Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حملة مليونية" موسمية لمعلمي مصر... طلب العلم والمال يبدأ بحذاء رياضي

عام دراسي جديد يعني نظاماً تعليمياً موازياً وزيارات منزلية مكوكية وأخرى للمراكز... واستعدادات من نوع خاص لا يعلمها سوى المعلمين والمعلمات الرسميين والموازين

مليون ومئة ألف معلم ومعلمة يبدأون العام الدراسي الجديد في مصر بالإضافة إلى عدد غير معلوم من المعلمين غير الرسميين (إندبندنت عربية)

مَنْ قال إن الاستعدادات المدرسية لعام جديد حكرٌ على الطلاب والطالبات؟ ومنْ أفتى بأنهم وحدهم المصطفون والمصطفوات على أبواب المكتبات لتلبية شروط "عجائب السابلايز" (قوائم الأدوات المدرسية التي تسنّها إدارات المدارس من أقلام وكراسات ولوحات رسم وغيرها)؟ ومنْ يظن أن الاستعدادات الإجرائية لاستعادة الساعة البيولوجية مما أصابها من خراب الاستيقاظ ظهراً والخلود إلى النوم فجراً قاصرة على طلاب العلم، وليس مزوديه ومقدمي خدماته بأنواعها؟

أنواع المعلمين

ونظراً لأن أنواع المعلمين والمعلمات في مصر صارت كثيرة، وأدوارهم في العملية التعليمية أصبحت متنوعة ومتغيرة ومتجددة، فإن استعدادات العام الدراسي الجديد باتت تتنوع بتنوع أطراف العملية التعليمية، وبحسب دور كل منهم. وإذا كانت البدايات تشكّل "كابوساً" للطلاب، حيث نهاية لثلاثة أشهر من "البلطجة" الحياتية والفوضى المعيشية والحرية "البوهيمية" في إدارة اليوم، وصداعاً في رؤوس الأهل و"أنيميا" حادة لجيوبهم، حيث سداد مصروفات المدارس والحافلات، وشراء الكتب والزيّ المطلوب، وجاهزيّة الميزانية الموازية لنظام التعليم الموازي، فإنها تشكل تنفس الصعداء لآلاف المعلمين والمعلمات ممن تنعكس أشهر العطلة الصيفية شحاً على جيوبهم وتقطيراً في مصروفاتهم وقدحاً لزناد فكرهم للخروج بشكل حديث ومحتوى جديد يجذب ما تبقى في جيوب الأهل مع بداية العام الدراسي الجديد.

عام دراسي جديد يعني نظاماً تعليمياً موازياً، وجدول حصص موازياً، وكتب دراسية موازية، وزيارات منزلية مكوكية وأخرى للمراكز (السناتر) متواترة واستعدادات من نوع خاص لا يعلمها سوى المعلمين والمعلمات، الرسميين والموازين.

نظام التعليم الموازي، حيث الدروس الخصوصية الفردية والجماعية التي نشأت وترعرت وتغلغلت على مدار ما يقرب من أربعة عقود، فصارت كياناً قائماً بذاته وميزانيات توازي موازنات دول وأنظمة صارمة يعرفها القاصي والداني، لكنها تبقى موازية تسير في خط موازٍ للعام الدراسي تسبقه حيناً وتواكبه حيناً، لكنها لا تلتقيه أبداً.

مستلزمات المعلم

لقاء "مستر محمود" في المكتبة الشهيرة مع جمهرة من طلابه الممسكين بقائمة الـ"سابلايز" العجيبة كان لقاءً حاراً. طلاب الصفّ الثالث الإعدادي يعرفون "مستر محمود" من العام الماضي. فهو معلم اللغة العربية الرئيسي للمرحلة الإعدادية. وعلى الرغم من أن "مستر محمود" يشرح شرحاً جيداً في الفصل في المدرسة، لكن غالبية الطلاب والطالبات تهرع لحجز مواعيد الدروس الخصوصية معه، لا سيما في الصف الثالث الإعدادي لأنها "شهادة"، أي نهاية مرحلة مهمة في العملية التعليمية.

العملية التعليمية التي تستحوذ على حياة "مستر محمود" منذ ما يقرب من ثلاثة عقود كمعلم لغة عربية وتربية دينية إسلامية تملي عليه استعدادات قصوى لبداية العام الدراسي. يقول ضاحكاً "يعتقد البعض أن الاستعدادات حكر على الطلاب، لكني أستعد منذ ما يقرب من أسبوعين". يضع سلة المشتريات المكتبية على طاولة ليستعرض محتوياتها: عشرات الأقلام الرصاص ومثلها جاف باللونين الأحمر لزوم التصحيح، والأزرق لزوم الكتابة، والأخضر لزوم التزيين، محّايات، برايات، كتب خارجية لجميع صفوف المرحلة الإعدادية، رزم أوراق بيضاء لزوم تصوير الملازم، وأشياء أخرى كثيرة.

يؤكد "مستر محمود" أن قيمة المشتريات لا تقلّ عن ثلاثة آلاف جنيه، وأن المشتريات تتكرر طيلة العام الدراسي. ويضيف أنه اشترى قبل أيام ماكينة تصوير أوراق بالتقسسيط قيمتها 30 ألف جنيه مصري! لماذا؟ لتصوير الأوراق التي يوزعها على طلابه وطالباته في الدروس.

الدروس الخصوصية

استعدادات الدروس الخصوصية، سواء الفردية أو الجماعية في المراكز المنتشرة في كل الجمهورية، تستنفد جانباً غير قليل من استعدادات المعلمين والمعلمات في بداية العام الدراسي. فبالإضافة إلى شراء الأدوات المكتبية، وتجهيز الكتب الخارجية جنباً إلى جنب مع الكتب المدرسية، فمنهم من يجتهد لتسويق نفسه في مجال الدروس الخصوصية والترويج لحصصه "المتميزة" وشروحه الضامنة للنجاح، سواء عبر منصّات تقليدية تعتمد على تناقل الحديث عن خبراته المتميزة من طلاب سابقين وذويهم إلى طلاب مقبلين وذويهم، أو بإعلانات جدارية على المنشآت والمباني، أو وسائل حديثة حيث ترويج لأنفسهم عبر مجموعات "واتسآب" مدرسية، أو صفحاتهم على "فيسبوك"، أو حتى بتصوير وتحميل مقاطع فيديو تقدم لمحات من شروحهم المميزة للمناهج الدراسية على "يوتيوب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مواكبة عصر تقنية المعلومات أصبح ضرورة للكثيرين من المعلمين والمعلمات. "ميس صفاء"، معلمة الدراسات الاجتماعية، تعرض بفخر شديد نماذج من شروحها لمادتي التاريخ والجغرافيا عبر فيديوهات على "يوتيوب". تقول إنها بدأت في تصوير الفيديوهات في العام الماضي كنوع من المساعدة للطلاب والطالبات في مصر كلها. تقول "في البداية كانت تجربة عبر درسين فقط. لكن بعد بضعة أيام فوجئت بمئات المشاهدات وتعليقات الاستحسان وطلب المزيد. هذا العام، قررت أن أحدّث طريقة الشرح مع إدخال بعض التغييرات المواكبة لتغييرات في المناهج". ورغم أنها تؤكد أن هذه الاستعدادات لا علاقة لها بالدروس الخصوصية، لكنها تقول إن كثيرين يطلبون أن تعطيهم دروس خصوصية في ضوء إعجابهم بمحتوى فيديوهاتها.

مليون معلم

نحو مليون ومئة ألف معلم ومعلمة (بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء) يبدأون العام الدراسي الجديد، جنبا إلى جنب مع نحو 23 مليون طالب وطالبة في مراحل التعليم المدرسي المختلفة، بالإضافة إلى عدد غير معلوم من المعلمين غير الرسميين، أي غير المقيدين، إذ تستعين بهم بعض المدارس الخاصة بنظام الحصة، أو يعملون بالتدريس في مراكز الدروس الخصوصية بعيداً عن الأوراق الرسمية. هذا الجيش الهادر من المعلمين والملعمات له استعدادات وإجراءات ومشتريات وعلاقات عامة وتسويق وترويج للعام الجديد ما يستوجب إعداداً وتجهيزاً.

وعلى الرغم من القوانين التي تمنع الكتابة على جدران المنشآت العامة أو الخاصة وتعاقب عليها، فإن جدران المباني لا سيما الموجودة في الأماكن التجارية والمزدحمة والمتاخمة لوسائل المواصلات العامة ظهرت فيها بشائر العام الدراسي الجديد. "سيبويه اللغة العربية للاتصال 010000000000" و"ابن خلدون لضمان النجاح في علوم الاجتماع والفلسفة والمنطق" و"أرشميدس الرياضيات لضمان النجاح"، وغيرها تلطخ الجدران المحيطة بمحطات مترو الأنفاق هنا وهناك.

وهنا وهناك مراكز الدروس الخصوصية التي تلعب لعبة "توم" و"جيري"، حيث الكرّ والفرّ مع الدولة على مدار عقود تستعد للعام الدراسي الجديد. بعضها فتح أبوابه في شهر أغسطس (آب) الماضي، والبعض الآخر انتهى من طلاء الواجهات، وتجهيز القاعات، وترتيب موظفي الاستقبال والإعداد، حيث يتم تحصيل المصروفات وترتيب جداول الدروس.

دكتور تامر، طبيب بشري شاب، يمارس الطب في مستوصف صغير، ويعمل في أحد مراكز الدروس الخصوصية طيلة أشهر العام الدراسي التسعة حيث يدرس الأحياء للمرحلة الثانوية. يقول إنه يحبّ التدريس كهواية، بالإضافة بالطبع لكونه يحقق دخلاً إضافياً يفوق دخله الأصلي من العمل بالطبّ بمراحل.

تعديل مواعيد العمل

وعن استعدادات العام الجديد، يقول إنه يعدّل مواعيد العمل في المستوصف حتى تكون فترة بعد الظهر مخصصة للمركز. كما أنه يبدأ في مذاكرة المناهج وتنشيط الذاكرة وتعديل الملازم وتحديثها حتى يضمن مواكبته للمحتوى وكذلك للتغييرات التي تطرأ على الطلاب الجدد من استخدامات لـ"التابلت" مثلاً في المرحلة الثانوية، واستعانة بأفلام فيديو تعليمية من مواقع علمية وغيرها مما يتطلب تجهزياً وتحضيراً.

لكن ليس كل التحضيرات تدور في أطر التعليم والتعليم الموازي. فهناك تحضيرات خاصة بالملابس والأحذية. يقول معلم اللغة الإنجليزية في إحدى المدارس الخاصة، "مستر حازم"، إن الطلاب والطالبات يركزون فيما يرتديه المعلم أو المعلمة، وكثيراً ما تتحول الملابس إلى مادة للسخرية، لذا يحرص البعض على تحديث ملابسهم بشكل يناسب أجواء المدرسة ويقطع الطريق أمام سخرية الصغار.

من جهة أخرى، فإن الوقوف لساعات طويلة في الفصل يتطلب ارتداء أحذية مناسبة. تضحك معلمة الرياضيات للمرحلة الابتدائية، "ميس نادية"، وتقول "في بداية كل عام دراسي أصطحب بناتي إلى محل بيع الأدوات الرياضية، فأشتري لنا جميعاً طقم أحذية رياضية. الوقوف لساعات طويلة لا يسمح بارتداء سوى حذاء رياضي مريح".

ويشار إلى أن آلاف المعلمين والمعلمات يخضعون لدورات تدريب مكثفة قبل بدء العام الدراسي الجديد، وهو ما يعدّ ضمن الاستعدادات المدرسية قبل بداية العام، وربما أثنائه في بعض الأحوال. ويشار إلى أن هذه الدورات تزداد أعدادها هذه الآونة في ضوء النوعيات الجديدة من المدارس التي انضمت لمنظومة التعليم المصرية، مثل المدارس المصرية اليابانية ومدارس النيل، بالإضافة إلى التجديد الشامل في محتوى التعليم وشكله وأسلوب إدارته في مراحل رياض الأطفال والصف الأول الابتدائي.

ويبدأ عام دراسي جديد، حلوه بمره، وعوائده التعليمية المأمولة في الأجيال المقبلة، بالإضافة لعوائده المادية التي تسير في خطوط متشابكة، حيث تخرج من جيب هذا لتصبّ في جيوب أولئك، ثم تعاود الخروج من جيوبهم لتتشتت في مواقع إنفاق بعضها رسمي موثق في الأروقة الحكومية، والبعض الآخر في سوق موازية وتجارة هامشية شأنها شأن تجارة الباعة الجوالين والأنشطة غير الرسمية.

لكن يظلّ جميعها يحتاج إلى استعدادات وإجراءات وتجهيزات في مناسبة العام الدراسي الجديد، وإن كانت تختلف عن تجهيزات الطلاب والطالبات.

اليوم العالمي للمعلمين

يوافق يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام اليوم العالمي لمعلمي العالم. وهو بمثابة إحياء لذكرى توقيع التوصية المشتركة الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في عام 1966 والمتعلقة بأوضاع المعلمين. وتنصّ على اتخاذ موقف لأجل مهنة التدريس، أي توفير التدريب الملائم، والتنمية المهنية المستمرة، وحماية حقوق المعلمين.

وفي هذا اليوم من كل عام، تحاول المؤسسات والمنظمات الأممية لفت الانتباه إلى أن التعليم الجيد هو الأمل والوعد بمستوى معيشة أفضل. مع ذلك، فليس من الممكن أن يكون هناك تعليم جيد من دون وجود معلمين مخلصين ومؤهلين.

ويحيي هذا اليوم قيمة منظومة المعلمين باعتبارهم أحد أهم العوامل التي تبقي الأطفال في مدارسهم وتؤثر في عملية التعلم. فهم يساعدون الطلاب على التفكير النقدي، واستقاء المعلومة من مصادر عدة، والعمل التعاوني، ومعالجة المشكلات واتخاذ قرارات مدروسة.

وتحذر المنظمات الأممية من أن مهنة التعليم ما فتئت تفقد مكانتها في أنحاء عدة من العالم. ويلفت اليوم العالمي للمعلمين الانتباه إلى الحاجة لرفع مكانة مهنة التعليم، ليس لأجل المعلمين والطلاب فحسب، ولكن لأجل المجتمع ككل، ما يمثل إقرارا بالدور الذي يضطلع به المعلمون في بناء المستقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات