Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم "دايان" للمخرج بهروز نورانبور ... حكايات أليمة لعائلة كردية واحدة

يشارك في مهرجان داهوك... ويؤكد ان الجغرافيا مصدر المآسي

من فيلم "دايان" الكردي (اندبندنت عربية)

يميل الفيلم الكُردي "دايان" DAYAN إلى فكرة واضحة، تقول إن جميع أشكال مآسي الفرد الكُردي، وفي مختلف دول المنطقة، أنما تنبع من أساس واحد، أساس جُغرافي سياسي، يُنتج بقية المُعضلات، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والحياتية، يُديمها ويُراكمها، ويجعل من المستحيل التخفيف عنها، إذ ثمة إستراتيجية جغرافية سياسية تحول دون تحقيق أي مسعى.

الفيلم الذي أخرجه المُخرج الكُردي الشاب بهروز نورانبور (مواليد 1981)، والذي يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان دهوك السينمائي السابع، الذي تُعرض أفلامه راهناً في صالات السينما في مدينة دهوك بإقليم كُردستان العراق، أنما تُقدّم أحداثه ضمن مشهد كُلّي طاغٍ، يتمثل بأجواء العواصف الثلجية الجبلية، الشديدة القسوة، في جرود المناطق الجبلية العالية في المثلث الحدودي الإيراني العراقي التُركي. فالجبال العاصية، وسُلطة الدول وأجهزة المراقبة والعقاب على أطراف الحدود، التي تمنع ملايين الكُرد على أطراف الحدود الثلاثة وتعاقبهم على التنقل بيُسر على جنبات الحدود، هي المشهد والفاعل المركزي في الفيلم.

العائلة الهاربة

يسرد الفيلم حكاية عائلة شديدة "الهوان"، تمثل بمعنى ما نموذجاً تعبيرياً عن العائلة الكُردية، التي أنطبق ويطبّق عليها هذا الشرط الجبار طوال أكثر من قرن، كما يحاول الفيلم أن يثبت أن مُجرياته أنما مُعادة التكرار على الدوام، مُنذ ذلك الوقت وحتى الآن.

هذه العائلة التي فرّت من جحيم حملات الأنفال التي مارسها النِظام العراقي السابق في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بحق الكُرد العراقيين، لأن الوالد كانت مُقاتلاً في صفوف قوات البيشمركة الكُردية، واستقرت داخل الأراضي الإيرانية في المثلث الحدودي للبلدين مع تُركيا. لكن لكونها عائلة فارة، عاشت لأكثر من ثلاثة عقود من دون أية وثائق ثبوتية ورسمية، وبذا افتقدوا كامل حقوقهم العادية، التعليمية والصحية والمدنية، وعاش الأب مع زوجته وأربعة من أولاده على هامش الحياة في تلك الجبال الوعرة، يمتهن تهريب السجائر والمواد النفطية على طرفَي الحدود، يحملها على ظهره.

الأولاد الأربعة يدفعون أثمان ذلك الظرف السياسي الجُغرافي، في ظلال الإنكار القانوني، الذي يظهر كصورة مُصغرة عن الأنكار الكُلي من قِبل هذه الدول للوجود الكُردي.

الأبن الاكبر يفقد قدميه، بانفجار لُغم أرضي به أثناء محاولته عبور الحدود حاملاً بضاعة مهربة على ظهره، ليبقى طوال الفيلم يمارس فعلاً شبيهاً بالعويل، محملاً والده تبعات ما لاقاه من مصير، الوالد الذي لم يُحصّل شيئاً لأولاده، مهنة أو ثورة، جراء ظروفه الحياتية القاسية.

الأبنة الكُبرى، الساعية إلى الانتقام مع مجموعة الظروف المحيطة بها، تلتحق بصفوف قوات سوريا الديمقراطية YPG، اليساري الكُردي السوري، الذي يُقاتل التنظيمات الأصولية والإقليمية المعادية للأكراد. لكن، لأن الجُغرافيا التي كانت تُقاتل فيها كانت حدودية بدورها، في مدينة كوباني/عين عرب السورية ذات الأغلبية الكُردية على الحدود مع تُركيا، فأنها تعرضت للأسر من قِبل تنظيم داعش الإرهابي، ولأشكال مع الاعتداءات الجسدية والجنسية، تضطر معها لأن تعود إلى ذويها وهي حبلى بطفل من أب مجهول.

الولدان الآخران، يعانيان مع إعاقة جسدية ونفسية، انعكاسيان لما لاقياه من ظروف صحية ونفسية قاسية في تلك الجُغرافيا.

تراجيديا التغيير المُستحيل

يعرض النصف الثاني من الفيلم كاملاً محاولة الفرار من مصيرهم هذا، نحو الدول الأوروبية، مثلما فعلت مئات الآلاف من العائلات الكُردية طوال العقود الماضية.

لكن العائلة التي تحيي ذلك الظرف، تبدو محاولتها للتغيير محكومة بقسوة واستحالة تقلان عما تُلاقيه في حياتها اليومية. فلأنهم يفتقدون أية أوراق، يضطرون لعبور الحدود مشياً على الأقدام، وأن يكونوا ضحايا تُجار البشر وشبكاتهم العابرة للحدود.

يصل الوالد، الذي يمثل حيرة الذات الكُردية، في المحصلة إلى تراجيديا شديدة القسوة، فإما أن يضطر ليعود بعائلته إلى مكان سُكانهم الأول، بعدما فقدوا كُل شيء إلى أن وصلوا إلى نصف الطريق، ومعه أبنته الحامل بطفلٍ مجهول الأب، في ظلال مجتمع كثير القسوة والذكورة، أو أن يضطر لأن يتخلى عن واحد من ولديه المُعاقين، لصالح تجار الأعضاء الجسدية، الذين يعرضون على الأب مبلغاً مالياً يُمكنه من إكمال الراحلة، مقابل التخلي عن ولديه لتستفيد العصابة من أعضائهما الجسدية.

تطول الدقائق الأخيرة للفيلم كثيراً على المُشاهدين، التي تعرض بشكل مُسهب عوالم القلق والتمزق التي يعيشها الأب، والتي يحاول المخرج من خلالها عرض مدى الضعف والهوان التي يعيشها الكُردي في ظلال ما يحيط به من قسوة، بالذات مخالب الجبال المتخمة بالجبروت.

الفيلم الذي يكسوه بياض الثلج، المحيط بكل الأشياء، كتعبير عن الحصار، فإنه من جهة أخرى غارق بالعشرات من المواويل والأغاني الكردية التقليدية، التي تدور في فُلك ندب الأقدار الكردية.         

المزيد من فنون