Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المساواة بين النساء والرجال في بريطانيا بقوة القانون

"هيئة معايير الإعلانات" قررت حظر أي إعلان تجاري يكرس التمييز الجنسي والجندري

نصب تذكاري لنساء الحرب العالمية الثانية (إندبندنت عربية)

يقتحم القطار المحطة تحت قيادة شابة ثلاثينية. تتحرك المجموعة الشرطية المدججة بأدوات مكافحة الشغب ومجابهة خارقي القانون في استعراض ناعم للقوة والسيطرة وقوامها شرطيين وشرطيتين. يتوقف الباص ذو الطابقين في المحطة وتحيي قائدته الركاب بابتسامة كبيرة. تصارع سيارة الإسعاف لتصل إلى المستغيث المريض والقائد والمسعف امرأتان. تخترق الشوارع يومياً ملايين الدراجات الهوائية يقودها نساء ورجال في طريقهم إلى العمل.

قوانين ضامنة للمساواة، كيانات مراقبة للأداء، مناهج تعليمية ومواد تثقيفية وترفيهية تهيئ العقل الجمعي لفكرة أن النساء لسن كائنات شأنهن شأن الرجال، بنود للتشغيل تعمل على ضمان توازن التمثيل. وحتى إن بقي ما في القلب في القلب وما في العقل في العقل، وما لدى البعض من تحفظات على المساواة واعتراضات على "مزاحمتها" له خارج البيت، لكن يظل المجتمع وقوانينه وقواعده الحاكمة ملتزمة بضمان حق النساء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نبذ الصور النمطية

مجريات الحياة وتفاصيلها المحيطة تنضح بجهود واعية تعمل بشكل مستدام على غرس مبدأ تمكين النساء ونبذ الصور النمطية الساخرة والمهينة عنهن. وعلى الرغم  من تأسيس "حزب المساواة النسائي" بشكل مباغت وفي توقيت غريب حيث الساحة السياسية متخمة بأحزاب تصارع من أجل البقاء في أجواء سياسية عاصفة في عام 2015، فإن مسألة المساواة بين الجنسين في بريطانيا تعدت مرحلة المساواة إلى جهود استدامتها وتعديل التوجهات ولو بقوة القانون.

كثيرون لا يعلمون بوجود "حزب المساواة النسائي" من الأصل، وهو الحزب الذي تأسس على يد مجموعة من النساء المؤمنات بالمساواة واللاتي أعياهن انتظار مساواة لا تتحقق وقبول لا يتبلور.

مانيفستو الحزب معروف مسبقاً: فرص متساوية، تمثيل سياسي واقتصادي نخبوي عادل، وأجور متساوية، ومعاملة عادلة، وقبول غير مشروط لوجود النساء في المجال العام.  تبدو الأهداف أقرب إلى "الكليشيهات" لفرط ترديدها على مدار العقود، لكن مجرد وجود الحزب يعني الكثير.

الكثير يجري في بريطانيا في ملف المساواة. وهذا الكثير يعني التزاماً رسمياً ومعه جاهزية مجتمعية حتى وإن ظلت جاليات بعينها أو توجهات دون غيرها وربما مؤسسات كبرى تعارض المبدأ وترفض المنهج على الرغم من التمسك العلني بقواعد المساواة ومعاييرها.

"هيئة وضع معايير الإعلانات" قررت في ديسمبر (كانون أول) الماضي حظر أي إعلان تجاري يكرس التمييز الجنسي والجندري. وذكرت الهيئة أمثلة جرى العرف على استخدامها تنوعت بين عدم قدرة النساء على قيادة السيارات، وإخفاق الرجال في تغيير الحفاضات، ورجال جالسين على الآرائك يحتسون الشاي، بينما النساء ينجزن أعمال التنظيف والكي والطهي.

 

 

إعلانات معادية

وقتها شرح الرئيس التنفيذي للهيئة غاي باركر، الغرض من هذه المعايير عبر بيان جاء فيه أن القوالب النمطية الجندرية الضارة في الإعلانات يمكنها أن تسهم في تكريس عدم المساواة في المجتمع، مشيراً إلى أن بعض الصور في الإعلانات يمكنها مع مرور الوقت أن تلعب دوراً في الحد من إمكانات الناس، وهو ما يلحق الضرر بالنساء والرجال والاقتصاد والمجتمع برمته.

وفي شهر أغسطس (آب) الماضي، فوجئ الجميع بقرار إيقاف إعلانين لأنهما ينمطان الأدوار التي يقوم بها النساء والرجال. هذه المرة، لم يكن التنميط موجهاً ضد المرأة، بل الرجل حيث تم تصويره باعتباره غير قادر على رعاية الصغار في ظل عدم وجود الأم، لكنه في الوقت نفسه ينمط بطريقة غير مباشرة دور الأم باعتبارها وحدها القادرة على رعاية الصغار.

المثير هو أن القرارات الشبيهة بإيقاف إعلانات لخرقها فكرة المساواة أو اعتناقها مبدأ التنميط لا يقتصر فقط على قرارات هيئات المعايير، لكن أغلبها ينجم عن شكاوى متكررة من الجمهور، وهو ما يعني أن جهود عقود طويلة مضت من نشر الثقافة والوعي تؤتي ثمارها.

الجهود المثمرة لا تتبع في العادة أساليب الوعظ والإرشاد، أو فرض الفكر بطريقة فجة في مناهج تعليمية أو طرحها بأسلوب شديد المباشرة في وسائل الإعلام. لكن الكثير منها يأتي بطرق غير مباشرة تتسلل إلى الوعي وتبقى هناك. ويكفي أن واحدا بين كل أربعة في الشرطة البريطانية من النساء، بنسبة 27%. ليس هذا فقط، بل تدور الجهود من أجل الوصول بالنسبة إلى 50%، لأن الشرطة البريطانية مصنفة على أنها إحدى أكثر الجهات الحكومية في بريطانيا المفتقدة للمساواة في مجال التوظيف.

نساء الحرب العالمية

توظيف النصب التذكاري المميز الموجود في منتصف الشارع في "هوايت هول" لمبدأ المساواة مثير للإعجاب. فمنطقة "هوايت هول" – حيث العديد من المباني الحكومية المهمة مثل وزارتي المالية والخارجية، تجتذب الملايين الزائرة للمدينة بالإضافة إلى الملايين العاملة فيها. النصب الذي تم نحته في عام 2005 مهدى إلى "نساء الحرب العالمية الثانية" ويجسد 17 امرأة يرتدين ملابس تمثل انتماءهن إلى مجالات أعمال مختلفة مثل التمريض والبحرية والجيش وصهر الحديد والشرطة وهي ترمز إلى مئات الأعمال التي قامت بها نساء إبان الحرب. أما الوجوه فجميعها محجوب خلف قبعات في دلالة على القدرة على العطاء، وهي القدرة التي لا تعرف عدم المساواة.

المساواة أو عدمها أو خللها لا تعيب الأمم، لكن ما يعيب هو التجاهل أو التعامي أو الإنكار أو الإصرار على أن "كله تمام". وعلى الرغم من مظاهر تحقيق المساواة واتخاذ خطوات عدة ومستمرة لبلورتها، فإنه في عام 2016، أعلنت بريطانيا أن أجور الرجال تفوق أجور النساء اللاتي يقمن بالأعمال نفسها بنسبة تعدت الـ18%، وهو ما تسبب في غضب عارم بين النساء وقطاعات من الرجال. وقبلها بعام، أثبتت دراسة أن الشركات التي تساوي في الأجور بين النساء والرجال تزدهر أعمالها بنسبة 15% مقارنة بالشركات التي ترجح كفة الرجال.

قوانين بريطانية عدة تهدف إلى ضمان المساواة في الدخول بين الرجال والنساء في الأعمال نفسها، إلا أن ضمان تحقيقها على أرض الواقع أمر بالغ الصعوبة، حيث حجج أصحاب الأعمال التي يبررون بها عدم المساواة كثيرة. لكن كثيرات أيضاً من العاملات أصبحن لا يترددن في مقاضاة العمل الذي يفرق بينها وبين زميلها في الراتب.

هيئة الإذاعة البريطاني (بي بي سي) من أبرز أماكن العمل التي عانت فيها النساء من التفاوت غير المبرر في الأجور. وفي عام 2018، وافق عدد من موظفي "بي بي سي" على تخفيض أجورهم بعد زوابع صاخبة حول التفاوت الكبير مع أقرانهم من النساء. وكانت "بي بي سي" اضطرت في أواخر عام 2017 إلى الاعتراف بأن ثلثي الأجور الأعلى لديها تذهب إلى جيوب موظفيها من الرجال.

فروق وخلل

وفي سياق مشابه، كشفت دراسة شاملة تقيم عدم المساواة في الأجور في بريطانيا يقودها الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل سير أنغس ديتون، بالتعاون مع "مؤسسة الدراسات المالية" البحثية أن مدناً بريطانية عدة تعاني بشكل أكبر من مدن أخرى في ملف خلل المساواة في دخول النساء والرجال، وأن لندن تبتلع الجانب الأكبر من جهود تحقيق المساواة.

خصوصيات مقاومة

جهود تحقيق المساواة تجد من يدفعها للأمام ويجذرها في المجتمع مثل سن القوانين، وتنفيذها، وتثقيف وتوعية وتعليم المجتمع. لكنها أيضاً تجابه وتتعرض لهزات من الداخل، حيث محاولات مكتومة غير صاخبة للإبقاء على عدم المساواة، لا سيما في الحالات التي يتخذ يتعلق فيها بتلابيب الخصوصية الثقافية أو الاختلاف الديني.

قصص وتجارب بعضها بالغ الإيجابية والبعض الآخر غارق في السلبية يكشف عن واقع مختلف لفكرة المساواة في بريطانيا متعددة الأعراق والانتماءات الدينية. ففي الوقت الذي حظي فيه كتاب "جيل إم: مسلمون صغار يغيرون العالم" لمؤلفته الصحافية البريطانية شيلينا زهرة جان محمد باستقبال رائع، تدور قصص حياتية كثيرة غير مسموعة.

تتطرق جان محمد إلى جيل ما بعد الألفية من الشباب والشابات المسلمين في بريطانيا، وكيف أن المعتقد لا يتعارض أبداً مع الحياة الحديثة ومتطلباتها، وكيف أنهم، لا سيما الإناث، يسهمون في بناء المجتمع وتقدمه. وهي تطالب بإعطاء المزيد من الفرصة لهم ولهن للمشاركة، ولكن بقواعدهم الإسلامية التي قد تتعارض وقواعد النسوية الغربية.

في المقابل، تعاني فتيات مسلمات عدم القدرة على الانتماء والتأقلم. فمن جهة، ينتمي البعض منهن لأسر حملت معها من دول المهجر تفسيرات متشددة للدين تمنع الاختلاط وتحتم الختان، وتفرض زياً بعينه، وتحظر ممارسة الرياضة وغيرها، وفي الوقت نفسه، لا يستطعن الاندماج في المجتمع للشعور بهذا الاختلاف.

وتدور منظومة المساواة في بريطانيا بين جهود التحقيق وضمان الاستدامة عبر القوانين والتثقيف مع مخاطبة الحواس في الأماكن العامة عبر إعلانات ووظائف خدمية تشغلها النساء وأفلام وفعاليات تارة، وبين محاولات التمسك بتلابيب الصور النمطية والأدوار التقليدية ومنها ما ينقلب إلى لعبة كر وفر.

ولعل الصفحة الثالثة في جريدة "صن" البريطانية الشهيرة خير مثال على ذلك. فعلى الرغم من توقف الجريدة التي كانت الأكثر توزيعا عن نشر صور النساء عاريات الصدر على صفحتها الثالثة، التي كانت السبب الرئيسي في توزيعها الأعلى، فإن صفحات الجريدة متاحة لمشاركات القارئات بملابس البحر والنوم أو بدونها.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات