ملخص
تلوح تركيا بإشعال فتيل حرب رابعة في الشمال السوري لاستكمال ما بدأته قبل أعوام بهدف تأمين حدودها الجنوبية من "الأخطار الإرهابية" التي تهدد أمنها القومي.
تلوح تركيا بإشعال فتيل حرب رابعة في الشمال السوري، حرب طال انتظارها سعياً لإكمال ما بدأته بتأمين حدودها الجنوبية مع ما تصفه بأخطار إرهابية تهدد أمنها القومي، لكن التحدي اليوم الذي جعل طبول الحرب تقرع بين أنقرة و"الإدارة الذاتية الكردية" (الانتخابات) المتوقع إقامتها في يونيو (حزيران) الجاري لاختيار رؤساء بلديات في مدن عدة، وفي حال حدوثها فإن صناديق الاقتراع لن تنجو من البارود التركي.
السلاح والانتخاب
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن أن بلاده لن تتردد في شن هجوم جديد شمال سوريا إذا مضت الجماعات التي تقودها الأحزاب الكردية في خططها لتنظيم انتخابات في المنطقة، في وقت حسمت الإدارة الذاتية الكردية أمرها بإجراء الانتخابات البلدية في الـ 11 من يونيو الجاري لاختيار رؤساء بلديات في محافظات عدة شمال شرقي البلاد (الحسكة والرقة ودير الزور) والجزء الشرقي من حلب، وهي المناطق التي تسيطر عليها وتعتمد على حكم ذاتي خارج سيطرة الدولة.
كما دعا زعيم "الحركة القومية التركي" دولت بهشالي الرئيس التركي إلى تعاون عسكري مع دمشق للقضاء على تهديد المسلحين الأكراد في سوريا، وجاء في كلمة ألقاها أمام كتلة الحزب بالبرلمان "يجب ألا تسمح الجمهورية التركية أبداً عبر الطرق الدبلوماسية بمحاولة تطويقها بالمناطق التي احتلها التنظيم الإرهابي وغزاها، وذلك من خلال الاتفاق المتبادل والمصالحة مع سوريا".
في المقابل يجزم الناشط الحقوقي وعضو منظمة عفرين لحقوق الإنسان، إبراهيم شيخو في حديثه لـ "اندبندنت عربية" بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد من دون أي تغيير واعتبر هذا الاقتراع بمثابة لبنة أساسية في المرحلة الحالية من دون أن يستبعد اجراء عمل عسكري تركي بري أو استهداف بنى تحتية عبر عمليات جوية ومسيرات، في الوقت ذاته يؤكد أن الإدارة الذاتية ستتخذ كل الاجراءات لحماية المواطنين من أي تهديدات.
ويضيف شيخو "لا بد من استذكار عام 2017 آن ذاك جرت انتخابات مجالس محلية على مستوى الأقاليم والفيدراليات، ولكن أنقرة احتجت على ذلك ونفذت عملية سمتها غصن الزيتون في الـ 20 من يناير (كانون الثاني) 2018 وامتدت 58 يوماً والآن تركيا تلوح بعدم السماح بالانتخابات وهذا دليل أنها لا تريد وجود الشعب الكردي".
ويعتقد المسؤول الحقوقي في منظمة عفرين الحقوقية، أن العقد الاجتماعي شمال شرقي سوريا، وهو دستور الحكم الذاتي الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 2013، اشترك في إعداده عرب وأكراد وشركس وبقية المكونات الأخرى، وأثار حفيظة المغرضين المعادين للوضع الأمني والسلمي والاستقرار وهذه الخطوة بمثابة تقسيم، بحسب وصفه.
وتابع شيخو "لكن بعد الانتهاء من العقد الاجتماعي تم تشكيل اللجان ومصادقة مجلس الشعوب الديمقراطي في ترجمة بنود هذا العقد على أرض الواقع باتخاذ إجراءات ملموسة، كان من أبرزها إجراء انتخابات للمجالس البلدية التي كان من المتوقع إجراؤها في الـ 30 من مايو (أيار) الماضي، ولكن لعدم استكمال الإجراءات أجلت المفوضية الخاصة بالانتخابات الاقتراع إلى الـ 11 من يونيو الجاري".
وأعلن المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في بيان له مساء أمس الجمعة، مصرع اثنين من مقاتليه في قصف شنته طائرات مسيرة تركية لنقطة عسكرية في منطقة "تل حميس" شمال شرقي مدينة الحسكة كما استهدف القصف سيارتين إحداهما تدخلت لإسعاف الجرحى.
على طريق المنطقة العازلة
يعد الأكراد في سوريا من أكبر الأقليات العرقية إذ يشكلون ما نسبته من تسعة إلى 10 في المئة، ويقطنون في عدد من المناطق القريبة من الحدود التركية أبرزها شمال محافظة الحسكة وفي منطقة تسمى عين العرب ويطلق عليها بالكردية (كوباني) تقع شمال شرقي حلب، أما المنطقة الثالثة فتقع شمال غربي حلب في (عفرين)، وما زالت تعتبر تركيا ما يسمى بوحدات حماية الشعب "منظمات إرهابية" محظورة منذ 1984 وعلى رأس هذه الفصائل حزب "العمال الكردستاني".
ومع استعار الصراع المسلح بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة لا سيما دخول الجماعات المتشددة في النزاع واستيلاء "داعش" على مساحات في الشمال الشرقي على خط المعركة، شكل الأكراد إدارة مدنية انتقالية في 2013 لينتقلوا بعد ذلك إلى التحالف مع الولايات المتحدة التي تزعمت التحالف الدولي لمكافحة تنظيم "داعش".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعد هزيمة الجماعة المتشددة شرق ريف دير الزور شرقي سوريا في مارس (آذار) 2019 نقطة تحول وتطور في أسلوب الفصائل الكردية القتالي، في المقابل خسرت مساحات واسعة أمام التوغل التركي بعد توجس من اتساع نفوذ الأكراد بالمنطقة، وسعيهم إلى الانفصال لتشكيل دولة امتدادها من سوريا إلى العراق وإيران.
وكانت الولايات المتحدة بدأت بالفعل إرسال الأسلحة والمعدات العسكرية للفصائل الكردية في مايو (أيار) 2017 التي تعد القوة الرئيسة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" وهو التحالف لإنهاء تنظيم "داعش"، وقالت حينها المتحدثة باسم "البنتاغون" دانا وايت "ندرك مخاوف تركيا الأمنية ونطمئن شعب أنقرة وحكومتها بمنع حدوث أي أخطار أمنية".
وسعت أنقرة إلى الزج بقوات برية من القوات الخاصة خلال الأعوام بين 2016 و2019 لتنفذ ثلاث عمليات برية عسكرية وهي "نبع السلام" و"غصن الزيتون" و"درع الفرات"، بهدف تأمين حدودها الجنوبية، واليوم تسعى إلى إكمال ما تصفه بالمنطقة الآمنة على عمق 30 كيلومتراً على حساب الأراضي السورية بذريعة "خطر المنظمات الإرهابية" التي تقصد بها "حزب العمال" ووحدات حماية الشعب، ولهذا تتحضر لعملية رابعة لتنفيذ مخططها المعلن.
احتمالات وتجهيزات عسكرية
وبالعودة إلى الانتخابات واحتمالية الحرب في حال إجراء الاقتراع بالبلدات الشمالية يرى الباحث في مركز "تركيا الجديدة للأبحاث" علي الأسمر أن الانتخابات خطوة استباقية للعملية العسكرية التركية شمال العراق هذا الصيف، إذ اكتملت التدريبات والتجهيزات العسكرية التركية من خلال عدد من المناورات التدريبية سواء القوات الخاصة في مدينة كارس أو انتهاء التدريبات الشتوية للجيش، وأخيراً مناورات "أفيس 2024" إذ اختبرت تركيا كثيراً من الأسلحة والمعدات المصنعة وطنياً.
ويوجه الأسمر النظر في حديثه لـ "اندبندنت عربية" إلى استعراض تركيا قوتها الوطنية عبر إرسال رسائل تحذيرية للحلف الأميركي وحزب "العمال الكردستاني" وقوات "قسد"، لكن وفق رأيه أولوية تركيا حالياً كانت مكافحة الإرهاب شمال العراق ومن ثم التفرغ لمكافحة الإرهاب شمال سوريا.
ويوضح الباحث التركي أن توترات حرب غزة تسببت في قطع أنقرة تعاملاتها التجارية مع تل أبيب رسمياً، وبدأت إسرائيل الضغط على تركيا عن طريق دعم مشروع "كردستان الكبرى" وحث الولايات المتحدة على دعم أكبر لهذه الأحزاب التي تعتبر أنقرة أنها "أحزاب إرهابية" وتهدد الأمن القومي التركي، متابعاً "رأينا قبل أيام منشوراً لنجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منصة (إنستغرام) عبارة عن خريطة كردستان الكبرى".
ويضيف الأسمر "حالياً الأوضاع ضبابية وسط خلط الأوراق قبيل العملية العسكرية التركية شمال العراق ولذلك على أنقرة إعادة ترتيب أولوياتها، وفي المجمل العملية العسكرية ليست غاية لديها بل وسيلة لضمان الأمن القومي التركي، فإذا استطاعت ضمانه عن طريق المسار السياسي سيكون جيداً، وإلا فلن يبقى سوى العملية العسكرية، لا سيما أن التيار القومي المتشدد في تركيا يرجح هذا السيناريو".
ويستطرد الباحث التركي عن وجود عدد من الاحتمالات، الأول عملية عسكرية شمال العراق تزامناً مع عمليات أمنية نوعية شمال سوريا، بينما الاحتمال الثاني عملية عسكرية شمال سوريا تزامناً مع عمليات نوعية شمال العراق أو عمليتين عسكريتين في الشمال السوري والعراقي، ويرجح في الوقت ذاته من سيحدد الاحتمال هو الولايات المتحدة المشغولة حالياً في دعم إسرائيل وأوكرانيا، ومن الممكن ألا تدعم حزب "العمال الكردستاني" وقوات "قسد".
حيال تلك التطورات المتسارعة على أرض الشمال السوري عادت القضية التركية الكردية للضوء وسط تطورات إقليمية ستترك بلا شك تأثيرها في المشهد وإن كانت لغة القتال السائدة، فإن التقارب الأميركي التركي الأخير وزيارات رجال الدبلوماسية والأمن إلى واشنطن وعقد اجتماعات ثنائية سيدفع الفصائل الكردية المقاتلة في الزاوية، ويضع الجيش التركي على طريق العملية البرية الرابعة بلا أدنى شك.