ملخص
تتجنب الأحزاب البريطانية التطرق إلى "بريكست" خلال حملاتها للانتخابات البرلمانية المقررة في 4 يوليو (تموز) المقبل. ثمة اتفاق ضمني بين الحزبين الرئيسين على تجنب هذا الأمر وفق مراقبين، ولكن زعيم "العمال" كير ستارمر يعول على انفتاح أوروبي تجاه التعامل مع حكومته بعد فوزه في الانتخابات، في حين يفضل ريشي سوناك تجاوز الخروج بوصفه خطوة أنجزها "المحافظون" وانتهى الأمر.
الخروج من الاتحاد الأوروبي كان العنوان الرئيس في الانتخابات البرلمانية البريطانية عام 2019 وحصد رئيس الوزراء الأسبق بوريس جونسون من خلاله أكثرية نيابية لم يعرفها حزب "المحافظين" منذ عهد المرأة الحديدية مارغريت تاتشر في ثمانينيات القرن الماضي، لكن على مدى الأعوام الخمسة الماضية صدرت تقارير إعلامية ودراسات بحثية كثيرة تتهم "بريكست" بخلق مشكلات كبيرة في المملكة المتحدة، وتعكس جدلاً شعبياً لم يتوقف في هذا الشأن حتى اليوم، فأين اختفى طلاق لندن وبروكسل من المشهد؟.
يغيب "بريكست" عن خطابات قادة الأحزاب الكبرى في مؤتمراتهم الانتخابية وجولاتهم التي يجوبون فيها المملكة المتحدة سعياً وراء أصوات الناخبين، ولا تجد بين المرشحين للبرلمان المقبل أي تعهدات بإصلاح ما أفسده الخروج على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكأن المملكة المتحدة لم تكُن يوماً عضواً في الاتحاد الأوروبي.
تحسين العلاقات مع الجيران في القارة العجوز هدف فضفاض دعا إليه حزب العمال بخجل قبل أشهر، ويبدو أن بروكسل تشاركه الانفتاح على تواصل وتعاون أفضل بين الطرفين إذا سكن كير ستارمر المنزل رقم 10 بعد انتخابات يوليو (تموز) المقبل. ولكن "الانفتاح" لن يعني تقديم تنازلات من قبل الاتحاد الأوربي وفق مسؤولين في التكتل.
في واقع الحال لم تنجز المملكة المتحدة "بريكست" حتى اليوم، فما زال البريطانيون يعيشون بقوانين أوروبية تنظم مختلف مجالات حياتهم، وما زال تطبيق بعض بنود "اتفاق الانفصال" الموقع في 2019 معلقاً حتى اليوم، وهناك أيضاً ما طُبّق جزئياً وفئة ثالثة استجدت ظروف وقراءات خلال السنوات الأخيرة استدعت تعديلها.
خداع وتضليل
في مقالة نشرتها "اندبندنت" يتوقع اللورد مايكل هيزلتاين، نائب رئيس الوزراء الأسبق جون ميجر، أن تكون الانتخابات البريطانية المقبلة هي "الأكثر خداعاً وتضليلاً في العصر الحديث بالنسبة إلى الناخبين" لأن كل العناوين المطروحة فيها لا يمكن معالجتها إلا بعد إعادة النظر في علاقة المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي.
ما يحتاج إليه البريطانيون وفق هيزلتاين هو إعادة تقييم ناضجة لعلاقاتهم سواء على المستوى المحلي داخل المملكة المتحدة أو على المستوى الدولي، بخاصة مع أوروبا، "فهم أوروبيون وجزء من القوة الأوروبية، لذا يجب عليهم استعادة موقعهم داخل أروقة القوة العظمى الوحيدة التي يمكنهم فيها إحداث تأثير كبير، فهو الدور الذي يمكن المملكة المتحدة من تحقيق إمكاناتها الكاملة، ويساعد أبناءها على استعادة الوطن المفقود".
يقول السياسي البريطاني إن "بريكست" لم يحقق أهدافه على رغم مرور ثمانية أعوام على الاستفتاء المصيري الذي وافق فيه 52 في المئة من سكان المملكة المتحدة على مغادرة الاتحاد الأوروبي، وهذا يدلّ على شيء واحد هو أن الدولة أديرت "بالأكاذيب" في هذا الشأن، ولم تكن هناك خطة واضحة للخروج.
اليوم وعندما تجلت التداعيات تبدلت الحجج وأصبحت من قبيل "لم تتَح لنا الفرصة" و"لم يسمح لنا إطلاقاً القيام بذلك"، و"المسؤولية في الأخطاء تقع على الخدمة المدنية والبيروقراطية المقاومة للتغيير" وكورونا.
الحل برأي هيزلتاين يكمن في "مواجهة جديدة" مع اليمين المتطرف الذي قاد البلاد نحو "بريكست"، منوهاً إلى أن الصراع ليس محلياً لأن هذا التيار يشكل ظاهرة عالمية تشمل رئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترمب، ومارين لوبن في فرنسا و"حزب البديل من أجل ألمانيا" وغيرهم من القوى المتمددة في الغرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تكرار الخطأ
في انتخابات عام 2019 طرح حزب العمال المعارض فكرة إجراء استفتاء ثانٍ على الخروج من الاتحاد الأوروبي فكلفه ذلك هزيمة ساحقة بعد دعم أعضائه ومؤيديه للمحافظين الذين تبنوا شعار تطبيق "بريكست" مهما كلف الأمر.
لا يريد ستارمر تكرار هذا الخطأ ونجح في إبعاد "بريكست" من المنافسة في الاستحقاق المقبل لأنه وجد رغبة مشابهة من قبل "المحافظين" الذين فضلوا تجاوز الأمر باعتباره مهمة أنجزت وباتت من الماضي. لكن الكاتب في صحيفة "بوليتيكو" جون ستون يتساءل عن رأي الناقمين على الخروج والراغبين في العودة إلى التكتل مرة أخرى، هؤلاء الذين عملوا خلال خمسة أعوام على تنظيم تظاهرات وإعداد تقارير مختصة وصياغة رسائل إلى ممثليهم في البلديات والبرلمان، تدعو إلى إعادة النظر في الخروج.
جل ما تحدث عنه العمال قبيل انتخابات 2024 هو مرونة أكبر في حركة الشباب بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي ومزيد من التعاون في مجالات الدفاع والأمن، ولكن من دون المساس باتفاق "بريكست" الذي أبرمه جونسون، وبعيداً من أي بحث جديد في شأن السوق الأوروبية الموحدة أو الاتحاد الجمركي. أما المقابل الذي يريده ستارمر، فهو دعم أوروبي لوقف الهجرة غير الشرعية إلى بلاده بعد أن يلغي "خطة رواندا" التي أقرها المحافظون لترحيل المهاجرين إلى أفريقيا وتعهدوا بتنفيذها حال بقائهم في السلطة.
يؤكد الصحافي في "بوليتيكو" وجود رغبة أوروبية في التعاون مع حكومة عمالية بزعامة ستارمر إذا صدقت استطلاعات الرأي. ونقل عن مصدر لم يسمِّه في بروكسل أن "هناك فضولاً حقيقياً حول ما قد تعنيه حكومة جديدة في المملكة المتحدة إذا فازت المعارضة في انتخابات الرابع من يوليو المقبل". ولكنه يشدد على أن كل المشاريع المطروحة للتقارب بين لندن وبروكسل يكتنفها الغموض ولن تتضح معالمها في وقت قصير.
استفتاء جديد
يتوقع خبير الانتخابات وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ستراثكلايد جون كورتيس أن تشهد المملكة المتحدة استفتاء جديداً على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عام 2040، لكن لن يكتب له النجاح على غرار ما حدث في 1975. ويقول إنه لن يتفاجأ بمثل هذه الخطوة قبل ذلك التاريخ لأن أجيالاً كانت قريبة من سن التصويت في المرة الماضية ترغب في عرض رأيها اليوم، ولكن النتائج لن تكون مضمونة لمصلحة العودة.
"الحنين لبروكسل" سيكسر صمت فئة عريضة من سكان المملكة المتحدة على صمت ستارمر تجاه الاتحاد الأوروبي. وبحسب باتريك جيمس أوفلين، النائب السابق في البرلمان الأوروبي عن الحزب الديمقراطي الاجتماعي البريطاني، لن يصمد زعيم العمال أمام ضغوط قادة في حزبه مثل عمدة لندن صادق خان والنائبة ستيلا كريسي رئيسة "الحركة العمالية من أجل أوروبا" اللذين يصران على ربط كل الاتفاقات مع بروكسل.
ويتوقع أوفلين أن يسعى ستارمر إلى تعميق العلاقات مع الأوروبيين بعد وصوله إلى السلطة في الانتخابات المقبلة، لكنه لن يتطرق إلى العودة للاتحاد الأوروبي، ولن يشترك في محادثات تمس اتفاق "بريكست".
السؤال هنا هو مدى استعداد بروكسل للتقارب غير المشروط مع الحكومة العمالية المقبلة في لندن؟، والإجابة الأسرع تقرأ في تصريحات رئيس وزراء فرنسا غابرييل أتال أمام برلمان بلاده أمس الجمعة عندما حذر الفرنسيين من "المخاطرة" بدعم اليمين في الانتخابات الأوروبية كما فعل البريطانيون في استفتاء الانفصال عام 2016.