Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في ذكرى 11 سبتمبر... "الثلاثاء الأسود" يكسر كبرياء اقتصاديات الطيران العالمي

"كونتيننتال" سرحت 12 ألف موظف... وانخفاض أرباح الشركات البريطانية بنحو 98% في 2002... والخطوط البلجيكية تعلن إفلاسها

طائرات خطوط "يونايتد ايرلاينز" (رويترز)

ما كان قبل أحداث صباح "الثلاثاء الأسود" 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لم يعد كما هو في اليوم التالي، الأربعاء. لقد تغير كل شيء بعدما اختطف 19 رجلا 4 طائرات مدنية أميركية قبل أن يصدموا بها برجي مركز التجارة العالمي بمانهاتن في نيويورك، ومبنى وزارة الدفاع الأميركية، ومزرعة في بنسلفانيا.

18 عاما مرت على الحدث الذي صنف على أنه "أبشع حوادث الإرهاب وأكثرها دموية ومأساوية في تاريخ البشرية"، ولمَ لا وهو الحادث الذي شهد للمرة الأولى استخدام طائرات مدنية بركابها في حادث إرهابي، ويعتبره البعض الأكثر خطورة لأنه تم باستخدام أكثر وسائل الانتقال أمنا من وجهة نظر الخبراء والمعنيين، وهي الطائرات.

تزلزلت الكرة الأرضية عقب الحادث واندلعت حروب واقتلعت أنظمة ومنظمات دولية، وتغيرت نظريات الأمن، خاصة في قطاع تأمين الطائرات المدنية، وتكبدت قطاعات اقتصادية عدة خسائر فادحة، ولكن كان قطاع الطيران المدني في العالم أكبر الخاسرين.

كان يتباهى العاملون في قطاع الطيران بأن الطائرات هي أكثر وسائل الانتقال أو النقل أمنا، مقارنة بغيرها من الوسائل الأخرى مثل القطارات والسفن والنقل البري. تلك النظرية طعنتها أحداث 11 سبتمبر في مقتل، وكان هذا الحدث الأبرز الذي عصف بقطاع الطيران في العالم، وهو الأسوأ في تاريخ هذه الصناعة على الإطلاق.

وزارة العمل الأميركية قالت عام 2002 في تقرير لها إنه على مستوى الربع الرابع من 2001 تم تسريح 114.7 ألف موظف، وعلى مستوى القطاعات سرّح قطاع النقل الجوي 38% من موظفيه، أما في قطاع خدمات الفنادق فقد سرح 23% من العاملين فيه.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2001 ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى 4.9%، مقابل 3.1% في عام 2000.
في العام التالي للحادث، وتحديدا في يناير (كانون الثاني) 2002، أكدت الرابطة الدولية للنقل الجوي (إياتا) أن ما ضاعف من كارثة الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)2001 أنها جاءت في وقت تستعد فيه الشركات الدولية لمواجهة آثار الركود الاقتصادي العالمي الذي ألقى بظلاله على مختلف القطاعات الاقتصادية في العالم، منذ عام 2008 لتأتي كارثة 11 سبتمبر (أيلول) لتفاقم هذه الآثار وتزيد من مشكلات قطاع الطيران عالميا.

خسائر صناعة الطيران

وحصرت (إياتا) في ذلك الوقت كم الخسائر الفادحة التي عصفت بصناعة الطيران عالميا، موضحة في تقرير لها في عام 2002 أنه على الرغم من وقوع هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، في الولايات المتحدة الأميركية المعروف عنها أنها تشهد أعلى نسبة لاستقبال الطائرات من مختلف أنحاء العالم، إلا أن آثار الهجمات كانت أكبر مما يتخيله عقل، حيث تم تجميد أكثر من 5 آلاف طائرة عن العمل عقب الهجمات وبقيت قائمة في مئات المطارات الأميركية والكندية، في حين تم تجميد قرابة ألف طائرة حول العالم.

وقدرت (إياتا) الخسائر الاقتصادية للولايات المتحدة عقب الأحداث بنحو  100 مليار دولار بشكل مباشر علاوة على  إلغاء ما يقارب من 100 ألف وظيفة، وأشارت في تقريرها إلى أن الشركات الجوية الأساسية الست الكبرى ألغت نحو 58 ألف وظيفة في الأسبوعين التاليين للاعتداءات فقط، وقالت (إياتا) في تلك الفترة إن شركة "بوينغ" الأميركية أعلنت عقب هذا الحادث نيتها تسريح بين 20 ـ 30 ألف موظف بنهاية 2002.

وقالت الرابطة الدولية للنقل الجوي (إياتا) إن شركات الطيران العالمية واجهت  خسائر كبيرة نتيجة للهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة تتمثل في ضياع إيرادات محتملة قيمتها 10 مليارات دولار وارتفاع التكاليف.

وأضافت "إياتا" أن حجم سوق الطيران يبلغ نحو مليار دولار يوميا، مشيرة إلى أن حركة الركاب تراجعت 5% عام 2001، بعد أن شهدت تحسناً نسبته 8% عام 2000، مقارنة بعام 1999، مفسرة ذلك بخسارة 60 مليون راكب بالنسبة إلى سنة 2001.

شركة طيران كونتيننتال الأميركية سرحت 12 ألف من الموظفين البالغ عددهم 56 ألف موظف، وبنفس الوتيرة خفضت شركة "يونايتد إيرلاينز"، وهي ثاني أكبر شركة طيران في العالم، عدد رحلاتها بنسبة 20%، وأعلنت أن خسائرها تصل إلى  ثلاثين مليون دولار يوميا منذ وقوع الهجمات، وحتى بعد مرور أسبوع آنذاك، وتوقفت شركة طيران أميركية صغيرة هي "ميدواي إيرلاينز"، عن العمل وسرّحت جميع موظفيها البالغ عددهم 1700 موظف.

الخسائر تطال أوروبا أيضا

لم يكن الحال في أوروبا بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) أفضل حالا من الولايات المتحدة الأميركية، فبعد الهجمات بأيام قليلة اعترفت مجموعة "أيرباص" بخطورة الموقف الذي يفوق ما حدث لشركات الطيران إبّان وأثناء حرب الخليج في عام 1990، والتي لم تتجاوز آثارها العام ونصف العام، رغم أن الشركات الأميركية كانت الأكثر تضرراً جراء الأزمة، إلا أن منافساتها الأوروبية تعرضت أيضاً لضربة قاسية في ذلك الوقت، وهذا ما أكدته جمعية شركات الطيران الأوروبية  بعد 3 أشهر فقط من اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول)، في تقرير نشرته آنذاك أكدت فيه أنه ما زالت أرقام الحركة التي تشهدها الشركات الجوية ضئيلة وسجل حجم الركاب الذين تم نقلهم في نوفمبر (تشرين الثاني)، وهو الشهر الكامل الثاني بعد الاعتداءات تراجعا بلغ 6.91%، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، بينما رصدت تراجع 2.12% في أكتوبر (تشرين الأول) الشهر التالي للهجمات مباشرة.

عقب الحادث المدوي، رسمت شركة الطيران الألمانية "لوفتهانزا" صورة قاتمة للوضع الحالي لقطاع الطيران، وأعلنت إلغاء ما بين 120 و200 ألف وظيفة من قبل شركات النقل في جميع أنحاء العالم بسبب الأزمة، وسترتفع الخسائر الإجمالية لهذه الشركات في الربع الأخير من العام الحالي إلى ما بين 1215 مليار دولار.

شركة الطيران البريطانية، كبرى شركات الطيران الأوروبية، في الشهر التالي لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قلّصت عدد رحلاتها بنسبة 25%، كما أعلنت في عام 2002 بعد مرور عام على الهجمات انخفاضا كبيرا في أرباحها،  حيث حققت حتى سبتمبر 2002 نحو 5 ملايين جنيه إسترليني، مقارنة بنحو 200 مليون جنيه في الفترة نفسها من العام الماضي، بانخفاض قدره 98%، وتعكس الخسائر الهائلة الانخفاض غير المسبوق الذي أعقب الهجمات الإرهابية على واشنطن ونيويورك في 11 سبتمبر (أيلول).

وأعلنت شركة الطيران البريطانية "فيرجن أتلانتيك" عن إلغاء 1200 وظيفة وخفضا بنسبة 20% من رحلاتها إلى الولايات المتحدة بسبب الهجمات وكما طلب من موظفيها بسبب "الظروف الاستثنائية" التخلي عن وظائفهم بمحض إرادتهم.

وأعلنت الخطوط الجوية البريطانية "بريتيش ايروايز" عن تخفيض قدره 7 آلاف وظيفة في قوة عملها، وقالت الشركة إنها ستخفض حجم أسطولها بمقدار عشرين طائرة، وتخفض معدل رحلاتها بنسبة 10%.

لم يسبق لشركة طيران في أوروبا أن أعلنت إفلاسها، ولكن حدث هذا بعد "الثلاثاء الأسود"، حيث تقدمت شركة الخطوط الجوية البلجيكية (سابينا) بدعوى لإشهار إفلاسها أمام إحدى محاكم العاصمة البلجيكية بروكسل، واعتبرت وزيرة العمل البلجيكية في ذلك الوقت، لوريت أونيكلينكس، أن انهيار "سابينا" هو الأكبر في تاريخ الشركات البلجيكية، ووصفته بـ"كارثة اقتصادية واجتماعية للبلاد".

بعد أيام قليلة من إفلاس الشركة البلجيكية أعلنت شركة الخطوط الجوية الهولندية، "كي أل أم" تقليص عدد عامليها ورحلاتها، وأعلنت نيتها الاستغناء عن 2500 موظف، علاوة على تقليص ساعات العمل لنحو 12 ألف شخص، وقالت الشركة إن الهجمات على الولايات المتحدة قد كلفتها 50 مليون يورو على شكل خسائر في العائدات وأضرار تكبدتها الشركة خلال شهر سبتمبر (أيلول) 2001، وانخفض عدد المسافرين على متنها  خلال سبتمبر (أيلول) إلى 76.7% مقارنة  بتلك الفترة من العام السابق للأحداث.

الحكومة السويسرية دعمت الخطوط السويسرية بمساعدات مالية بلغت 288 مليون جنيه إسترليني لتستطيع مواصلة رحلاتها التي مرت بظروف صعبة خلال 2001، حيث كادت تنهار لولا تدخل الحكومة بدعمها، حيث كانت الشركة قد علقت جميع رحلاتها، تاركة أكثر من 30 ألف مسافر دون واسطة نقل بعد أن اعترفت بنفاد مواردها المالية، واستغنت الشركة عن أكثر من ألفي وظيفة إثر انخفاض عدد زبائنها في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول).

وأكد المحللون، طبقا لما نقلته "إياتا"، أن خسائر قطاع النقل الجوي في الولايات المتحدة بلغت 17 مليار دولار في عام 2001 فقط، وأرجعوا هذه الخسائر الضخمة بالأساس إلى إغلاق المجال الجوي الأميركي للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، والانخفاض الحاد الذي طرأ على الطلب على النقل الجوي، بالإضافة إلى التكاليف الباهظة للإجراءات الأمنية الجديدة المفروضة على شركات الطيران بعد الهجمات.

خسائر عربية

الجانب العربي كان له نصيب من الخسائر، حيث قدرت اللجنة العربية للطيران المدني خسائر الشركات العربية، جراء أزمة "11سبتمبر" بنحو 1.5 مليار دولار وتوقعت في تقرير لها عقب الكارثة  أن تتكبد نحو 16 شركة طيران عربية خسائر فادحة نتيجة تراجع حركة السياحة العالمية في أعقاب هجمات سبتمبر (أيلول).

وأضافت أن شركات الطيران العربية التي تعتمد بشكل كبير على السياحة ستكون الأكثر تضررا من الخسائر في أعقاب الهجمات على الولايات المتحدة والعمليات العسكرية الأميركية في أفغانستان، مشيرة إلى أن مصر للطيران والخطوط الجوية المغربية من أكثر الشركات تضررا، في حين ستكون الخسارة أقل للشركات في الدول التي لا تعتمد على السياحة بشكل رئيس.

في تلك الفترة بعد أحداث سبتمبر (أيلول)، خفضت الحكومة المصرية أسعار تذاكر الطيران للرحلات الداخلية بنسبة 40% في الشهر الثالث بعد وقوع الهجمات نوفمبر (تشرين الثاني) 2001.

وأكدت الخطوط الجوية الملكية المغربية أن خسائرها في العام التالي 2002 إلى ما لا يقل عن 750 مليون درهم (65 مليون دولار) في أعقاب تطبيق إجراءات عاجلة مثل زيادة أسعار التذاكر وتجميد خطط الاستثمار.

الخسائر لم تتضمن فقط تراجع الرحلات أو تخفيض الأسعار، بل طالت الحكومات العربية التي اضطرت إلى التدخل سريعا لدعم شركاتها الوطنية مالياً وتوفير الغطاء التأميني اللازم ضد مخاطر الحرب، حيث حصلت شركة طيران الإمارات من حكومة دبي على غطاء تأميني من مخاطر الحرب بقيمة ملياري دولار لمنع توقف رحلاتها بعد الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة، كما أعلنت شركة طيران الخليج حصولها من الدول المالكة لها على الضمان اللازم لتغطية تأمينية جديدة ضد مخاطر الحرب بقيمة ملياري دولار، الأمر الذي يمكنها من الاستمرار في عملها.

كما قدمت الحكومة السعودية غطاء تأمينيا لشركة الخطوط الجوية السعودية لتمكينها من الاستمرار في تسيير رحلاتها الخارجية التي كانت مهددة بالتوقف بسبب ارتفاع أقساط التأمين على الطائرات، بينما قدّمت الحكومة المصرية ضمانات تأمينية لشركة مصر للطيران المملوكة للحكومة المصرية 5 مليارات دولار، كما حصلت مصر للطيران، التي تصل قيمة أصولها المالية إلى نحو 13 مليار دولار، على ضمانات أخرى بقيمة 1.2 مليار دولار، وقدّمت الحكومة المصرية لشركة "كايرو أفييشن"، التي يملكها رجل الأعمال إبراهيم كامل، ضمانات بقيمة مليار دولار، في حين حصلت شركة "ميدوست"، التي يملكها رجل الأعمال رامي لكح، على ما قيمته 800 ألف دولار من الضمانات.

الحكومة الكويتية قدمت ضمانات لشركة "شروق" للطيران التي تسهم فيها الحكومة بقيمة ملياري دولار، وقدمت كذلك غطاء تأمينيا لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية، بما قيمته مليارا دولار لتلبية الشروط الجديدة للسفر إلى أوروبا والولايات المتحدة.

كان حادث 11 سبتمبر سبباً في تغيير تكنولوجيا إدارة التأمين والمخاطر على مستوى العالم، وبعيداً عن السياسات التأمينية فإن الخسائر التي تكبدتها شركات التأمين تراوحت بين 30 ملياراً و58 مليار دولار والتي تتضمن التأمين على الممتلكات والحياة وتكاليف المطالبات.

أما المبالغ الذي دفعتها الشركات في نهاية المطاف فبلغت 40.2 مليار دولار.

وقُدّر حادث البرجين بأنه أكبر حادث فردي يتسبب في خسائر لشركات التأمين على مدار التاريخ، وكان فرع التأمين المُسمى بـ"المسؤولية"، هو أكثر الفروع تكلفة للشركات، حيث تراوحت المدفوعات المُلزمة بها الشركات وقتها بين 5 مليارات إلى 20 مليار دولار.
وتأمين المسؤولية هو التأمين على الشخص ضد مخاطر الالتزامات التي تفرضها الدعاوى القضائية.

هجمات 11 سبتمبر 2001 خطفت أنظار العالم  أجمع في لحظات فارقة شخصت فيها الأبصار الجميع، كبارا وصغارا مسؤولين ومرؤوسين، ولكن بنظرة مختلفة وبزاوية ورؤية خبراء امتهنوا واحترفوا مهنة الطيران  كان الأمر مختلفا تماما.

الطيار علاء شعبان قال لـ(اندبندنت عربية) "كنت أشغل منصب نائب مدير العمليات بشركة مصر للطيران في سبتمبر (أيلول) 2001، عندما وقع هذا الحادث، كنت في مكتبي بالشركة عندما رأيت الأخبار تتوالى عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية ولم يستوعب أحد من المسؤولين عن قطاع الطيران في مصر الحادث إلا بعد عدة ساعات".

ويتذكر شعبان تفاصيل الاجتماع العاجل الذي عقدته وزارة الطيران المصرية بجميع القيادات وضم مسؤولي شركة مصر للطيران الذي امتد لعدة ساعات وحتى منتصف ليل الأربعاء 12 سبتمبر (أيلول) 2001 لمراجعة الترتيبات الأمنية في جميع المطارات المصرية والإجراءات المتبعة للتأمين داخل طائرات الركاب ومناقشة طرق جديدة لمراعاة الدقة والتحري عن الركاب.

وأشار شعبان إلى أنه بعد هذا الحادث تم تغيير نظام قمرات القيادة والكبائن واستبدالها بأبواب مصفحة ضد الرصاص، وأدخل الأمن المصري تعديلات جديدة تعتمد على تكنولوجيا أحدث في تأمين الطائرات واختبارات وتدريبات للطيارين والفنيين في أحدث الأكاديميات في العالم.

المزيد من سياسة