لم تشعل بيانات الوظائف الأميركية الصادرة أول من أمس الجمعة الأجواء والأسواق الاقتصادية وحسب، بل ألهبت أيضاً الأجواء السياسية بعدما استخدمت المعلومات الواردة بالتقرير في التراشق والدعاية بين المتنافسين في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر إجراؤها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
البداية جاءت من وزارة العمل الأميركية، إذ أصدرت تقرير الوظائف الشهري عن شهر مايو (أيار) الماضي، الذي فاق التوقعات بعدما تسارع نمو الوظائف في الولايات المتحدة مما دعم موقف مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في إرجاء خفض سعر الفائدة حتى سبتمبر (أيلول) المقبل على أقرب تقدير.
إلى ذلك، أظهر التقرير الصادر عن وزارة العمل أول من أمس الجمعة أن معدل البطالة زاد إلى أربعة في المئة الشهر الماضي، في مقابل 3.9 في المئة في أبريل (نيسان) الماضي، متجاوزاً بذلك عتبة رمزية ظل معدل الوظائف دونها لمدة 27 شهراً متتالياً.
وتمثل المعلومات الواردة بالتقرير دعماً هائلاً لـ"الفيدرالي" بعدما أظهرت أن سوق العمل الأميركية لا تزال قوية بالدرجة التي تتيح أمام المركزي الأميركي وقتاً كافياً لاتخاذ قرار حول توقيت بدء السياسة النقدية التوسعية بخفض أسعار الفائدة.
وقال مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل إن "عدد الوظائف في القطاع غير الزراعي زادت 272 ألف وظيفة في مايو الماضي، وأظهرت التعديلات تراجع الوظائف بواقع 15 ألفاً في مارس (آذار) وأبريل الماضيين مجتمعين مقارنة بتقارير سابقة.
وكان محللو الاقتصاد توقعوا في حديثهم إلى "رويترز" زيادة عدد الوظائف 185 ألف وظيفة، وتراوحت التقديرات ما بين 120 و258 ألفاً وحسب.
التراشق الانتخابي
بيانات الوظائف أصبحت مادة غنية في السباق الانتخابي بين مرشح الحزب الديمقراطي الرئيس الحالي للولايات المتحدة جو بايدن، ومنافسه على حكم البيت الأبيض الرئيس السابق دونالد ترمب، إذ اعتبر الأول تلك المعلومات جيدة ووصفها بـ"العظيمة"، بينما استغلها ترمب في النيل من منافسه مسلطاً الضوء على معدل البطالة المرتفع.
فمن جانبه، رحب الرئيس الأميركي الحالي بمعلومات تقرير الوظائف معتبراً أن البيانات الإيجابية من وجهة نظره بمثابة عودة أميركا عظيمة مرة أخرى، إذ قال في بيان "في عهدي، يتمتع 15.6 مليون أميركي إضافي بالكرامة والاحترام اللذين يأتيان مع الوظيفة".
على الجانب الآخر، ركزت الحملة الانتخابية للرئيس السابق دونالد ترمب في بيان أرسلته إلى موقع "ماركت ووتش" على معدل البطالة الذي ارتفع في مايو الماضي للشهر الثالث على التوالي وبلغ أربعة في المئة للمرة الأولى منذ يناير (كانون الثاني) 2022.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال رئيس اللجنة الجمهورية الوطنية مايكل واتلي في البيان إن "رئاسة بايدن للبلاد كانت بمثابة فشل تام مثله مثل تقرير الوظائف في مايو الماضي الذي كشف عن أعلى نسبة بطالة في أكثر من عامين".
بعيداً من التناحر السياسي، تأثرت الأسواق بأنواعها كافة فعلى الفور تراجعت مؤشرات الأسهم الأميركية عند الفتح أول من أمس الجمعة، بعدما أظهرت بيانات تسارع نمو الوظائف بصورة أكبر بكثير من المتوقع في الشهر الماضي، مما يؤثر في توقعات المستثمرين في شأن بدء خفض أسعار الفائدة في سبتمبر المقبل.
وهبط مؤشر "داو جونز" الصناعي 24.93 نقطة بنحو 0.06 في المئة إلى 38861.24 نقطة، بينما فتح مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" منخفضاً 9.15 نقطة أو 0.17 في المئة إلى 5343.81 نقطة، في حين نزل مؤشر "ناسداك" المجمع 48.99 نقطة أو 0.29 في المئة إلى 17124.14 نقطة.
ارتفاع السندات
في غضون ذلك، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأميركية بصورة قوية إذ ارتفع العائد على سندات الخزانة لأجل عامين 13.5 نقطة أساس إلى 4.855 في المئة، بينما ارتفع العائد على السندات لأجل 10 أعوام بمقدار 13.5 نقطة أساس إلى 4.416 في المئة، في وقت صعد فيه العائد على السندات لأجل 30 عاماً بمقدار 11 نقطة أساس إلى 4.541 في المئة.
لم يتغير الأمر كثيراً في أسواق المعادن النفيسة، إذ هبطت أسعار الذهب بقوة في ختام تعاملات أول من أمس الجمعة، مع ارتفاع الدولار وعوائد السندات، عقب صدور بيانات التوظيف الأميركية، بعدما تراجعت أسعار العقود الآجلة للذهب تسليم شهر أغسطس (آب) المقبل 2.75 في المئة، بمقدار 65.9 دولار إلى 2325 دولاراً للأوقية الواحدة.
في الأثناء، صعد مؤشر الدولار في مقابل سلة مع العملات الرئيسة 0.5 في المئة قرب مستويات 105 نقاط مباشرة عقب تقرير وزارة العمل الأميركية.
السياسة التقشفية مستمرة
تعقيباً على تقرير الوظائف الذي فاق التوقعات، استبعد المحلل الاقتصادي ورئيس كلية "كوينز" في جامعة كامبريدغ محمد العريان، أن يبدأ الفيدرالي في انتهاج السياسة النقدية التوسعية بما يعني خفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه الشهر المقبل، بعد بيانات التوظيف الأخيرة.
وقال إنه "كلما طال أمد تمسك الفيدرالي بموقفه زاد الضرر الذي يلحق بالاقتصاد الذي يبدو قوياً على السطح وحسب"، مستدركاً "لكن الاقتصاد يظهر مزيداً من علامات الهشاشة في المستقبل".
ويعتقد العريان أن بيانات التوظيف تغلق الباب أمام خفض أسعار الفائدة في يوليو (تموز) المقبل، مؤكداً ذلك عبر صفحته بموقع التواصل "لينكد إن"، قائلاً إن قرار "الفيدرالي" لن يتأثر "بغض النظر عما ستكشف عنه بيانات مؤشر أسعار المستهلك الأسبوع المقبل".