Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

على شرف السابعة والسبعين... سعاد حسني أسطورة الحضور والغياب

موهبة تفجرت مبكراً لامست النجوم وتوجتها "أختاً للقمر"

الفنانة المصرية الراحلة سعاد حسني

سبعة وسبعون عاماً على مولدها لم تحتج سندريلا الشاشة العربية، سعاد حسني، إلى ترجمان. موهبتها تترجم بحضورها التمثيلي والغنائي والاستعراضي، التراجيدي تارة والكوميدي طوراً، وهي حاضرة على الرغم من غيابها منذ نحو عقدين.

ولدت سعاد حسني في 26 يناير (كانون الثاني) 1942، في حي بولاق بالقاهرة، لعائلة فنية، والدها محمد حسني البابا، أحد الخطّاطين المهرة، سوري الجنسية، وابن المغني السوري حسني البابا. نزحت الأسرة إلى القاهرة في العام 1912. أمها مصرية تدعي جوهرة محمد حسن. وسعاد شقيقة المطربة نجاة الصغيرة وعازف الناي محمود عفت. كانت أسرتها كبيرة، ضمت 17 أخاً وأختاً، وكان ترتيبها العاشر بين إخوتها، ولها شقيقتان كوثر وصباح من الأب والأم، و 8 من والدها، و6 من والدتها.

انفصل والداها وهي طفلة في الخامسة، وتزوجت والدتها من المفتش المصري في التربية والتعليم عبد المنعم حافظ، وهو من تولى تربيتها مع شقيقتيها، ولم تلتحق سعاد بالمدرسة، وتلقت تعليمها في المنزل، بمساعدة زوج أمها.

"أخت القمر"

ظهرت بوادر موهبة "سندريلا" مبكراً في مرحلة الطفولة، وبدا للجميع منذ نعومة أظفارها أن هذه الطفلة المدججة بالمواهب ستصبح يوماً ما نجمة، كانت تغني وترقص وتمثل وتقلّد الأصوات والشخصيات، وتتمتع بجمال لافت ونادر جعل أسرتها وجيرانها يلقبونها بـ"أخت القمر"، نظراً لجمالها وجاذبيتها.

بدأت العمل في الفن طفلة صغيرة مع بابا شارو، الإذاعي المصري محمد محمود شعبان، الذي كان يكتشف الأطفال ويقدمهم بالبرامج الإذاعية. ثم اكتشفها للسينما المخرج عبدالرحمن الخميسي، وقدمها إلى المسرح في "هاملت" للأديب الإنجليزى وليام شكسبير، وأسند إليها دوراً مهماً، هو دور أوفيليا. وحضر المسرحية مشاهير الفن والإخراج والإعلام، ومنهم المخرج الأشهر والأهم في عالم السينما في ذلك الوقت هنري بركات.

نعيمة القرويّة

كان هذا في العام 1959، عندما بهرت المخرج بموهبتها الطاغية، وقرر ضمها إلى فيلمه "حسن ونعيمة"، ولم يكتفِ بأن يسند إليها دوراً صغيراً كبداية لظهورها، بل تحمس لها ومنحها دور البطولة النسائية، وهو دور نعيمة أمام المطرب الشاب وقتها محرم فؤاد، ونجحت سعاد كثيراً، وفاقت توقعات بركات، ومنذ تلك اللحظة أصبحت نجمة وبدأت مسيرتها الحقيقية، وكانت لا تزال في السادسة عشرة من عمرها.

وفي العام 1960، شاركت في خمسة أفلام دفعة واحدة، وهي "مال ونساء"، "غراميات امرأة"، "إشاعة حب"، "ثلاثة رجال وامرأة" و"البنات والصيف".

في العام 1961، قدمت خمسة أفلام أخرى، هي: "لماذا أعيش"، "مفيش تفاهم"، "هي وهي تلاتة"، "السبع بنات" و"الضوء الخافت"، وانطلقت لتقدم أربعة أفلام في العام الذي يليه، هي: "غصن الزيتون"، "صراع مع الملائكة"، "وموعد في البرج" و"من غير معاد"، وهكذا حتي وصل عدد أفلامها إلى 69 فيلماً حتى العام 1992.

فنانة كاملة

تنوعت أفلام سعاد بين التراجيدي والكوميدي والاستعراضي، وأبرزت مواهبها في كل دور يُسند إليها، وباتت النجمة المفضلة للمنتجين والمخرجين وصناع السينما، وتركت بصمتها في وجدان الجمهور لدرجة لم تحققها أي نجمة عاصرتها أو سبقتها أو تلتها، رغم وجود نجمات لا غبار عليهن، مثل ماجدة وفاتن حمامة وزبيدة ثروت وهند رستم.

وعلى الرغم من تميز كل نجمة في لون معين من ألوان الفن، كالتراجيدي والإغراء والكوميدي، إلا أن "سعاد" جمعت بين كل هذه المواهب بشكل لم يسبق له مثيل.

ومن أهم علامات "سعاد" الفنية في السينما أفلام دخلت ضمن كلاسيكيات وأيقونات السينما، مثل: "صغيرة على الحب"، و"الكرنك"، و"الحب الضائع"، و"خلي بالك من زوزو"، و"غريب في بيتي"، و"الزوجة الثانية"، و"القادسية"، و"حب في الزنزانة"، و"المشبوه"، و"نادية" و"شفيقة ومتولي".

وكان آخر أفلامها وأعمالها فيلم "الراعى والنساء"، في العام 1991 أمام الفنان أحمد زكى والفنانة يسرا.

مناطحة الكبار وصناعة نجومية الشباب

وقفت "سعاد" بموهبتها الاستثنائية أمام عمالقة الفن من الممثلين والمطربين، مثل: عمر الشريف وحسن يوسف وأحمد مظهر ورشدي أباظة وعبد الحليم حافظ، وأحمد رمزي وفريد شوقي وفؤاد المهندس ويوسف فخر الدين.

وكان أبرز ما يميزها وقوفها أمام نجوم شباب في بداية مشوارهم في هذا الوقت على الرغم من نجوميتها الطاغية، وعلى الرغم من رفض نجمات أخريات أن يقفن كبطلات أمام الوجوه الجديدة آنذاك، وكان لسعاد دور بارز في وصول هؤلاء النجوم إلى قمة الشهرة، مثل عادل إمام الذي عملت معه في أفلام عدة، منها "المشبوه" و"حب في الزنزانة"، ونور الشريف الذي شاركها في فيلم "الكرنك"، وحسين فهمي في فيلم "أميرة حبي أنا" و"خلي بالك من زوزو"، وأحمد زكي الذي لعبت أمامه دور البطولة في أفلام عدة منها "موعد على العشاء" و"شفيقة ومتولي"، وقدمت معه مسلسها التليفزيوني الوحيد "هو وهي"، وفيلمها الأخير في مسيرتها "الراعي والنساء".

زيجات لا تخلو من سرية ومراهقة

تزوجت سعاد حسني خمس مرات، أولهم المطرب عبدالحليم حافظ من 1960 حتى 1965، وهو زواج عرفي أكده البعض وأنكره البعض. وكان الزواج الثاني من المصور والمخرج صلاح كريم، من 1966 حتى 1968. أما الزوج الثالث فهو المخرج علي بدرخان، واستمر الزواج 11 عاماً من 1970 حتى 1981، وزواجها الرابع في عام 1981 كان من زكي، ابن المطربة ليلى مراد والمخرج فطين عبدالوهاب، وكان وقتها طالبا في معهد السينما، وأخيراً الزوج الخامس بالسيناريست ماهر عواد، في العام 1987، وكان أطول زواجاتها، إذ استمر نحو خمسة عشر عاماً حتى وفاتها في 2001.

الفراشة تتآكل وتترهّل وتجنح للعزلة

عانت سعاد في آخر حياتها من آلام في الظهر والعمود الفقري، وتسببت الأدوية بزيادة في وزنها بشكل ملحوظ، فابتعدت عن الأضواء مستسلمة لاكتئاب حاد في لندن، حيث استقرت عند صديقتها نادية يسري.

وعلى الرغم من آلامها حاولت أن تمارس التمثيل لتخرج من الاكتئاب والأوجاع، فقدمت فيلمين هما "الدرجة الثالثة" و"الراعي والنساء"، لكنهما لم يلقيا ترحيباً جماهيريّاً.

توفيت سعاد حسني في يونيو (حزيران) 2001 في مدينة الضباب، لندن، في ظروف غامضة، لم تكشف الشرطة حتى اللحظة لغز وفاتها. فقيل قتلت بتدبير من مجهولين على خلفية عزمها فضح كثير من التفاصيل والأسرار الخاصة في مذكراتها الشخصية التي كانت تستعد لكتابتها، وقيل إنها انتحرت بسبب الاكتئاب رغم نفي طبيبها الخاص إمكان حدوث ذلك، لأن صحة سعاد، وفق روايته، كانت بدأت تتحسن، وكانت تقرأ عدداً من الأعمال لتجسيدها بعدما بدأ وزنها في الهبوط تدريجاً. ورحلت السندريلا منذ نحو 18 عاماً، ولا تزال أسطورة في الحضور والغياب.

المزيد من فنون