Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التأثير في جينات الشيخوخة البيولوجية وإبطاء مسارها

أدوية علاج سكري وهرمونات تمكنت من تأخير التقدم بيولوجيا في العمر

تحتوي الجينات شيفرة تتحكم بالجسم ومساراته وخصائصه وشيخوخته، لكن الإنسان يستطيع التأثير في بعض منها بوسائل شتّى (موقع مِدلينكس.كوم)

بيّن بحث حديث تماماً أن مزيجاً من ثلاثة أدوية شائعة قد يكون وسيلة يستعملها البشر للتأثير في جيناتهم، خصوصاً بالنسبة للخصائص والصفات التي تعتمد على التفاعل بين التركيب الجيني والمؤثرات الخارجية. واستطراداً، هناك مجموعة من الصفات البشرية التي تصنّف بأنها "مظهرية" أو "ظاهرية" ("فينوتايب"  Phenotype)، لا تحسم الجينات في شأنها بصورة كليّة، بل أنها تتأثر أيضاً بعناصر تأتي من البيئة ونمط الحياة اليومي والخيارات الصحية والنفسية للفرد والأدوية المتنوعة وغيرها. ويعتبر الوزن من تلك الصفات "الظاهرية" لأن الجينات تؤدي دوراً كبيراً في تحديده، لكن الفرد يستطيع التأثير فيه بواسطة نمط التغذية اليومية وممارسة الرياضة والتعامل مع بعض العوامل النفسيّة المرتبطة به وما إلى ذلك.

واستطراداً، يشير العلماء إلى وجود نوع من إيقاع زمني لظهور الصفات ذات النمط الظاهري (مثلاً، يميل وزن الجسم الى الزيادة مع التقدم في العمر) وكذلك يعتبرون ذلك الإيقاع مقياساً للعمر البيولوجي. والآن، يبدو أن استعمال مزيج ثلاثي من الأدوية يستطيع التأثير في ذلك الإيقاع وتالياً في العمر البيولوجي.

في التفاصيل أن مجلة "إيجينغ سيل" العلميّة المتخصصة في البحوث عن تقدّم الخلية في العمر، نشرت أخيراً نتائج دراسة أجريت على مدار عام كامل، وشملت مجموعة صغيرة مكوّنة من تسعة أشخاص، تناولوا خلالها هرمون النمو مع دوائين يستخدمان في علاج السكري، ما أدى إلى إعادة عقارب ساعة العمر البيولوجي في أجسادهم قرابة السنتين ونصف السنة، كمعدل وسطي.

ويثير هذا البحث سؤالاً عن مفهوم يفيد بأنّ التقدم في العمر بيولوجياً يسير في اتجاه وحيد، بمعنى أنه من المستحيل إعاقة تقدمه، فيسير بثبات في اتجاه شيخوخة وهرم. إذاً، لربما لا تكون الشيخوخة أمراً خارجاً عن السيطرة بالضرورة.

وفعلياً، يبدو أن الشيخوخة تتحدّد في نسبة كبيرة، بواسطة عمليات بيولوجية ربما نستطيع أن نؤثّر فيها. وعلى عكس العمر الزمني الذي يُحتسب بعدد السنوات التي يعيشها المرء، يتعلق العمر البيولوجي بالكيفية التي يبدو عليها الشخص. ويجري قياس العمر البيولوجي بواسطة مجموعة من المؤشّرات المتصلة بتركيبات بيولوجيّة تؤثّر على طريقة "إظهار" الجينات للصفات المتعلقة بها.

واستطراداً، تبدو تلك التراكيب (تسمّى "إيبي جيناتكس" Epigenetics) كأنها زينة إضافية منثورة على التركيب الأساسي للحمض النووي الوراثي الذي يحتوي على جيناتنا كلها. ويتمثّل أحد العمليات التي تجري عبر تلك التراكيب، في إضافة مادة ميثانيّة (اشتقاقاً من كلمة "ميثان" Methane) إلى تركيبة الحمض الوراثي.

وفي وقت سابق، أظهرت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في مدينة "لوس أنجيليس"، وجود علاقة بين الشيخوخة وعمليات دخول مواد ميثانية على تركيبة الحمض النووي الوراثي. وكذلك برهنت تلك الدراسة أن تلك العمليات تعتبر من الركائز الأساسية في الساعة البيولوجية المتصلة بالـ"زينة" الإضافية في الحمض الوراثي. وبديهي القول إنّ الساعات التي تقيس إيقاع الزمن في الـ"زينة" الجينية، تشكّل أداة مهمة بالنسبة لمن يريد دراسة التغيّرات التي ترافق مسار الشيخوخة.

وتذكيراً، في أوقات ماضية، كان إجراء بحث عن تأثير علاج ما في مسار الشيخوخة والعمر، يقتضي متابعة الأشخاص إلى حين وفاتهم. وفي المقابل، صار ممكناً التركيز على الساعات المتصلة بالـ"زنية" الجينية، للحصول بسرعة على معلومات عن العمر البيولوجي للشخص، ولم يعد الانتظار الطويل حتى انقضاء الأجل، أمراً مفروضاً.

 وإذا جرت الأمور بطريقة فاعلة ومجدية، لا تكون مجازفة توقّع أن تسير الأمور على ذلك النحو فعلياً، كذلك قد لا يتأخر ظهور أشياء يمكننا استعمالها في علاج الشيخوخة. ويرجع ذلك جزئيّاً إلى أن البحث الجديد المشار إلية في بداية المقال، جرى باستخدام أدوية معروفة وحاصلة على موافقة "مكتب الدواء والغذاء" الأميركي على استعمالها. إذ تمثّلت تلك الأدوية في هرمون النمو التركيبي (من نوع "آر آتش جي آتش" rh GH)، ودوائين للسكري هما "مثيلهايدرإيبيآندروستيرون" ("دي آتش إي إيه" DHEA، وهو هرمون شائع استعماله في علاج السكري)، و"مِتفورمين" الذي يعتبر من أكثر أدوية السكري شيوعاً.

وتوضيحاً، تمثّل الهدف من ذلك البحث في تجديد الغدّة الصعترية، وهي تركيب صغير قرب قاع الدماغ يوصف بأنه "العقل المدبر" لجهاز المناعة بأكمله. إذ تعمل تلك الغدّة على تحويل الكريات البيضاء كي تصير خلايا مناعية من النوع "تي" التي تشكّل اللاعب الأساسي في التصدي لهجمات البكتيريا والفيروسات وحتى بعض أنواع السرطان. بقول آخر، يعتبر عمل الغدّة الصعترية آلية أساسيّة في تمكين الجسد من البقاء على قيد الحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في مقلب آخر، يشرع عمل تلك الغدّة في التخافت تدريجاً، حين نصل إلى سن البلوغ. وتبدأ الغدّة في الذواء والموت عند سن الـ12 أو الـ13 من العمر. وفي البحث الجديد، أُضيف دواء الـ"دي آتش إي إيه" إلى الأدوية التي تناولها الأشخاص الذين شملهم البحث، استناداً إلى نظرية تفيد بأن الناس في عمر الشباب يكون لديهم مستوى مرتفع من هرمون النمو، ولا يترافق مع ارتفاع في مستوى السكر في أجسامهم. ويُرجِع علماء تلك الوضعية إلى امتلاك الشباب مستويات مرتفعة أيضاً من الـ"دي آتش إي إيه".

وفي أعقاب تجربة دامت سنة بأكملها، دُهِشَ العلماء حين دققوا في الساعات المتصلة بالـ"زنية" الجينية التي تعتبر مقياساً للعمر البيولوجي الفعلي. وترجع الدهشة إلى أنهم توقّعوا حدوث تأثيرات إيجابية في الغدّة الصعترية، لكنهم لم يتوقعوا أن يحدث رجوع في عقارب تلك الساعات كلها. وبقول آخر، وجد العلماء أن العلاج بواسطة المزيج الثلاثي أعطى نتائج أكثر اتساعاً وشمولاً بالنسبة لتجديد الشباب وتقليل مسار التقدّم في العمر.

وفي مسار نقدي مُغاير، يجدر الإشارة إلى أن تلك الدراسة غاب عنها وجود مجموعة ضابطة، كي تقارن النتائج بها، وكذلك لم تشمل سوى تسعة أشخاص كلّهم من أصحاب البشرة البيضاء.

واستطراداً، يُتوقع أن تشمل الخطوات التالية، إجراء مزيد من البحوث التي تشمل أعداداً أكبر، وتكون مجموعاتها أكثر تنوّعاً. الأرجح أنه لدى البحاثة أشياء كثيرة يتوجب دراستها والتعلّم منها، لكنهم بدوا متشجعين تماماً بالنتائج الأولوية التي حصلوا عليها من تلك الدراسة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء