Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أوروبا تستعجل عقد اتفاقات أفريقية لاحتواء الهجرة قبيل انتخاباتها

بعضهم يرى أن هذه التفاهمات تعطي الأولوية لأمن القارة العجوز وتضع عبئاً ثقيلاً على دول قد لا تمتلك الموارد أو البنية التحتية اللازمة لإدارة أعداد كبيرة من المهاجرين

مخاوف من اتباع نهج أمني صارم في التعاطي مع المهاجرين غير النظاميين (أ ف ب)

ملخص

الاتحاد الأوروبي يكرس تدريجاً سياسة تمديد حدوده البحرية إلى تونس ومصر وليبيا والمغرب حيث باتت السلطات في هذه الدول تقوم بدور حاسم في إدارة ملف الهجرة

مع بدء العد العكسي للانتخابات البرلمانية الأوروبية، تتحرك الآلة الدبلوماسية لبروكسل في مسعى للتوصل إلى تفاهمات جديدة مع دول شمال أفريقيا على غرار تونس ومصر وليبيا بصورة تضمن وقف تدفق المهاجرين غير النظاميين الذين زادت محاولاتهم للعبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط في ظل حال التوتر والفوضى التي تشهدها دول أفريقية عدة.

وعلى رغم أنها محل انتقادات من أوساط حقوقية عدة، إلا أن الاتحاد الأوروبي يكرس تدريجاً سياسة تمديد حدوده البحرية إلى تونس ومصر وليبيا والمغرب حيث باتت السلطات في هذه الدول تقوم بدور حاسم في إدارة ملف الهجرة انطلاقاً من اتفاقات مثيرة للجدل.

ولا تهدأ التحركات الدبلوماسية الأوروبية في هذه المنطقة لتثبيت هذه السياسة، فعلى سبيل المثال زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ووزير داخليتها ماتيو بيانتيدوزي ووزير ثقافتها، تونس في غضون أسبوع واحد. وبالأرقام، فإن هذه الزيارة لميلوني إلى تونس هي الرابعة في عام واحد أيضاً.

وحاولت المرأة اليمينية المتشددة تهدئة المخاوف التونسية من "خطط لتوطين المهاجرين غير النظاميين" في البلد الواقع شمال أفريقيا، برفقة طاقمها الوزاري، داعية منظمات دولية إلى الدخول في مسار عمليات ترحيل هؤلاء المهاجرين نحو دولهم.

تعاون مصري

لكن رادار الاتحاد الأوروبي لا يركز على تونس فحسب، إذ عكفت الأوساط الدبلوماسية في بروكسل منذ أشهر على التوصل إلى اتفاق مع مصر يتيح كبح جماح المهاجرين غير النظاميين، خصوصاً أن البلاد صارت ملاذاً لمئات آلاف اللاجئين الفارين من جحيم الحرب في السودان.

وبالفعل، كللت المساعي الأوروبية بالنجاح، فأبرمت بروكسل مع القاهرة اتفاقات بقيمة 7.4 مليار يورو، وهو مبلغ يشمل استثمارات والتعاون في مجالات مكافحة الهجرة والإرهاب.

وقال رئيس تحرير صحيفة "أخبار اليوم" المصرية وعضو المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر محمود بسيوني إن "مصر تتعاون مع الاتحاد الأوروبي في معالجة مشكلة الهجرة غير النظامية واللاجئين، بخاصة أنها مشكلة تؤرق الجانب الأوروبي كثيراً في الآونة الأخيرة".

وأردف بسيوني في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "مصر تسعى من خلال شراكتها مع الاتحاد إلى توفير حياة كريمة لمن تستضيفهم حالياً، ويفوق عدد هؤلاء الـ9 ملايين بينما تجابه البلاد تحديات اقتصادية ضخمة".

ولفت إلى أن "ذلك العدد الكبير يضغط بطبيعة الحال على الوضع الاقتصادي المصري في ظل تدفق المئات يومياً عبر الحدود المصرية- السودانية هرباً من الصراع الحاصل في السودان، مما وضع على عاتق القاهرة أعباء متزايدة لتوفير حاجات هؤلاء، وكثير منهم لا يسجل كلاجئ، ومع ذلك تحاول الدولة بالتعاون مع المجتمع المدني توفير الحاجات الغذائية والصحية بصورة عاجلة".

وأشار إلى أن "مصر تنفذ أيضاً نهجاً خاصاً بها وهو تسكين اللاجئين في منازل ووحدات سكنية بدلاً من إنشاء خيم وأماكن للإيواء، وهو النهج الذي أشادت به مفوضية اللاجئين".

واستنتج بسيوني أن "الاتحاد الأوروبي مطالب بزيادة تعاونه مع مصر في ذلك المجال، وتوفير مزيد من الاستثمارات في مصر من أجل توفير فرص عمل حقيقية للراغبين في الهجرة غير النظامية وأيضاً للاجئين، وتقديم الدعم المناسب للحكومة المصرية بما يمكنها من تحمل أعباء المهاجرين، ويدعم جهودها ومبادراتها المختلفة لمكافحة الهجرة غير النظامية".

اتفاقات معقدة

والمساعي لما بات يُعرف بـ"تصدير الحدود" نحو شمال أفريقيا أو جعل الحدود الأوروبية متقدمة بصورة كبيرة، ليست وليدة اللحظة إذ سعت إيطاليا منذ أعوام إلى إنشاء قوات ليبية تعمل بالوكالة في عرض البحر الأبيض المتوسط على اعتراض المهاجرين.

وأبرمت الحكومة الإيطالية عام 2017 مذكرة تفاهم مع ليبيا تنص على تدريب وتجهيز هذه القوات للتصدي لمهربي البشر ومحاولات اجتياز الحدود البحرية، وتم تجديد هذه المذكرة العام الماضي من قبل البلدين في تحدٍ لأصوات تنتقدها بشدة بسبب مزاعم وجود انتهاكات في مراكز احتجاز المهاجرين وعند اعتراض هؤلاء.

وقال الباحث السياسي الإيطالي دانيال روفينيتي إن "الاتفاقات المبرمة بين إيطاليا وألمانيا ودول أوروبية أخرى مع دول شمال أفريقيا لإدارة الهجرة غير الشرعية هي اتفاقات معقدة ومتعددة الأوجه، وهي تهدف أساساً إلى التصدي للتحديات التي تفرضها طرق الهجرة غير النظامية وأنشطة شبكات التهريب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح روفينيتي في تصريح خاص أن "غالباً ما تتضمن هذه الاتفاقات التعاون في إدارة الحدود ومكافحة الإتجار بالبشر والتهريب وتطوير مسارات الهجرة القانونية. وفي ما يتعلق بفاعلية هذه السياسات، من المهم الإشارة إلى أنه كان لها بعض التأثير في الحد من الوافدين غير النظاميين ومواجهة شبكات التهريب".

واستدرك أن "مع ذلك، تستمر تدفقات المهاجرين غير النظاميين، مما يشير إلى أن هذه التدابير وحدها قد لا توقف تدفق المهاجرين بصورة كاملة، وينبغي أن تكون جزءاً من استراتيجية متكاملة".

وبيّن روفينيتي أن "الاتحاد الأوروبي كان أقر بالحاجة إلى نهج شامل يتضمن منع الهجرة غير الشرعية ومكافحة التهريب وتشجيع الهجرة القانونية والتنقل، ولكنه يدعم أيضاً نمو البلدان الأفريقية وتنميتها. وفي هذه الحالة، ربما تكون خطة ماتي الإيطالية بمثابة حل سياسي".

موازنة صعبة

بالتوازي مع توجه الأوروبيين نحو إبرام صفقات مع حكومات شمال أفريقيا، عادت المخاوف الحقوقية من أن يؤدي ذلك إلى اتباع نهج أمني صارم في التعاطي مع المهاجرين غير النظاميين.

وأعربت منظمات عدة في تونس عن خشيتها من تصاعد اعتراض المهاجرين غير النظاميين ومحاولات ترحيلهم، فيما تزايدت الانتقادات في ليبيا لأداء خفر السواحل، خصوصاً الأجهزة المعنية بإدارة مراكز احتجاز المهاجرين.

لذلك يقول روفينيتي إن "انتقادات حقوق الإنسان لهذه الاتفاقات تنبع من المخاوف في شأن معاملة المهاجرين والظروف التي يواجهونها، بخاصة في بلدان العبور، فهناك تقارير عن انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والحرمان من الحصول على اللجوء التي تم توثيقها من قبل منظمات مثل منظمة العفو الدولية. وتعرض اتفاق الهجرة الجديد للاتحاد الأوروبي الذي يركز على الردع، لانتقادات لأنه من المحتمل أن يؤدي إلى تمكين خطابات اليمين المتطرف والمخاطرة بسمعة الاتحاد الأوروبي كمدافع عن حقوق الإنسان، لذا تتعين على الاتحاد الأوروبي إدارة هذه القضايا والتفاعل مع هذه الانتقادات بصورة بناءة".

وأوضح أن "بعضهم يرى أن هذه الاتفاقات تعطي الأولوية لأمن أوروبا على حقوق المهاجرين، وتضع عبئاً ثقيلاً على دول شمال أفريقيا التي لا تمتلك ربما الموارد أو البنية التحتية اللازمة لإدارة أعداد كبيرة من المهاجرين بصورة فاعلة. ترتكز شرعية هذه الانتقادات على القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يتطلب احترام حقوق المهاجرين بغض النظر عن وضعهم القانوني".

وختم روفينيتي بالقول إنه "باختصار، على رغم أن هذه الاتفاقات قد تسهم في إدارة تدفقات الهجرة، فإن فاعليتها وتأثيرها في حقوق الإنسان تظل موضع نقاش وقلق. نحن نعلم أن هذا التوازن الدقيق بين تأمين الحدود وضمان حقوق الأفراد وكرامتهم هو الذي لا يزال يمثل تحدياً لصناع السياسات والمدافعين عن حقوق الإنسان على حد سواء".

اختبار لدبلوماسية الهجرة

وليس بعيداً من تونس وليبيا ومصر، وقع الأوروبيون اتفاقاً آخر مثيراً للجدل والانتقادات على حد سواء مع موريتانيا في مارس (آذار) الماضي.

ونص الاتفاق الذي وقعته موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي على ضرورة عمل نواكشوط على منع تدفق المهاجرين نحو السواحل الأوروبية، خصوصاً الإسبانية منها، وإعادة المهاجرين الموريتانيين الذين ليس لديهم حق الإقامة في التراب الأوروبي إلى البلاد.

وفي محاولة للتخفيف من حدة الانتقادات التي واجهتها حكومته بسبب هذا الاتفاق، قال وزير الاقتصاد الموريتاني عبدالسلام ولد محمد صالح أثناء مؤتمر صحافي بعد توقيع الإعلان المشترك، إن بلاده "لن تكون وطناً بديلاً للمهاجرين غير النظاميين الأجانب ولن تستقبلهم ولن تؤويهم".

واعتبر الباحث في برنامج "فولبرايت" حمزة خان أن "العام المقبل سيشكل اختباراً لدبلوماسية الهجرة التي تنتهجها أوروبا، فهل ستحد فعلاً من الهجرة أم أنها ستولد طرقاً جديدة تزيد من منسوب الخطر الذي يتعرض له المهاجرون الضعفاء؟".

وأوضح خان أن "الاستراتيجية التي تنتهجها أوروبا في التعويل على أطراف ثالثة لضبط الحدود، تسهم في ضخ الأموال للأجهزة الأمنية التابعة للحكّام الذين أخفقوا في تأمين الحل المستدام الوحيد للهجرة غير الشرعية، ألا وهو توفير فرص اقتصادية محلية مجدية".

ويبدو أن هناك مبررات واقعية تدفع الاتحاد الأوروبي إلى التحرك سريعاً لمحاولة احتواء الهجرة غير النظامية، إذ إن عام 2023 سجل أكبر زحف نحو السواحل الأوروبية منذ 2016 حين وصل نحو 380 ألف مهاجر، بحسب المفوضية الأوروبية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات