ملخص
تداعيات الحرب أعادت سكان الخرطوم إلى ظروف الحياة البدائية القديمة، إذ باتوا يعتمدون على حطب الأشجار التي توجد في الطرقات قرب المنازل وجمع الأخشاب من المحال التجارية التي تعرضت للقصف والتدمير.
تعيش العاصمة السودانية على وقع أزمة خانقة في غاز الطهي منذ أشهر عدة، لا سيما بعد انعدامه في محال التوزيع وتوقف مصفاة النفط الرئيسة بمنطقة الجيلي شمال الخرطوم بحري عن العمل، إذ تغطي 50 في المئة من إنتاج الغاز للاستهلاك المحلي، بينما تتم تكملة النقص عبر الاستيراد الذي يواجه مشكلات نظراً إلى عدم وجود موارد في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
المعاناة طاولت السكان من دون استثناء، ودفعت كثيراً من المواطنين إلى العودة للاحتطاب البدائي وأجبرتهم على قطع معظم الأشجار في الشوارع والمنازل لاستخدامها كوقود للطهي، فضلاً عن جمع الأخشاب من المناطق التي تعرضت للتدمير للاستعانة بها كبديل في إعداد وجباتهم اليومية.
حلول اضطرارية
محمود الزين، أحد سكان منطقة الجريف غرب الخرطوم، يقول إن "انعدام غاز الطهي في العاصمة بالتوازي مع الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي تسببا في حدوث أزمة كبيرة أجبرت الغالبية على قطع الأشجار في الشوارع والمنازل لاستخدامها كوقود للطهي من أجل تحضير الوجبات للأطفال وكبار السن، فضلاً عن المائدة الرمضانية".
ويضيف أن "تداعيات الحرب أعادت سكان الخرطوم إلى ظروف الحياة البدائية القديمة، إذ باتوا يعتمدون على حطب الأشجار التي توجد في الطرقات قرب المنازل وجمع الأخشاب من المحال التجارية التي تعرضت للقصف والتدمير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الزين أن "المواطنين يدركون أخطار القطع العشوائي للأشجار التي تزين الشوارع الداخلية للأحياء السكنية، علاوة على الأضرار البيئية، لكن تفاقم الأوضاع اضطرهم إلى إيجاد بدائل تساعدهم في البقاء على قيد الحياة".
القضاء على الأخضر واليابس
يتكرر المشهد ذاته في منطقة الحاج يوسف بمحلية شرق النيل، إذ يشير المواطن متوكل فاروق إلى أن "انعدام غاز الطهي منذ أشهر عدة أجبر كثيراً من المواطنين على قطع الأشجار التي تحيط بالمنطقة وحرقها بغرض إعداد الوجبات اليومية وإنتاج الفحم لتخزينه لوقت الحاجة".
ولفت إلى أن "المواطنين يتسللون خلال ساعات النهار لقطع الأشجار مستخدمين أدوات يدوية لعدم جذب الانتباه إليهم على رغم أخطار التنقل في ظل تصاعد وتيرة المعارك بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع".
وتابع فاروق أن "أشجار المنازل وتلك الموجودة في الشوارع الداخلية للأحياء السكنية في الخرطوم شارفت على النفاد بسبب القطع العشوائي المستمر من جانب السكان".
مهددات بيئية
وعلى وقع القطع العشوائي أصبحت مناطق عدة في الخرطوم خالية من الأشجار، مما يهدد بتدمير الغطاء الشجري ويجرد عاصمة السودان من غطائها الأخضر.
وفي هذا الصدد، حذر المتخصص في مجال الغابات والبيئة مأمون التوم من عمليات القطع المستمر للأشجار من دون مراعاة الأضرار البيئية الخطرة الناتجة من ذلك، مما يهدد بإزالة الغطاء الأخضر ويشوه المنظر الجمالي الذي تميزت به العاصمة الخرطوم قبل اندلاع الحرب".
وناشد حكومة ولاية الخرطوم بأهمية جلب غاز الطهي من مدينة بورتسودان شرق البلاد حتى تسهم في حل الأزمة ويتوقف إثر ذلك القطع العشوائي للأشجار".
وعدد التوم جملة من المهددات البيئية، منها "افتقاد المساحات الخضراء في العاصمة التي تشهد ارتفاعاً في نسبة تلوث الهواء لأن الأشجار تخفف من آثار الاحتباس الحراري الناتج كن تغير المناخ، إذ تختزن الكربون في جذوعها وتزيل ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي".
وانتقد المتخصص في مجال الغابات والبيئة سلوك المواطن السوداني "غير البيئي الذي يستسهل قطع الأشجار ولا يرى غضاضة في إعدامها ولا يشعر بأي ذنب بالاعتداء عليها، متجاوزاً حتى منظومة القيم التي تعظم الخضرة وتحث على غرس الأشجار واستزراعها وحمايتها".
معاناة وأزمات
إلى ذلك تشهد أحياء منطقة جنوب الحزام في العاصمة الخرطوم، بخاصة النهضة ومايو والأزهري وكذلك السلمة والإنقاذ ومانديلا أزمة خانقة في غاز الطهي، واضطر كثير من المواطنين إلى قطع الأشجار لإنتاج الفحم الذي ارتفعت أسعاره بصورة غير مسبوقة ووصل سعر الجوال إلى 40 ألف جنيه سوداني (33 دولاراً).
في السياق، قال المتحدث باسم غرفة طوارئ جنوب الحزام محمد كندشة إن "خدمات الاتصالات والإنترنت توقفت لأكثر من شهرين، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي وإمدادات المياه، وبات المواطنون محاصرين بالأزمات من كل جانب".
وأضاف أن "سعر برميل المياه بلغ 6 آلاف جنيه سوداني (خمسة دولارات)، ولوح الثلج لمائدة رمضان 16 ألف جنيه (12 دولاراً)، وشهدت الأسواق ركوداً كبيراً في حركة الشراء نتيجة انعدام السيولة النقدية بسبب توقف التطبيقات البنكية، مما زاد من معاناة السكان في تصريف شؤون حياتهم اليومية".
وأشار كندشة إلى أن "اللجوء إلى خدمات الإنترنت الفضائي المباشر عبر أجهزة ’ستار لينك‘ له أخطار عدة، منها حال السيولة الأمنية التي قد تعرض هواتف المواطنين النقالة للسلب والنهب، فضلاً عن دفع مبالغ مالية نظير تلقي الخدمة".