Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف جردت "أرامكو" إيران من سلاح "المنطقة الرمادية"... وقميص "المظلومية"؟

الهجمات على الشركة امتحنت صدقية "المهرول الأوروبي" وأحرجت أصدقاء طهران

يرى خبراء أن الضربة التي وجهتها إيران لمنشآت نفط سعودية باستخدامها درونز وصواريخ موجهة تُعدّ الأكثر جرأة (رويترز)

لا تزال الضغوط على النظام الإيراني في تزايد منذ الهجوم على شركة أرامكو شرق السعودية 14 سبتمبر (أيلول) الجاري، إذ قدحت إدارة الشركة وبلادها للأزمة في حجج النظام الإيراني ووكلائه العرب والأجانب، بعد أن هتكت الهجمات على منصتي بقيق وخريص ذرائع "المنطقة الرمادية" وسياسة الإنكار و"المظلومية" التي امتهن الإيرانيون الاحتماء بحجابها لوقت طويل.

وأدى نزيف معمل النفط الأكبر في العالم، إلى حشدٍ أوسع ضد النظام الإيراني على الرغم من جحود طهران الوقوف وراء العملية، التي أقنعت شرائح أكبر من أصدقاء إيران والمحايدين بتوجيه أصابع الاتهام إليها، بعد أن كانت دول مثل فرنسا وألمانيا تدافع عن طهران وتبحث لها عن طوق نجاة من العقوبات الأميركية.

ويرى مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن مايكل آيزنشتات، أن الضربة التي وجهتها إيران لمنشآت نفط سعودية رئيسية في 14 سبتمبر (أيلول) باستخدامها طائرات بدون طيار وصواريخ موجهة تُعدّ الأكثر جرأةً ضمن سلسلة من عمليات "المنطقة الرمادية"غير المتناسقة التي تنفذها إيران منذ مايو (أيار) من العام الحالي، والتي تهدف جميعها إلى مواجهة استراتيجية "الضغط الأقصى" التي تعتمدها واشنطن. مرجحاً أن حجم الضربة يهدد بتفاقم الأمور، ومن شأنه أن يجرد ليس الإيرانيين فقط من الركون إلى المنطقة الرمادية المريحة لهم نسبياً في المواجهة، ولكن أيضاً واشنطن التي ستعرض هيبة أميركا للضرر إن لم تجعل طهران "تدفع ثمناً عسكرياً"، للعدوان الذي بات حتى الأوروبيين على قناعة بأن الإيرانيين وراءه، وفق بيانهم المشترك الاثنين الماضي.

وقال آيزنشتات "إذا لم تفرض واشنطن ثمناً عسكرياً على طهران بسبب هذه الأفعال، فسيواصل النظام الإيراني تصعيد الأمور، مع تداعيات سلبية على الاقتصاد الأمريكي، والمصداقية الأمريكية، والاستقرار الإقليمي. لذلك فإن فهم إستراتيجية المنطقة الرمادية لطهران، وتعلُّم كيفية العمل في المنطقة الرمادية ضد إيران، أمران ضروريان إذا أريد تجنب المزيد من التصعيد".

درس الحرب العراقية الإيرانية

وأورد الباحث الأميركي تفسيراً لنهج المنطقة الرمادية، إذ "تعمل دول مثل إيران وروسيا والصين غالباً في هذه المنطقة التي تكمن ما بين الحرب والسلام من أجل تحدي الوضع الراهن وإدارة المخاطر في الوقت نفسه. فهذه الدول تحيط أهدافها بالضبابية (من خلال ممارسة أفعال تدريجية) والإسناد (من خلال استغلال أنشطة وكيلة أو سرية قابلة للإنكار)، مما يخلق حالة من عدم اليقين حول كيفية الرد". ويُعزى جزئياً سبب انتشار صراعات المنطقة الرمادية في جميع أنحاء العالم، في تقدير الكاتب عبر مقالته التي نشرها المعهد تعليقاً على حادثة بقيق شرق السعودية إلى التزام الولايات المتحدة بمفهومٍ ثنائي للحرب والسلام. "فهي تتيح لجهات فاعلة مثل إيران العمل بينما تكون محصّنةً نسبياً من العقاب "ما بين حالتي الحرب والسلام".

وتجد استراتيجية المنطقة الرمادية التي تعتمدها طهران بعض جذورها في الصدمة التي خلفتها الحرب بين العراق وإيران، فمنذ ذلك الحين، بذل النظام الإيراني جهوداً كبيرة لتفادي الحروب التقليدية "لأنه يدرك مدى الخسائر البشرية والتكاليف الباهظة التي يمكن أن تنتج عنها. على سبيل المثال، حتى في أوج الحرب السورية، قامت إيران بنشر أقل من 1 في المائة من قواتها البرية في ساحة المعركة وحوّلت الكثير من المخاطر والأعباء على "الفيلق الأجنبي" الشيعي التابع لها من أجل تقليل خسائرها".

هكذا يكون نمط الرد

ولهذا السبب تجس إيران النبض وتختبر الحدود، ثم تتراجع إذا ما واجهت رداً حازماً - وإن كان تراجعها مؤقتاً فقط. وتستخدم وسائل غير مباشرة (على سبيل المثال، إلحاق الضرر بالسفن بواسطة الألغام) والوكلاء الأجانب (مثل «حزب الله») لإحداث مواجهة وإمكانية النكران مع تجنّب المشاركة الحاسمة. يقول الكاتب.

ومع أن الباحث لفت إلى قدرة طهران الفائقة في تقليل تكاليف الحرب بالنسبة إليها عبر انتهاج هذا المسار بدلاً من الحرب الشاملة التي تكلفها كثيراً، إلا أنه رأى في غياب استراتيجية أميركية في هذا النطاق مشكلة في إدارة المعركة يجب استدراكها.

ويعتقد أن "اعتماد واشنطن استراتيجية منطقة رمادية خاصة بها أفضل فرصة لها لتجنب أي تصعيد ملحوظ بينما تكسب الوقت لإنجاح حملة الضغط التي تمارسها". مؤكداً أن  على صناع السياسة الأمريكيين "التخلي عن الفكرة بأن لدى طهران درجة تحمّل عالية المخاطر والتكاليف، وأنّ مسار الانتقال من اشتباك محلي إلى حرب إقليمية هو مسار قصير. (على الرغم من أن ذلك قد يتغيّر إذا دفعت واشنطن إيران أكثر إلى الزاوية مع فرضها عقوبات نفطية مكثفة، والتي يَنظر إليها النظام على أنها تهديد محتمل لقبضته على السلطة). كما يتعين على واشنطن التخلي عن بعض عادات التفكير والعمل المتأصلة، التي هي محور الطريقة الأمريكية للحرب ولكنها غير ملائمة للنجاح في المنطقة الرمادية، مثل تفضيل القوة الساحقة والعمل السريع والحاسم".

خطوات رمادية عملية ضد ايران

ويطرح الباحث الاستراتيجي عناصر يراها مناسبة للتعاطي مع النهج الايراني الرمادي، حتى لا تفلت إيران من العقاب عبر التدثر بغطاء الوكلاء، وسط اليقين بأنهم ليسوا سوى جزءاً من المنطقة الرمادية التي ذكر أسباب اتخاذ الإيرانيين إياها خياراً لدى خوض الصراعات الإقليمية والدولية.

وكان البند الأول هو "تعزيز المصداقية وقوة الردع". فخلال أربعين عاماً من تأريخ الجمهورية الإسلامية، تعلّمت طهران من تجربتها بأنه بإمكانها تنفيذ أنشطة منطقة رمادية (والتي تشمل القيام بعمليات فتاكة) ضد مصالح أمريكية دون المجازفة بالتعرض لرد عسكري أمريكي. وإذ تفتقر واشنطن إلى المصداقية، فقد عجزت مراراً عن ردع النظام الإيراني. لذلك فإن تعزيز قوة الردع الأمريكية أمر أساسي من أجل تعطيل حملة الضغوط المضادة التي تنتهجها طهران. ويعني ذلك الردّ على مجسات إيران واستفزازاتها في المنطقة من أجل إظهار أن واشنطن أصبحت الآن أكثر تقبلاً للمخاطر مما كانت عليه في الماضي. وهذا يعني أيضاً عدم عبور الخطوط الحمراء لطهران، لأن الجهود المكثفة لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر ستحفز على الأرجح ردود فعل أكثر قوة.

انتقام في جزيرة "خرج"

أما الشق الثاني من الاستراتيجية الرمادية في مواجهة طهران في رؤية الباحث الأميركي فهي "اللجوء إلى الأعمال السرية التي يمكن إنكارها".

وأعاد جدوى ذلك إلى أن "سياسة الإنكار تعمل في كلا الاتجاهين. على الولايات المتحدة الردّ بشكل عيني على الأفعال الإيرانية، باستخدامها ردود انتقامية غير قاتلة من أجل تكبيد طهران تكاليف مادية. ولا ينبغي أن تنفذ أي عمليات فتاكة ما لم تُسفَك دماء أمريكية. وبالإضافة إلى الفوائد الجوهرية للإجراءات السرية، من غير المرجح أن تؤديَ هذه الإجراءات إلى إزعاج الأمريكيين وحلفائهم الذين يخشون أن تسعى الإدارة الأمريكية إلى الدخول في حرب مع إيران. وكما أوضحت الضربة على بقيق بأن منشآت النفط السعودية ضعيفة، فإن صناعة النفط الخاصة بإيران معرضة للتخريب والهجمات الإلكترونية والضربات الدقيقة التي قد تهدد تدفق صادراتها الحالية التي تبلغ عدة مئات الآلاف من البراميل يومياً. وتمر حوالي 90 في المائة من هذه الصادرات عبر محطة نفط واحدة هي جزيرة خرج. أما الحرائق والحوادث فليست غير شائعة في المنشآت البتروكيماوية حتى في ظل الظروف العادية، وبالتالي فإن عملية سرية جيدة التنفيذ في جزيرة خرج قد يتم إنكارها بشكل معقول وتكون مكلفة للغاية لإيران على حد سواء. وهذا الاحتمال يجب أن يمنح النظام الإيراني وقفة تفكير".

ويرى كذلك في "زيادة عدم اليقين، وفرض التكاليف"، رداً يناسب النهج الإيراني، فدعا بلاده إلى الرد "بشكل غير متوقّع من خلال عدم الاكتفاء باستهداف الأصول المتورّطة في استفزاز معيّن. وعليها أن تضمن أن تكون التداعيات على طهران أسوأ مما تكون قد تسببت به هذه الأخيرة، فالقيام بذلك قد يحث النظام الإيراني على التصرف بحذر أكبر". وذلك خلافاً لنهج واشنطن الذي قال الكاتب إنه "غالباً ما يكون بشكل متوقع، مما يسهّل على المعارضين تقييم المخاطر والحدّ من تكاليف اختبار العزم الأمريكي".

عند الفشل أمام إيران فكيف الحال مع الصين؟

"العمل على جبهات متعددة"، يؤكد آيزنشتات، أنه مفيد في مواجهة الإيرانيين، فهو مكلف لطهران التي لاحظ الكاتب أنها تتجنب  التصعيد على جبهتين أو أكثر في آن واحد؛ "فعندما تتعرض لضغوط على جبهة واحدة، تميل إلى التراجع على جبهة أخرى. وتبعاً لذلك، يجب على الولايات المتحدة العمل مع شركاء إقليميين مثل إسرائيل - التي تضرب بالفعل أهدافاً إيرانية في الخارج - والسعودية للضغط على طهران من اتجاهات متعددة".

ومع أن الباحث في معهد واشنطن طرح أفكاراً رمادية أخرى، رجح أنها تجعل الإيرانيين يشربون من كأسهم نفسها، فإنه يخلص إلى المغزى بأن انتهاج بلاده استراتيجية المنطقة الرمادية، "يمكن أن تساعد بفاعلية في تقييد حملة الضغوط المضادة التي تنتهجها إيران، وتقييد قدرتها على الانخراط في الأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار، وإثنائها عن محاولة الاختراق النووي البطيء في نهاية المطاف".

وفي المقابل يرى أن العجز عن اعتماد مثل تلك الاستراتيجية "سيؤدي إلى زيادة جرأة طهران على جميع هذه الجبهات. والأهم من ذلك، إذا لم تعمل الولايات المتحدة بنجاح في المنطقة الرمادية ضد قوة من الدرجة الثالثة مثل إيران، فإن ذلك سيثير تساؤلات حول قدرتها على مواجهة الجهات الفاعلة الأكثر قدرة مثل روسيا والصين في السنوات القادمة".

مصالح أكبر مع العرب فلم الانحياز لإيران؟

بوصف أميركا ليست القوة العالمية الوحيدة المعنية بالحد من طموحات طهران النووية وكذلك الرامية إلى زعزعة أمن واستقرار الطاقة العالمية عبر استهداف ناقلات النفط وأرامكو أخيراً، فإن دول الاتحاد الأوروبي الكبار أمثال فرنسا وبريطانيا وألمانيا، هي الأخرى وضعتها الهجمات على معملي بقيق وخريص في موقف محرج، خصوصاً فرنسا التي تقود أوروبا نحو إيجاد مخرج لإيران من عزلتها. فهل بيانها الموحد بتحميل إيران مسؤولية هجوم أرامكو، يعني أنها ستتخلى عن طهران أم أنها محاولة ضغط عليها لتبدو أكثر مرونة في المفاوضات النووية؟

في هذا السياق، يشير باحثون سياسيون سعوديون إلى أن القوى العالمية بما فيها الصين وروسيا، أصبحت في امتحان جدي بعد الهجوم، أمام العالم الذي هدد الهجوم مصالحه في امدادات الطاقة وليس السعودية وحدها.

ولذلك يرى السفير السعودي السابق، عبدالرحمن الجديع أن العلاقات الخليجية الأوروبية والمصالح، أكبر بمراحل من نظيرتها الإيرانية الأوروبية، وبالتالي فإن الهرولة الأوروبية نحو طهران ينبغي أن تنتهي وأن لا تكون على حساب المصالح السعودية، وما استقر في الأعراف والعلاقات الدولية.

وقال "الهرولة لكسب ود إيران تبدو غريبة وغير مستساغة في ضوء الفقه السياسي، خصوصاً أنّ ثمة دعوات تروِّج للقاء محتمل بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك التي تعد مناسبة سنوية لتواجد مختلف قادة العالم. وبلا ريب أنّ واشنطن ربما لا تمانع اللقاء الموعود من أجل مقاربة أمريكية إيرانية ما، رغم اشتراطات ترامب بأنّ على الإيرانيين أن يكونوا «لاعبين جيدين» قبل أن يوافق على عقد اجتماع معهم"!

وبرر ذلك بأن " مصالح الدول الأوروبية المتعددة أعمق وأوسع مع الدول العربية عامة ودول مجلس التعاون خاصة من تلك التي ترتبط بها مع إيران على الصعد كافة وفي مختلف الميادين. فعلى سبيل المثال يمثل الاتحاد الأوروبي شريكاً تجارياً مهماً مع دول المجلس، ويرتبط بعلاقات تجارية وثقافية واقتصادية متينة، وعلاقات شراكة إستراتيجية بالغة الأهمية. وبلغ حجم التبادل التجاري عام 2017 على سبيل المثال 143 مليار دولار، وتزيد الاستثمارات على نسبة 25% من الاستثمارات الأجنبية".

واعتبر الجديع أنه بإزاء هذه العلاقات المتميزة بين دول مجلس التعاون ودول الاتحاد الأوروبي، يلاحظ المراقب للتطورات السياسية والتفاعلات الدولية أنّ دول الاتحاد انبرت للعمل بكل السبل والوسائل للحفاظ على الاتفاق النووي (JCPOA) الذي وقع في فيينا في 14 تموز 2015 بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن (P5+1). وبقي سعي دول الاتحاد الأوروبي متواصلاً لإنقاذ الاتفاق، رغم انسحاب الإدارة الأمريكية منه، ثم فرض واشنطن عقوبات ضيّقت الخناق الاقتصادي على طهران، بما في ذلك تصفير تصدير نفطها، للضغط على النظام الإيراني، والحدّ من تطوير قدراته النووية، وتغيير سياساته الخارجية، ولجم برنامجه للصواريخ الباليستية ودعمه للإرهاب.

السفير الجديع لاحظ أن دول الاتحاد الأوروبي "تارة تعمل على إيجاد أنماط وآليات لتقويض فعالية العقوبات الأمريكية عبر الالتفاف عليها بخلق آلية للتبادل المالي والتجاري مع إيران عبر ما عرف بـ (Instex) إنستكس، التي ضمت في عضويتها كبريات الدول الأوروبية: ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وتارة أخرى تسعى فرنسا لإطلاق مبادرة تتمثل بمنح إيران خمسة عشر مليار دولار للحد من دورها الإقليمي المزعزِعِ للاستقرار وبرنامجها الصاروخي الباليستي". مؤكداً أن المساعي تمثل البحث عن "صيغ ومخارج لفك العزلة الدولية والتسويق للنظام الإيراني. ولعل دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المفاجئة لوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى مدينة بياتريس؛ حيث عقدت قمة مجموعة السبع اجتماعاتها يوم السبت 24 أغسطس الماضي، تعد تطوراً خطيراً في التحركات الأوروبية لدعم إيران".

هل هناك أسباب خفية؟

لكن التطورات الجديدة بعد الهجوم على أرامكو جردت إيران على الأقل حتى الآن من الدعم الأوروبي العلني، الذي يرفض الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية بالرياض محمد الرميزان، اعتباره دعماً، له أسباب خفية غير منظورة، خصوصاً عند الجانب الفرنسي الذي يفاخر بأنه مهد العلمانية الأوروبية، بينما بدا أكثر استماتة في الدفاع عن نهج دولة ثيوقراطية مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تمضي في سياساتها المصادمة لقيم الجمهورية الفرنسية.

فيرى الرميزان أنه عند النظر بشكل مجمل للعلاقات الفرنسية-الإيرانية ليس منذ الثورة الخمينية فقط، فإن "النقطة الأهم هي مصلحة فرنسا قبيل الثورة الخمينية وما بعدها. رغم عدم وجود رابط بين علمانية فرنسا الحادة والحكم الديني الاوتوقراطي في إيران والمتمثل في ولاية الفقيه، إلاّ أن "لغة المصالح" كانت منذ أواخر سبعينات القرن الماضي هي المساحة المشتركة بين فرنسا وإيران، رغم عدم استقرار هذه "اللغة" و"المساحة" بين الطرفين.

وذكر انه يمكن إيجاز ما يمكن وصفه "التمسك الفرنسي بالمصالح الفرنسية في إيران" وليس بإنقاذ الملالي من عزلته الدولية، في عدة نقاط:

-       إيجاد وتقوية النفوذ الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط ومشاركة القوى الإقليمية كالولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وروسيا والصين وألمانيا، حيث اقتصر دور فرنسا في القرن الماضي على شمال افريقيا، ولذلك يمكن فهم الرغبة الفرنسية في إيجاد نفوذ في منطقة الخليج العربي، وتحديداً في ايران عبر إقامة علاقة "براغماتية" (منفعية) بحتة على مدار السنوات.

-       كانت هناك مصالح مشتركة رغم التناقضات القائمة بين الفرنسيين والإيرانيين، والتي حدثت في تسعينات الفرن الماضي، ويمكن ذكر بعض الأمثلة: - تحرير بعض الرهائن الفرنسية في لبنان بوساطة إيرانية. -توقيع صفقة بين شركة النفط توتال الفرنسية مع الحكومة الإيرانية رغم بعض العقوبات الإيرانية.

-       رغبة فرنسا في الاستثمار في الاقتصاد الإيراني المنهار في اوخر التسعينات وخصوصاً بعد وصول الرئيس الإيراني خاتمي للسلطة وزيارته إلى باريس، حيث تم التوقيع على عشرات العقود التجارية.

15 مليار دولار ثمن الهرولة الفرنسية؟

الرميزان لفت إلى نظرة أوروبية أبعد لمستقبل مصالحه مع الإيرانيين، ذلك أن "إيران تعاني من نقص حاد في البنية التحتية والنظام الاقتصادي وكذلك علاقاتها الخارجية ومع جيرانها كالسعودية وباقي دول الخليج ما عدا قطر وعمان نسبياً. لذلك قام الرئيس روحاني بعد توقيع الاتفاق النووي بزيارة باريس بشهر واحد وتوقيع اتفاقيات تجاوز 15 مليار دولار مع شركات فرنسية عديدة كشراء ما يفوق مئة طائرة من نوع ايرباص الأوربية، وشركات السيارات "رينو" و"بيجو"، وشركة "فانسي" لتطوير المطارات، وكذلك شركة توتال البترولية وغيرها".  لذلك يقول الرميزان "وجدت إيران فرنسا مصدر لسد اقتصادها المتهالك، وفي المقابل، وجدت فرنسا فرصة لتحريك اقتصادها بسبب الركود الاقتصادي في العشر السنوات الأخيرة".

وبالنظر إلى ما يصفه بالتاريخ السياسي لعلاقات البلدين فإن الباحث لا يجد تفسيراً إضافياً للحرص الفرنسي ومن ورائه أوروبا على حماية الإيرانيين، غير ما يسميه "تلاقي مصالح مؤقتة" والتي لن تستمر طويلاً نظراً لخلافات سياسية كثيرة بين إيران فرنسا وبقية دول العالم.

وأضاف "ينبغي أن نتذكر أن فرنسا تحتض حركة مجاهدي المعارضة للنظام الإيراني. وكذلك، قيام جهات إيرانية استخبارية بتخطيط وعمل هجمات داخل الأراضي الفرنسية والذي تسبب بفجوة هائلة بين فرنسا وإيران، وبقاء كلا منها بدون سفير لمدة ستة أشهر في صيف عام 2018م. وحتى الآن لا يمكن التنبؤ بمصير الاتفاقيات الاقتصادي الموقعة بين الفرنسيين والإيرانيين، ولكن الذي يتضح هو أنها علاقات مصالح اقتصادية مؤقتة وليس قواسم مشتركة بين علمانية فرنسا وولاية الفقيه الإيرانية في الخفاء".

المزيد من تحقيقات ومطولات