Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هوية مرتكبي "هجمات سبتمبر" وضعت السعودية في مرمى النيران

روَّج الإعلام الأميركي لنظريات بن لادن وافتراضاته باعتبارها حقيقةً مؤكدةً

صورة أرشيفية تظهر ما تبقى من مركز التجارة العالمي في نيويورك (غيتي) 

"ماذا سيكون جوابنا لله يوم التغابن؟ إن الأمة في هذا الزمان أصبحت في تيه وضياع، والآن ها قد مرّت عشر سنوات منذ الغزو الأميركي لبلاد الحرمين، يتضح لنا أن كراهية القتال وحب الدنيا الذي يملأ قلوب الكثير منا هو سبب هذا التيه وهذا الذل وهذه المهانة".

يبدو أن هذه الكلمات التي وردت في آخر تسجيل لأسامة بن لادن، قبل حادثة خطف الطائرات الأشهر لمست قلوب 19 شخصاً قرروا أن يعيدوا صياغة العلاقة الدوليَّة للقرن الجديد، وأن يقسّموا العالم قسراً بين مكافحي الإرهاب وداعمين له.

فما أن خرجت الولايات المتحدة الأميركية من صدمة حادثة ارتطام طائرتين ببرجي التجارة العالميَّة في الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، حتى بدأت مؤسساتها بالتحقيق حول الحادثة في مختلف الاتجاهات، كان أحد الاتجاهات هو تحقيق ديسمبر (كانون الأول) 2002، الذي أجرته لجان برلمانيَّة أميركيَّة حول أنشطة المخابرات المركزية قبل وبعد الحادثة، إلا أن نشر الوثائق في يوليو (تموز) 2003 لم يشمل تلك الوثائق المتربطة بالدور المزعوم للحكومة السعودية في العملية، إذ آثر جورج دبليو بوش الرئيس الأميركي حينها سحب الـ28 ورقة المتعلقة بنتائج التحقيقات حول الدور السعودي في العملية، والحفاظ على سريتها بحجج مطاطة غذّت الإشاعات حول تورّط السعودية على مدار 14 عاماً إلى حين الإفراج عنها في 2016.

لكنْ، هذا التحدي الكبير تجاوزته العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، مثلما نجت العلاقات من قبل في أزمة حظر البترول السعودي في أعقاب حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وفي أزمات أخرى أقل شأناً.

قبل سبتمبر 2001 وبعده

كان العالم قبل أحداث سبتمبر (أيلول) يعيش على وقع القوى العظمى الوحيدة بالعالم التي تفرَّدت بقيادة الكرة الأرضيّة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وما استتبعه من زلازل سياسية في أوروبا الشرقيَّة، وحروب في يوغوسلافيا السابقة، وتطورات متسارعة في آسيا وأميركا اللاتينية، وشيوع سياسات العولمة والتكتلات الاقتصاديَّة، وبينما كان يدور كثيرٌ من النقاشات حول نظريات سياسية مثل صراع الحضارات، فوجئ العالم باعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ليتبدَّل الحال وتدخل الولايات المتحدة في مناخٍ جديدٍ شكَّلته بدرجة كبيرة وسائل الإعلام.

وتشير دراسة بحثيَّة نُشرت عام 2002 إلى أن صحيفتي "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، وهما من أكثر الصحف تأثيراً في الداخل الأميركي، كانتا تركزان على القضايا السياسية والاقتصادية بشكل عام في العالم العربي والإسلامي قبل هجمات سبتمبر (أيلول)، إلا أنهما غيّرا اتجاههما بعد الهجمات، لتركزا على دعم الدول الإسلامية للإرهاب، بينما ربطت وسائل إعلام أميركية أخرى الإسلام بالإرهاب.

ونتيجة لذلك، فإن تركيز الإعلام الأميركي على هذه الصورة منح فرصة ضئيلة جداً أمام المواطن الأميركي العادي كي يطلع على إدانة السعودية والدول العربية والإسلامية الأخرى للإرهاب، خصوصاً هجمات سبتمبر (أيلول).

وأشارت دراسة أخرى أجراها تايلور وغاسبارو عام 2004 تحت عنوان "الجغرافيا السياسية للإرهاب" إلى أن غالبية وسائل الإعلام الأميركية أرجعت في تحليلاتها أسباب اعتداءات سبتمبر (أيلول) إلى ما وصفته بـ"الإسلاموية" أي الأفكار الأصوليَّة الراديكالية للإسلام التي يتبنّاها تنظيم القاعدة وعددٌ كبيرٌ من التنظيمات المرتبطة به، ومن ثم أصبحت "الإسلاموية" تعبيراً يهدد العالم الليبرالي والحداثة والديموقراطية، وروَّج الإعلام الأميركي لنظريات بن لادن وافتراضاته باعتبارها حقيقةً مؤكدةً.

سبب انتقاد السعودية

ولأن السعودية هي مهد الإسلام، فضلاً عن كون أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة تبنَّي مسؤولية التنظيم عن الهجمات، فقد تعرَّضت السعودية بشكلٍ خاصٍ إلى انتقادات عنيفة من الكُتّاب والمحللين السياسيين في وسائل الإعلام الأميركية المختلفة، في مواجهة تحليلات سادت في العالمين العربي والإسلامي بأن السياسة الخارجية الأميركية وممارساتها الإمبريالية ودعمها غير المشروط لإسرائيل كانت السبب في الهجمات، وأن الإرهاب لا يقتصر على أناسٍ بعينهم أو على دين محدد أو موقع جغرافي ما، وأن أفضل وسيلة لمكافحة الإرهاب هي الوقوف على أسبابه الحقيقية.

وأدى كل ذلك إلى تغيير الوعي العام داخل المجتمع الأميركي، إذ بات الأميركيون مهتمين بقضايا الأمن والإرهاب والجغرافيا السياسية العالمية والإسلام، بعدما كانوا منخرطين في الشؤون الداخلية الأميركية.

وبينما حظيت الولايات المتحدة بتغطية إعلامية عالمية شاملة وتعاطف دولي كبير، ودان الإعلام الغربي بصفة عامة الهجمات من دون تحليل أو تفسير لأسبابها، كانت العواقب وخيمةً على صورة الإسلام والعالم العربي بالولايات المتحدة، إذ وصف الهجوم في الـ11 من سبتمبر (أيلول) على أنه هجومٌ ضد العالم الحر والديموقراطية الغربية وقيم الغرب وثقافته.

علاقات واشنطن - الرياض تهتز

كانت السعودية دائماً حليفاً قوياً وشريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة، وقبل أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان حينذاك ولياً للعهد، في خطاب وجهه إلى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، عمق العلاقة التي تربط الرياض وواشنطن، كما عبّر عن وجهة نظر السعودية بأن الولايات المتحدة يجب أن تختار أصدقاءها ليس على أساس الماضي، لكن وفقاً للوضع الدولي، في إشارة إلى أن العلاقات السعودية الأميركية تحكمها المصالح تماماً كما الدول الأخرى، لكن الأولوية تظل تُمنح للأصدقاء.

لم يحمل الخطاب أي عداء تجاه أميركا، بل على العكس، حمل رؤيةً سعوديةً جديدةً لتطبيع العلاقات بين الجانبين.

لكنْ العلاقات القويَّة هذه اهتزت بقوة بعد أحداث سبتمبر (أيلول) بسبب الاتهامات التي وجهت إلى السعودية، وأدى هذا الشقاق إلى تراجع تدفق سفر السعوديين إلى الولايات المتحدة بنسبة 80% مقارنة بمعدلات ما قبل الـ11 من سبتمبر (أيلول)، وكان من أسباب ذلك تشدد واشنطن في منح تأشيرات دخول إلى السعوديين عبر فرض متطلبات أمنيَّة وماليَّة جديدة، كما ترددت إشاعات وقتها بأن 25 مليار دولار من الودائع السعودية سُحِبَت من البنوك الأميركية.

حملة سعودية مضادة

وفي مواجهة الاتهامات الأميركية، لجأت السعودية إلى الدفاع عن نفسها عبر وسائل الإعلام للحفاظ على صورتها الذهنيَّة لدى عامة الناس، ولهذا سارت السلطات السعودية ومؤسساتها في اتجاهين رئيسيين: الأول يختص بالدفاع عن السعودية، ويركز الثاني على تحسين صورة الإسلام.

 وبينما استمرت الحملات ضد السعودية على مدى 20 شهراً، نظمت الرياض حملة علاقات عامة بدأتها في مارس (آذار) 2002، وأدارتها شركة أميركية استهدفت الوصول إلى الشعب الأميركي ونخبته عبر قطاع واسع من وسائل الإعلام، وركَّزت في هذه الحملة على عدة محاور:

أولها: إبراز عزاء السعودية للضحايا، وتأكيد رسالة الشعب السعودي وقيادته المتمثلة في الملك فهد وولي عهده الأمير عبد الله على إدانة كل أشكال الإرهاب.

وثانيها: التعهد بتعاون الرياض الكامل في البحث عن المهاجمين، وتعاون السعودية مع الحملة الدولية للولايات المتحدة ضد الإرهاب، مع رفض كل أشكال التدخل الخارجي في الشؤون المحليَّة للدول.

وثالثها: تأكيد أن السعوديين كانوا أيضاً ضحايا لأعمال تنظيم القاعدة الإرهابي الذي استهدف أمن السعودية، وألحق الضرر بعلاقتها الدولية مع الولايات المتحدة.

ورابعها: أن السعودية بادرت قبل أحداث سبتمبر (أيلول) 2001 بسحب الجنسيَّة السعودية من أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في عام 1994.

كما أطلقت الحملة برامج وفعاليات وندوات ومؤتمرات وزيارات وفود صداقة ووكالات حكومية إلى الولايات المتحدة.

مواجهة تشويه الإسلام

أمَّا الاتجاه الثاني الذي سارت فيه السلطات السعودية، فركز على تحسين صورة الإسلام والمسلمين، إذ بثت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بيان رئيس "الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء"، وهي أعلى سلطة دينية بالسعودية، الذي يؤكد فيه بوضوح أن "الإسلام لا يقر الأفعال الإرهابية"، وينصح وسائل الإعلام الغربية بالامتناع عن تشويه الإسلام.

كما عبَّر الأمير عبد الله، الذي أصبح ملكاً عام 2005، عن خشيته حيال ما يتعرض له العرب والمسلمون داخل الولايات المتحدة من جرائم كراهية بعد أحداث سبتمبر (أيلول).

ووفقاً لسجلات مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، تضاعفت جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين في الولايات المتحدة بمعدل 1600% من عام 2000 وحتى الأشهر القليلة التالية لهجمات سبتمبر (أيلول) 2001، وشملت أحداث عنف ضد أميركيين عرب ومسلمين، ورفض عددٌ من شركات الطيران سفر بعضهم، وعانى آخرون حالات تمييز في أماكن العمل، فضلاً عن وقوع اعتداءات على الممتلكات والمساجد.

وتزامن ذلك مع اتساع النقاش في الولايات المتحدة وغالبية دول الغرب بين أنصار فكرة صراع الحضارات الذين كانوا يتطلعون إلى تحقيق النصر من قبل ما يسمونه بالغرب المسيحي على الإسلام، وبين الساعين إلى البحث عن أساليب جديدة لتطوير الاحترام والفهم المتبادل بين أصحاب الديانات المختلفة والآراء السياسية المتباينة، خصوصاً أن الرئيس جورج دبليو بوش والإرهابيين استخدموا لغةً دينيةً لتبرير مواقفهم وخططهم السياسية والاقتصاديَّة.

الحملة الأميركية تتسارع

ورغم التأكيدات السعودية الرسمية أن السعودية شريكٌ في مكافحة العنف والإرهاب، فإن الحملة ضد السعودية تسارعت حينما رفضت الرياض استخدام الأراضي السعودية في توجيه ضربات عسكرية ضد أفغانستان عام 2001 وضد العراق في 2003.

واشتعلت الحملة الأميركية ضد السعودية في الـ27 من يوليو (تموز) 2003 حينما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الرئيس بوش ولأسباب أمنيّة أمر بحجب نشر 28 صفحة تشمل اتهامات ضد السعودية في أحداث سبتمبر (أيلول) من ضمن تقرير مكوّن من 900 صفحة أعدَّته لجان استخبارات بمجلسي الشيوخ والنواب في التحقيق المشترك حول أنشطة مجتمع الاستخبارات قبل وبعد هجمات سبتمبر (أيلول).

 

 

مسامير جحا الـ28

رغم المطالبات التي دفعت بها السعودية والبرلمانيون الأميركيون ووسائل الإعلام الأميركية إلى الإفراج عن الصفحات الـ28، فإن السرية ظلَّت تلف تلك الصفحات قرابة الـ14 سنة، السنوات التي كانت كافية لتصعيد الاتهامات ضد السعودية، والسعي إلى إعدامها سياسياً، والتي كانت تُستحضر دائماً في كل محاولات الضغط السياسي في الملفات الدوليَّة.

الصفحات الـ28 والمزاعم التي تحتويها عُلّقت عليها كل مآسي العقد الأول من القرن، ومسببات انتشار الإرهاب والفشل الاجتماعي وحالة اللا استقرار التي تشهدها المنطقة بحجة "دعم الإرهاب"، التي اتضح فيما بعد أنها لم تكن سوى مسامير وهمية للمساومة بلا أي أدلة حقيقية، ولم تكن 28 صفحة بل 29.

رفع السريَّة عن 28 صفحة

في يوليو (تموز) 2016 رفعت واشنطن السرية التي سبق أن فرضها الرئيس بوش وتتعلق بـ28 صفحة في القسم الأخير من تقرير ديسمبر (كانون الأول) 2002 حول التحقيق المشترك في أنشطة مجتمع الاستخبارات، الذي أعدَّته لجان الاستخبارات في الكونغرس الأميركي.

وتشير الصفحات الـ28 إلى أن بعض مختطفي الطائرات التي استُخدِمت في هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 ربما تلقوا دعماً مالياً من أفراد قد يكونون مرتبطين بالحكومة السعودية، وأن هؤلاء الأفراد من المحتمل أن يكون لهم صلة بتنظيم القاعدة.

لكن التقرير المشترك أكد أن المعلومات التي توفّرت لدى مجتمع الاستخبارات الأميركي تحتاج إلى التحقق بشكل مستقل، نظراً إلى أن شهود كل من وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" ومكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" لم يكونوا قادرين على تقديم تعريف محدد وقاطع حول الدعم المزعوم من قِبَل الأفراد السعوديين للأنشطة أو الجماعات الإرهابية، الأمر الذي جعل عدداً من المسؤولين الأميركيين يعتبرون أنه لا يوجد دليلٌ واضحٌ بشأن هذه المزاعم. 

قانون جاستا

قانون جاستا هو اختصار اللغة الإنجليزية لقانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، الذي صدر في الـ13 من سبتمبر (أيلول) 2016 من مجلس النواب بشكل نهائي، بعد أن مرره مجلس الشيوخ بالإجماع في مايو (أيار) من العام نفسه. وعلى الرغم من الفيتو الرئاسي الذي استخدمه الرئيس أوباما في الـ23 من سبتمبر (أيلول)، فإن مجلس الشيوخ أبطل الفيتو الرئاسي بعد خمسة أيام  فقط، بعدما تجاوز المؤيدون ثلثي أعضاء المجلس في حدث نادر من نوعه.

ويُعدل قانون جاستا، قوانين فيدرالية سابقة بما يسمح بتضييق حصانة الحكومات الأجنبية من الخضوع للمحاسبة القضائية أمام المحاكم الفيدرالية الأميركية، ومن ثم فهو يتيح للناجين من أحداث سبتمبر (أيلول) وأقارب الذين لقوا حتفهم فيها، التقدم بدعاوى قضائية إلى المحاكم الأميركية ضد حكومات أجنبية للمطالبة بتعويضات في حال ثبوت تورّط هذه الحكومات في الاعتداءات.

عواقب محتملة

ويثير قانون جاستا كثيراً من التعقيدات، إذ أشار خبراء في القانون الدولي وقتها إلى أن هذه التعقيدات ستحد غالباً من إمكانية حصول عائلات الضحايا على أي تعويضات مالية، كما عبَّر المتحدث باسم البيت الأبيض جوش آرنيست، وقت صدور القانون، عن قلق الإدارة الأميركية من أن قانون جاستا يمكن أن يضع الولايات المتحدة في خطرٍ كبيرٍ إذا ما أُقرت قوانين مشابهة في بلدان أخرى.

فعلى سبيل المثال يمكن لأشخاص في باكستان أن يرفعوا دعوى قضائية ضد الغارات الأميركية التي تنفذها طائرات دون طيارات، باعتبارها خرقاً للقانون الباكستاني، وعليه يمكن أن تجرى مقاضاة الولايات المتحدة.

ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ألمح إلى حالة التسرّع التي ألمت بأعضاء الكونغرس، إذ أدلى بتصريحات صحافية قال فيها "إن تركيز المشرعين كان منصباً على احتياجات عائلات ضحايا الـ11 من سبتمبر (أيلول)، ولم يأخذوا الوقت الكافي للتفكير في العواقب"، مشيراً إلى أن "الجميع كان يدرك مَنْ المستفيدون، لكن لم يركز أحدٌ على الجوانب السلبية المحتملة فيما يخص علاقاتنا الدوليَّة".

الموقف السعودي من جاستا

قبل صدور قانون جاستا، نفت السعودية أي صلة رسميَّة لها بهجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، كما لم تثبت التحقيقات الأميركية التي وجهت الاتهام إلى تنظيم "القاعدة"، أي ضلوع رسمي سعودي، ولهذا لم تهتم السعودية بعد أحداث سبتمبر (أيلول) بمحاولات أقارب الضحايا رفع دعاوى قضائية جماعية ضد بعض الجمعيات الخيرية التابعة إليها وجهات حكومية أخرى سعيا منهم لتحميلهم المسؤولية القانونية، نظراً إلى أن هذه المحاولات فشلت جميعاً بسبب قانون الحصانة السيادية الأجنبية الصادر عام 1976، لكن صدور قانون جاستا في سبتمبر (أيلول) 2016 الذي أحدث ثغرة في القانون القديم بما سَمَح بمقاضاة دول أجنبية، أثار توترات في البداية بين واشنطن والرياض، وهددت الحكومة السعودية ببيع ما يصل إلى 750 مليار دولار أميركي من سندات الخزانة الأميركية، إلا أنها لم تفعل ذلك.

في الوقت نفسه لم ترغب الحكومة السعودية في استباق الأحداث، في وقت تتابع فيه دعوى رفعها محامون عن أقارب الضحايا أمام محكمة في نيويورك، وطالب فيها القاضي المدعين بمحاولة إثبات أن السعودية مسؤولة عن الأنشطة المزعومة بأن فهد الثميري الذي كان إمام مسجد في مدينة كولفير بكاليفورنيا، وعمر البيومي الذي يقول المدعون، دون دليل، إنه ضابط في الاستخبارات السعودية، ساعدا خاطفين اثنين ممن قاموا بشن هجمات سبتمبر (أيلول) على التأقلم في الولايات المتحدة.

وتؤكد السعودية أن المدعين في هذه القضية لم يقدموا دليلاً واحداً على أن أي مسؤول أو موظف رسمي سعودي خطط أو نفَّذ هجمات سبتمبر (أيلول).

مايكل هايدن رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية السابق، اعتبر أن السعودية بإمكانها الرد، بل والانتقام لكنه استبعد ذلك، مشيراً إلى "متانة العلاقات السعودية الأميركية"، مؤكداً أن "الكثير من الخطوات التي يدعو إليها بعض الأشخاص ضد السعودية ستضر أميركا تماماً كما ستضر السعوديَّة".

ولفت هايدن إلى أن "العديد من الأشخاص تابعوا الصفحات الـ28 التي رفعت عنها السرية في تقرير هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، وتوصلوا في النهاية إلى أنه وببساطة لا توجد أي قضية لها صلة بين الحكومة السعودية أو مسؤولين بالسعودية وبين الهجمات بأي شكل من الأشكال".

تجربة لهجمات سبتمبر 2011

وكانت أبرز تلك التهم التي ارتبطت بالصفحات الـ28 هو حدثٌ عابرٌ سبق الحادثة بسنتين، عندما حاول محمد القديحي وحمدان الشلوي، وهما مواطنان سعوديان، الدخول إلى مقصورة القيادة في إحدى رحلات الخطوط الجوية "أميركا ويست" في نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، قبل أن يقبض عليهما ويُسلّما بعدها إلى السفارة السعودية في واشنطن التي غطت نفقات رحلتيهما إلى السعودية.

إذ ادَّعت افتراضات التحقيق التي ربطت الحادثة بما حصل بعدها بعامين، أن محاولة اقتحام المقصورة تلك كانت تجربة لهجمات سبتمبر (أيلول) 2011، وأن الرجلين كانا يختبران الإجراءات الأمنية في الخطوط الجويَّة الأميركية "أميركا ويست" لصالح المخططين في تنظيم القاعدة وعملية تدمير البرجين، وافترضت التحقيقات أن الرجلين كانا على علاقة بمسؤولين سعوديين رفيعي المستوى.

إلا أن ما سبق كان مجرد افتراضات وربط للأحداث لم تملك عليه لجان التحقيق أي أدلة على مدى دقتها، مثلما ذكرت لجنتا الاستخبارات بمجلسي الشيوخ والنواب في الـ"28 صفحة" كما اتضح بعد رفع السرية عنها، إذ إن وكالات الاستخبارات الأميركية لم تتمكن من "أن تثبت بشكل نهائي" وجود صلات بين السلطات السعودية ومنفذي تلك الهجمات، حسب ما ورد في التقرير.

أسامة باسنان وأنور العولقي

وكانت إحدى تلك التهم التي وجهت إلى السعودية والسفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان، هي علاقته باثنين من المتورطين في تسهيل عملية نقل المهاجمين وترتيب إقامتهما في أميركا، كان أحدهما أسامة باسنان الذي كان يقيم في سان دييغو، واُعتقل وزوجته في أغسطس (آب) 2002 مدة 85 يوماً بتهمة مخالفته نظام الهجرة، إضافةً إلى شبهة تورطه في حادثة سبتمبر (أيلول) 2011. التهمتان اللتان سقطتا بعد جلسة النطق بالحكم، التي ثبت من خلالها عدم وجود أي شبهة حول الزوجين أو مخالفة القوانين الأميركية، فيما عدا انتهاء تأشيرتهما وعدم تجديدها، ورُحّلا مباشرةً بعد المحاكمة إلى السعوديَّة.

أمَّا الآخر فهو أنور العولقي الذي تقول التقارير إنه كان على علاقة وثيقة مع نواف الحازمي وخالد المحضار اللذين كانا في رحلة الخطوط الجويَّة الأميركيَّة 77 التي ضربت مبنى وزارة الدفاع الأميركية وتسببت في مقتل 13 جندياً، الذي نجح في مغادرة الولايات المتحدة الأميركية قبل أن يُقتل في قصف لطائرة أميركية مسيرة دون طيار على الأراضي اليمنية. إلا أن هذه العلاقة هي الأخرى لم تنجح لجان التحقيق في إثباتها كما تقول لجنتا الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب.

المزيد من سياسة