Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تعني العقوبات الأميركية ضد البنك المركزي والصندوق السيادي الإيرانيين؟

الإجراء الأميركي يعزل طهران مالياً وتجارياً وقد يساعد في إشعال انتفاضة لتغيير النظام

في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة الأميركية لحصار وعزل إيران دبلوماسياً خلال الاجتماعات التي سيعقدها الرئيس دونالد ترمب مع زعماء وقادة العالم بعد أيام، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحذير إيران عسكرياً بالتوازي مع الإعلان عن إرسال قوات عسكرية أميركية ونظم دفاع جوي متطورة لتعزيز القدرات الدفاعية للسعودية، اعتبر ترمب أن تصنيف ثلاثة كيانات مالية إيرانية "منظمات إرهابية" ضمن العقوبات الاقتصادية الأميركية هو الأقسى من نوعه في التاريخ. فما طبيعة هذه العقوبات؟ وما الذي يجعلها خانقة ومؤثرة في النظام الإيراني بما يعد عقاباً قاسياً بعد الهجمات الأخيرة ضد منشآت نفطية سعودية؟

عزل إيران مالياً وتجارياً

على الرغم من ادعاء المسؤولين الإيرانيين أن العقوبات الأميركية أصبحت غير مجدية، وأن الاقتصاد الإيراني يستطيع تحمل العقوبات، فإن أغلب المحللين والخبراء الاقتصاديين في واشنطن اعتبروا أن هذه العقوبات ستسهم بقوة في عزل إيران مالياً وانهيار اقتصادها، بما قد يدفع إيران إلى التخلي عن برامجها الصاروخية والنووية والحد من تدخلاتها في الصراعات الإقليمية.

العقوبات الأميركية الجديدة التي أعلنتها وزارة الخزانة وصنفت ثلاثة كيانات مالية إيرانية هي البنك المركزي والصندوق الوطني للتنمية (الصندوق السيادي لإيران) وشركة اعتماد تجارتي – بارس، وهي مؤسسة تسيطر عليها الحكومة، تُعَدُ بمثابة بعض من آخر ما تبقى من علاقات إيران مع الأسواق المالية والتجارية.

تجميد 100 مليار دولار

يقول محللون اقتصاديون في واشنطن إن صندوق إيران السيادي تتراوح قيمته ما بين 80 و100 مليار دولار أميركي، إضافة إلى مبالغ أخرى ضخمة مودعة في حسابات مصرفية حول العالم. ما يعني أن العقوبات الأميركية ستدفع المؤسسات المالية الأجنبية إلى تجميد هذه الحسابات ومنع إيران من التصرف بهذه الأموال وإلا واجهت هذه المؤسسات خطر التعرض لعقوبات أميركية.

ويشير هؤلاء إلى أن هذه الأموال إضافة إلى حسابات البنك المركزي الإيراني في الخارج، تُمثل مسألة حيوية للغاية بالنسبة إلى النظام الإيراني كونها تُعدُ آخر بقايا النظام المالي الذي يسمح لإيران بمواصلة عمليات التجارة الدولية وإبقاء خط الحياة مفتوحاً للاقتصاد الإيراني الذي يترنح منذ بدء تطبيق سياسة "الضغوط القصوى" من قبل إدارة الرئيس ترمب.

آليات تمويل الإرهاب

ووفقاً لوزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، فإن البنك المركزي الإيراني وصندوق التنمية الوطني، استخدمهما النظام الإيراني في تمويل التنظيمات الوكيلة لإيران في سوريا ولبنان واليمن والعراق، بدلاً من تأمين عيش كريم للشعب الإيراني، معتبراً أن وزارته تستهدف آليات التمويل الخطرة التي يستخدمها النظام الإيراني لدعم شبكة الإرهابيين التي تشمل فيلق القدس التابع للحرس الثوري وحزب الله اللبناني والميليشيات الحوثية في اليمن وميليشيات أخرى في العراق، تعمل جميعها على إثارة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

غير أنه من الناحية العملية، فإن العقوبات تُجمد أي أصول أو موجودات أو ممتلكات للمؤسسات الإيرانية المستهدفة داخل الولايات المتحدة. كما تحظر على الأشخاص أو البنوك أو الشركات أو المؤسسات المالية، المتمركزة مقراتها في الولايات المتحدة، التعامل مع هذه الكيانات الإيرانية الثلاثة.

المنبوذ عالمياً

الأهم من ذلك، أن تصنيف الكيانات الإيرانية إرهابية وإضافتها إلى قائمة الإرهاب من شأنه أن يضع المؤسسات المالية المستهدفة في وضع المنبوذ عالمياً، ما يجعل دعمها والتعامل معها أكثر بُغضاً من الناحية السياسية.

ويقول مراقبون إن التهديد بخسارة الدخول إلى الأسواق الأميركية، التي تعد الأكبر في العالم، دفع الشركات الدولية إلى الانسحاب من إيران وقطع علاقاتها المالية مع طهران، بما يعنيه ذلك من إضعاف قدرة إيران على التعامل مع المؤسسات والمصارف الدولية العالمية.

استفادت إيران من صندوق التنمية الوطني بالتعاون مع البنك المركزي في تمويل عمليات فيلق القدس خلال السنوات الماضية، وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي قالت في بيانها إن البنك المركزي الإيراني متورط في تحويل ملايين الدولارات من الصندوق السيادي للدولة إلى منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والإدارات اللوجستية للقوات المسلحة الإيرانية المسؤولة عن صناعة الصواريخ الباليستية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما أوضحت الخزانة الأميركية أن الحكومة الإيرانية اعتزمت وخططت لاستخدام شركة اعتماد تجارتي - بارس لشراء معدات عسكرية وأسلحة من روسيا ودول أخرى.

ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فقد بدأت عوائد النفط الإيرانية في التراجع بقوة منذ تطبيق العقوبات الاقتصادية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، ومعها تزايد لجوء إيران إلى صندوقها السيادي لتعويض نقص التمويلات، حيث سحب النظام الحاكم 4.8 مليار دولار في شهر يناير (كانون الثاني) 2019 لتمويل الحرس الثوري الإيراني ومؤسسة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية وأذرعتها الإعلامية، التي يقول مراقبون إنها تُعد الأداة الحيوية لنشر دعاية النظام الحاكم في طهران.

ردع التمويلات مستقبلاً

ويشير مارك دبوتيز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، وهي مؤسسة بحث وتفكير أميركية في واشنطن، إلى أن استهداف المؤسسات المالية الإيرانية الثلاث وتصنيفها إرهابية يلصق بها وصمة عار سوف تردع أي تمويل مستقبلي، حتى لو تغيرت إدارة ترمب وحلت محلها إدارة أميركية جديدة وقررت التعاطي مجدداً مع إيران والتخلي عن السياسة السابقة.

ويضيف دبويتز أن العقوبات الجديدة ستُعَرِض أي حسابات سرية دولية لإيران إلى الخطر، إذا ما انكشفت وعرفتها الاستخبارات الأميركية.

احتمالات تغيير النظام

ويذهب بعض الخبراء في الشأن الإيراني إلى أن حملة ترمب الأخيرة والعقوبات الاقتصادية السابقة يمكن أن تكون سبباً في إطلاق شرارة انتفاضة سياسية قد تؤدي إلى تغيير النظام الحالي في طهران وتشكيل حكومة تقبل التعاطي بإيجابية مع مطالب واشنطن، وإن كان آخرون يشيرون إلى أن قبضة النظام الإيراني قوية من خلال سياسة القتل والتعذيب التي يتبعها ضد المنشقين وعبر سياسة تجفيف مصادر النفوذ السياسي القادرة على تحدي النظام الحاكم في طهران.

نزع أحشاء التجارة الإنسانية

في الوقت نفسه، يرى مسؤولون سابقون أنه على الرغم من خضوع البنك المركزي الإيراني إلى عقوبات أميركية على مدى عقدين من الزمان عبر منع الشركات والمصارف الأميركية من التعامل معه، فإن أهمية العقوبات الجديدة تكمن في أنها تزيل من البنك المركزي الإيراني القدرة على الاستفادة من الاعفاءات الأميركية المتعلقة بالتجارة في المواد الإنسانية. كما أن العقوبات الجديدة ستعطل تسليم أغذية وأدوية وخدمات طبية إلى إيران. ويقول برايان أوتول، من برنامج الاقتصاديات العالمية التابع للمجلس الأطلسي في واشنطن، إنه من الآن فصاعداً، فإن أي تجارة إنسانية مع إيران لا يمكن أن يكون البنك المركزي الإيراني طرفاً فيها، ما يمثل عقبة رئيسية أمام هذه التجارة، نظراً إلى الدور الذي يلعبه البنك المركزي الإيراني في الاقتصاد وأسواق التبادل النقدي الأجنبي في البلاد.

واعتبر رايان كوستيلو، مدير السياسات في المجلس الوطني الإيراني الأميركي، أن هذه العقوبات سوف تنزع أحشاء التجارة الإنسانية مع إيران.

وكان ما يسمى بنظام التجارة الإنسانية مع إيران قد بدأ في أعقاب فضيحة "النفط مقابل الغذاء" مع النظام العراقي، حيث نص قانون الصادرات وإصلاح العقوبات التجارية عام 2000 على تفويض مكتب التحكم في الأصول الأجنبية (أوفاك) التابع لوزارة الخزانة الأميركية، برسم وتحديد السياسات الخاصة بتصدير مواد إنسانية معينة مثل الأغذية والأدوية والخدمات الطبية إلى الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية.

ويُطبق هذا النظام عبر منح تراخيص عامة وإعفاءات داخل برنامج العقوبات الخاص بإيران، بما يحول دون إجراء هذه المعاملات التجارية مع أشخاص أو مؤسسات فُرضت عليها عقوبات ذات علاقة بالإرهاب.

وحتى 20 سبتمبر (أيلول) الحالي، كانت التجارة الإنسانية بين البنك المركزي الإيراني مع آلية التجارة الأوروبية مع إيران المعروفة اختصاراً باسم "إنستكس" لا تنطبق عليها العقوبات الأميركية، إلا أن تصنيف البنك المركزي الآن منظمة إرهابية ووضعه على اللائحة السوداء الأميركية سوف يمنع الأوروبيين من التعامل معه.

وعلى الرغم من أن بيان الخزانة الأميركية أوضح أن مكتب "أوفاك" التابع لها سوف يواصل دراسة الطلبات الخاصة بالتجارة الإنسانية مع إيران لمنح بعض الجهات إعفاءات من العقوبات كلما كان ذلك مناسباً. إلا أنه من الصعب، وفق أوتول، استمرار الصادرات الغذائية والطبية إلى إيران. كما أن الأشخاص غير الأميركيين لن يحق لهم التقدم بطلبات للحصول على تفويض خاص يمنحهم حق التجارة الإنسانية مع البنك المركزي الإيراني.

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات