Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من حماية المعارضة والمدنيين إلى حماية تركيا وتهجير الأكراد؟

كانت أنقرة في بدايات حرب سوريا اللاعب الإقليمي الأكبر عبر دعمها المعارضين بكل الوسائل من دون التدخل العسكري المباشر

أردوغان بات يسيطر على أراضي أوسع ويريد ما هو أكثر من "اتفاق أضنة" (غيتي)

تعددت الأهداف والعنوان واحد: منطقة آمنة شمال سوريا. وتغيرت الظروف والمطلوب التركي ثابت: دور جيوسياسي في سوريا، ومن خلالها، تحت غطاء أمني و"إنساني".

كانت أنقرة، في بدايات حرب سوريا اللاعب الإقليمي الأكبر عبر دعمها المعارضين بكل الوسائل، من دون التدخل العسكري المباشر. وحين بدأت دمشق استخدام سلاح الطيران ضد المعارضين في المناطق التي سيطروا عليها، متهمة إياهم بأنهم "إرهابيون وعملاء"، لم تجد فصائل المعارضة ومعها حكومة تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان، سوى المطالبة بواحد من أمرين: إما حصول المعارضة المسلحة على أسلحة مضادة للطيران، وإمّا فرض منطقة حظر طيران في الشمال. وهذا ما فعلته أميركا بالنسبة إلى كردستان العراق بعد حرب "عاصفة الصحراء"، ثم غزو العراق. لكن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، التي دعمت فصائل معارضة بالاتفاق مع تركيا ودول عربية، لم تكن متحمسة لمثل هذا الاقتراح. وعندما اشتد عليها الضغط، طلب أوباما من البنتاغون دراسة عن إقامة منطقة حظر طيران. وجاءت الدراسة كما رغب أوباما. إذ اعتبرت أن إقامة هذه المنطقة تحتاج إلى قوات أميركية برية وجوية وبحرية ونفقات طائلة، ما أدى إلى سقوط المشروع.

وعندما تدخلت روسيا عسكرياً في خريف 2015، صار المطلب مهمة مستحيلة. والبديل فرضته الوقائع على الأرض. أميركا سلحت قوات سوريا الديموقراطية ذات الغالبية الكردية، وجعلت منطقة شرق الفرات التي حررتها تلك القوات من تنظيم "داعش"، محمية بالطيران الأميركي بالتنسيق مع موسكو.

وتركيا اجتاحت منطقة عفرين، ثم المنطقة ما بين الباب وجرابلس بتفهم روسي، مقابل تخلي تركيا عن شرق حلب والمقاتلين فيها لمصلحة قوات النظام. كان من أهداف أميركا السيطرة على شرق الفرات عبر ألفي عسكري، ودعم الأكراد في القضاء على "داعش"، وقطع طريق إيران إلى لبنان عبر سوريا، وأخذ دور في التسوية السياسية المفترضة. وكان من أهداف تركيا إقامة فاصل بين المناطق الكردية الثلاث، ومنع قوات سوريا الديموقراطية من ربط عفرين بالساحل السوري.

لكن الرئيس أردوغان بدأ يوسع مطالبه من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد إقامة تفاهمات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واختراع الروس منصة "أستانا" و"مناطق خفض التصعيد" بضمانات من موسكو وأنقرة وطهران. إذ عاد يهدد باجتياح شرق الفرات أو إقامة "المنطقة العازلة"، التي بحث مع ترمب إقامتها بعمق 32 كيلومتراً.

وكالعادة سحب بوتين من كمه أرنب "اتفاق أضنة"، الموقع بين تركيا وسوريا عام 1998، أيام الرئيسين حافظ الأسد وسليمان ديميريل. وهو اتفاق جرى التوصل إليه بوساطة مصرية وإيرانية، بعدما حشد ديميريل الجيش التركي على الحدود وهدّد باجتياح سوريا لطرد حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبدالله أوجلان وكل "معسكرات الإرهاب" الكردية في سوريا والبقاع اللبناني. وهكذا تم إخراج أوجلان من سوريا، وانتهى سجيناً في جزيرة تركية، وضمنت تركيا لنفسها الحق في التوغل في الأراضي السورية لمسافة خمسة كيلومترات.

لكن أردوغان، الذي بات يسيطر على أراضي أوسع، يريد ما هو أكثر من "اتفاق أضنة" و"يوظف" الاتفاق في الوقت ذاته في خدمة هدفين: أولهما القول إن احتلاله الأرض السورية حالياً "مشروع"، لأن "اتفاق أضنة" يسمح لتركيا بدخول الأراضي السورية متى شاءت ومن دون دعوة من أحد، كلما رأت أمنها مهدداً. وثانيهما الإفادة مما ورد في الملحق الرقم 3 للإتفاق، وهو تخلي دمشق عن المطالبة بلواء إسكندرون، الذي سلخه الانتداب الفرنسي عن سوريا وقدمه هدية إلى تركيا عام 1939. أما بوتين والرئيس بشار الأسد فإنهما يريان في العودة إلى "اتفاق أضنة" تحولاً بنسبة 180 درجة في السياسة التركية. إذ من شروطه عودة القوات السورية إلى الحدود الدولية، وإنهاء الاجتياح التركي الحالي للأراضي السورية. فضلاً عن أن الظروف باتت تسمح، بعد الانسحاب الأميركي من شرق الفرات، بتفاهم أوسع بين دمشق وقوات سوريا الديموقراطية.

وليس من السهل على أميركا وتركيا فرض منطقة "آمنة" أو "منطقة عازلة" شمال سوريا. فهما على خلاف حيال الاكراد ومع موسكو وطهران. والمنطقة الآمنة في بدايات الحرب، كانت تعني حماية فصائل المعارضة السورية، والمدنيين هناك والتخفيف من اللجوء والنزوح. وهي الآن، كما يريدها أردوغان، لحماية الأمن القومي التركي من خطر كردي متخيَّل، وضمان دور وحصة في أي تسوية في سوريا ضمن مشروع "العثمانية الجديدة" في الشرق الأوسط. فضلاً عن التسبب بموجة جديدة من النزوح الكردي. واللعبة مستمرة فوق مسرح سريع التحولات.

المزيد من آراء