Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة اللجوء في لبنان ... فقراء يضطهدون فقراء

يعد وزير الخارجية جبران باسيل من أشدّ المطالبين بالعودة الطوعية والدائمة للّاجئين السوريين في بلاده

لاجئون سوريون في أحد مخيمات لبنان (رويترز)

ماذا يحصل في لبنان بين اللاجئين السوريين والسكان المحليين؟ في غضون أسبوع: طفل سوري قيل إنه "ماسح أحذية" يقع في "منور" بناية إثر ملاحقته من شرطة بلدية بيروت فيموت، يتبع ذلك تحطيم لممتلكات تعود لسوريين في عرسال، ثم ردّ "إلكتروني" من معارضين عمدوا الى قرصنة موقع "مطار بيروت" احتجاجا على التعديات.

يتفجّر الغضب لدى بعض المجتمعات المحلية في لبنان من منافسة اللاجئين السوريين الى العلن بعد أن دخلت أزمة اللجوء السوري الى لبنان عامها الثامن هو عمر الأزمة السورية المستمرّة.

هي المرّة الأولى التي يختار فيها لبنانيون أسلوب العنف وتحطيم السيارات والمحال التجارية التي يمتلكها سوريون، وذلك في مدينة عرسال البقاعية الحدودية مع سوريا، حيث الطائفة السنية مشتركة بين سكان المدينة وضيوفهم، ما يعني أن لا مجال لفتنة طائفية، لكنّها على ما حملته شعارات بعض الشبان الذين تظاهروا منذ قرابة أسبوع فتنة اقتصادية معيشية على لقمة العيش.


الحجيري: يجب أن لا يدخل اللاجئون الى سوق العمل

لا ينفي رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري التوترات ويقول: نعم، توجد توترات معيشية متصاعدة بين الأهالي والسوريين". ويروي أن 9 من الشباب العراسلة المتورّطين في أعمال الشغب ألقي القبض عليهم من قبل الأجهزة اللبنانية المختصة. إلا أنّ ملاحظة مثيرة للإهتمام يقدّمها الحجيري مفادها بأن "هذه الحادثة مفتعلة وليست بريئة، فالعنوان مطلب معيشي يراد به باطل" متوقعا ألا تتكرر" لأن الدعوات الى تظاهرات معيشية مشابهة توالت أخيرا في عرسال، لكن لم تجد لها أرضا خصبة".

ما حصل في عرسال، مثير للإهتمام، إذ ترجم الضغط المعيشي والإقتصادي بين اللاجئين والسكان المحليين للمرة الأولى في الشارع، ما يطرح تساؤلات جدية على البلدية والدولة اللبنانية والمنظمات الدولية وفي طليعتها الأمم المتحدة والجمعيات والمؤسسات المنضوية في متابعة اللجوء السوري.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأبنية الإسمنتية تثير شبح التوطين

الواقع أن عرسال التي شهدت معارك عنيفة بين الجيش اللبناني و"داعش" لتحرير جرودها من التنظيم الإرهابي، باتت تعيش أوضاعاً أفضل مقارنةً بما كان عليه الأمر منذ ثلاثة أعوام وأكثر، إذ فاق عدد اللاجئين السوريين سابقاً المئة ألف في بلدة تعدّ 45 ألفاً من السكان المحليين، في حين أن العدد اليوم لا يكاد يبلغ النصف أو 55 ألفاً بحسب رئيس البلدية باسل الحجيري، بسبب عودة كثر من اللاجئين الى سوريا وبعضهم في قوافل العودة الطوعية التي تحصل منذ يونيو (تموّز) الفائت الى سوريا، والتي بلغ عددهم نحو 100 ألف من المناطق اللبنانية كلّها، بحسب أرقام الأمن العام اللبناني المنوط به تنظيم هذه العودة.

وهذا أمر يثير التساؤل. لا يبدو الحجيري سعيدا جدّا بالتدقيق في ما حدث في المدينة التي يرأس مجلسها البلدي. يؤكد أن المشاكل موجودة في أكثر من منطقة ولم التدقيق بعرسال؟

إلا أن الرجل لا يلبث أن يعترف بوجود شكاوى محلية متصاعدة من أبناء المدينة الذين يعتاشون من طريقتين: بيع الحجر العرسالي المميز للبناء، والتهريب عبر الحدود السورية المجاورة. وقد ُسدّ هذان المنفذان في وجه السكان، وتراقب طرق التهريب بشكل محكم أخيرا، أما الحجر العرسالي فيجد منافسة من الحجر السوري الذي يستورد بأسعار مغرية من سوريا بلا وازع أو رادع، ما جعل معظم أبناء البلدة بلا مورد رزق.


يناشد الحجيري الدولة اللبنانية وضع ضريبة مرتفعة على الحجر السوري المستورد، متوقعاً حصول أزمة جديدة في موسم الكرز المقبل بسبب منافسة المنتجات السورية ايضاً، ويعترف الحجيري بوجود تململ سكاني كبير لدى أبناء عرسال من قيام بعض اللاجئين وبأعداد لا يستهان بها ببناء جدران إسمنتية لخيمهم، وهذا ما أشعل "فوبيا" التوطين التي تثير المخاوف في لبنان بسبب اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على أرضه منذ 1948. يكشف الحجيري عن وجود 120 مخيّماً في عرسال يعيش فيها قرابة الـستة آلاف سوري، مشيراً الى أن الجدران الإسمنتية تُبنى منذ سبعة أعوام وهي ليست حديثة العهد فلم إثارتها في هذا التوقيت بالذات؟

الى ذلك، لفتت في الآونة الأخيرة قوافل مساعدات عدّة للاجئين من بلدان مختلفة مرّت على مرأى السكان المحليين المحتاجين الى كل شيء "حيث الوضع المادي تحت الصفر" بحسب الحجيري، ومن المحتمل أن يكون مشهد المساعدات أثار حفيظة البعض فقرروا مهاجمة السوريين. ويقترح الحجيري إقامة مخيمات للاجئين في أماكن منفصلة عن السكان وتوفير احتياجاتهم ومنعهم من الدخول الى سوق العمل.


قلق لدى الأمم المتحدة

لا تغيب الأمم المتحدة العاملة وكالاتها في لبنان عن الواقع الصعب الذي بات يشكله اللجوء السوري على الاقتصاد اللبناني وعدم قدرة المجتمعات المحلية على تقبّل التنافس في الأشغال وفي استخدام بنى تحتية مهترئة في المناطق اللبنانية كلّها وخصوصا عند الأطراف أي البقاع وعكار حيث النسبة الكبرى من اللاجئين السوريين الذين يتمركزون مع سكان فقراء أيضا بحسب الدكتور ناصر ياسين من الجامعة الأميركية في بيروت.

يقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان فيليب لازاريني لـ "اندبندنت عربية" "إن تفاقم الوضع في لبنان بعد مرور 8 أعوام من الصراع في سوريا بسبب تأثير الأزمة المستمرة منذ فترة طويلة". ويشرح "بما أنّ فترة اللجوء تكبر فإن تعب المجتمعات يكبر معها وهي بدأت تُظهر علامات الاحباط".

ويعلّق على ما حصل في عرسال بقوله "ما حصل هو برأيي الصورة التوضيحية لهذا الإحباط"، كاشفاً عن أنه خلال العام الماضي أظهرت الإحصاءات أن 60 في المئة من التوترات بين السوريين والمجتمعات المحلية هي بسبب التنافس على الأشغال، ويبقى العمل هو العامل الأول للتوتر، وتليه عوامل تتعلق بالموارد والخدمات ونفقات البنى التحتية وهي بنسبة 36 في المئة".

بعد الحادثة، كان إجتمع لازاريني فوراً بوزير الداخلية والبلديات اللبناني نهاد المشنوق، وقال "إن الوضع مقلق والإحتياجات يجب أن تكون مراقبة عن كثب، وقد أكد لي الوزير المشنوق أثناء اجتماعي به... أنه تم احتواء الوضع، وأشار الى أن قوات الأمن اللبنانية ملتزمة حماية جميع السكان على الأراضي اللبنانية وكذلك الممتلكات العامة والخاصة".

تلتزم الأمم المتحدة ووكالاتها دعم لبنان لمواجهة التحديات التي يسببها اللجوء السوري، "على أبواب مؤتمر بروكسيل (3) سوف نضاعف الجهود لزيادة الدعم للبنان وللمجتمعات المحلية من أجل تخفيف تأثير الأزمة وفي الوقت عينه سنستمر بمعالجة العوائق التي تحول دون العودة وذلك مع السلطات السورية".
 

الخارجية اللبنانية تحذّر

وزير الخارجية جبران باسيل وهو رئيس "التيار الوطني الحر"، من أشدّ المطالبين بالعودة الطوعية والدائمة للّاجئين السوريين في لبنان وعدم ربط عودتهم بالحل السياسي. وهذا ما تمّت الإشارة اليه أخيرا في بيان منفصل عن اللجوء السوري إبان القمة التنموية الإقتصادية والإجتماعية التي انعقدت في لبنان في 20 يناير (كانون الثاني) الجاري.

وتشير مستشارة باسيل لشؤون اللاجئين الدكتورة عُلا بطرس الى وجود أرضية خصبة لحوادث مماثلة على الأراضي اللبنانية مستندة بالوثائق الى أرقام مستقاة من المنظمات الدّولية والمؤسسات الرسمية اللبنانية ومراكز الأبحاث العلمية، وتقول بطرس "تحمّل لبنان اعباء اقتصادية أكثر من قدرته جراء النزوح الكثيف على أرضه، حيث ارتفعت الكثافة السكانية من 400 الى 520 شخصاً في الكيلومتر المربع الواحد، وباتت نسبة النازحين 37 في المئة من مجموع السكان، وهذا ما ادّى الى حدوث ضغط كبير على الخدمات والبنى التحتية والموارد وسوق العمل بشكل مخالف للقوانين اللبنانية المرعية الاجراء حيث "أنشأ السوريون 66 في المئة من المؤسسات التجارية غير الرسمية وغير المنظمة" بأسعارأدنى، ما دفع الى انخفاض الطلب على البضاعة المعروضة من اللبنانيين.

على إثر ذلك، حدثت توترات لأسباب اقتصادية بحت على لقمة العيش وهي ردة فعل بدافع الحاجة بشكل عفوي لأن أهالي عرسال تمتعوا بحسن الضيافة والاحتضان تجاه النازحين السوريين، وتكبدوا نتيجة ذلك في السابق ايضاً فصل الجرود وفيها البساتين والمعامل كمورد رزقهم عن البلدة بفعل الارهاب".

وتضيف "أن ما حصل كنا قد حذرنا من احتمال حدوثه مراراً لأن الظروف الاقتصادية- الاجتماعية تدفع الى التوترات والعنف. فالأرقام مخيفة لأن 76 في المئة من النازحين السوريين يعيشون تحت خط الفقر و91 في المئة يعانون من هشاشة الامن الغذائي وبلغت الديون لكل اسرة ألف دولار شهرياً، واللبنانيون بلغت نسبة البطالة لديهم 35 في المئة وارتفع مستوى الفقر 56 في المئة وضاقت فرص العمل، لذلك فإن الحل على الشكل التالي:

- تطبيق قانون العمل وقانون الاجانب من قبل الامن العام ووزارة العمل والبلديات لحماية اليد العاملة اللبنانية خصوصا المهن الحرة والصناعات المهنية والحرفية والتي هي حصراً للبنانيين.

- تنفيذ مندرجات العودة الآمنة التي تقضي بسحب بطاقات النزوح من غير مستحقيها وهم فئة النازحين الاقتصاديين الذين لا خطر على حياتهم من العودة الى سوريا لأن هذه الفئة تحصل على مساعدات من الجهات المانحة اي المنظمات الدولية وتعمل بشكل غير شرعي وتتنقل بحرية بين البلدين".


ياسين: لا داعي للهلع

تتابع مؤسسات جامعية لبنانية كبرى في لبنان موضوع اللجوء السوري بالأبحاث الميدانية ومنها مركز عصام فارس للشؤون السياسية، ويروي مدير الأبحاث في المركز التابع للجامعة الأميركية في بيروت الدكتور ناصر ياسين أنّ نسبة السوريين الذين تعرّضوا أخيرا لإعتداء لفظي بلغ 29،6 في المئة مقارنة مع ما تعرّض له لبنانيون لم تتجاوز نسبتهم الـ8،2 في المئة استنادا الى دراسة فصلية بعنوان Wave 4 تصدر بالتعاون بين وزارة الداخلية والبلديات وبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي في لبنان، مشيرا الى أن الدراسة الأخيرة أظهرت بمؤشراتها أن "العلاقات بين اللاجئين السوريين والمجتمعات المحلية اللبنانية سلبية ولا تتحسّن بسبب الضغط الذي يشكله اللجوء".

ويلفت ياسين الى أن معظم حركة اللجوء السوري متمركزة في مناطق سكانها فقراء في البقاع والشمال حيث التنافس كبير، مشيرا الى رقم أعلنته الأمم المتحدة أخيرا أنه في شمال لبنان هنالك 341 ألف لبناني فقير يعيشون على 4 دولارات في اليوم، أي أن اسرة من خمسة أشخاص تعيش على 20 دولار يوميا"، وقال إن "المؤشرات السلبية ليست في عرسال فحسب بل بأكثر من منطقة لبنانية، ما يشير الى إنهاك حقيقي لدى السوريين ولدى المجتمعات المحلية المضيفة حيث المساعدات المقدّمة لا تكفي". ويعتبر ياسين أن "ما أسهم في تردي العلاقات هو قلة العمل وأيضا الإعلام الذي يركّز على سلبيات اللجوء ما يراكم الأمور ويوصلها حدّ الإنفجار"، معتبرا أن الحل هو معاملة الطرفين بعدالة ومساواة لأنّ كليهما ضحايا"، ويستبعد ياسين حصول خلل أمني واسع "لأن السوريين ليسوا مسلحين ولا منظمين في هذا المنحى والأمن اللبناني قوي ويمسك المفاصل كلها بشكل محكم ولا حاجة للهلع".

المزيد من تحقيقات ومطولات