ملخص
تشهد نيجيريا أسوأ أزمة اقتصادية منذ 30 عاماً، إذ تؤثر مستويات البطالة والفقر وانعدام الأمن في حصيلة العمليات الإجرامية في هذا البلد الذي يُعد أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان. ويعتقد كثير من الخبراء بأن الأزمة الاقتصادية في البلاد تتسبب في زيادة عمليات الاختطاف، مع تحول الشباب اليائس إلى الأنشطة الإجرامية لكسب المال.
على رغم تراجع قوة ونفوذ جماعة "بوكو حرام" المتشددة وغيرها من الجماعات المسلحة في منطقة وسط أفريقيا، تحديداً شمال نيجيريا، إلا أن عمليات خطف الأطفال لا تزال متواصلة وتثبت طرق تنفيذها ودقة أهدافها والمناطق التي يتم فيها الخطف، أن الجماعات لا تزال قوية وتنفذ أهدافها كما ترغب وبكل سلاسة.
ويثير إصرار الجماعات المسلحة على اختطاف الأطفال دون غيرهم من الأهداف السهلة كالسياح وعمال الإغاثة الدولية، أو حتى تنفيذ العمليات الارهابية إن كان هدفها إثبات قوتها، كثيراً من الأسئلة حول الأهداف الحقيقية وراء ضبط عشرات الطلاب بين فترة وأخرى وإطلاق سراحهم لاحقاً.
ويرى مراقبون أن الجماعات المسلحة ترمي من وراء عمليات خطف الأطفال إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها أن تثبت قوتها داخل المجتمعات الريفية في شمال نيجيريا وجنوب النيجر وتبث أفكارها وسمومها في النشأ، وتموّل خطط رجوعها بقوة إلى الساحة بعمليات خاطفة بسيطة لا تكلف كثيراً لكن وقعها كبير.
ويؤكد باحثون في تاريخ الجماعات المسلحة بغرب أفريقيا ووسطها أن خطف الأطفال يسهّل على الجماعات المسلحة تجنيدهم كمراهقين لاحقاً داخل صفوفها، إذ إنها تعمل على استلاب عقولهم والتأثير في نشأتهم ليرجعوا إليها طواعية بعد إطلاق سراحهم ومن ثم تجدد دماءها وبنيتها على المدى الطويل.
ويشير الباحثون إلى أن خطف الأطفال يشكل عامل ضغط على الحكومة، لذلك تهاجم الجماعات المسلحة المدارس وتخطف الطلاب بهدف الضغط على السلطات للتفاوض معها والحصول على صفة الند والخصم، إضافة إلى التأثير في هيبة الدولة واستغلال المبالغ الضخمة الناجمة عن عمليات تحرير الرهائن لشراء الأسلحة وجذب مسلحين إضافيين وخطف مزيد من الضحايا الجدد.
الفدية هدفهم الأول
في هذا الصدد يقول الباحث النيجيري محمد بالا سعيد أن "هدف الجماعات المسلحة من عمليات الخطف هو الفدية وضرب هيبة الدولة والتذكير بقوة المسلحين ولو بعمليات بسيطة تستهدف المدارس في القرى المعزولة"، ويضيف أن "الجماعات تسعى إلى بناء نفسها مرة أخرى وتجديد دمائها بلعب أوراقها القديمة وهي الضغط على المجتمعات الريفية وبسط سلطتها عليها بخطف الأطفال وتهديد أمن السكان".
ويوضح في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "هذا الأسلوب السهل بالحصول على أموال شجّع حتى العصابات الإجرامية المعروفة محلياً باسم ’قطاع الطرق‘ على تنفيذ بعض عمليات الخطف الجماعية في شمال غربي نيجيريا وشمالها باستهداف المدارس والقرى والطرق. ووسط غياب الأمن يتمكن المسلحون بسرعة من اختطاف أعداد كبيرة من الأشخاص للحصول على فدية".
ويؤكد أن "مكافحة عمليات الخطف هي التحدي الأمني الأهم الذي يواجه الرئيس بولا أحمد تينوبو الذي يتولى السلطة منذ مايو (أيار) من العام الماضي وأكد مراراً أنه سيسعى إلى تحقيق العدالة وجلب المتهمين بخطف الأطفال أمام القضاء ومعالجة الأسباب الجذرية للهجمات".
ويشير سعيد إلى أن "الحكومة إلى الآن لم تحدد استراتيجية لمكافحة الخطف، في وقت تؤكد كل التقارير أن تلك الظاهرة في نيجيريا خرجت عن نطاق السيطرة وأن إيجاد حل لها يتطلب إرادة حقيقية لمعالجة مشكلة انعدام الأمن الذي تتسبب به نشاطات الجماعات المتطرفة وقطاع الطرق في الشمال والعنف الطائفي في ولايات المركز".
هيبة الدولة ووقف التعليم
في الـ25 من مارس (آذار) الماضي، أطلقت إحدى الجماعات المسلحة سراح ما لا يقل عن 287 تلميذاً تراوح أعمارهم ما بين ثماني و15 سنة، كانت خطفتهم في أوائل ذلك الشهر من المدارس الابتدائية في ولاية كادونا بشمال غربي نيجيريا، في واحدة من أكبر عمليات الخطف الجماعي منذ ثلاثة أعوام في هذا البلد.
ولم تعلق السلطات على ظروف احتجازهم ولا الطريقة التي تم بها تحريرهم، غير أن متابعين للملف أكدوا أن فدية دُفعت للخاطفين، لكن السلطات لم تقر بذلك، علماً أن دفع الفدى حُظر منذ صدور قانون عام 2022 يحرم دفع أي مبالغ عند إطلاق سراح الرهائن بعد التفاوض مع الجهة الخاطفة.
وتقول الأستاذة الجامعية والباحثة المهتمة بملف المختطفين فاطمتا عمر سي إن "إطلاق سراح الرهائن مقابل فدية يغذي هذه الظاهرة، لكن جميعنا يعلم أن المسلحين لن يطلقوا سراحهم من دون مال، لذلك تتعاون الأسر والجمعيات الخيرية لدفع الفدية للمختطفين، وهذا حِمل آخر تتحمله الأسر التي خطف أبناؤها وتعاني الخوف وانعدام الأمن لأنها مهددة بفقدان أبنائها في أي لحظة، فلا تتردد في تقديم جميع مدخراتها لدفع الفدية وإعادة أطفالها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترى الباحثة في حديثها إلى "اندبندنت عربية" أنه "من بين الأهداف الأساسية لخطف الأطفال التي لا تنكرها الجماعات المسلحة، وقف ’التعليم الغربي‘ كما يسميه المتطرفون"، مضيفة أن "هؤلاء يريدون منع التعليم العصري وفرض تعليم متطرف، أو منع التعليم بصورة عامة حتى يتسنى لهم التحكم بالتجمعات الريفية بجميع فئاتها". وأشارت إلى أن "الأطفال المفرج عنهم أكدوا أن الجماعات كانت تهددهم خلال فترة احتجازهم بالقتل في حال عادوا للمدارس النظامية"، وقالت إن "المدارس يجب أن تكون أماكن آمنة ويجب ألا يضطر أي طفل إلى الاختيار بين تعليمه وحياته... وأصبحت الأُسر تمنع أطفالها من الذهاب إلى المدرسة خوفاً عليهم من الخطف، مما يعرض قطاع التعليم للخطر ويمنع الأطفال من الدراسة"، مضيفة أنهم "يهاجمون خصوصاً المدارس في المناطق غير المستقرة أمنياً، وإذا لم نوقف ذلك، فسنرى يوماً ما أن جميع المدارس في المناطق الريفية أغلقت".
وأوضحت فاطمتا عمر سي أنه "بحسب الأرقام الرسمية، فإنه في الفترة ما بين عامي 2009 و2015، دمرت هذه الهجمات أكثر من 910 مدارس وأجبرت 1500 مدرسة أخرى على الإغلاق، وأحرقت مدارس بأكملها وقُتل ما لا يقل عن 611 معلماً عمداً وأرغم 19000 آخرين على الفرار".
ولفتت إلى أنه "في بلد يوجد فيه نحو 13.2 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس، وهو أعلى رقم في العالم، فإن عمليات الخطف هذه تزيد الوضع سوءاً"، داعية السلطات النيجيرية إلى "اتخاذ إجراءات فورية لمحاربة الاختطاف ومنع الهجمات على المدارس وتحريم استخدامها من قبل قوات الأمن النيجيرية كقواعد عسكرية".
ظاهرة خرجت عن السيطرة
وتشهد نيجيريا أسوأ أزمة اقتصادية منذ 30 عاماً، إذ تؤثر مستويات البطالة والفقر وانعدام الأمن في حصيلة العمليات الإجرامية في هذا البلد الذي يُعد أكبر دولة أفريقية من حيث عدد السكان.
ويعتقد كثير من الخبراء بأن الأزمة الاقتصادية في البلاد تتسبب في زيادة عمليات الاختطاف مع تحول الشباب اليائس إلى الأنشطة الإجرامية لكسب المال.
وقال الباحث في المجال الأمني يحيى ولد تجاني إن "عمليات الخطف الجماعي في نيجيريا تشكل المشروع الإجرامي الأكثر ربحاً بالنسبة إلى الجماعات المسلحة في المنطقة الشمالية الغربية، نظراً إلى حجم الفدية"، مضيفاً في حديثه إلى "اندبدنت عربية" أنه "في وقت تواجه نيجيريا وجيرانها مشكلات أمنية على جبهات عدة، أصبح احتجاز الرهائن من أجل الحصول على فدية مفضلاً لدى عصابات قطاع الطرق والمتطرفين، بخاصة من بقايا تنظيم ’داعش‘ في غرب أفريقيا وجماعة ’بوكو حرام‘".
ولفت إلى أن "المسلحين يستهدفون المدارس تحديداً بسبب وجود أعداد كبيرة من الأطفال"، مؤكداً أن "ليست هناك إحصاءات أو أرقام رسمية حول العدد الدقيق للمختطفين في نيجيريا، سواء أُفرج عنهم أو من لا يزالون قيد الاختطاف".
وقال ولد تجاني إنه "بحسب أرقام شركات أمنية متخصصة، ففي الفترة بين يوليو (تموز) 2022 ويونيو (حزيران) 2023، جرى خطف 3620 شخصاً في 582 هجوماً في نيجيريا، ومنذ تولي الرئيس بولا أحمد تينوبو منصبه في مايو 2023 وحتى بداية مارس 2024 سجلت 3964 حالة خطف".
وذكر أن "تكرار عمليات الخطف الفردية والجماعية مثير للقلق ويسبب أزمة اجتماعية وأمنية تتطلب اتخاذ إجراءات فورية وحازمة على جميع المستويات".