Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سعوديات يستبدلن العباءة السوداء بـ"اللباس المحتشم"

صدرت فتاوي من بعض العلماء بأن المطلوب هو الستر والاحتشام أيا كان شكل اللباس أو لونه

ساهمت التغييرات التي شملت مستويات مختلفة بالسعودية في تغيير الأفكار التي فرضتها التيارات المتشددة على الحريات الشخصية (نوف السديري)

العباءة كانت على مدى عقود رمزًا لا يجوز التخلي عنه ومظهرا للصبغة الدينية والأعراف الاجتماعية لا ينبغي تجاوزهما، وأحد الاعتبارات الشكلية النمطية التي يمكن أن تؤثر على خيارات النساء في اختيار اللباس المحتشم، وتقصي تفكيرهن فيما هو صحيح أو خاطئ وتتحوُّل العباءة السوداء وبشكل ممنهج إلى أعراف سائدة من الصعب مقاومتها، حتى وإن كانت تمنعهن من اختياراتهن في اللباس المحتشم في كثير من المجتمعات العربية والإسلامية المحافظة.

وفي السعودية كانت النساء في الخمسينات والستينات من القرن الماضي يعشن بصفتهن جزءا من المجتمع السعودي، منسجمات مع بيئتهن متقبلات لعاداتها وتقاليدها، ومع ترسيخ دعائم الدولة السعودية في الستينات والسنوات التي تلتها ومع تنظيم القوانين للشأن العام بدأ التداخل الديني بالسياسي ليبدأ التضييق على حرية المرأة خاصة فيما يرتبط بالزي واللباس الذي يتوجب على النساء ارتداؤه في الفضاءات العامة، وبات المشهد في الشارع السعودي يجلب الأنظار له خاصة فيما يتعلق بحضور المرأة في الفضاء العام حيث أصبحت بعض النسوة يلتحفن السواد ليس بارتداء العباءة فحسب بل تحول المشهد إلى انتشار النقاب.

تغيير الأفكار المتشددة

وأسهمت التغييرات التي شملت مستويات مختلفة في الدولة السعودية والمجتمع المحافظ، في تغيير الأفكار التي فرضتها التيارات المتشددة على الحريات الشخصية، وبدأ الانفتاح النسبي الذي أصبحت تتمتع به السعودية في وقتنا الحالي، فصدرت الفتاوي من بعض العلماء ورجال الدين بأن العباءة غير مطلوبة لذاتها وإنما المراد بارتدائها هو الحشمة والستر بأي لباس ساتر أيا كان شكل اللباس أو لونه. وفي فبراير 2018 أعلن عبد الله المطلق، أحد كبار رجال الدين وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية، أن "ارتداء العباءة ليس فرضا على المرأة" مؤكدًا أن المطلوب هو الستر والاحتشام، أيا كان شكل اللباس أو لونه،  وبالتوازي مع الخطة الإصلاحية، صرح ولي العهد السعودي خلال لقاء أجرته معه قناة "سي بي أس " الأميركية قال فيه " إنه لا توجد نصوص شرعية تفرض على النساء ارتداء العباءة وغطاء الرأس الأسود" وأضاف " أن ذلك لا يعني بالتحديد ارتداء عباءة سوداء أو غطاء رأس أسود، مشيرًا إلى أن القرار يرجع للمرأة في تحديد نوع الملابس المحتشمة والمحترمة التي تريد ارتداءها"

وربما قد حان الوقت للمرأة السعودية بحرية اختيار لباسها الخارجي المحتشم الذي تريده، وتتجاوز حواجز الالتزام بالنماذج المحدَّدة للصورة السوداء في لباسها الخارجي، وهي الصورة التي افتعلتها التيارات الدينية المتشددة، ورسختها التقاليد الاجتماعية البالية، التي لا تعبر عن المجتمع السعودي الوسطي . وأثار طرح موضوع حرية اللباس جدلا واسعا على تويتر بوصفه المنبر الأكثر تعبيرا عن آراء الأوساط الاجتماعية في السعودية، فشهد ظهور السعوديتين مشاعل الجالود ومناهل العتيبي، في أحد المجمعات التجارية في العاصمة الرياض، وهما ترتديان قميصا محتشما وسروالا واسعا استنكارا لكسر ضوابط اللباس الشرعي المحتشم للمرأة، فيما اعتبر البعض أن العباءة هي طمس لهوية المرأة السعودية،

وعلى أرض الواقع في المجتمع السعودي أثارت حرية اللباس نقاشا جديدا تباينت فيه الثقافات بين مدافع عن حرية المرأة في اختيار لباسها الخارجي الذي تعبر فيه عن هويتها، بعد أن تدثرت النساء بلباس يعكس ألونا مبهجة، وبين مشدد على ضرورة ارتدائها للحجاب واحترامها للقيم الدينية والثقافية، ورحبت مصممة العباءات السعودية نوف السديري في حديثها لـ"اندبندنت عربية" بتنوع الخيارات في اللباس، المحتشم معتبرة "أن مثل هذا التغيير آتٍ وأن العباءة طرأت عليها العديد من التغيرات وتطورت بما يناسب هوية النساء السعوديات، واعتبرت السديري "أن اللباس الشرعي هو لباس في اطار مواصفاته أن يكون واسعا غير ملفت للنظر ولا يرتبط بلون محدد، وأن ضوابط اللباس الأسود بسبب (العرف والممارسة) التي يعززها المعتقد الاجتماعي ولا يفرضها الدين الإسلامي".

المكاسب الإصلاحية تحظى بالقبول

وبدت ردود الفعل الاجتماعية في السعودية بشأن حرية النساء في اختيار لباسهن الخارجي في أغلبها إيجابية ومتسقة مع الإصلاحات الاجتماعية ومن بينها حرية اللباس، لكن الخطوة غير المألوفة أن يعير الرجال الاهتمام بقضايا النساء ويناصروا مطالبهن، بل ويتطلعوا إلى أن تذهب التغييرات إلى أبعد مما هو قائم، المستشار الشرعي والقانوني عبد الله آل معيوف وصف الاحتشام لـ" اندبندنت عربية" بوصفه " وازع أخلاقي كلي يدعو النفس إلى ترك كل ما هو قبيح ، ولذلك تضييق مفهوم الحشمة وحصرة باللباس هو خطأ شنيع فاللباس الساتر هو جزء من كل" ، وتابع "قد يكون الإنسان محتشماً في اللباس متفسخاً في غيره من الأخلاق والعكس ، فلا يُقال لشخص أنّه محتشم حتى يحقق هذا الخلق بمفهومه الواسع، ولهذا شاهدٌ من السنة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم ( رُبّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة)، ولأنّها لم تحقق الحشمة بمفهومها الواسع كان عقابها التعري يوم القيامة والجزاء من جنس العمل، ولم يُغن عنها أنّها كانت كاسيةً في الدنيا، لأنّ الحشمة ليست هي الكسوة وحدها"

الآراء تشير إلى أن المكاسب الإصلاحية تحظى بالقبول والترحيب في الأوساط الاجتماعية، وأن الباب بات مفتوح اليوم أمام النساء السعوديات ليشاركن في صناعة الحياة العامة، ومنحهن حرية الزي الذي يروق لهن طالما أنه في أطر الزي الشرعي المحتشم.

المزيد من منوعات