Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خيارات واشنطن تجاه طهران أمام امتحان هجمات "أرامكو"

تشديد العقوبات ورد عسكري خاطف وتبادل المعلومات الاستخباراتية أبرز الخيارات... دبلوماسي عربي: عواصم في المنطقة تترقب السيناريو العسكري

واشنطن تستند في اتهامها إيران بالمسؤولية عن الهجوم على منشآت أرامكو إلى صور التقطتها أقمار صناعية وتقارير استخباراتية (رويترز)

عادت ذروة التوتر إلى منطقة الخليج العربي، إثر هجوم الأول من أمس على حقلي بقيق وبريص النفطين السعوديين، والذي عدته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية كـ"أكبر تهديد للنفط منذ حرب الخليج الأولى (بين بغداد وطهران في الفترة ما بين 1980- 1988)"، واضعة الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران، المتهم الأول بالمسؤولية عن الهجوم بحسب واشنطن، أمام تساؤلات جدوى سياسة "أقصى الضغوط الاقتصادية"، والخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع "الاستفزازات الإيرانية"، رغم نفي طهران مسؤوليتها عن الحادث.

ومع الاشتباه الأميركي الواسع في إيران بالوقوف خلف الحادث، ونشر صور قالت واشنطن إنها تؤكد روايتها وتستبعد مزاعم ميليشيا الحوثي بتبني الهجوم، مهددة بـ"رد عسكري حال التأكد من الجهة المنفذة"، تواجه استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترمب تجاه إيران أسئلة جديدة، مع مجموعة متناقصة من الأدوات المتاحة لتصعيد "الضغط الأقصى" للعقوبات التي تستهدف اقتصاد طهران، وفق "وول ستريت جورنال".

أجواء خطرة

على وقع ترقب نتائج التحقيقات التي تجريها السلطات السعودية، لمعرفة من وراء هجمات "أرامكو"، وتصعيد اللهجة الأميركية تجاه طهران، التي نفت صلتها بالحادث، قال دبلوماسي عربي رفيع المستوى إن "الأجواء تنذر بعمل عسكري واسع في المنطقة وبدرجات غير مسبوقة بعد شهور من الهدوء أعقب ذروة التصعيد في مايو (أيار) ويونيو (حزيران) الماضيين، بعد استهداف إيران لعدد من ناقلات النفط في مياه الخليج العربي قاد إلى تحشيد عسكري أميركي وغربي في مياه الخليج".

المصدر العربي، الذي تحدث لـ"اندبندنت عربية" بشكل مقتضب، أوضح أن "عددا من العواصم العربية باتت ترجّح سيناريو العمل العسكري"، دون تسمية تلك العواصم، معرباً عن أمله في "تحلي جميع الأطراف بضبط النفس وعدم التسرع في توجيه التهم تفادياً للانزلاق في مواجهات غير محسوبة التداعيات".

وعلى مدار الساعات الأخيرة، نقلت تقارير أميركية عدة، من بينها "سي إن إن" و"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" ووكالة "رويترز"، عن مسؤولين أميركيين قولهم إن "الولايات المتحدة، التي تستند إلى صور التقطتها أقمار صناعية وتقارير استخباراتية تعزز اتهامها لإيران بالوقوف وراء هجمات على منشآت نفطية سعودية، إن الهجمات ربما انطلقت من إيران أو العراق".

وتنفي إيران الضلوع في هجمات الأول من أمس السبت، وأعلنت جماعة الحوثي الموالية لإيران في اليمن المسؤولية عنها. لكن المسؤولين الأميركيين قالوا إن "دقّة ومدى الهجمات تلقي بالشكوك حول مزاعم الحوثي".

وقال أحد هؤلاء المسؤولين إن الهجمات جاءت من الغرب والشمال الغربي وليس من المنطقة التي تسيطر عليها جماعة الحوثي في اليمن، والواقعة إلى الجنوب الغربي من المنشآت النفطية السعودية.

وبحسب ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز"، عن مسؤول أميركي، فإن طائرات مسيّرة وقذائف كروز ربما تكون قد نشرت، لكنها لم تفلح كلها في إصابة أهدافها في بقيق وحقل خريص. كما ذكرت شبكة "أيه بي سي" أن ترمب كان مدركا تماما مسؤولية إيران، وينتظر تحقيقات الرياض بشأن الحادث.

ومساء أمس الأحد أعلن الرئيس ترمب أن بلاده "على أهبة الاستعداد" للتحرك والرد على الهجوم الذي استهدف منشأتين نفطيتين تابعتين لشركة أرامكو في السعودية. وقال في تغريدة على تويتر "إمدادات النفط في السعودية تعرّضت لهجوم. هناك سبب يدفعنا إلى الاعتقاد بأننا نعرف المُرتكب، ونحن على أهبة الاستعداد للرد بناء على عملية التحقّق، لكننا ننتظر من السعودية أن تُخبرنا مَن تعتقد أنه سبب هذا الهجوم، وبأي أشكال سنمضي قدماً".

وقبيل تصريحات ترمب، ألقى وزير خارجيته، مايك بومبيو، باللوم على إيران، وأكد أنه لا يوجد دليل على أن الضربات جاءت من اليمن، على عكس مزاعم الحوثيين هناك. وقال في تغريدات على تويتر "وقفت طهران وراء ما يقرب من 100 هجوم على السعودية، بينما يتظاهر (الرئيس الإيراني حسن) روحاني، و(وزير خارجيته) ظريف بالتزام المسار الدبلوماسي".

وأضاف "في خضم كل الدعوات لوقف التصعيد، شنت إيران الآن هجوماً غير مسبوق على إمدادات الطاقة في العالم، ولا دليل على أن الهجمات جاءت من الأراضي اليمنية". ودعا بومبيو كل الدول إلى الإدانة العلنية والقاطعة لهجمات إيران. وقال "سنعمل مع شركائنا وحلفائنا لضمان استمرار الإمداد لأسواق الطاقة، إضافةً إلى إخضاع إيران للمساءلة عن عدوانها" ضد السعودية.

في المقابل سخر وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، من نظيره الأميركي بومبيو، قائلا إن الأخير "فشل في ممارسة أقصى مستويات الضغوط فتحول إلى ممارسة أقصى درجات الخداع"، في إشارة إلى "حملة ممارسة أقصى مستويات الضغوط" التي أطلقتها إدارة ترمب والتي استهدفت إيران بالعقوبات منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو (أيار) 2018.

وأثّرت الهجمات على إمدادات النفط عالميا بالسلب بنسبة 5%، مما أدى إلى ارتفاع كبير في الأسعار، حيث يعد موقع محطة بقيق، الأكبر لمعالجة النفط، والذي تديره شركة أرامكو، فضلا عن استهداف حقل خريص. وقالت السعودية إن طائرات مسيرة نفذت الهجمات، التي بدأت في الساعة الواحدة صباحا بتوقيت غرينيتش وتصاعدت جراءها أعمدة من الدخان.

وبحسب صحيفة "فاينانشال تايمز"، فإن هجمات السبت عدت "أكبر تهديد لسوق النفط العالمي منذ حرب الخليج الأولى"، معتبرة، وفقاً لشركة "ريستاد إنرجي" للاستشارات النفطية، أن الهجمات "قلبت السوق رأسا على عقب في عطلة نهاية الأسبوع"، مما هدّد صورة الوفرة في إنتاج النفط والطاقة التي نتجت عن غزارة الإنتاج الأميركي للغاز الصخري". وقالت ريستاد إنرجي للصحيفة إن "الموقف في الشرق الأوسط ازداد هشاشة".

أي خيارات تبقى لواشنطن؟

بعد نحو أكثر من عام على انتهاج استراتيجية "الضغط القصوى" لتشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران من الولايات المتحدة بعيد انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي الإيراني، باتت تلك الاستراتيجية محل جدل في الأوساط الأميركية، معتبرين أنها لم تأتِ أكلها في تحجيم الدور الإيراني بالمنطقة أو وقف مسعاها نحو امتلاك قدرات نووية.

وعلى إثر الهجوم الأخير، دعا جمهوريون بارزون في مجلس الشيوخ إلى رد فعل أميركي أكثر حزماً. وقال السناتور ليندسي غراهام إن "ما حصل مثال أخر على انصراف طهران عن السلام"، وفي تغريدة على "تويتر" قال "حان الوقت الآن للولايات المتحدة لوضع هجوم على المصفاة الإيرانية على الطاولة، إذا استمرت في استفزازاتها أو زادت التخصيب النووي".

وبحسب دينس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فإنه وبعد أكثر من عام من انتهاج واشنطن لاستراتيجية "أقصى الضغوط الاقتصادية"، إلا أنها لم تحقق نتائج إيجابية، معتبراً أن "التوجه الأميركي القائم حصراً على حرمان طهران من المال لا يمكن وحده فرض تغييرات على سلوك إيران في المنطقة".

روس، ووفق تقرير له بمعهد واشنطن، يقول "لطالما صرّحت الإدارة الأميركية بأن العقوبات الاقتصادية ستحرم النظام الإيراني من المال وأن قلة المال تعني انكفاء السلوك السيئ وتقديم المزيد من التنازلات على طاولة المفاوضات. غير أن المساومة مع إيران لا تشبه إبرام صفقة عقارية، والإرهاب الذي ترعاه لا يمكن حصره بسهولة بمبالغ المال. فالحدّ من أحد هذين العنصرين لا يؤدّي بالضرورة إلى تراجع الأخر"، مضيفاً "إن الضغوط الناتجة عن العقوبات لا تعني دائماً تراجع الأموال التي تدرها إيران لدعم أنشطة الإرهاب، كما هو الحال في اليمن ولبنان وسوريا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع انتظار الرد الأميركي، الذي قال بشأنه الرئيس ترمب، إنه مرتبط بنتائج التحقيقات السعودية حول الحادث، قال كيرستن فونتينروز، المدير السابق لمنطقة الخليج في مجلس الأمن القومي، إن "الخيارات لدى الولايات المتحدة محدودة للتدخل"، وذلك رغم نقل تقارير أميركية عن مسؤولين أن الإدارة الأميركية "تبحث جدياً في ردّ عسكري على الهجمات التي استهدفت منشأتي نفط تابعتين لشركة أرامكو"، إلا أنه، ووفق صحيفة واشنطن بوست، "هناك دعوات داخل وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) للتريث والحذر في رد الفعل".

وبحسب الصحيفة، فإن الإجراءات الإضافية التي يمكن اتخاذها لزيادة الضغط الاقتصادي على إيران، لم تتضح بعد، لافتة إلى إن إدارة ترمب تأمل في أن تقنع استخباراتها، التي تربط طهران بالهجمات، المزيد من الحلفاء الأوروبيين بالانضمام إلى استراتيجيتها، رغم معارضتهم لنهجه.

في هذه الأثناء، أبلغ مسؤولون أميركيون اليوم الاثنين "رويترز" بأن الولايات المتحدة تدرس زيادة تبادل معلومات الاستخبارات مع السعودية. وبينما لم يكشف المسؤولون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، عن نطاق الزيادة في تبادل معلومات الاستخبارات. لكنه ووفق "رويترز" فإن الولايات المتحدة، الحذرة منذ فترة طويلة من الانخراط في حرب اليمن، لم تطلع السعودية سوى على بعض المعلومات بشأن تهديدات من جماعة الحوثي الموالية لإيران.

وبحسب "التايمز" البريطانية، فإنه إضافة إلى التأثير الاقتصادي للهجوم على أرامكو، تزيد الضربات من العداء ضد إيران في كل من البيت الأبيض وفي السعودية، معتبرة أن الهجوم "تصعيد غير حكيم من إيران أو أحد عملائها بالوكالة، ولن يساعد في جلب السلام أو الاستقرار إلى المنطقة".

وأوضحت التايمز، أنه ورغم مؤشرات الأيام الأخيرة إلى احتمالية عقد لقاء بين روحاني وترمب في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي تزامن مع إقاله الرئيس الأميركي مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، المعروف بميوله المتشددة، كان يبدو أن الولايات المتحدة تتأهب لنوع من التقارب مع طهران، غير أن الهجوم أعاد إلى المشهد أن إيران لا تلتزم بقواعد اللعبة، وبأن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، محق في قوله إنه يجب محاسبة النظام الإيراني، ما يعني إخماد أي احتمال أمام أي لقاء بين واشنطن وطهران في القريب العاجل أو أن تجرى مباحثات تمهد للسلام مع الحوثيين في اليمن.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط