ملخص
قد لا يؤدي الحكم الذي صدر بالأمس بحق الرئيس ترمب إلى إحداث فرق كبير في انتخابات نوفمبر.
هل أتى حقاً اليوم الذي لن يتمكن فيه [ترمب وهو صنو الساحر] هاري هوديني في السياسة الأميركية أخيراً من التملص من القيود؟ هل هي المناسبة التي نكتشف فيها أن دونالد ترمب، أول رئيس سابق للولايات المتحدة يُدان بجريمة جنائية، هو بشري هالك، ولا يتمتع بقوى خارقة للبقاء على قيد الحياة؟ لقد كان ذاك [المسمى] نيوتن على حق: هل يوجد بالفعل شيء اسمه الجاذبية؟.
لقد شهدت أحداث مماثلة عدة قبل أن أجرؤ على القول "حسناً، لقد انتهى الأمر حقاً...". لقد نجا من كثير من المصائب والورطات مما يجعلني لا أجرؤ على البدء بكتابة ورقة نعوته السياسية.
لكن الأمر ليس قليلاً على الإطلاق. فعلى رغم أن ترمب وصف هذه العملية برمتها بأنها تشبه مطاردة الساحرات، أي محاولة لإدانة شخص بذنب لم يرتكبه ومعاقبته بسبب آرائه، واضطهاداً سياسياً، والإجراءات غير اللائقة لوزارة العدل في إدارة بايدن (للعلم، لم تكن هذه المحاكمة قضية فيدرالية، إلا أنها قضية رفعها المدعي العام في مانهاتن، لذا ليست لها أية علاقة بجو بايدن أو بوزارة العدل)، دين ترمب بكل التهم الـ 34 من قبل هيئة محلفين مؤلفة [من أشخاص يعتبرون] من أقرانه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
على رغم أنه اشتهر بسلوكه غير المنضبط والفوضوي، إلا أن رسائله حول هذا الأمر كانت مركزة تماماً [تخلو من التناقض]. لم يكَد يمر يوم واحد من دون أن يلفت الانتباه إلى الاضطهاد الذي يعانيه، ويشكو من عدم نزاهة القاضي، وأن بايدن استخدم النظام القضائي كسلاح.
و[أكد ترمب أن] المحاكمة كانت "مزورة ومخزية"، وأن القاضي "فاسد"، و[قال] بلغته المنمقة المألوفة إن ترمب، هو "رجل بريء للغاية". ولعل الأمر الأكثر غرابة هو أنه نيلسون مانديلا في أيامنا هذه، نعم، لقد عقد تلك المقارنة حقاً. كان مانديلا في جزيرة روبن، [أما ترمب فهو] في جزيرة مانهاتن. الشيء نفسه بالضبط.
ليس من السهل أن تضع هذا وراء ظهرك وتقول "وماذا في ذلك؟"، بعد سرد أدلة تافهة على امتداد أسابيع حول ما حدث في غرفة نوم في بحيرة تاهو، وكيف تمكن من جعل وسيطه يدفع المال لنجمة أفلام إباحية من أجل شراء صمتها، وجدت هيئة المحلفين بالإجماع أنه مذنب بارتكاب سلسلة كاملة من التهم الجنائية.
فما الذي سيفعله؟
حسناً، إن أول شيء سيسعى إلى القيام به هو جمع الأموال على خلفية هذه الإدانة. وسيقول لأنصاره "إذا كان النظام القضائي في الولايات المتحدة قادراً على أن يفعل هذا بي، فما عليكم إلا أن تتخيلوا ما يمكن أن يفعله بكم!". وسيصور نفسه على أنه الضحية، ويزعم أن هذه كانت آخر محاولة محفوفة بالأخطار من قبل بايدن لمنعه من الفوز في نوفمبر (تشرين الثاني).
سيتظاهر ترمب في العلن بالشجاعة والثقة، غير أنه سيكون في داخله متألماً بشدة. فهذا إذلال فظيع. وسيكون غاضباً، خاشياً أن تنقلب الاستطلاعات الآن ضده.
وربما يحدث ذلك فعلاً على المدى الطويل. والسبب في هذا هو أن ترمب يواجه أيضاً ثلاث محاكمات أخرى، إضافة إلى أنه حقق إنجازاً آخر رائداً يتمثل في كونه أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يجري عزله مرتين.
ففي واشنطن العاصمة، دفع في أغسطس (آب) الماضي، ببراءته من أربع تهم تتعلق بمؤامرة مزعومة لتخريب عملية انتقال السلطة في أعقاب الانتخابات الرئاسية عام 2020، وهي المؤامرة التي أدت إلى اقتحام مبنى "الكابيتول" الأميركي، ما أسفر عن سقوط خمسة قتلى.
وفي ولاية جورجيا، سيواجه اتهامات تتصل بمخطط مفترض هدف إلى إلغاء نتيجة انتخابات الولاية لعام 2020.
أما في فلوريدا، فوُجّهت إليه 40 تهمة لها علاقة بإساءة التعامل مع سجلات حكومية حساسة في أعقاب مغادرته البيت الأبيض، ومحاولة إعاقة تحقيق وزارة العدل في اختفاء هذه السجلات.
وسعى ترمب إلى تأجيل كل هذه المحاكمات إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية. ولو أنه فاز بولاية ثانية، لكان بإمكانه أن يأمر وزارة العدل بإسقاط الملاحقات القضائية الفيدرالية، أو يحاول إصدار عفو عن نفسه، على أن يتعرض ذلك للطعن القانوني بالطبع.
بدا ترمب خلال الأسابيع الأخيرة، عجوزاً ومنكمشاً، وتضاءلت قيمته، وصار متعباً وسريع الغضب. نام نومة خفيفة في المحكمة. وفقد السيطرة على الصورة التي يحب أن يظهر بها. حتى بايدن ألقى بعض النكات عن "السيد النعسان". وهذا مؤلم.
وهكذا، ندخل مرة أخرى، مع دونالد ترمب، في موقف مجهول بحيث لا توجد خريطة طريق لإرشادنا [إلى الوجهة الصحيحة] وحيث تعرض نظام الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية [الذي نعتمد عليه] إلى عطل أوقفه عن العمل ونحن نبحر مهتدين بالنجوم.
وفي الـ11 من يوليو (تموز)، سيعود إلى المحكمة [لحضور جلسة] النطق بالحكم. ولكن لنتأمل ما قبل ذلك وماذا بعده. من المقرر أن تُجرى المناظرة الرئاسية الأولى في الـ27 من يونيو (حزيران). فهل سيقرر بايدن أنه لا يريد مواجهة مجرم وجهاً لوجه؟. وفي الأسبوع الذي يلي صدور الحكم، سيُعقد المؤتمر الجمهوري في ميلووكي.
أعلم أنه من المستحيل أن نتخيل كيف يمكن أن يتعرض، ما ينبغي أن يكون المجد الذي يتوج تأكيد حصول ترمب على ترشيح الحزب الجمهوري، لـ"المقاطعة" من قبل الرئيس السابق الجالس خلف القضبان في سجن ما في مكان ما. ومن المؤكد أن هذا سيجرد الحدث من المتعة [التي يفترض أن يفيض بها].
إلا أن ذلك لن يحدث، فهذه من جرائم أصحاب الياقات البيضاء [غير العنيفة] التي لم تُوقع ضحايا، وهو بلا سوابق، مما يعني أنه لا يشكل خطراً على أحد (اللهم ما عدا الديمقراطية الأميركية). ولكن مرة أخرى، إن قلة قليلة فقط من الناس اعتقدت بأنه ستتم إدانته في كل التهم الموجهة إليه. وأي مناسبة غريبة ستكون [لو حُكم بالسجن].
وفي أعقاب النطق بالحكم بالإدانة الذي جاء بعدما سُئل المحلفون واحداً تلو الآخر عما إذا كان هذا هو رأيهم بالإجماع، وأكدوا جميعاً أنه كذلك، غادر ترمب المحكمة ووقف أمام الكاميرات ليخطب بصورة غلب عليها التحدي. لقد توقف عند سلسلة من شكاويه وادعى أنه تعرض للإجحاف. بيد أنه قال أيضاً إن هيئة المحلفين الوحيدة التي تهمّ هي الشعب الأميركي، وكيف سيصوت في الخامس من نوفمبر.
وفي ظل الظروف الراهنة، فإن استطلاعات الرأي تفيد بأن ترمب يتقدم (فقط) في كل الولايات المتأرجحة الرئيسة [التي لم تحسم أمرها لمن ستصوت] وهي ستقرر نتيجة الانتخابات الرئاسية. ولعل احتمال صدور حكم بالإدانة احتُسب سلفاً ضمن سعر سهم ترمب. ومن الممكن تماماً ألا تؤدي الأحداث الدرامية والتاريخية التي رسمت معالم العصر في وسط مانهاتن الليلة الماضية إلى حصول أي فرق.
وفي ما يتعلق بتصريح ترمب بأن جلّ ما يهم هو من سيصوت له في الخامس من نوفمبر، فإن الشخص الوحيد الذي قد لا يتمكن من القيام بذلك هو دونالد ترمب نفسه. فالقواعد في فلوريدا، حيث يقيم الرئيس السابق، توضح تماماً أن أي شخص تمت إدانته بارتكاب جناية في ولاية أخرى لن يتمكن من التصويت. هذه أوقات غريبة بالفعل.
جون سوبيل هو المحرر السابق لشؤون أميركا الشمالية في "هيئة الإذاعة البريطانية" "بي بي سي" ويقدم حالياً المدونة الصوتية العالمي "ذا نيوز إيجينتس".
© The Independent