ملخص
وضعت المكتبة الوطنية بروتوكولاً خاصاً بعملية التبرع بالمكتبات الخاصة يبدأ بقبول الهبة ثم جرد الكتب وفهرستها ووضع ختم باسم المتبرع على جميع كتبه تخليداً لاسمه
تعتبر المكتبات الخاصة والأرشيفات الشخصية مصادر مهمة لإثراء رصيد كل من المكتبة الوطنية والأرشيف الوطني المؤسستين العريقتين في حفظ الذاكرة الوطنية التونسية للأجيال المقبلة، ولفهم ماضي البلاد ولإتاحة الفرصة للباحثين لسبر أغوار تاريخ تونس.
والمكتبة الوطنية التونسية هي مؤسسة تابعة لوزارة الثقافة، وتتولى الحفاظ على الإنتاج الفكري الوطني التونسي تأسست سنة 1885 (في عهد الباي علي باشا)، وتكون رصيدها في البداية من مجموعات أهدتها لها إدارة التعليم، وأضيفت إليها مكتبة القنصل الفرنسي بتونس شارل تيسو. إلا أن انطلاقتها الفعلية كانت سنة 1910 وكانت تسمى في البداية المكتبة الفرنسية ثم أصبحت تسمى المكتبة الشعبية، وباتت بعد استقلال البلاد عام 1956 تحمل اسم المكتبة الوطنية ثم دار الكتب الوطنية.
شغلت المكتبة الوطنية منذ عام 1910 مقر ثكنة سوق العطارين قرب جامع الزيتونة وبقيت هناك إلى أن انتقلت إلى مقرها الحالي سنة 2005 في شارع "9 أبريل" بالعاصمة، قرب عدد من المؤسسات الجامعية والبحثية والثقافية، من أهمها مؤسسة الأرشيف الوطني التونسي الذي يعود تاريخ إنشائه لسنة 1874 على يد خير الدين باشا.
وتعمل مؤسسة الأرشيف بدورها على صيانة التراث الأرشيفي الوطني وحفظه وتنظيمه، وتمكين الجمهور من الاطلاع عليه علاوة على جمع أرصدة الأرشيف الخاص وإعدادها فنياً وإتاحتها للمستفيدين والباحثين.
مكتبات خاصة وآلاف العناوين
الباحثة والمديرة السابقة للمكتبة الوطنية رجاء بن سلامة تقول لـ"اندبندنت عربية" إن هناك أشخاصاً أهدوا المكتبة الوطنية مكتباتهم الخاصة التي تمثل إضافة مهمة لرصيد المكتبة الوطنية، وتذكر منهم المؤرخ والمحقق محمد الحبيب الهيلة الذي أهدى أكثر من 70 مخطوطاً إضافة إلى المطبوعات والمخطوطات التي قام بفهرستها بنفسه قبل وفاته.
تضيف، هبة مهمة أيضاً قدمها الناشر الحبيب اللمسي، وهو صاحب دار نشر، وتبرع للمكتبة الوطنية بمكتبته الخاصة التي تمثل رصيداً ثميناً بما تضمنته من الدوريات التي تعد نحو 100 ألف عنوان، وهي ثروة بكل ما في الكلمة من معنى، إضافة إلى 2000 دورية وأكثر من 400 مخطوط و500 عنوان من المطبوعات الأوروبية القديمة التي تعود إلى 500 سنة.
توضح بن سلامة أن "قيمة المكتبة التي تبرع بها الحبيب اللمسي تقدر بـ90 مليون دينار (أكثر من 30 مليون دولار)، وسيكون لهذه الكتب فضل على الأدباء والمؤرخين والباحثين.
كما تبرع ورثة أحمد الدرعي بمكتبتهم العائلية الخاصة، وأحمد الدرعي (1902- 1965) قاوم الاستعمار وطرح في كتاباته بعمق ووضوح قضايا الشأن العام وناقش في أعماله الفكرية والإبداعية المحظور السياسي والأخلاقي والديني وتميز في جل الأجناس الإبداعية والفكرية.
وتصدر المكتبة الوطنية كل سنة تقريرها السنوي في صورة مذكرة تتضمن الكتب والمكتبات التي تبرع بها أصحابها للمكتبة الوطنية تكريماً للمتبرع وتثميناً للرصيد المتبرع به من الكتب، بينهم المؤرخ والمحقق وعالم الآثار إبراهيم شبوح الذي أهدى دار الكتب مكتبته الخاصة التي تضم مخطوطات وكتباً وأفلاماً وأقراصاً ممغنطة، كما قدم الباحث والناقد السينمائي خميس الخياطي مكتبته السمعية البصرية وتتم الآن معالجتها بالتعاون مع المكتبة السينمائية.
وخلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تحصلت دار الكتب الوطنية على 32 مجموعة مهداة من بينها مجموعات ما زالت قيد المعالجة وأخرى وضعت على ذمة الباحثين، ومن بين هذه المجموعات بحسب آخر تقرير منشور للدار عام 2022، مجموعة خاصة للموسيقار صالح المهدي من كتب ودوريات ومجموعة قيمة من مخطوطات من ورثة الشيخ محمد الصادق بليش القيرواني ومجموعة خاصة لمحمد صالح الجابري.
يقول الناقد السينمائي خميس الخياطي الذي تبرع بمكتبته السمعية والبصرية المتمثلة في نحو 6 آلاف صورة و200 ساعة من البث التلفزي والإذاعي، قدمت أرشيفي السمعي والبصري إلى المكتبة الوطنية التونسية من أجل صيانته، وفي إطار حفظ الذاكرة والخوف من تلفها.
وترى الباحثة رجاء بن سلامة أن عديداً من الهبات كان مناسبة للتعريف بالشخص الذي تبرع بمكتبته وهو صورة من صور رد الاعتبار لأن الحبيب الهيلة على سبيل الذكر، كان من بين المغضوب عليهم لأنه كان محسوباً على اليوسفيين وعلى الزيتونيين، وإهداء مكتبته الخاصة رمزية محملة بالكثير من المعاني.
ووضعت المكتبة الوطنية بروتوكولاً خاصاً بعملية التبرع بالمكتبات الخاصة، يبدأ بقبول الهبة ثم جرد الكتب وفهرستها، ووضع ختم باسم المتبرع على جميع كتبه تخليداً لاسمه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتشير بن سلامة إلى أن تقليد التبرع والهبات موجود في تونس منذ فترة وتمت مأسسة الاعتراف بالجميل حتى لا يضيع حق المكتبة وحق الواهب وحق القراء. وأضافت أن من يهب مكتبته يكون متأكداً أنه سيصبح أباً معرفياً للأجيال المقبلة من القراء والباحثين.
وأكدت أن دار الكتب الوطنية تبرعت بعدد من المكتبات الخاصة لمكتبات داخل ولايات الجمهورية. وأنه تمت رقمنة 13 ألف عنوان تونسي على المنصة التابعة للمكتبة ويمكن الولوج إليها بشكل مجاني.
رصيد الأرشيف الوطني
ومن جهته يؤكد مدير عام الأرشيف الوطني الهادي الجلاب، في تصريح خاص، أن "دور مؤسسة الأرشيف الوطني هو جمع الأرشيف الذي تنشئه الإدارة التونسية، إذ يتم وصفه وتنظيمه وحفظه وصيانته ثم إتاحته للباحثين"، لافتاً إلى "دخول أكثر من 112 ألف حافظة أرشيف منذ 2000 إلى الآن إلى مخازن الأرشيف الوطني من مختلف الوزارات والإدارات".
وإلى جانب الأرشيف العام يوجد مصدر آخر للأرشيف لفهم الماضي وهو ما يسمى الأرشيف الخاص، ومصدره إما العائلات التي لها أدوار في التاريخ أو المنظمات والجمعيات والأحزاب السياسية أو الفنانين حيث يتم التواصل معهم، ثم إقناعهم بأهمية تقديم وثائقهم للأرشيف الوطني لحفظه ووضعه على ذمة الباحثين لتثمينه.
ويقول المدير العام للأرشيف الوطني، إن "رصيدنا الآن من الأرشيف الخاص يبلغ 114 رصيد متأت من شخصيات ومنظمات وأحزاب تولت مؤسسة الأرشيف الوطني تنظيمه وتبويبه وحفظه"، مضيفاً أن "الأرشيف الخاص أصبح بدوره مصدراً للبحوث العلمية".
ومن الجهات التي قدمت أرشيفها الخاص إلى الأرشيف الوطني يذكر الهادي الجلاب الاتحاد العام لطلبة تونس، الذي يحفظ ذاكرة أجيال من الطلبة، وأيضاً الكشافة التونسية والاتحاد الوطني للمرأة التونسية، كما سلمت جمعية "آفاق" مجموعة كاملة من جميع منشوراتها، وكذلك بعض الشخصيات مثل أبوالقاسم محمد كرو والفنان جميل الجودي الذي سلم كل وثائقه من وثائق سمعية وبصرية، وأيضاً الفنان محسن الرايس الذي تبرع بتسجيلات نادرة، وعبدالجليل التميمي الذي قدم عديداً من الوثائق المهمة، وأيضاً "كلاديس عدة"، التي تبرعت بأرشيف زوجها "جورج عدة" المناضل في الحزب الشيوعي التونسي، وفي الحركة الوطنية، الذي سجن في خمسينيات القرن الماضي، وهو من الشخصيات اليهودية التونسية المتميزة المناهضة للصهيونية، كما قدمت عائلة الكعاك وثائق تهم العائلة.
وتحرص مؤسسة الأرشيف الوطني على تكريم المتبرعين بأرشيفهم الخاص بمناسبة اليوم الوطني للأرشيف اعترافاً بما قدموه لمؤسسة الأرشيف.