Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"شفاء الجروح"... تبلسم وجع مصابي البتر في غزة

البرنامج هو الأول من نوعه على مستوى فلسطين ويهدف إلى دمج هؤلاء في المجتمع وعلاجهم من الناحية النفسية

مسعفون يحملون مصاباً وسط إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع من قبل الجيش الاسرائيلي لتفريق المتظاهرين في مسيرة العودة (أحمد حسب الله)

في الأسبوع الأوّل لمسيرة العودة التي انطلقت في مارس (آذار) عام 2018، قرب الحدود الأمنية الفاصلة بين غزة وإسرائيل، تعرض محمد لإصابة في قدمه اليسرى تسببت في بتر طرفه. ومنذ ذلك الوقت، بات يصارع مرارة الحياة ودائماً ما يردد "أصبحت عاجزاً عن العمل ولا أقوى على فعل أيّ شيء، فقدت الكثير من طاقتي بعدما كنت أمشي طوال اليوم، أصبحت أحتاج لمساعدٍ حتى أقف على قدمي".

الموت أرحم

هذه الإصابة التي تعرض لها محمد منذ أكثر من عام ونصف العام، أثرت في حالته النفسية، حتى إنه فكّر في الانتحار أكثر من مرّة، لأنّه بات عاجزاً عن القيام بأّي نشاطٍ في حياته، وأصبح لديه شعور بأنّ الموت أرحم من البقاء من دون قدم، والعيش على دعم الآخرين له ومساعدتهم.

لكن برنامج "شفاء الجروح" والمخصص للدعم النفسي والعلاج التدريجي لمصابي حالات البتر، نتيجة الصراع بين غزة وإسرائيل (عدوان 2008 و2014)، إضافة إلى مصابي مسيرات العودة، كان الخيار الأمثل لمحمد ولمن عاش معاناته من مصابين تعرضوا لبتر أطرافهم، يستطيع من خلاله التمويه عن نفسه والسعي الجاد لأن يصبح أكثر فعالية في المجتمع.

دعم نفسي

شرعت وزارة الصحة الفلسطينية بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بتقديم الدعم النفسي لحالات البتر، من مصابي مسيرة العودة، ويعد هذا البرنامج الأوّل من نوعه على مستوى فلسطين، ويهدف إلى دمج المصابين في المجتمع وعلاجهم من الناحية النفسية.

أسفرت محاولة الجيش الإسرائيلي تفريق متظاهري مسيرة العودة الأسبوعية التي تنطلق على طول الشريط الحدودي مع غزة، عن إصابة أكثر من 34 ألف مواطن بجروحٍ مختلفة، من بينهم أكثر من 150 حالة بتر، نتيجة تعرضهم لرصاص الجنود الإسرائيليين، وفقاً لأحدث إحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية.

جرائم حرب

وبحسب فريق حقوق الإنسان التابع لهيئة الأمم المتحدة، فقد ارتكبت إسرائيل جرائم قد ترقى لأن تكون "جرائم حرب" في محاولتها تفريق متظاهرين مدنيين شاركوا في تجمعات سلمية قرب الحدود مع إسرائيل، وذلك على الرغم من المطالبات بعدم استخدام القوة المفرطة في محاولة التفريق.

كل ذلك شكّل لدى الكثير من إصابات مسيرة العودة وذويهم، اضطرابات نفسية أثرت في سلوكهم العام. وبحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية في غزة، هناك ما يقارب الـ 210 آلاف حالة اضطراب نفسي. وصرح مدير منظمة الصحة العالمية في غزة محمود ضاهر أن "عوامل كثيرة رفعت عدد المصابين بالاضطرابات النفسية، من بينها تعامل إسرائيل مع المشاركين في مسيرة العودة، وسلسلة الحملات العسكرية على القطاع، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها السكان منذ 14 سنة". وأوضح ضاهر أن "إسرائيل إلى جانب الحكومة الفلسطينية والسلطة الحاكمة في غزة شركاء في الاعتداء، وهم مسؤولون عما يعانيه المواطنون في القطاع من مشاكل نفسية.

"شفاء الجروح"

ازدياد حالات الاضطراب النفسي أحد الأسباب التي دفعت إلى تأسيس برنامج "شفاء الجروح" المخصص لمصابي حالات البتر الناتجة من أعمال العنف الإسرائيلي، وسجلت وزارة الصحة قرابة 124 بتر طرف سفلي، من أصل 158 حالة بتر.

وبالفعل بدأ البرنامج عمله على حوالى 540 حالة بتر، ويقول المشرف يوسف عوض الله إن "الهدف الأساسي منه علاج المصابين نفسياً وحمايتهم من الصدمات، فضلاً عن دمجهم في المجتمع وتحويلهم لمنتجين من خلال توفير فرص عمل لهم".

مشاركة القصص والتجارب

ويعمل حوالى 24 مسيراً (مقدم خدمات نفسية) في "شفاء الجروح" وفق برنامج معتمد، يتمكن المصاب في ختامه، من الانخراط في المجتمع كعنصر فعال وعامل. وأعلن عوض الله عن تقديمهم "دعماً جماعياً لمجموعات تتألف من مصابين وذويهم، بإشراف مقدم الرعاية".

وحول جدول التأهيل، يوضح عوض الله أن "كل مبتور عليه أن يشارك قصته مع رفاقه، ثم التعرف إلى العواقب النفسية للبتر، وما هي طبيعة شجرة الحياة، وكيف يمتلك مهارات حل المشكلة، وأخيراً تحويله من مستهلك إلى منتج".

والهدف من ذلك هو إخراج الجريح من اضطراب ما بعد الصدمة. ويظهر عوض الله أنّ "غالبية المصابين يعانون من اكتئاب، قد يدفعهم إلى اللجوء للانتحار أو تعاطي العقاقير والمخدرات".

مراحل الشفاء

والمرحلة الثانية من برنامج شفاء الجروح تتمثل في تقديم التوعية للأسر، ويلفت عوض الله إلى أن الهدف من ذلك هو حماية المصاب داخل بيته أولاً، بما يضمن تجهيزه للعلاج، ويكون ذلك من خلال ثماني جلسات، أي بمعدل جلسة أسبوعياً، تستمر لمدة أربع ساعات.

والمحدد الثالث في "شفاء الجروح" هو تجهيز الطواقم الطبية، يؤكد عوض الله أنّ "العديد من الأطباء يجهلون طريقة التعامل مع حالات البتر وكيف يجري تبليغ المصاب والأهل، الأمر الذي ينعكس نفسياً على الحالة ويسبب اضطراباً نفسياً لدى المصاب".

وبعد انتهاء عمليات "التفريغ النفسي"، تعمل الفرق المقدمة للخدمات النفسية على بناء قدرات للمصاب، وتجهيزه لسوق العمل. ويؤكد عوض الله أنه "عندما يتحول المصاب إلى منتج يتحسن وضعه النفسي".

مشاريع صغيرة

ويعمل الصليب الأحمر على تقديم مبلغ مالي يصل في أحسن الحالات إلى ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار أميركي، لإنشاء مشاريع صغيرة لمصابي حالات البتر، بهدف تشغيلهم وتحسين مستوى الدخل لديهم.

وبالفعل، نجح برنامج "شفاء الجروح" في علاج العديد من حالات البتر، إذ جرى تجهيز قرابة 80 مصاباً وتأهيلهم نفسياً، عدد منهم افتتح مشاريع ريادية صغيرة وباتت مصدر دخل له.

المزيد من الشرق الأوسط