Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ردود الفعل على هجمات أرامكو تكشف مواطن الضعف في الائتلاف المناهض  لإيران

موقف الولايات المتحدة من الاعتداء على إمدادت النفط بدا متضاربا وغير حاسم

عمال في أحد مواقع شركة أرامكو التي استهدفتها هجمات اتهمت فيها السعودية وأميركا إيران بالوقوف وراءها (رويترز)

ولَّدَ العداء المتزايد وغير المواجَه للسعودية في الولايات المتحدة ردا يقوم على "لوم الضحية" بعد هجمات أرامكو.

فموقف الولايات المتحدة تجاه الاعتداء الإيراني ظل متضاربا وغير حاسم.

قد يمكننا التذكير بأنه بعد إسقاط الطائرة الأميركية المسيَّرة على يد قوات فيلق الحرس الثوري الإيراني، اختار ترمب أن يوجه اللوم على خطأ قام به ضابط إيراني مارق، على الرغم من أن المؤسسة العسكرية الإيرانية هذه كافأت الضباط الضالعين في العملية. وكان رد الولايات المتحدة على ذلك القيام بهجوم ألكتروني  (سيبراني) يُزعَم أنه دمر قدرات "فيلق الحرس الثوري الإيراني" الصاروخية؛ إلّا أنه وكما أظهرت الأدلة بشكل واضح أن ذلك لم يكن كافيا لشل القدرات العسكرية الإيرانية تماماً.

إضافة إلى ذلك، ساهم الرئيس ترمب في التكهنات القائلة بوجود ازدواجية واضحة أو عدم ثبات في السياسة الخارجية المتعلقة بإيران، حين أشار إلى إمكانية عقد اتفاق نووي جديد، وذلك من خلال انتقاد جون بولتون مرارا بعد مغادرته البيت الأبيض، زاعما بأن الأخير عرقل مساعيه بطرق مختلفة.

يمكن القول إن إرسال نفس الرسالة المؤيدة لإيران، يتمثل في الازدواجية الزائفة بعدم القيام بأي رد إطلاقا على الاعتداءات الإيرانية المتنامية، بما فيها اختطاف ناقلات نفط متعددة، وتهريب النفط بشكل مكشوف، مثلما شُرح في المسلسل الذي عرضته مؤخرا قناة الحرة(1)، أو ربما التماشي مع إنذار طهران الأخير بما يتعلق برفع العقوبات الاقتصادية ضد مختلف كياناتها، وضد مبيعاتها للنفط- أو رؤية كارثية لحرب شاملة تشمل إيران وكتائبها الدولية ووكلاءها، ودول الخليج والولايات المتحدة.

وفي هذا التهديد تكمن حقيقة أن حزب الله اللبناني وحده مسلح بأكثر من 150 ألف صاروخ يمكن إطلاقها على إسرائيل في أي لحظة- بل حتى إذا ثبت أن هجوما كهذا سيكون مدمرا له، فإن الكلفة العالية الناجمة عنه في مقتل عدد كبير من البشر غير مقبولة.

يمكن القول إن الرد البطيء للولايات المتحدة على هذه الحوادث المتزايدة، يعكس عدم وضوح طبيعة مهام ائتلاف الحراسة الحديث النشأة الذي أكثره من القوات البحرية الأوروبية التي من المفترض أن ترافق ناقلات النفط وتردع التهديدات الإيرانية (وفي هذه القوة انضمت السعودية للتو حسب تقارير رسمية) (2)، لكن التعليقات المتكررة للرئيس ترمب التي يزعم فيها أن الدول الحليفة بما فيها السعودية، لا تدفع بما فيه الكفاية مقابل دفاع الولايات المتحدة عن سفنها ومصالحها وعليها أن تكون مسؤولة عن دفاعها، تأتي في وقت تفشل فيه الولايات المتحدة في تصنيف الحوثيين المدعومين إيرانيا إرهابيين، على الرغم من هجماتهم المميتة التي تستهدف مدنيين سعوديين، (وقد عولجت هذه المسألة من قبل وزير الخارجية بومبيو في لقائه الأخير مع نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان)  كما تواجه صعوبة في التصدي للصواريخ التي استهدفت مصانع أرامكو، وكل هذا أثار التساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة بالائتلاف، وحول العلاقة الدفاعية القائمة حاليا مع السعودية.

هل غدر البيت الأبيض بالسعودية والدول الخليجية الأخرى الحليفة للولايات المتحدة؟

اتهمت بعض الأصوات في منطقة الشرق الأوسط البيت الأبيض بأنه يتلاعب بمصالح الدول الخليجية مقابل احتمال محض بتحقيق تقارب مريب مع إيران؛ بينما ذهب آخرون أبعد من ذلك، باعتقادهم أن الولايات المتحدة خانت السعودية، بشكل مباشر، وذلك من خلال سماحها لإيران، التي هي أحد أكثر البلدان المرصودة في العالم، بضرب السعودية، مقابل عدم استهدافها من قبل إيران أو وكلائها، أو ربما بإبقاء الذهن مفتوحا للقاء روحاني، على الرغم من أن هذا الاقتراح رفضه النظام الإيراني نفسه، فالبيانات غير المتماسكة المتعلقة برد مشترك على هجمات أرامكو، تعززت حين أشار الرئيس ترمب إلى أنه ليس متعجلا في الرد، وأنه حتى لم تُصغ أي مقترحات رادعة، والأقل من ذلك عدم تهديد إيران بصورة صريحة.

وعلى الرغم من توجيه الاتهام المباشر لإيران في تنظيم الهجمات ضد أرامكو، فإن الولايات المتحدة ظلت حتى الآن ترفض التعامل مع هذه العملية باعتبارها عملا حربيا، وهذا ربما يعود إلى التشاور مع السعودية نفسها. فالرئيس ترمب كان واضحا في قوله بأنه لا يريد الحرب، وهذا التصريح تُرجم كإيماءة موافِقة مع أولئك الذين يزعمون أن ردا قويا تجاه العدوان الإيراني سيعني إما هجوما عسكريا أو أنه سيؤول لا محالة إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق، إضافة إلى أنها إقرار بأن الولايات المتحدة لن تخاطر في المواجهة مع إيران بالنيابة عن السعودية. وقد انتهى به المطاف إلى الأمر بفرض عقوبات اقتصادية إضافية على إيران، والسعي إلى تشكيل ائتلاف رادع لإيران من أي عدوان آخر؛ غير أن هذه الخطوات، ظلت، حالها حال الخطوات السابقة، ملتبسة وقابلة لأكثر من تأويل.

وعلى الرغم من غياب أي دليل على أن الولايات المتحدة دخلت في اتفاق سري مع إيران، فإنها تتهم بالتخلي عن السعودية، فهذه التعليقات تظهر محدودية العلاقة التي ظلت موضع استهانة من قبل كلا الطرفين الراضيين على نفسيهما وهما جالسان حول طاولة المحادثات، وأنه على الأقل، هناك ثقة تتنامى بينهما وبناء علاقة تتطلب تحققا قبل أن تنجح إيران في إبعاد البلدين بعضهما عن بعض، وجعل كل منهما مستهدَفا لوحده.

لماذا تحول الأميركيون ضد السعودية بدلا من إيران إثر وقوع الاعتداء؟

التحدي الأكثر أهمية إلى حد كبير كان الضغط الداخلي من اليساريين والانعزاليين والليبراليين المناهضين الذين دعوا إلى إقصاء السعودية تماما. هناك عدة عوامل وراء بروز هذه الأصوات، وهذه هي كالتالي:

  • صعود قاعدة انعزالية من بين الحركة الشعبوية التي ساعدت  الرئيس ترمب على الوصول إلى السلطة كنقطة انطلاق بالنسبة إليها، والكثير منهم يرون صقورا معادين لإيران مثل جون بولتون باعتباره من "المحافظين الجدد" الذين يستمرون في اتباع تراث الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش الذي فشل مسعاه في فرض الديمقراطية على دول منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من الاختلاف الكبير القائم في فلسفة كل من بولتون وبوش السياسية.
  • تأثيرات اللوبي المناصر لإيران في جهوده الحالية التي ضمت في الفترة الأخيرة تحالفا يجمع الملياردير اليساري جورج سوروس المعروف بمواقفه العدائية من مواقف الجمهوريين التقليدية، بأيقونة الليبراليين كوتش، الذي كان قد فضّل إجراء تقارب مع روسيا وإيران، وتريتا بارسي، العميل الأجنبي غير المسجّل لإيران، المعروف بتأسيسه مجموعة الضغط المحلية المناصرة لإيران، "نياك" التي كانت الصوت القوي وراء اتفاق الرئيس باراك أوباما النووي. وظل مسؤولون سابقون في إدارة أوباما مشاركين بشكل مكثف في الإعلام وحلقات السياسة الخارجية، وهذا يشمل موظفين عموميين يعملون في وكالات حكومية أميركية مختلفة، وكل هؤلاء منضوون في هذه الحملات، إضافة على منظمات داعمة للاخوان المسلمين وقطر( كما شرحت المؤلفة في "هيرالد ريبورت" بتاريخ 26 يناير2019.
  • التحدي الذي واجهته السعودية في حشد التأييد لها في الولايات المتحدة وغياب تفاعل الإعلام الغربي، والاكتفاء بالاعتماد على تاريخ العلاقات الدفاعية القوية مع الولايات المتحدة، وسط تحديات في معالجة الزخم الذي يملكه خصومها ضمن المناخ السياسي الحالي.

يمكن القول إن الوضع ليس تماما مريعا على أرض الواقع، مثلما يحاول ناشرو الخوف إظهاره، فالولايات المتحدة والسعودية قادرتان على العمل بشكل مشترك لمواجهة التهديد الإيراني من دون جرهما إلى حرب تقليدية معها يحاول الجميع تجنبها ولأسباب معقولة.

وهذه الخيارات هي كالتالي:

  • هجمات ألكترونية (سيبرانية) قادرة على إنهاك القدرات العسكرية الإيرانية.
  • عريضة التماس مشتركة تقدَّم إلى مجلس الأمن الدولية  لمعاملة إيران كدولة مارقة ووكلائها كإرهابيين.
  • تنفيذ شامل للعقوبات الاقتصادية الحالية.
  • فرض عقوبات على تجارة الغاز المربحة حيث إن دولة قطر واحدة من بين الأطراف الممكِّنة لإيران.
  • فرض عقوبات على المؤسسات الصينية بسبب ممارستها لتجارة النفط والتهريب (مع إيران) إضافة إلى تركيا التي من دون دعمها لا يستطيع الاقتصاد الإيراني البقاء صامدا.
  • فرض إجراءات صارمة على المخططات غير الشرعية التي تشكل العمود الفقري لاقتصاد إيران الخفي الذي يجعل الدعم لوكلائها المختلفين ممكنا.
  • تقييد حركة إيران بحيث يمنعها من القيام بمشاريع تجارية شرعية مع الدول الأخرى.
  • تجفيف المصادر المالية للإرهابيين الإيرانيين المحدَّدين مثل قاسم سليماني وأعضاء من فيلق الحرس الثوري الإسلامي، وميليشيا الباسيج ووكلاء آخرين.
  • تصنيف الحوثيين والجماعات الوكيلة الأخرى كمنظمات إرهابية والتعامل معها على ضوء ذلك.
  • القيام بحملات مشتركة لمواجهة البروباغاندا المناصرة لإيران والمعلومات المضلِّلة الصادرة عنها.
  • الانخراط في العلاقة وفي اتخاذ إجراءات تهدف إلى بناء الثقة والقيام بتدريبات مشتركة إضافية.

تستطيع الولايات المتحدة توفير دعم مباشر للسعودية ودول الخليج في إعادة صوغ مقاربتها لقواتها العسكرية بشكل يتوافق مع متطلبات الحروب غير المتكافئة، وهذه المبادرة ستؤول أخيرا إلى مساعدة السعودية كي تصبح شريكا متكافئا في ما يخص تحقيق الأمن.

يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا دبلوماسيا وسياسيا مهما في التوسط ما بين السعودية وحلفائها، مثل أعضاء مجلس التعاون الخليجي (GCC) وتحقيق التوافق بينهم بما بخص الشؤون الأمنية والدفاعية.

القيام بهجمات محدودة ضد سفن فيلق الحرس الثوري الإسلامي الحربية، التي تشكل الجزء الأساسي الفعال من قدرات إيران البحرية، وهذا سيؤدي إلى جعلها غير فعالة في مواصلة التهريب لليمن، أو القيام بهجمات على ناقلات النفط الأجنبية، أو أي عمليات عدوانية أخرى.

من جانبها تحتاج السعودية إلى البدء بالمساهمة في حوار حيوي مع كيانات مختلفة من المجتمعات الغربية التي قد تُقنع أولئك المنفتحين منهم، بأن السعودية صديق وليس عدوا، ومحاربة الصورة النمطية والتصورات الخاطئة حول شعبها، وطبيعة علاقتها بالولايات المتحدة، وإشراك عناصر مختلفة في نقاش أكثر تنوعا حول الطبيعة العالمية للتهديدات الإيرانية، وطبيعة المعلومات المضللة والامتداد الآيديولوجي والتلاعب الممارَس من قبل إيران، ومسافريها ووكلائها. وهذا يعني أن تصبح السعودية أكثر مباشرة، وتجعل طلباتها أكثر وضوحا، وأن تكون منفحتة على الاحتياجات الآنية  قبل وقوع الكارثة، وأن تكون متفتحة للتفاعل مع أصوات صديقة حريصة على معرفة أكثر أو حتى تعزيز العلاقة الدفاعية ومجالات أخرى يمكن بناء علاقة أقوى من خلالها بين البلدين.  

المزيد من آراء