Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 استئصال التطرف المتفشي بين الشباب الأميركي... مهمة معقدة نتائجها غير مضمونة

يعمل العنصريون الذين كانوا من المؤمنين بالقومية البيضاء على التخفيف من انتشار الايديولوجيات المتطرفة عبر شبكة الانترنت. فهل ينجحوا؟

صورة أرشيفية للمروجين لتفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة الأميركية (رويترز)  

كان كريستيان بيتشوليني لايزال في الـ 14 من عمره حين استقطبته إحدى منظمات النازية الجديدة في 1987، حسبما يقول. ويذكر أنه كان  يدخن الحشيش في أحد أزقة إيلينويز حين سحب رجل اللفافة من بين شفتيه قائلاً " هذا ما يريدك الشيوعيون واليهود أن تفعله حتى تبقى خانعاً".

تربى بيتشوليني، وهو ابن أسرة إيطالية مهاجرة من الطبفة العاملة، منذ طفولته على تقييم الناس من خلال لون بشرتهم.  بيد أنه قال أنه كان حانقاً على والديه لانهما كانا يذهبان إلى العمل في كل ايام الأسبوع السبعة فلا يبقى لديهما متسع من الوقت لقضائه معه. وترك غيابهما فراغاً في حياته استغله دعاة ايديولوجيات تفوق العرق الأبيض العنيفة للتحكم بعقل الطفل، حسبما ذكر، فلبى الدعوة لحضور مسيرات النازيين الجدد وتظاهرات العنصريين الأخرى.

إلا أن بيتشوليني بات  واحداً من أولئك الذين استُئصل تطرفهم، وذلك بعد حوالي ثلاثين عاماً من التحاقه بركب التشدد العنصري. فقد نأى بنفسه عن أشكال القومية البيضاء المتطرفة كلها  حين بدأ يلتقي أبناء الاقليات  ممن فنّدوا الافكار والمشاعر العنصرية التي كان المتشددون قد لقنوه إياها،  ووجد نفسه في الخط الأول من معركة يتسع نطاقها على نحو سريع، وهي مكافحة التطرف في أوساط الشباب الأميركيين، كما يقول.

قال بيتشوليني لصحيفة " اندبندنت" إن ذلك "تطلب مني الوقوف في زقاق، بيد أنه زقاق من نوع مختلف بسبب الانترنت..يمكنك أن تقف في زقاق رقمي حين تشاء وتجد أشخاصاً من أصحاب الايديولوجيات لتتفاعل معهم".

شهد العام الحالي ارتفاعاً في عدد الحوادث ذات الطبيعة الارهابية في أنحاء البلاد والتي يُنسب معظمها بصورة مباشرة إلى مجموعات تفوق العرق الأبيض، طبقاً لما أدلى به كريستوفر راي مدير "مكتب التحقيقات الفيدرالي" أمام اللجنة القضائية التابعة لمجلس الشيوخ في يوليو (تموز) الماضي. كما أن الجناة في سلسلة من حوادث إطلاق النار الجماعية في السنوات الأخيرة كانوا من أصحاب البشرة البيضاء الذين نشروا بيانات عنصرية معادية للمهاجرين على شبكة الانترنت قبل أن يداهموا الأماكن التي استهدفوها، ومنها كنيسة تاريخية للسود في تشارلستون بنورث كارولينا، ومخزن والمورت في مدينة إل باسو الحدودية التي يقطنها أناس من خلفيات متعددة في ولاية تكساس.

 وفي بيان اصدره عقب حادث إطلاق النار الجماعي  الأخير الذي جاء كما يبدو نتيجة لعنف مجموعات تفوق العرق الأبيض، ركّز الرئيس دونالد ترمب على حالة الجاني العقلية وعلى ألعاب الفيديو باعتبارهما في نظره السببين الأساسيين لفورة العنف، التي أوقعت ضحايا وأثارها التطرف. غير أن هذين السببين يمثلان مجرد جزء من جملة من العناصر المعقدة التي تدعو الشباب لانتهاج هذا السلوك العنيف، وذلك كما يرى الباحثون الذين يدرسون حالياً العوامل الكامنة وراء جنوح البعض، وخصوصاً الشباب، للتطرف واعتناق ايديولوجيا التفوق الابيض .

في هذا السياق، قال البروفيسور آري كروغلانسكي، وهو متخصص بارز في علم النفس الاجتماعي وأستاذ في جامعة ميريلاند، إن " من أهم العوامل في عملية تحول شخص ما إلى متطرف هو الخطاب الموجّه ضد جماعات تُعتبر معادية".

يُذكر أن البروفيسور كروغلانسكي قاد فريقاً من الباحثين الذي سعوا إلى فهم العوامل التي تعمل كدوافع للتطرف العنيف، وذلك في دراسة معنونة " سيكولوجيا التطرف و واجتثاثه".

واضاف البروفيسور أن عملية تلقين الايديولوجيا المتطرفة لشخص ما تشتمل عادة على " بحث عن الأهمية الشخصية" ، وهي مرحلة يشعر خلالها الساعي إلى رفع أسهمه ونيل المزيد من التقدير بالانجذاب إلى خطاب معين، ومن ثم يبدأ البحث عن شبكة من العلاقات أو مجتمع ما يمكنه أن يجد فيهما ما يؤكد صواب المشاعر التي ينطوي عليها ذلك الخطاب الذي شدّه بادئ الأمر.

وتؤدي العملية في نهاية المطاف احياناً إلى ارتكاب المتطرفين أعمال عنف على أمل أن يعود عليهم ذلك بمزيد من التقدير في أوساطهم المتطرفة.

في هذا الصدد، قال كروغلانسكي " أنت بحاجة إلى مبرر حتى تحمل مسدساً وتطلق النار على الناس، ولاسيما أن مجتمعنا لايقبل قتل الاشخاص إلا إذا كانوا أعداءً، كما هي الحال في الحرب..بالتالي، تصنيف أحدهم كعدو او غازي او كشخص ضدك، يسمح بشكل من الاشكال للبعض بالتحرر من القيود التي يفرضها المجتمع على القتل".

يقر بيتشوليني بأن الحاجة لمزيد من التقدير كانت بلا شك من الاسباب التي دفعته الى الارتباط بمجموعات النازية الجديدة، إذ قال إنه انجذب للتطرف لأن الشبكة التي كان جزءاً منها جعلته يشعر بأن له "هوية ومجتمعاً وهدفاً".

والحقيقة أن الكثير قد كُتب عن مدى التشابه، الذي يكاد يكون تطابقاً، بين خطاب  الرئيس وذاك الذي استعمله  المسلحون المسؤولون عن حوادث إطلاق النار الأخيرة، فترامب قد انتُخب بعد حملة أستهلها بكلمة هاجم فيها المهاجرين المكسيكيين معبتراً أنهم  " مغتصبين" و" مجرمين"، كما استعمل منذ ذلك الحين عبارات من قبيل "غزو" و"تفشي"  لتوصيف المهاجرين الملونين و الأماكن التي يعيش فيها ابناء الأقليات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحين سأله صحافيون عن تزايد العنف الذي يمارسه بعض اصحاب البشرة البيضاء ممن يؤمنون بتفوق العرق الأبيض، حاول الرئيس غالباً أن يوجّه الاهتمام إلى الحركة المعادية للفاشية المعروفة باسم " أنتيفا". وقال للمراسلين قُبيل زيارته لموقعي حادثتي إطلاق النار الجماعي الأخيرتين "إنني قلق حيال بروز أي مجموعة كراهية.. فأنا لا أحب هذه المجموعات سواء كانت تؤمن بتفوق البيض، أو باي نوع آخر من أنواع التفوق، أو كانت أنتيفا".

بيد أن المجموعتين لا تتشابهان من حيث البنية والقدرات، كما قال كولين كلارك، وهو باحث متقدم في "مركز سوفان" المعني ببحوث تتصل بقضايا الأمن العالمي والتهديدات الناشئة. واضاف أنه بينما تعتبر "أنتيفا"  حركة مؤلفة من مجموعات تتمتع بالاستقلال الذاتي ليس لها قيادة مركزية موحدة،  فإن المجموعات القومية البيضاء تتمتع حالياً بروابط عابرة للحدود كما أن لديها بنية منظمة على نحو هرمي، وهي كلها سمات مشابهة لتلك التي تميز المنظمات الارهابية العاملة.

وكان كلارك قد قال لـ " اندبندنت" سابقاً إن تركيز الرئيس على "أنتيفا" هو عبارة عن " إساءة رصد متعمدة للمصادر بغية تحقيق هدف سياسي". وزاد " لا اعرف أي شخص جاد يقول أن "أنتيفا"  تمثل تهديداً للأمن والأمان في الولايات المتحدة أشد خطورة من أولئك المؤمنين بتفوق العرق الأبيض، إذا سُئل أيهما مقلق أكثر ".

على صعيد متصل، يقول بعض الخبراء أن التخفيف من أخطار التطرف العنيف يتطلب معالجة الأدوات والمنصات المستخدمة في عملية تلقين التطرف، كما يقتضي إجراء نقلة كبيرة في طرق تنشئة الأطفال المتبعة في المجتمع ذي العلاقة. أما احتمال حصول ذلك بالفعل، فهو يعتبر مسألة أخرى.

واعتبر بيتشوليني أن " بوسع الإنترنت والتكنولوجيا أن يجعلا اجتثاث التطرف أكثر فعالية". ولفت إلى العمل الذي أدّاه عبر شبكة الانترنت لصالح مجموعة " فري راديكالز" التي أنشأها  للتفاعل مع المجتمعات والتواصل مع أفراد استقطبتهم حركات متطرفة فضلاً عن محاولة تجنيد أولئك الذين خرجوا من مجموعات كهذه للمساعدة في الحدّ من انتشارها.

ويقول بيتشوليني إن من الصعب معرفة عدد المتطرفين الذين التحقوا ببرامج من هذا النوع، بيد أنه حاول شخصياً تحرير مئات المتطرفين من هذا الداء عبر شبكة الانترنت. أما كيف فعل ذلك، فمن خلال ايجاد سرديات مشتركة مع هؤلاء الأشخاص واستعمال طرق تدخل بشيء من النجاح.

ويفيد بأنه يصغي لأشياء مخبأة في أخاديد الغائرة في نفس الشخص وتضم وقائع تتصل بإساءات تعرض لها أو عن إصابته بمرض عقلي  أو صعوبات تتعلق بالفقر وحتى الامتيازات التي نالها أو لم يحصل عليها، وتساهم كل هذه الأشياء في التسبب بصدمة له في حياته. وبعد ذلك يحاول بيتشوليني العثور على مجتمعات محلية مستعدة لإقامة علاقة بهؤلاء الأشخاص فيما يسعى " لرفع مستوى الدعم الإيجابي الذي يتلقاه الأشخاص المعنيون من مجتمعهم" في سياق تحررهم من التطرف.ويصف عملية أخرى تُعرف باسم " الغمر" يتعرف في إطارها المتطرفون إلى أبناء أقليات يدعون أنهم يكرهونهم، ما يؤدي إلى تفنيد آرائهم المسبقة وحملهم على التفاعل مع مجموعات متعددة .

لكنه أوضح أيضاً أن اجتثاث التطرف يلقى مساعدة معتبرة من "حجب المنصة" وهو واحد من أشكال النشاط السياسي الذي يستهدف المواقع الالكترونية التي تروج لأفكار عنصرية ومشاعر متطرفة معادية للأجانب، ويعمل على حجبها من جانب شركات الانترنت المضيفة. أحد هذه المواقع مثلاً، هو "8 تشان" حيث نشر المسلح الذي ارتكب حادثة إل باسو بيانه المطول المضاد للمهاجرين قبل أن يطلق النار على الابرياء في مخزن وولمارت.

لابد من مشاركة الجميع بدءاً بالأباء وانتهاءً بمعلمي المدارس  في الجهود الرامية إلى منع الشباب من الالتحاق بمجموعات كراهية ومنظمات متطرفة أخرى،  حسبما قال كروغلانسكي.

وتابع " طالما أن التطرف يمكن أن يبدأ في عمر مبكر فإن استئصاله يبدأ يوم ميلادنا.. وبالطريقة نفسها التي يصبح فيها المرء متطرفاً يمكن أن يُستاصل تطرفه. فالعقل البشري مطواع ومرن ويتقبل التأثير".  

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات