Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في لبنان... أطفال في الـ 9 من العمر يتعاطون المخدرات

هيئات محدودة الفاعلية... وتحذيرات من مخاطر تشريع زراعة الحشيشة

زراعة الحشيشة في قرية اليمونة في سهل البقاع شرق لبنان (أ.ف.ب)

يواجه شباب لبنان اليوم تحديات كثيرة، تأتي المخدرات على رأسها، إذ إنها لا تميّز بين غني وفقير أو بين شاب وفتاة، فالكل قد يتعرض لها بوجود عوامل عدة في المجتمع، يمكن أن تسهم في جعل الشباب أكثر هشاشة. فالخطر يزيد، ويطاول سنة بعد سنة شريحة كبيرة من الشباب في غياب الضوابط اللازمة، القانونية والتربوية والاجتماعية وغيرها.

ويبدو لافتاً انخفاض سن تجربة المواد المخدّرة وتعاطيها إلى تسع سنوات، ما يعكس خطورة الوضع الحالي وضرورة التدخل الجدي والفاعل من خلال نظام معالجة شامل. وتسعى جمعيات عدة جاهدة إلى تغيير الوضع، فيما تبرز الحاجة إلى مزيد من الجدية في التعاطي مع هذه الآفة الخطيرة التي تهدد ركيزة المجتمع.

جمعيات كثيرة والتحدي كبير

ارتفع عدد الجمعيات التي تُعنى بمكافحة الإدمان على المخدرات في السنوات الأخيرة في لبنان، إلاّ أنّ تساؤلات عدة تُطرح حول ما إذا كانت كلّها فاعلة جدياً في ما تسعى إلى القيام به، وما إذا كانت وجِدت فعلاً بهدف العمل على مكافحة هذه الآفة التي تهدّد شبابنا.

تجمّع "أم النور" من الجمعيات التي تعمل منذ عام 1989 على التوعية حول الإدمان ومكافحته، وتركّز على تأهيل المدمن بهدف حمايته من الوقوع مجدداً في هذا العالم المظلم.

وتصل نسبة النجاح في معالجة المدمن إلى 65 في المئة، بحسب المدرّبة في قسم الوقاية في تجمّع "أم النور" راشيل سماحة، التي أكدت أن النسبة العالمية لا تتخطى الـ 35 في المئة، مع الإشارة إلى أن المركز استقبل إلى اليوم حوالى 7500 مدمن، من بينهم حوالى 800 من الإناث والباقين ذكور.

ولفتت سماحة إلى خطورة الوضع اليوم في ظل تراجع سن تجربة المواد المخدرة للمرة الأولى من سن 14 أو 15 عاماً إلى تسع سنوات، بغض النظر عن المجتمعات المعنية، ما يزيد على صعوبة التحدي.

الكل مهدد

كما يبدو واضحاً، الاتجاه في الفترة الأخيرة إلى المخدّر الحاد. ولا تربط سماحة بين الوضع الاجتماعي والمادي للعائلات والإدمان، فتؤكد أن الإدمان يهدّد الكل من مختلف المجتمعات، بينما قد تختلف المواد المستخدمة بحسب الوضع المادي. لذلك، تعمل الجمعية على التوعية في المدارس من سن مبكرة بحسب المراحل العمرية والقدرة الاستيعابية، إضافة إلى توعية الأهل حول التربية الصحيحة. وتضيف "ما ينذر بزيادة الوضع سوءاً هي مسألة تشريع زراعة الحشيشة (في لبنان) التي يُتوقّع أن تتحول في الأذهان إلى تشريع الإدمان، بعيداً من كونها تُشرّع لأسباب طبية. لذلك، من الضروري أن تحرص الدولة على إطلاق حملة توعية بالأهداف الطبية لتشريع الحشيشة، تجنّباً لأن يتخذ ذلك منحى مختلفاً تماماً، ما يسهم في انتشار الإدمان أكثر فأكثر".

فاعلية محدودة

ولا تزال لجنة مكافحة المخدرات محدودة الفاعلية اليوم، كما يبدو واضحاً، بحسب سماحة لأسباب مختلفة. وتتعامل جمعية "أم النور" مع تلك اللجنة باستقبال المدمنين الذين تحوّلهم إليها، فتبدأ متابعتهم وإرسال تقارير دورية إليها، خوفاً من أن يستغل البعض وجودهم في مركز "أم النور" للهروب من العقاب. وتضيف "لا بد من الإشارة هنا إلى أننا نتحدث عن مواد إدمانية لا عن مخدرات فحسب، إذ إن بعضها مسموح (في لبنان) كالكحول والتدخين وبعضها الآخر غير مسموح كالكوكايين والهيرويين وغيرهما. فالأمور تبدأ أحياناً بسيجارة على سبيل التجربة وتتطور إلى أبعد من ذلك مع غياب الوعي. كما أنه غالباً ما يجري اختيار المادة المتوفرة بغض النظر عن طبيعتها، وذلك أيضاً بحسب الإمكانيات المادية".

أما الطريقة التي يتبعها مركز "أم النور"، فتقضي باستقبال المدمن الذي يحضر بملء إرادته متأثراً أحياناً بمحيطه. وتُشخَّص الحالة ويُحدّد ما إذا كان التأهيل الخارجي ممكناً لمن يتعاطى وليس مدمناً بعد أو يجب إخضاعه للتأهيل الداخلي. فقد يدخل المدمن إلى المستشفى الذي يجري التعاون معه لتنظيف جسمه من أي مادة يتعاطاها، ثم يعود بعدها إلى المركز للتأهيل من النواحي كافة، فيلقى العناية الجسدية والنفسية والعاطفية ضمن مجموعة وبشكل فردي. وتشير سماحة إلى أن "المدمن لا يخرج في الفترة الأولى من العلاج ولا يقابل أحداً".

الأسباب تختلف

أياً كانت أسباب الإدمان، تشدد سماحة على أهمية حماية العائلة للأطفال من العوامل التي قد تسهم في جعلهم أكثر عرضةً للإدمان، ومنها المحيط والرفاق الذين يشكلون خطراً في كثير من الأحيان. أما في حال التربية الصحيحة والإحاطة، خصوصاً من الناحية العاطفية، فيكون الأهل قد قاموا بواجباتهم ويبقى عليهم لاحقاً كسب ثقة أولادهم وأن يكونوا مصدر أمان لهم ويطّلعوا على كل ما يحصل في حياتهم. وتابعت "الإهمال العاطفي يبقى عامل خطر أساسياً في مختلف المجتمعات ومن الضروري أن يعي الأهل ذلك جيداً".

وضع سيء والتوعية غير مجدية

قد تكون الجمعيات التي تقف في وجه الإدمان كثيرة، لكن يبدو واضحاً أن التحدي كبير وقد يصعب تحقيق النتائج المرجوة. فبحسب رئيس شعبة مكافحة المخدرات وتبييض الأموال في الجمارك اللبنانية العقيد نزار الجردي، تكثُر الجمعيات، لكن يُخشى ألاّ تكون كلّها جدّية في عملها وألاّ يكون عملها هادفاً. ويقول الجردي لـ "اندبندنت عربية"، "الهدف ليس تنظيم حملة توعية في اليوم العالمي، بل في العمل المتواصل والجدّي بالتعاون مع البلديات والمدارس والجامعات. في الواقع، لا نشهد نتائج فعلية على الأرض، فتبدو التوعية غير مجدية في غياب البرنامج المتكامل وتهاون السلطة السياسية في محاربة هذه الآفة. فما من عمل جدّي في هذا الإطار. نشهد اليوم ارتفاعاً في معدلات الإتجار بالمخدرات، ويبدو الوضع سيئاً جداً بشكل يستدعي دق ناقوس الخطر".

وتحدث الجردي عن المراحل العمرية المعنيّة، مبدياً تخوّفه من انخفاض أعمار المتعاطين بشكل كبير، مضيفاً "على الرغم من أنّ الشباب ركيزة المجتمع ومستقبله، وتعمل الدول الكبرى المتقدمة على حماية هذه الشريحة ضماناً لمستقبلها، ثمة تهاون واضح في لبنان في هذا الشأن. فما من نظام يحمي شبابنا من مخاطر الإدمان الذي يهددهم على نطاق واسع. نشهد إهمالاً واضحاً، على أمل أن يكون هذا نتيجة استخفاف غير مقصود. ولا بد من التكاتف في برنامج متكامل يشمل الوزارات المعنية والبلديات والجمعيات والمدارس والجامعات. كما تبرز الحاجة إلى تجهيز مكاتب مكافحة المخدرات إذ ينقصها الكثير، كذلك، بالنسبة إلى المختبرات المعدومة والآليات وغيرها من العناصر الأساسية لمكافحة المخدرات".

ضبط بمعدلات عالية لكنه غير كافٍ

وأشاد الجردي بالجهود التي تبذلها القوى الأمنية اللبنانية في ضبط مروّجي المخدرات، لكنها في الوقت ذاته تبقى غير كافية في مقابل أعداد التجار الهائلة وكميات البضاعة التي يجري الإتجار بها، مشيراً إلى أنه "من الطبيعي أن يقابَل تشريع زراعة الحشيشة بعمليات تجارة وتصريف للبضاعة المعنية. فمَن يزرعها، سيتجه إلى تصريفها بشتى الطرق، خصوصاً أنه يصعب تصريفها في لبنان وحده". وتابع "تجدر الإشارة إلى أن لبنان لا يُعتبر من الأسواق المقصودة لتجارة المخدرات، نظراً إلى أن سوقه ضيّقة ومحدودة مقارنةً بدول أخرى كبرى تزيد فيها الكثافة السكانية. كذلك من الناحية العددية، فإن لبنان ليس مقصوداً من قبل التجار لتصريف البضاعة".

وأثنى على ما تبذله النائب رولا الطبش من جهود ضمن لجنة مكافحة المخدرات في سبيل تعديل القانون، متمنياً أن تأتي بثمار وتحقق النتائج المطلوبة.

وكما بات معروفاً، تترأس النائب الطبش لجنة مصغرة أسستها لجنة حقوق الإنسان في البرلمان اللبناني لمتابعة الأفكار المتعلقة بتعديل قانون المخدرات بهدف محاربة هذه الآفة التي تهدد الشباب في مدارسهم وجامعاتهم، بغض النظر عن مستوى المدرسة أو الجامعة التي يقصدونها.

ثغرات قانونية

وعن هذه المساعي، تقول النائب الطبش لـ "اندبندنت عربية" إن "ثمة ثغرات في قانون المخدرات سيُعمل عليها. وخلال أسبوعين، ستجري الدعوة إلى اجتماع لتسليط الضوء عليها، تمهيداً لطرحها أمام لجنة حقوق الإنسان ورفعها بعد ذلك، إلى اللجان النيابية. وممّا لا شك فيه أن القانون مجحف ولا بد من رفع الغُبن عن هذه الشريحة لناحية عدم التمييز ما بين المتعاطي والتاجر. ثمة أمور عدة يجب التركيز عليها، منها العلاج الإلزامي للمدمن بالتعاون مع وزارة الصحة العامة، فحالياً عندما يُقبض على المدمن، يُسجن ثم يطلَق سراحه من دون علاج. لكن ثمة برنامجاً لوزارة الصحة العامة بدأ على أساسه التعاون مع إحدى المستشفيات ليُعالَج المدمن بعد توقيفه، بناءً على رغبته أو رغبة عائلته لفترة معينة، وتتحمل الوزارة كلفة العلاج".

من الواضح أن ثمة جهوداً تُبذل في مجال مكافحة المخدرات والإدمان، لكنها تبدو محدودة، نظراً إلى غياب برنامج شامل ونظام متكامل يُعتمد من خلالهما على التعاون التام ما بين الجهات المعنية الفاعلة، لذلك تبقى الجهود مشتتة ويصعب تحقيق النتائج المرجوة لحماية شبابنا، على نطاق واسع، من الهلاك نتيجة هذه الآفة المستشرية في مجتمعنا.

المزيد من تحقيقات ومطولات