جدا لا يتطلب سوى الإشعار بالانتقال). وهذه البادرة أجبرت "دائرة الإصلاحية الاتحادية" على نقل ملفي إلى منطقة تشيرن في محافظة تولا.

كانت شركتي قد قامت بأعمال صيانة مراكز الرعاية اليومية للأطفال المحليين خلال الثماني سنوات السابقة لأن الدولة لم تكن قادرة على توفيرها، وأنا في المقابل كنت محقا في تقديري بأن فرع "دائرة الإصلاحية الاتحادية" لم يتعامل من قبل مع شخص صدرت ضده عقوبة غريبة كعقوبتي. ففي 99.9 في المائة من الحالات، أولئك الذين مروا بمحاكمات ينتهي بهم المطاف في السجن، والبقية منهم يُطلق سراحهم. لذلك لم يكونوا قادرين على إيجاد أي شيء لي سوى الكدح في "مزرعتنا الجماعية".

وهكذا، بدأت في ديسمبر (كانون الأول) 2013 بالعمل على ترميم مركز الرعاية اليومية للأطفال، الذي كان في كل الأحوال بحاجة إلى الإصلاح. في اليوم الأول من خدمتي المجتمعية، حضر الإعلام بقوة، وكانت قنوات التلفزيون الوطنية قد أرسلت كاميرات وبثا مباشرا. وكانت قصتي من الناحية العملية في قمة أخبار ذلك اليوم. ونظرا لأني لم أصوَّر أبدا في السابق على قنوات التلفزيون الحكومية لعب ذلك الاهتمام الإعلامي لصالحي، إذ كانت التغطية بشكل عام عادلة. فها هنا رجل أوليغراكي (رجل أعمال ثري) ينفذ عقوبته من خلال عمل يدوي في موطنه الأصلي.

أما الصحافيون فقد رفض العدد الأكبر منهم الحضور، لكن بعضهم زاروا مكان عملي، فمراسل كوموسمولسكايا برافدا في تولا، أليكسي تومانوف، كان قد انتقل إلى بوبوفكا، حيث كان يكتب تقارير يومية ويساعدني في العمل. بدأنا بساحة لعب جديدة للصغار وانتهينا من ترميم البناية من الداخل، وعملنا ملعبا صغيرا لكرة القدم. ولم يكن لدى سلطات القرية المال لـ "كماليات" كهذه. كان دخل موازنة بوبوفكا بالكامل 6 ملايين روبل (200 ألف دولار). وكان على القرية ديون للكهرباء وتواجه مشاكل مع محطات ضخ المياه، وكان مركز الرعاية اليومية بالأطفال سيكلف السلطات المحلية ما يقرب من 10 ملايين روبل(333 ألف دولار). وهنا أصبح ليبيديف الآثم شخصا مفيدا.

هناك أطفال كثيرون الآن في بوبوفكا، يتدفقون إلى مركز الرعاية اليومية بملابس جديدة وأنيقة، وهذا بفضل مزرعتنا، وفلاحينا الذي بدأوا يكسبون مالا، وما عادت بوبوفكا مكانا محتضرا.

بإمكانك اليوم تلمس هذه الحقيقة من المنازل، فهي مطلية حديثا، مكسوة خارجيا، وكلها تقريبا لها صحون لاقطة.

تعتبر الفيرا غوريوخينا واحدة من الصحافيين المفضلين بالنسبة إلي، وظلت تتابع التطور الذي شهدته بوبوفكا لسنين عديدة. وهذا هو ما كتبته عنها: "حين تتأمل ظاهرة شركة مكسيم غوركي المحدودة، الشيء الأساسي الذي يدهشك فيها هو الحكمة بعدم تدمير ما هو قائم هناك، وعدم تدمير حياة القرية، التي تبدأ غالبا التجمعات البشرية الكبيرة منها. ففي بوبوفكا لم يغلقوا مكتب المزرعة القديم. ومن دون التخلص من النظام القائم، وضع "القادمون الجدد" المال في عملية إنتاجية مع النظام القائم والتكنولوجيا المتقدمة". ألفيرا نيكولايفنا محقة. ففي الريف تستطيع أن ترى استثماراتك تقدم محصولا جديدا من البيوت، والابتسامات على وجوه الناس، وهذا هو الغرض من المال.

تذكرت هذا حينما علمت من المحامين أن العدد الأخير من مجلة فوربس وضع اسمي ضمن قائمة الأثرياء محددةً قيمة ما أملكه بـ 1.6 مليار دولار. لم أندهش بذلك، بل كنت بالأحرى منزعجا. في ذلك اليوم أصبح المحامون الأميركيون أنفسهم مندهشين مني كثيرا. فهم فجأة أصبحوا أكثر حذرا، ليس بالمعنى أكثر تذللا، وأكثر حرصا على إعطاء الانطباع من أنهم أصبحوا نشيطين جدا. فكتور بلفين لديه قصة، "فضاء فريدمان"، التي فيها تُرسل أجهزة وكالات الاستخبارات الخاصة مالا كثيرا مع رواد الفضاء إلى ما وراء "منطقة شفارتزمان"، حيث هناك ممر يحول سيكولوجية البشر. للأسف، يبقى المال للأغلبية المقياس الأساسي لقدرات الانسان وشخصيته معا، وكذلك يظل مقياسا لموهبة الأنذال والنصابين.

كان عدد مجلة فوربس المتضمن لقائمة الأثرياء في العالم، أولا عام 1917، وكانت تلك السنة مهمة في تاريخ العالم. المجلة ترى وبشكل سطحي أن امتلاك ثروة هو نعمة كبيرة، وهي لا تميل إلى حكم أخلاقي ما، فصحافيوها غير مهتمين بمعرفة من أين جاءت الثروة، أو عمَّ ينفق الأثرياء أموالهم. أنا ما زلت لا أستطيع فهم كيف توصلوا إلى أرقامهم الإجمالية.

في سنة واحدة تنامت ثروتي إلى 3.6 مليار دولار، وبعد ذلك اختفت فجأة. أنا كتبت رسالة إلى ستيف فوربس، رئيس المجلة ورئيس تحريرها سائلا إياه أن يشرح لي الطريقة التي يتبعونها في حساباتهم، وألا يشملوني في ترتيب الأثرياء مستقبلا. إذ كيف، على سبيل المثال، يمكنك قياس مستقبل رجل أعمال، ديونه لبنوك الدولة في روسيا الاتحادية قد تزيد عن ضعف قيمة الرأسمال في شركاته؟ فبأي طرائق تستطيع مجلة فوربس وضع جوكوين "القصير" غوزمان ، ملك المخدرات المكسيكس الذي عاش حياته كلها خارج القانون في قائمة الأثرياء ؟ هذا الترتيب هو ترس صغير آخر في آليات تحول تريليون دولار في السنة من جيوب الفقراء إلى جيوب النصابين الأثرياء.

غادرت القائمة المروعة في الأعوام 2013-2015، حين تخليت عن اهتماماتي التجارية. كل شيء كان واضح نسبيا: كان لبنك الاحتياطي الوطني ودائع تصل إلى حوالي مليار دولار من أموال زبائنه. والبنك هوجم من قبل الحاسدين، الذين لم يكن لديهم أي وازع أخلاقي يردعهم عن طرائقهم. وقد وصفت أساليبهم بشكل مفصل آنفاً. كنا بحاجة إلى إعادة ذلك المال إلى زبائننا بسرعة. فهم لم يكونوا مهتمين بمناقشة التأجيلات، وأنت لا تستطيع أن تبيع مباشرة الأسهم في شركات مثل غازبروم أو أيروفلوت، أو في حافظة قروض عقارية ووكالات عقارية إلا إذا كانت بتخفيضات كبيرة. كان علي أن أبيع أصولا تساوي قيمتها 1.5 مليار دولار بسعر مليار دولار فقط. وهي تشمل مركزا ثقافيا قريبا من باريس، وطائرات أيه-321، وطائرة لكبار الشخصيات عالمية، وشقة في لندن، ومباني في موسكو وبطرسبرغ. إلا أنه من خلال إرجاع أموال زبائننا لهم لحد آخر فلس، تمكنت من الحفاظ على سمعتي، وبرهنت أنك إذا كنت تقوم بالأعمال بطريقة أمينة، فإنك تستطيع أن تعيد لمودعيك أموالهم حتى تحت أصعب الظروف التي يمر بها مصرفك.

اليوم، ما عاد بنك الاحتياطي الوطني (ناشونال رزيرف بانك) مشروعا تجاريا بل هو فاترينة. إنه غير مدين تماما للزبائن، ولا يقبل ديونا مدفوعة مسبقا، ولا يقدم قروضا أو يشتري أوراقا مالية ولا يخاطر بأي نشاطات غير مضمونة. فهو قد تمكن من البقاء عن طريق وضع رأسماله في "بنك مدخرات روسيا"  (سيفنِغز بانك أوف راشيا)، على السوق ما بين البنوك. يمكن القول إنه ليس من المعقول تصور وجود بنك أكثر صلابة من هذا البنك، فهو قابل للتدمير فقط إذا وقعت حرب نووية. وهو يبقى كمقاربة صامتة للأفراد الذين اخذوا 100 مليار دولار من 900 بنك روسي، وهم بشكل متعمد جعلوها تفلس منذ عام 2006، ومَن يصدق أنه ليس هناك قيمة للسمعة في بلدنا.  لن أنكر أن هذه الفكرة ظلت تحضرني غالبا في تلك الأيام، إذ منذ كنت شابا، كنت حريصا جدا على حفظ شرفي.

لماذا لا أنفق نفس المبلغ على شراء يخت بدلا من إنفاقه على أكبر مزرعة بطاطس في العالم، أو الاشتراك في بهجة أحواض صناعة السفن الألمانية؟ أنا لا احب اليخوت، أو الفيلات أو الطائرات الخاصة أو سلع فاخرة مماثلة، غرضها فقط أن تعطي لمالكيها شعورا بالتفوق المتباهي على "المغفلين". أنا حميت الأشخاص البسطاء الذي يثقون كثيرا بالآخرين من مافيا العصابات المسلحة المقامرة بإقحام قانون صادق عليه برلمان الدولة (الدوما).  أنا استثمرت مبلغ 200 مليون يورو في جزيرة القرم بدلا من جزر المالديف أو "كوت دازور"، وأعدت لزبائن مصرفي المليار دولار التي عهدوها في ذمتي بالكامل. والآن، أريد أن أستثمر في شبكة من مقاهي بِتروشكا، حيث يستطيع أبناء بلدي أن يأكلوا طعاما صحيا بسعر رخيص. هذا الكتاب يهدف إلى شرح بعض من أوجه دوافعي. فهل لدي حلفاء؟ سأعرف مع الوقت.

بياني

الأوليغاركيون وأشباه الأوليغاركيين ومن سيكونون أولغياركيين والمسؤولون الفاسدون وحاشياتهم من الموظفين يأتون ليرعوا في جنوب فرنسا خلال الصيف ويسلون أنفسهم خلال الشتاء في التزحلق على الجليد في كورشيفل.  هل من الممكن أن تكون السلطات الفرنسية المراوغة رتبت هذا الوضع عن عمد- هذا الاحتفال المتبطر الذي يديره لكم اتباعكم؟ تحت النخيل والشمس الناعمة، هذا الحشد الهائل من البشر يشبه كثيرا ما رأيته في غينيا الجديدة ، حيث  تتميز قبيلة وامينا التي سكنتُ معهم خلال رحلتي للجزيرة عن بقية المجتمع البابواني. فالرجال في هذه القبيلة يضعون غطاء صلبا من قشرة فاكهة استوائية فوق أعضائهم الجنسية. وعادة يحدق السياح الأوروبيون مندهشين على التنوع الكبير والأشكال المتعددة لهذه الأغطية التي تسمى بـ "الهولِم"، والأكثر أهمية هو حجم كل منها الذي يعكس محاكاة مضحكة لما تحتها، من حيث الحجم، وبذلك، يتحدد الموقع الاجتماعي للذكر. وفي الحقيقة، فإن نساء تلك القبيلة يقلن إن كل ذلك ليس إلا من أجل الاستعراض، مثل استعراضات اليخوت في مرسى موناكو.  

ينظر الفرنسيون إلى بعض حديثي النعمة الروس بقدر من الاستغراب والاحتقار المكشوف. وليس غريبا أن بعضا من هؤلاء النصابين الروس تعرضوا للسرقة في فيلاتهم، لأكثر من مرة، وفي الغالب يكون هدف السرقة من باب الاستعراض المتباهي، فوراءها يكمن تخابث وغيرة، وكره وخنوع، ودائما خوف بشري مباشر.

تحت قشرة كل وحش متفوق يقوم بإهدار الملايين، هناك وعي داخلي بأن رموز مكانته اشتراها  بأموال الآخرين، بأموال مختلسة من الدولة، أو من زبائن بنك، أو بسرقة قرض ما. وبعض من هؤلاء في بلدانهم يصابون بهوس "الهولم"، الغطاء الذي يستعمله رجال قبيلة، ويُساقون إلى فراش  بشع من المسامير. وكخيار آخر، قد يمل بعض الفرنسيين المحليين من رؤية بعض الروس فيلحقون بهذه الكائنات الأرضية المجنونة بالكازينوهات الأذى.

خلال زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لفرنسا عام 2003، جرى الحفل الأساسي في مركزنا الثقافي القريب من باريس. قدمت شركة بيوتر فومنكو منظوره عن رواية الحرب والسلام للزوار. كنت متحمسا أن يكون المركز الثقافي موضع حديث على قنوات  التلفزيون الروسية، لكني وللأسف لم تتح لي فرصة الحديث مع السفير أفيديف، والأمور أخذت مسارا سيئا. فبدلا من عرض ما كان يجري في المركز الثقافي الروسي، ظهرت على التلفزيون الروسي نسخة أخرى من مبنى البيت الأبيض، اشتراه أحد الاوليغاركيين الروس في جنوب فرنسا. سألتُ رجل الأعمال ذاك لاحقا، "هل ترى أن هذا لن يؤثر على سمعة طبقتنا من رجال الأعمال؟ اليخت والفيلا الجديدة... هل حقا أنه لم يكن ممكنا أن تقوم بشيء آخر مختلف: ترميم تمثال تاريخي، تأسيس مركز للفنون والثقافة، بدلا من شراء خمسة وعشرين عقارا مقابل 100 مليون دولار؟ هذا أمر محزن تماما! فهذه هي السمعة التي ستكسبها". أجابني قائلا: "أنت تعرف، أنا لا أنام جيدا في أي مكان. ومع كل شراء جديد، آمل أن يتحسن نومي". وبالطبع راح يضحك، لكن التبذير عديم الجدوى ظل مستمرا.

كيف كانت الحالة الزائفة لموناكو على خريطة أوروبا؟ في 8 يناير (كانون الثاني) 1297، استولى فرانسيسكو غريمالدي، سليل إحدى العائلات الحاكمة في جينوا، على قصر يقع على منحدر فوق ريفيرا الليغوري. وجرى الاستيلاء على القصر بطريقة خسيسة، إذ قام فرانسيسكو ورفاقه بالتمويه متظاهرين أنهم قسيسون فرانسيكان، وحين طرقوا البوابة في طقس سيئ شعر الحراس بالشفقة عليهم فسمحوا للمسافرين البؤساء بالدخول، حينذاك سحبوا سيوفهم من تحت ثيابهم وقتلوا السذج الذين أحسنوا إليهم. هذه الحادثة خُطّت وبشكل متخابث على شعار النبالة الخاص بالسلالة الحاكمة، ومنذ ذلك الوقت وموناكو تعتبر ملاذا آمنا للتهرب من الضرائب، فهي تدين بوجودها إلى الامتيازات التجارية والمالية التي توفرها "للساكنين غير المقيمين".  وظل حكامها يناورون بين القوى الكبرى لاوروبا، حيث أصبحت في وقت ما محمية فرنسية، ثم إسبانية وبعد ذلك ساردينية. وفي يوم 15 فبراير(شباط) 1793، قررت الجمعية الفرنسية (للثورة الفرنسية) ضم موناكو، وأطِلق عليها اسم آخر هو "هرقل القوي" (فور هركول)، حيث أصبحت كانتون ضمن الجمهورية الفرنسية. وتمت مصادرة كل الأشياء الثمينة لسلالة الغريمالديين، وبيعت لوحاتهم وقطعهم الفنية، وأصبح القصر ثكنة، ثم مستشفى وملجأ للمتسولين. وبعد انهيار امبراطورية نابليون، استردت موناكو سيادتها. 

وفق حساباتي، خلال العشر سنوات الأخيرة سُرق أكثر من 100 مليار دولار من البنوك الروسية. وإذا كان الحال هكذا، فإن النظام المصرفي الذي وصفه آدم سميث وديفيد ريكاردو قد توقف عن أداء وظائفه. فكل هذه المئات من البنوك الأهلية التي ابتلعتها مياه النسيان لم تساهم في أي شيء لصالح قطاع الاقتصاد الحقيقي الذي يفوق الضرر الذي لحق على يد المحتالين. فروسيا لا تحتاج الكثير من البنوك الصغيرة، وليس هناك من شك بأن علينا أن نقاتل من أجل إعادة هذه المائة مليار دولار المسروقة، فهي تزيد عن "صندوق الثروة الوطني" لروسيا!

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حتى لو ثبت أن من الممكن تجميد الأصول، التي هي غالية أيضا، فإنها ليست مسألة سهلة، إذ أنه ليس مرجحا أن يكون ممكنا استرجاعها بنفس قيمتها الحقيقية. والمهمة لا تستحق بذلك أي جهد لتحقيقها، فالمال سيبقى في البنوك الغربية وصناديق الاستثمار التي هي في الحقيقة خلقت هذا المستودع من الأموال الملوثة بالمقام الأول، مرحبة بقدوم تريليون جديد من الدولارات كل سنة. وستستمر في استغلال هذا الرأسمال وتوليد أموال جديدة منه. نحن بحاجة إلى مقاربة جديدة. فالسؤال الأساسي هو كيف؟ بتكليف محامين أجانب والذهاب إلى محاكم أجنبية؟ نعم بالتأكيد. نحن نستطيع أن نتبع خطوات السلطات الكازاخية في قضية أبليازوف، أو في قضايانا التي نقضي عليها سنوات وندفع مبالغ خيالية للمحامين. حسبتُ ذلك فاتضح أن مقابل كل مليار دولار مسروق على روسيا أن تنفق ما بين 100 مليون دولار إلى 150 مليون دولار من الخزانة الروسية، وبعد عشر سنوات من المرافعات سنخسر الجزء الأكبر مما سرق ولن نسترد سوى 200 مليون دولار – 300 مليون دولار وتتطلب الحصول على محامين أفضل للعمل على هذه القضايا.

أنا أقترح أن تكون إعادة المال المسروق أولوية سياسة وطنية هادفة، وكل المصادر التي في يد الدولة يجب أن تعبأ لهذا الهدف. فكل صادرات الأسلحة والمنتجات الزراعية من روسيا في عام 2015 بلغت 3 مليار دولار والربح ليس أكثر من عدة مليارات.  ولاسترجاع هذه الرأسمال المسروق سيكون دخلا صافيا للخزانة. نحن نتكلم هنا عن إنشاء قطاع، نشاطاته ستنصب في جلب ملبغ لخزانة الدولة، يقارن بما يتأتّى من دخل من تصدير المصادر الطبيعية الهيدروكربونية. فأمام العقوبات الاقتصادية الغربية التي تحد من الوصول إلى أسواق رؤوس الأموال، فإن هذه الصناديق ستكون عاملا أساسيا لضمان الاستقرار المالي والاستثمار ونمو الاقتصاد الروسي. لذلك يجب أن يكون استرجاع رأس المال المصدَّر بطريقة غير شرعية أحد أولويات الدولة.

الإجراءات التي يتخذها مكتب الادعاء العام حاليا غير كافية. لذلك، فإنه في عام 2015 وحده تمت إعادة 6 مليارات روبل (اقل من 100 مليون دولار) من 28 مليار دولار هُرِّبت في تلك السنة حسب الأرقام الرسمية. وهذا يتعلق فقط باسترجاع الصناديق المسروقة نتيجة للجرائم ذات العلاقة بالفساد. فالمبالغ الهائلة التي أخِذت من النظام المصرفي والمالي تحت خطط احتيالية، والتي كانت ضحاياها كيانات من قطاع الأعمال ومواطنين روس، لا تدخل بشكل عام حتى ضمن نطاق اختصاص أجهزة تطبيق القانون.

فقصة عقيد الشرطة دميتري زاخارتشِنكو تلقي الضوء على هذا النقص، لكن هناك جنرالات آخرين مثل زاخارتشِنكو ما زالوا موجودين، والمشكلة الأساسية هي أن المدعين العامين يتصرفون رسميا ضمن إطار الاتفاقيات الشرعية الدولية القائمة.  وتُظهر التجربة الدولية أن نتائج أفضل يمكن تحقيقها في هذا المجال. فإذا أخذنا الولايات المتحدة كمثال، نجد أنه خلال عشر سنوات استخدم مكتب الادعاء العام معلومات من وكالاته الاستخباراتية وأسلوب التهديد بالمقاضاة الجنائية، فحقق نجاحا في إقناع بعض أبرز البنوك في تحويل أكثر من 350 مليار دولار إلى خزانة الدولة في اتفاقات من دون محاكمات. إذن لماذا لا يمكننا أن نفعل نفس الشيء؟ لماذا لا يعطي تقديم أدلة جنائية مماثلة نفس النتائج؟ هناك أسئلة يمكن طرحها، بشكل منفصل، عن الشركات العالمية التي سهّلت الاختلاس، فهي إما أن تعيد المال، أو أن تُعلَن بأنها أطراف غير مرغوب بها. وجميع هذه الشركات لها مصالح تجارية في روسيا، لذلك فأنا واثق من أنها ستجد مخرجا لإعادة المال المختلس، هذا إذا لم يكن كله، فعلى الأقل جزء منه.

ماذا يمكن أن يعني هذا في حالات محددة، على سبيل المثال، مثل قضية بيدجاموف؟ كانت المحكمة العليا في لندن أصدرت قرارا بتجميد مبلغ 1.34 مليار جنيه إسترليني من أصول بيدجاموف الذي تبحث السلطات الروسية عنه بما يتعلق انهيارات أكبر بنوك روسيا. وكان بيدجاموف قد انكر سابقا كل التهم الجنائية ضده في روسيا.

في المقام الأول، حان الوقت لتوجيه الاتهامات ضد هذه "الإمارة" التي تنتمي إلى تمثيلية غنائية فترحب بأصحاب اليخوت الرائعة. فحديثو النعمة ينظمون عروضا تافهة كل سنة على البحر.  

وكنقطة انطلاق، نحن بحاجة إلى استدعاء وزارة الشؤون الخارجية الروسية للسفير الفرنسي، الذي يمثل مصالح موناكو الدبلوماسية في روسيا، وتسليمه مذكرة احتجاج، ثانيا، قطع العلاقات مع موناكو ومنع الأشخاص الروس والكيانات الشرعية القيام بتحويلات نقدية إلى مؤسسات الإمارة المالية، أو الاستثمار في قطاع العقارات الخاص بالإمارة.

يمكن استخدام هذه الأساليب مع كل الحالات المشابهة. نحن بحاجة إلى منظومة تناضل ضد الاوليغاكية المالية الدولية خارج الحدود. فمستودع الأموال الملوثة بحاجة إلى التجفيف، والمال الذي يمكن استرجاعه يستلزم استخدامه في تطوير القدرات الانسان الكامنة، وهذا يجب أن يكون واحدا من أفكار السياسة الخارجية الروسية الأساسية، وجزءا من عمل الوزارات والأقسام المختصة والإعلام. لدى روسيا فرصة فريدة في تغيير مسار الأمور، وصياغة أجندة عالمية جديدة من خلال إرساء حملتها الهادفة إلى إجراء تحقيقات دولية وبذل جهود دبلوماسية في هذا الشأن. وإذا نحن أغلقنا ملاذات التهرب الضريبي في الخارج وجعلنا العالم المالي شفافا ونزيها فإن حياة أولئك الذين يعيشون في بوبوفكا لن تكون أسوأ مما هي في قرى منطقة البروفانس الفرنسية.

أنا أؤمن بأن شعبنا لا يستحق أقل من ذلك.

(الكسندر ليبيديف والد افجيني ليبيديف، صاحب أسهم في صحيفة الاندبندنت. وكتاب مذكراته الجديد، "ملاحقة المصرفي" صدر عن  دار كويلر يوم 12 سبتمبر، بسعر عشرين جنيها استرلينيا. يمكنكم طلب الكتاب من المكتبات أو من موقع الدار التالي: www.quillerpublishing.com)

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات