Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ماتيلدا"... عرض موسيقي راقص يواجه التنمر في بريطانيا

المسرحية تعرض للسنة التاسعة وتناقش أزمات الأسرة والتعليم والقراءة

"ماتيلدا" تعرض مساء كل ليلة منذ 9 سنوات في "حي المسارح" ببريطانيا (أ.ب)  

"ماتيلدا"، اسم يتردد كثيراً مساء كل يوم في منطقة المسارح الشهيرة في لندن والمعروفة بـ"حي المسارح". المسرح التاريخي الصغير الفريد يجتذب طوابير طويلة من الكبار والصغار. وفي هذه الأيام التي يستعد فيها البريطانيون للعام الدراسي الجديد ومعهم آلاف السياح من العائلات التي توشك على العودة لبلادها للسبب نفسه، تمثل "ماتيلدا" نقطة جذب رئيسة.

تسع سنوات كاملة و"ماتيلدا" تُعرض مساء كل ليلة بنجاح تتحدث عنه الطوابير بلغات مختلفة قلما تُسمع فيها العربية. رائعة الكاتب البريطاني الراحل من أصل نرويجي روالد دال، "ماتيلدا" لا تزال في العصر الرقمي تدق على أوتار الكتاب، وفي ظل شاشات تغرق الوجوه كل على حدة تؤكد على قيمة المحتوى وجودته. وفي خضم مخاوف حول منظومة الأسرة في العصر الحديث، تقول "ماتيلدا" بأعلى الصوت أن الأسرة هي نقطة البداية ومصدر القوة وضمان جودة الحياة. وبينما أنظمة التعليم تتطور هنا وتتدهور هناك، تظهر منظومة التعليم المدرسي باعتبارها صمام أمان المجتمعات ومحددا رئيسا لمستقبل الصغار. أما التنمر، فمكون رئيسي من حولنا، ليس حكراً على متنمرين من الأقران في المدرسة، بل يمكن أن يكون من القائمين على العملية التعليمية أنفسهم، بل من الآباء والأمهات دون أن يعلموا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قصة "ماتيلدا"، العرض الموسيقي الراقص في ديكور رائع يبدو بسيطاً سهلاً لكنه في واقع الحال يعتنق أبلغ درجات التقنية ويعكس إبداعاً كبيراً، تدور حول الصغيرة ماتيلدا وورموود التي تتعرض لسوء معاملة شديد من قبل والدها ووالدتها منذ ولادتها. الأب اعترض بشدة على كونها أنثى لأن القيمة الحقيقية تكمن في الذكور. الأم تضررت من قدومها إلى الدنيا لانشغالها في المشاركة في مسابقات الرقص. وشقيقها الأكبر كيان بلا محتوى.

تظهر الصغيرة عشقاً مبكراً للقراءة واستيعاب المعلومات. تتطور لديها القدرة على الحكي وسرد القصص. تمتلك ثقافة كبيرة وقدرة عددية عبقرية، وهو ما يدفع مديرة المدرسة إلى اضطهادها والتربص بها لأنها لا تلتزم بالمنهج المدرسي. أسلوب مديرة المدرسة الوحيد في الإدارة يعتمد على العنف اللفظي والعقاب البدني للصغار. ولا تنصفها سوى معلمتها الشابة التي تؤمن بقدراتها وتساعدها لتتغلب على تنمر مديرة المدرسة وأهلها بها. تتردد كثيراً عبارات مثل "على الأنثى أن تركز جهودها على المظهر الجميل" "جمال الفتاة يفسده العلم".

وعلى الرغم من بساطة الفكرة وسلاستها، فإن العرض الموسيقي يقدمها بشكل بالغ الإثارة والإبهار. والنتيجة هي تسلل الأفكار دون وعظ وإرشاد وبلا مبالغة أو مباشرة إلى الجميع. وبين تعرض لظاهرة التنمر واتخاذها أشكالا عدة لا تقتصر على التنمر المدرسي، ومساواة الإناث والذكور في القدرات العقلية بل وتفوق الإناث في الكثير من الأحيان، وقيمة الثقافة والاطلاع، ودور الأسرة في بناء عقلية الطفل واكتشاف مواهبه وتنميتها وليس إجهاضها.

 

الدعاية للمسرحية تعتمد على جملة "سواء كنت دودة صغيرة أو ناضجة فهذه المسرحية لك"، وهو ما يعيد فكرة "دودة الكتاب" أو "Bookworm"، التي تطلق على عشاق القراءة وملتهمي الكتب وتحاول إصلاح الصورة الذهنية السلبية والساخرة من عشاق القراء.

المؤكد أن الرسائل غير المباشرة والمغلفة في موسيقى حية ورقصات محكمة وتقنيات مسرحية بالغة التطور مع أداء رائع لطاقم الممثلين والأطفال الذي يتغير كثيراً على مدار السنوات، لا سيما الأطفال الذين يكبرون، تصل إلى الجمهور وتتسلل إلى فكره وتدعوه للتفكير، الذي يمتد ليصل إلى المؤلف روالد دال الذي عاش حياة حافلة بالمتناقضات، فمن طيار مقاتل أثناء الحرب العالمية الثانية، وضلوع في غارات عدة، تم نقله إلى مصر ومنها إلى حيفا. ونوبات الصداع العنيف التي انتابته، فتمت إعادته إلى بريطانيا وبدأت صحته في التحسن. وعلى سبيل تكريمه، تم تعيينه في منصب دبلوماسي في الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أعجبه في البداية، لكنه سرعان ما اعتذر عما أسماه ب،"منصب غير مهم على الإطلاق" مفضلاً العودة إلى بريطانيا التي كانت لا تزال تلملم آثار الحرب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية القاسية.

موهبة دال في السرد والكتابة لم تفارقه طيلة عمله. وبعد تفرغه للكتابة، طغى على أعماله التوجه نحو الأطفال ومنهجه في الكتابة وكأنه طفل. وكثيراً ما يظهر الكبار في أعماله في دور "الأشرار" عكس الأطفال "الطيبين"، وهو ما يفسره البعض بتجارب أليمة مر بها أثناء دراسته في مدرسة داخلية في بريطانيا وتعرضه لسوء المعاملة والقسوة والتنمر.

"ماتيلدا"، تم إنتاجها كفيلم سينمائي في عام 1996 وحقق نجاحاً كبيراً. كما يقدم العرض المسرحي في مدن عدة، لكن تظل لندن ومسرح كامبريدج أشهرها.

مسرح كامبريدج نفسه مزار يستحق التأمل. إذ شيد في عام 1929 على قطعة أرض على شكل مثلث غير مستوٍ. وعلى الرغم من صغر مساحته وشكل طرقاته وقاعاته غير البعيدة على الشكل المربع أو المستطيل التقليدي، فإنه يحوي العديد من التماثيل واللوحات التي تقص سيرة من مروا به والعروض التي قدمت فيه. ومن أبرز العروض التي قدمت فيه "غريس" و"فايم" (الشهرة) و"شيكاغو" و"ماتيلدا" المعروضة منذ نوفمبر (تشرين ثاني) 2011. وقبلها عرضت لمدة عام على مسرح "كورتيارد" في ستراتفورد أبون أفون.

وهذه الأيام، يجري تغيير طاقم الممثلين من الكبار والصغار، وهو التغيير الذي يتواكب وذكرى ميلاد روالد دال الـ103 الذي يوافق يوم 13 سبتمبر (أيلول) الحالي.

المخرج الجديد هو إليوت هاربر الذي أخرج من قبل مسرحيات غنائية عدة أبرزها "فانتوم أوف ذو أوبرا" (شبح الأوبرا)، و"ليه ميزيرابل" (البؤساء). ويلعب البطولة من الكبار سباستيان توركيا وماريان بنديكت وكارلي توماس، بينما يتناوب على بطولة الصغار ثلاثة أطقم مختلفة من الأطفال.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون