Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هربتُ من سوريا إلى المملكة المتحدة ولم أكن مدركة صعوبة الشعور بأمان نهائي

ذعرتُ من الإجابة على الهاتف خوفا من استدعائي للتحقيق لدى الاستخبارات. ويحتاج اللاجئون إلى مساعدة للتكيف مع الحياة في بريطانيا

تبدو سوريا معلقة بين الحرب والتدمير من جهة، وآمال السلام وإعادة البناء وعودة المهاجرين من الجهة الثانية (أ.ف.ب)

مضت ثماني سنوات منذ أن هددت دائرة الأمن بقطع يدي لكن التأثير النفسي الناجم عن ذلك اليوم ما زال قائماً في أعماقي حتى الآن. وتشبه حكايتي ما يرويه كثيرون ممن قابلتهم، وقد هربوا من الاستبداد والإرهاب في سوريا، وسعوا إلى حياة آمنة في بريطانيا. وقبل مجيئي إلى المملكة المتحدة، كنتُ أعمل صحافية في دمشق لكن النظام يعارض بشدة كل شخص ينتقد الحكومة. وبسبب تلك الجريمة المفترضة، عانيت ساعات من الاحتجاز والمساءلة والتعذيب النفسي والتهديدات الآتية من أجهزة استخباراتية عدّة تعمل تحت سلطة بشار الأسد.

لم تكن تجربتي استثنائية بشكل من الأشكال. إذ تعكس معاناة واسعة للاجئين السوريين. نحن جئنا إلى المملكة المتحدة هاربين من العنف المُمارَس على يد الحكومة والمنظمات الإرهابية سويّة في البلاد.  ولذا، تشكّل الديمقراطية السياسية الطريق الوحيد لضمان مستقبل أفضل لسوريا، إذ تعني إنه ليس متوجّباً علينا أن نختار ما بين الأسد والإرهاب، بل هناك طريق آخر.

لن أنسى أبداً تلك المرأة التي رأيتها واقفة خارج محكمة أمن الدولة السورية في دمشق. ولم تكن تعرف مصير زوجها وولديها الذين اعتقلهم النظام، ما جعلها تتوسل للحصول على معلومات عنهم.

على الرغم من المخاطر، اعتبرتُ أن نشر الحقيقة حول ما كان يحدث في بلدي، يمثّل واجباً شخصيّاً. وقد عملتُ مراسلة لصحف تصدر في بريطانيا  كما عملتُ في الإعلام داخل سوريا نفسها، على الرغم من أن موقع الإنترنت الذي كنت أكتبُ فيه حُجِب أخيراً من قِبَلْ النظام.

أحياناً، كنت أُهاتَف وأُسأل عن مقالة لم أكتبها لكن دوائر الأمن تصر على أنها لي لأنها كُتبت "بأسلوبي". وأخيراً، وصلنا إلى النقطة التي أصبح وجودنا أنا وابني، قيد خطر شديد إذا بقينا في بلدنا، فقررنا بدء حياة جديدة في المملكة المتحدة.

قد تظنون أن الارتياح الناجم عن شعور بالأمان من ذلك الخطر (الذي كان يتهددني في سوريا) سيعني أن مسار الحياة قد أصبح سهلاً، لكن ذلك ليس ما تكون عليه الحالة دائماً بالنسبة إلى اللاجئين. إذ وجدت وكثيرون من أمثالي أن التهديد المباشر لحياتنا قد انتهى، خصوصاً بعد عيشنا فترة طويلة تحت توتر وضغط شديدين، لكننا شرعنا في مواجهة مشاعر مختلطة بدأت تظهر على السطح.

وعلى مدار سنوات، بقيتُ مذعورة من الرد على الهاتف خوفاً استدعاء أجهزة الاستخبارات لي كي تحقّق كرّة اخرى معي، حتى بعدما أصبحتُ خارج سوريا.

وفي غالب الأحيان، ينبثق شعور جارف بالأمان بأثر الانتقال إلى بلد مثل المملكة المتحدة التي نعرف أننا محميون فيها ومتحرّرون من تهديد العنف. لقد نجح الكثير من اللاجئين السوريين في تحقيق حياة ناجحة لهم في المملكة المتحدة. إذ أطلقوا مشاريع تجاريّة أو استفادوا من فرص التعلّم، إلا أن الغالبية لا تتكلم الإنجليزية أو تعرف القليل منها، ما يجعل ضمان الحصول على عمل صعباً جداً بالنسبة لها.

وعلى نحو مشابه، كان كثير من الرجال والنساء يعملون في بلدهم أطباء ومحامين ومدرسين، وباتوا يناضلون هنا للعمل خدماً في المطاعم، على الرغم من أنهم يريدون كسب المال، ودفع ضرائبهم والانخراط في مجتمعهم الجديد.

وعلى الرغم من وجود أماكن كثيرة لمساعدة السوريين الذين جاؤوا إلى بريطانيا، إلا أنهم مازالوا بحاجة إلى المساعدة للوصول إلى تلك الأماكن. إذ لا يعرف كثيرون منهم أنهم محميون قانونيّاً من العنصرية والتحرش والعنف. وغالباً، يؤدّي جهلهم بذلك الأمر إلى إحجامهم عن الإبلاغ عن المشاكل التي يواجهونها. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبصورة عامة، يمكن القول إن القادمين من العيش تحت وطأة نظام عنيف يعتبر الترهيب قاعدة في عمله، يحملون تأثيرات تجعلهم خائفين وغير راغبين في إثارة إشكالات. آمل أن تستمر المنظمات المعنية في شؤون اللاجئين في معالجة تلك القضايا. ثمة فرص رائعة كثيرة في المملكة المتحدة بالنسبة لمن يصلون إليها، وأنا أريدهم أن يعرفوا أكثر عنها.

وعلى نحو مشابه، يحتاج ذلك النوع من الوافدين إلى إدراك أن العودة إلى بلدهم غير آمنة، وفقاً للحالة المستمرة فيه. ومع مساعدة من روسيا، يروج النظام وعوداً عن عودة آمنة للاجئين، لكن ذلك ليس سوى طريقة لتشجيع بلدان اخرى على رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا.

بقول آخر، لا تشكّل تلك الوعود سوى كذبة. أنا أعرف أناساً مُنِحوا ضمانات بشأن العودة إلى سوريا مع وعود بأن يكونوا في أمان، لكنهم بمجرد الوصول إلى بلدهم تعرضوا للاعتقال والتعذيب.

وكخلاصة، يحتاج السوريون الذين قدموا مؤخراً إلى المملكة المتحدة إلى مجال ووقت كي يتعافوا من صدماتهم، وكذلك يتوجّب عليهم أن يعرفوا أن بإمكانهم صنع حياة رائعة لأنفسهم، على غرار ما فعلت ذلك بنفسي في هذه البلاد.

© The Independent

المزيد من آراء