ملخص
هذه الأسواق تعد فضاءً احتفالياً بامتياز يلتقي فيه الأصدقاء والعائلات، إذ تصدح في الغالب من مكبرات العربات أنواع من الموسيقى الشعبية التي تميز كل منطقة
"كلما شعرت بالضيق آتي إلى السوق الشعبية الأسبوعية المتنقلة بقرية سيدي يحيى زعير القريبة من مدينة تمارة المغربية (جنوب)، وأكتفي بالتجول والمشاهدة وتفحص السلع المعروضة وحركة الباعة والمشترين، حتى أجد كفايتي لأعود أدراجي إلى اليت وقد تحسنت نفسيتي"، هذا ما قاله السيد بوعمرة، في عقده الخامس، غير أن هناك آخرين يأتون إلى مثل هذه الأسواق القروية للتبضع، بما أنها توفر ما لا توفره الأسواق العصرية، كما أنها قد تتحول أيضاً إلى أماكن لإبرام صفقات تجارية أو ضرب مواعيد للقاء الأصدقاء.
واللافت في الأسواق القروية المتنقلة التي تنعقد في معظم الأحيان كل أسبوع، وأحياناً بصورة دورية كل شهر، أنها فضاءات تحمل أسماء الأيام والمناطق الجغرافية التي تنظم فيها، من قبيل "ثلاثاء سيدي بنور" أو "خميس الزمامرة"، أو "أحد عكراش"، أو "إثنين عين عودة"، وغيرها.
التحرر النفسي
ما حكاه بوعمرة من الرغبة في التحرر النفسي عبر ولوج هذه الأسواق الشعبية المليئة بالحياة زكته دراسة للباحث المغربي عثمان لكعشمي انكب خلالها على دراسة سوق "الحمرا" بضواحي مدينة الجديدة (عاصمة إقليم الجديدة)، إذ وصف الباحث هذه السوق الشعبية الأسبوعية "بكونها مجالاً اجتماعياً للمقاومة"، ولكن أيضاً "مقاومة فعلية لرتابة الحياة اليومية".
سوق "الحمرا" تعد واحدة من بين 889 سوقاً، منها 822 تنعقد بصورة منتظمة في 1282 قرية على امتداد أرجاء المغرب، وفق أرقام المجلس الاقتصادي والاجتماعي (مؤسسة دستورية مستقلة)، لكن البعض يرى أن العدد أكبر من ذلك بكثير، بالنظر إلى امتداد جغرافية القرى والبوادي، وعدد سكانها الذي يناهز 13 مليون نسمة وفق إحصاءات سابقة تعود إلى سنة 2014.
ووفق الأرقام المتوفرة يزور هذه الأسواق الشعبية المتنقلة المنعقدة بصورة أسبوعية أو دورية، أكثر من 2.6 مليون زائر في الأسبوع الواحد، وهو ما يعني بصورة تلقائية أنها تدر مداخيل مالية كبيرة على رغم وجود أرقام رسمية تفيد بقيمة هذا المردود.
واعتبرت دراسة للمجلس هذا النمط من الأسواق بكونها محركة للاقتصاد المحلي والجهوي، تتداخل فيه أدوار ومهام التجار والسكان والمهنيين والسلطات المحلية وعناصر الدرك وغيرهم من المعنيين المباشرين.
ووفق المصدر نفسه "يلتقي في الأسواق سكان منطقة قروية ما بصورة منتظمة من أجل التبضع سواء بيعاً أو شراء لتتجاوز أدوارها إلى تبادل المعلومات وممارسة أنماط اجتماعية من المفاوضات في أجواء احتفالية داخل الأسواق التي تؤدي وظائف متعددة الأبعاد ومتكاملة تجارية واقتصادية واجتماعية وثقافية وإدارية".
فقراء وميسورون
وتشكل هذه الأسواق الشعبية المتنقلة نواة تجارية بالفعل، فهي تعرض البضائع والسلع التي تلائم المنطقة التي تنتمي إليها، فإذا كان يغلب على المنطقة الطابع الزراعي، فإن السوق تكون فلاحية بامتياز، وإذا كانت المنطقة تعرف مثلاً بحياكة الزرابي، فإن للسجاد نصيباً وافراً من السوق، والأمر نفسه بالنسبة لمنتجات زيت الزيتون أو زيت الأركان، وغيرها من "السلع الشعبية" التي قد لا تخطر على بال الزبون.
وقال أحد تجار الأسواق الشعبية المتنقلة محمد السكوتي إن السوق تعرض ما لا يعرض في أي مكان آخر، "فهي تبيع الخردة، والملابس القديمة"، والكتب المستعملة والأواني وزيت الزيتون، وفيها محال شعبية لشواء اللحم واحتساء الشاي، وأيضاً لأكلة صايكوك الشعبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع السكوتي أن زائر هذه الأسواق لا يجد صعوبة في العثور على ما يرغب في شرائه، أو حتى إنه يكتفي بالتنزه "السوق فرصة تجارية عظيمة لسكان القرية، فهي تتيح لهم بيع منتجاتهم المحلية، بالتالي الحصول على أرباح تمكنهم من تلبية حوائجهم وسداد كلف الحياة الشاقة".
وتوفر هذه الفضاءات فرص عمل موقتة لشرائح اجتماعية سواء من سكان القرى المحيطة، أو حتى من أبناء مناطق بعيدة يقصدون هذه الأسواق للبيع والشراء.
أما بخصوص ما يعرض في السوق الشعبية المتنقلة، فأفاد السكوتي بأن المعروضات تكون غالباً سلعاً محلية وبأسعار بخسة، لكن من دون أن يمنع هذا الأمر طبقات اجتماعية ميسورة من زيارة هذه الأسواق "بحثاً عن أوانٍ قديمة أو أكلات شعبية، أو ربما لأنها سئمت من الأسواق التجارية الكبرى، فتجد راحتها النفسية فيها".
اجتماعات وصفقات
ويقول الباحث في علم الاجتماع عبدالمغيث الشاوي إن السوق الأسبوعية أو الشهرية التي تنعقد في عديد من المناطق القروية "تعد بمثابة دار كبيرة للضيافة تجمع شتى الفئات وتلم مختلف المصالح الشخصية والأسرية، عدا الأهداف التجارية والاقتصادية"، مضيفاً أن عدداً من المشاريع الصغيرة والصفقات التجارية يتم عقدها بين سكان القرية داخل السوق، إذ يتم الاجتماع داخل أحد المقاهي المتنقلة وسط السوق وبارتشاف كؤوس الشاي يتم إبرام هذه الاتفاقات".
وتابع الشاوي أن "هذه الأسواق تعد فضاءً احتفالياً بامتياز يلتقي فيه الأصدقاء والعائلات أيضاً، إذ تصدح في الغالب من مكبرات العربات أنواع من الموسيقى الشعبية التي تميز كل منطقة".
ولتطوير فضاءات هذه الأسواق أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي ضمن تقرير له "بضرورة التأطير الصارم لمختلف المهن المزاولة في السوق، ولا سيما الحلاق والإسكافي والميكانيكي والكهربائي والحداد ومهنيو النقل، وخدمات الإطعام، مع إشراك المهنيين وتعزيز الرابط الاجتماعي في ما بينهم وبين زوار السوق".