Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اعتداءات متكررة على مستشفيات الجزائر والأطباء يدقون ناقوس الخطر

هجرة 40 ألف طبيب وجراح في العقدين الماضيين نتيجة العنف والوزراة تقف عاجزة

طاقم طبي في غرفة العمليات (بي أكس هير)

تحلم كل عائلة جزائرية بمجرد حصول أحد أبنائها على شهادة البكالوريا، أن يتخصص في الطب، ليُصبح دكتوراً ناجحاً في المستقبل، فيكون فخراً لوالديه وعنصراً فاعلاً في مجتمعه. لكنّ هذه الرغبة الجامحة بدأت تتضاءل ولم تعُد مطلبا أسرياً في ظل المصاعب التي بات يتكبدها الطاقم الطبي في السنوات العشر الأخيرة، ما جعل العديد منهم يُغادرون بلادهم باتجاه دول أوروبية.

ظاهرة وطنية

في هذا السياق، يجزم الياس مرابط، رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية في الجزائر (نقابة مستقلة تُعنى بعمال القطاع الصحي) أن "مهنة الطب في الجزائر لم تعد سهلة على الإطلاق، بعدما فاقت الاعتداءات على الأطقم الطبية داخل المستشفيات حدود المعقول، وتحولت إلى ظاهرة وطنية مست كل ربوع البلاد، سواء في المدن الكبرى أو النائية".

ويؤكدُ مرابط لـ "اندبندنت عربية"، أن أقسام الطوارئ هي الأكثر عرضة للعنف الممارس ضد مستخدمي الصحة، وأن غالبية الحالات تحدث خلال المناوبة الليلية، كاشفاً عن تسجيل عشرات الاعتداءات بشكل يومي. وأمام هذه التعديات المتكررة، تقف الوزارة الوصية عاجزة عن محاربة الظاهرة التي وراءها العديد من الأسباب.

صدمة

وعاشت الجزائر في الأيام الماضية، على سبيل المثال، على وقع حوادث مأساوية، منها ما شهده قسم الجراحة في المركز الاستشفائي الجامعي "ابن باديس" في محافظة قسنطينة شرق البلاد، إثر إقدام مجموعة من الأشخاص المدججين بالسيوف والأسلحة البيضاء، على مهاجمة القسم والعاملين فيه والتهديد بالاعتداء على الطاقم الطبي والمساعدين المناوبين، ما لم يسارعوا بمعالجة مريضهم الذي أُصيب بجروح خطيرة في الوجه واليد.

واستدعت الحادثة الاستنجاد برجال الأمن للسيطرة على الوضع المتوتر، بينما جرى توقيف أفراد المجموعة واقتيادهم إلى مقر الأمن للتحقيق معهم، قبل مثولهم أمام العدالة لمعاقبتهم على فعلتهم المشينة.

طرد مدير المستشفى

كما أثارت حادثة اقتحام مواطنين من مدينة عين أمليلة في ولاية أم البواقي شرق البلاد، مكتب مدير مستشفى، ضجة كبيرة في البلاد، إذ ومن دون سابق إنذار، اقتحمت مجموعة مؤلفة من أكثر من عشرة أشخاص، مكتب المدير وطالبوا منه المغادرة فوراً، وقادوه إلى خارج مبنى المستشفى، وسط صيحات عدد كبير من المواطنين الذين انهالوا عليهم بالشتائم والاتهامات. ونجم عن هذه الحادثة التي وُثّقت بالفيديوهات ونُشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، جدل كبير، في حين التمست المحكمة سجن المتهمين بالاعتداء على مدير المستشفى سنتين نافذتين ودفع غرامة مالية المحكمة، في انتظار صدور الحكم النهائي الاثنين المقبل 16 سبتمبر(أيلول) 2019.

وكان وزير الصحة الجزائري محمد ميراوي، أعطى تعليمات لمدراء الصحة في المحافظات، تقضي برفع شكاوى أمام العدالة ضد المعتدين على موظفي المؤسسات الصحية وترك إجراءات العدالة تأخذ مجراها، مؤكداً أنه "لا يحق لأي شخص مهما كانت الأسباب، أن يُقدم على هذه الأفعال المضرّة والمعرقلة للقطاع بصفة عامة".

كابوس المناوبة

وتحولت المناوبة في أقسام الطوارئ، إلى كابوس حقيقي بالنسبة إلى كثيرين من الأطباء، أولاً بسبب الضغط الذي تواجهه هذه الأقسام التي تُعتبر القلب النابض لأي مستشفى، ويقصدها المصابون في مختلف الحوادث، وثانياً في ظل تفاقم ظاهرة الاعتداءات، إذ يقول أحد الأطباء في مستشفى مصطفى باشا المركزي بالعاصمة، أن "عدداً كبيراً من زملائه يحبسون أنفاسهم عندما يكون دورهم في المناوبة". ووقّعت مستشفيات عدة في مدن جزائرية، توقيفات تحفظية لأشخاص كُلّفوا بالمناوبة لكنهم غادروا من دون أخذ إذن من الإدارة، والسبب عدم قدرتهم على تحمل تلك المصاعب والمشقة".

ماهي الأسباب؟

وبحسب رئيس نقابة مستخدمي الصحة العمومية، فإن "ظاهرة العنف على الأطقم الطبية، تصدر في غالبية الأحيان من قبل مرافقي المرضى وذويهم الذين ينتابهم القلق من رؤية أحد أفراد عائلتهم أو أقاربهم في تلك الحالة"، وقال "لا يمكن تبرير هذه الممارسات ونطالب بالتصدي لها بكل الطرق لأن الإصابة لم يتسبب بها المهنيون، وبالتالي لا يجوز سوء معاملتهم لفظياً أو جسدياً".

وفي بعض الحالات، "أقدم على الاعتداءات أشخاص منحرفون أو متعاطو المخدرات ومن أصحاب السوابق، الذين لا يجدون مكاناً غير المستشفيات التي تفتح أبوابها طيلة اليوم، لتخريب أملاك عمومية والاعتداء على آخرين"، وفق مرابط، الذي أشار إلى أن بعض الأشخاص الذين يعتدون على الأطقم الطبية، هم في غالبيتهم ناقمون على المنظومة الصحية التي لم تتغير منذ سنوات، في ظل غياب إرادة سياسية لتطوير القطاع. وأكد أن "معظم الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الصحة، سيّروا الأعمال فقط وغادرت وعودهم معهم".

ظاهرة الاعتداءات

وللقضاء على هذه الظاهرة، اقترح مرابط تزويد هذه المراكز الصحية بالسلك الطبي ومساعدي الأطباء بالعدد الكافي وزيادة عناصر الأمن وتفعيل أجهزة المراقبة، إضافة إلى تحسين نوعية الخدمات الصحية التي يدفع المواطن الجزائري ثمنها من خلال الاقتطاعات الشهرية لراتبه.

ويُعتبر قطاع الصحة من بين أهم القطاعات التي تواجه انتقادات حادة من قبل الجزائريين، إذ وعلى الرغم من الميزانية الضخمة التي ترصدها الدولة له عبر الموازنة السنوية، إلاّ أنّه لا يزال دون المستوى المطلوب، نظراً إلى الاختلالات المسجلة في توزيع الهياكل ونوعية الخدمات الصحية المتدنية.

ولعل أهم ما يغضب الشعب الجزائري، أن المسؤولين لا يُعالَجون في مستشفيات بلادهم، وخير دليل على ذلك، انتقال الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى العلاج في أرقى المستشفيات الفرنسية والسويسرية عقب تعرضه لنوبة عام 2013.

نزيف حاد

وفي خضم الوضع المأساوي الذي يواجه الأطقم الطبية، حذّرت هيئة الأطباء الجزائريين، في أحدث تقرير لها، من تزايد معدلات هجرة الأطباء إلى الخارج بشكل غير مسبوق، إذ سجلت أكثر من أربعة آلاف طلب هجرة لأطباء اختصاصيين، تقرّبوا من الهيئة بهدف سحب شهادة العمل التي تثبت ممارسة المعني لمهنة الطب في الجزائر، إضافة إلى شهادة حسن السيرة التي تُبرئ الطبيب من أية قضية استدعت إحالته إلى لجنة التأديب. وربطت الهيئة هجرة الأطباء بالظروف الصعبة التي يواجهونها أثناء تأدية مهنتهم.

وقبل هيئة الأطباء، دق الاتحاد العام للمهاجرين الجزائريين في الخارج، ناقوس الخطر لاستمرار نزيف "الأدمغة الجزائرية"، في ظل تقاعس الحكومة عن إيجاد حلول مستعجلة، للاستفادة من خبرات ومؤهلات هذه الكفاءات في تطوير الاقتصاد الوطني واستيعابها في سوق العمل، كاشفاً عن هجرة 40 ألف طبيب وجراح في العشريتين الأخيرتين.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي