Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا اختار بن لادن غالبية من السعوديين لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر؟

عاد زعيم تنظيم القاعدة إلى بلاده بعد انسحاب السوفيات من أفغانستان نهاية الثمانينيات متضخم الذات

 صورة مركبة لخمسة من منفذي هجمات سبتمبر (غيتي)

قبل أيام، نشرت إليزابيث كندال، الخبيرة بشؤون الشرق الأوسط في جامعة أوكسفورد، تغريدة على "تويتر" تضمنت فيديو لمؤسسة "هداية" الإعلامية التابعة للقاعدة، يحتوي مشهداً لإرهابي في اليمن يدعى أبو محمد العدني، يعلن فيه الولاء لزعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، بينما يشرد بسبب صوت طائر يشتت انتباهه ويستعين بورقة كتب عليها ما سيقوله.

ومع أن الفيديو يعود إلى ما قبل عامين، إلا أنه يأتي في سياق سخرية إعلام القاعدة من أتباع "داعش". سبق لتنظيم القاعدة أن نشر فيديو آخر لـ "داعش" يكشف فيه أن التنظيم استخدم شراب "فيمتو" أحمر ليبدو كأنه دم في التصوير. وتعلق كندال بأن الحملة الإعلامية للقاعدة تعكس تنافساً مع "داعش" في اليمن.

ولطالما كان اليمن، لأسباب عديدة، مصدراً للتهديد الإرهابي لشبه الجزيرة العربية حتى قبل بروز دور تنظيم القاعدة الإرهابي عالمياً وهجماته على المصالح الأميركية وقمتها في 11 سبتمبر (أيلول) 2001، باستخدام طائرات مدنية لتفجير برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك والهجوم على مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في واشنطن العاصمة.

ولعل في هذا تذكير بأن فكرة الإرهاب المتسربل بالدين، لا تزال محل تنافس بين الجماعات المختلفة رغم كل جهود مكافحة الإرهاب في العقدين الماضيين، أي منذ تفجيرات نيويورك وواشنطن التي تفاخر بها زعيم تنظيم القاعدة وقتها أسامة بن لادن في خطبه المصورة بالفيديو، التي بثتها قناة الجزيرة القطرية.

وعلى الرغم من مقتل بن لادن على يد القوات الأميركية في مخبئه في باكستان مطلع مايو (أيار) 2011 ومقتل ابنه حمزة الذي حل محله في قيادة القاعدة مؤخراً، يظل التنظيم يشكل تهديداً إرهابياً والخطر الأكبر ليس على الولايات المتحدة والغرب فحسب، إنما على شبه الجزيرة العربية وتحديداً السعودية.

إسفين ضد السعودية

كثيرة الأسئلة التي تطرح، وأيضا التفسيرات المتباينة ونظريات المؤامرة وغير ذلك، منذ هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة التي قام بها 19 شخصاً، من بينهم 15 سعودياً، لكن يبقى هناك سؤال لم يحظَ بتمحيص كاف – ربما لأسباب عدة، بعضها مفهوم. وهو: لماذا اختار أسامة بن لادن غالبية المهاجمين من مواطني بلده السعودية؟

من المرات القليلة التي تجد فيها شبه إجابة عن هذا السؤال، ما نقله الصحافي في صحيفة الغارديان البريطانية مارتن تشولوف في تحقيقه المطول عن بن لادن في عددها الصادر في 3 أغسطس (آب) 2018، عن ضابط استخبارات بريطاني. إذ قال "لا يوجد شك في أنه (أسامة بن لادن) اختار مواطنين سعوديين لتنفيذ مؤامرة 9/11، فقد كان مقتنعاً أن ذلك سيقلب الغرب ضد بلده... وقد نجح في إشعال حرب فعلاً، وإن لم تكن الحرب التي أرادها".

مع ذلك، لا يزال غالبية الأميركيين يرون أن الرجل المسؤول عن مقتل حوالى ثلاثة آلاف وإصابة ضعف ذلك العدد في هذه الهجمات، هو سعودي استهدف بلادهم وقتل وأصاب أهلهم وذويهم، على الرغم من أن السعودية سحبت جنسية بن لادن منذ عام 1994، أي قبل الواقعة بنحو سبع سنوات.

لكن إجابة ضابط الاستخبارات البريطاني عن ذلك التساؤل لها ما تستند إليه لمن يريد أن يستعرض مسار بن لادن منذ مطلع الثمانينيات وحتى 2001.

لم يبدأ اختيار بن لادن مواطنين يحملون الجنسية السعودية لتنفيذ عملياته الإرهابية بمجموعة 11 سبتمبر. ففي تفجير السفارتين الأميركيتين في العاصمة الكينية نيروبي والعاصمة التنزانية دار السلام عام 1998، لم نسمع في الإعلام أكثر من اسم السعودية بسبب الإرهابي المسجون حالياً في أميركا محمد راشد داوود العوهلي، الذي نجا من أحد التفجيرين وقبض عليه وهو ينتحل شخصية تاجر يمني.

وفي تفجير المدمرة كول في ميناء عدن عام 2000، كان هناك أيضاً سعوديون مثل عبد الرحيم النشيري، ومن بين العقول المدبرة هناك خالد المحضار، الذي شارك في هجمات 11 سبتمبر أيضاً. وهو التفجير الذي تبناه بن لادن ناظماً فيه قصيدة شعرية بثتها قناة الجزيرة القطرية.

انتفاخ الذات

التفسير الأقرب للمنطق، والذي يخلص إليه من يقرأ كتاب لورانس رايت "البروج المشيدة... القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر"، الصادر عام 2008، هو أن أسامة بن لادن الذي توجه إلى باكستان عام 1984 ليعمل في ظل القيادي الإخواني عبد الله عزام دعماً للأفغان الذين يقاتلون ضد الاحتلال السوفياتي عاد إلى بلاده بعد انسحاب السوفيات نهاية الثمانينيات وهو متضخم الذات، ويعتبر نفسه زعيماً للجهاد يتعين على بلاده أن "تسمع كلامه".

في ذلك الوقت، ومع نهاية "الجهاد" الأفغاني ضد الاحتلال السوفياتي تكوّن تنظيم القاعدة ليضم العرب الذين شاركوا في الحرب من باكستان أو أفغانستان بقيادة يغلب عليها المتطرفون المصريون من تنظيم "الجهاد"، الذين نصبوا بن لادن زعيماً. وعرف هؤلاء باسم "الأفغان العرب" واعتبروا أنفسهم "مقاتلين عابرين للحدود" يأتمرون بإمرة بن لادن.

لكن كثيرين ممن درسوا تلك الفترة وحققوا فيها يخلصون إلى أن زعيم تنظيم "الجهاد" المصري أيمن الظواهري، كان العقل المدبر وراء فكرة تنظيم القاعدة وتكوين جيش من الإرهابيين المحترفين لتنفيذ المهام في أي مكان في العالم. وبعد التخلص من عبد الله عزام، الذي كانت له مهابة بين الأفغان العرب، قدم قادة "الجهاد" المصريين بن لادن على أنه "أمير انتصار المجاهدين على الجيش السوفياتي في أفغانستان".

لذا، عاد بن لادن إلى بلاده وأخذ يخطب في المساجد منتقداً ومحرضاً وداعياً إلى الجهاد ضد كل ما لا يراه صحيحاً، مصدقاً تلك الهالة المهيبة بأنه "هزم السوفيات، ويمكنه أن يقود جيشاً من المجاهدين لتحقيق غايته".

حينئذ، بدأت السعودية تدرك جيداً أن لديها مشكلة. لذلك، استدعى وزير الداخلية السعودي آنذاك الأمير نايف بن عبد العزيز أسامة بن لادن وسحب منه جواز سفره بعدما وبّخه بشدة. وكما يقول الأمير تركي بن فيصل، الذي كان مدير الاستخبارات السعودية لعقدين من الزمن قبل 11 سبتمبر 2001 في تحقيق الغارديان المشار إليه، إن "هناك 2 أسامة بن لادن... واحد قبل نهاية الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وواحد بعده. قبله، كان مجاهداً مثالياً ولم يكن مقاتلاً محارباً وباعترافه هو أغمي عليه في معركة وحين أفاق كان الهجوم السوفياتي على موقعه تم صده". أما بعد الانسحاب السوفياتي، فقد تغير تماماً كما تنقل الغارديان عن الأمير تركي. إذ "أصبح له توجه سياسي بداية من 1990. أراد أن يخرج الشيوعيين والماركسيين الجنوبيين من اليمن. استقبلته، وقلت له من الأفضل ألا يتدخل. كانت المساجد في جدة تصدح بالنموذج الأفغاني".

جهاد الفاكس وتجاهل الحكومة

لم يستوعب أسامة بن لادن فكرة الدولة، وكان مزيج تأثره بفكر الإخوان على يد عبد الله عزام وتطوير ذلك بأكثر التفسيرات تشدداً لأفكار سيد قطب من قبل أيمن الظواهري وقيادات الجهاد المصريين قد امتزج بانتفاخ ذاته بعد تحرّر أفغانستان من الاحتلال السوفياتي.

وبلغ به الأمر أنه تصور إمكان قيامه بدور الدولة وما بعده. وكما يسرد لورانس رايت في كتابه، وأكده الأمير تركي الفيصل في أكثر من مناسبة، طرح بن لادن نفسه على المسؤولين السعوديين أكثر من مرة، لكنهم رفضوا ما يطرحه لخطورته الشديدة وبدأت الحكومة بالفعل تسعى إلى كبح جماحه.

يقول رايت في كتابه "في عام 1989 اقترح بن لادن على الأمير تركي خطة جريئة للغاية، فقد عرض عليه أن يستخدم جيشه غير النظامي للإطاحة بالحكومة الماركسية في اليمن الجنوبي... استمع تركي إلى عرض بن لادن ولكنه رفض قائلاً إنها فكرة سيئة".

وكانت الحكومة السعودية حذرت بن لادن أكثر من مرة قبل ذلك من التدخل في شؤون اليمن، جار المملكة الجنوبي. وأثارت رحلاته إلى اليمن وخطبه في مساجد جدة قلق المسؤولين السعوديين وسعوا بكل الطرق إلى وقف تهوره.

ويضيف الكاتب الأميركي في موقع آخر من الكتاب عن عرض بن لادن تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، "في الأيام الأولى من سبتمبر 1990، أي بعد أسابيع من بدء وصول القوات الأميركية، تحدث بن لادن مع الأمير سلطان وزير الدفاع وبصحبته مجموعة من قادة المجاهدين الأفغان والمقاتلين السعوديين الذين شاركوا في الحرب الأفغانية". وعرض بن لادن أن يقوم هو والأفغان العرب بما كان التحالف الدولي لتحرير الكويت يستعد للقيام به.

"فقد أحضر بن لادن الخرائط الخاصة به للمنطقة وقدم خطة هجوم مفصلة موضحة بالرسوم التوضيحية والتخطيطية… للخنادق والشراك الرملية التي سيجري إنشاؤها على طول الحدود باستخدام آلات ومعدات البناء الكثيرة التي توفرها مجموعة بن لادن السعودية. إضافة إلى ذلك، كان بن لادن سيقوم بحشد جيش من المجاهدين من زملائه من الجهاد الأفغاني والشباب السعودي العاطل… لكن الأمير نبهه قائلاً "لا توجد كهوف في الكويت، ماذا ستفعل عندما يضربكم بصواريخ محملة بأسلحة كيماوية أو بيولوجية". فأجابه بن لادن "سنحاربه بالإيمان".

ويشير كتاب رايت إلى أن بن لادن قدم العرض نفسه للأمير تركي، ولكن كانت اقتراحاته تقابل دائماً بالرفض. وهو ما أكده الأمير تركي في حوار الغارديان، ومناسبات أخرى.

غادر بن لادن السعودية عائداً إلى أفغانستان، ولما ضاق به الوضع دعته "ثورة الإنقاذ" المدعومة إخوانياً للإقامة في السودان حيث قضى النصف الأول من التسعينيات تحت تأثير القيادي في تنظيم الإخوان حسن الترابي.

في تلك الفترة كثّف بن لادن حملاته الهجومية على السعودية، منتقداً كل شيء من الملك حتى صغار المسؤولين. ويقول الأمير تركي عن تلك الفترة "اعتاد أن يرسل فاكسات للجميع. كان شديد الانتقاد. كانت هناك جهود من قبل العائلة لإعادته إلى الصواب لكنها لم تنجح. ربما كان ذلك بسبب شعوره بأن الحكومة لم تأخذه على محمل الجد".

بلادهم هدف إرهابهم

على الرغم من الشعارات الكبرى التي طرحها تنظيم القاعدة منذ تأسيسه نهاية ثمانينيات القرن الماضي، من شنّ "جهاد عالمي" يستهدف أميركا والغرب، إلا أن هدف هؤلاء – وفي مقدمهم بن لادن – كان بلادهم الأصلية.

لم يختلف بن لادن كثيراً عن تفكير الظواهري وقيادات تنظيم "الجهاد" الذي كان هدفه الإرهاب في مصر. فقد كان بن لادن يستهدف السعودية، وكذلك اليمن إلى حد كبير، حيث تمكن من وضع بذور إرهاب في ذلك البلد، لا يزال يهدد أمن المنطقة كلها حتى الآن.

وبعد الانسحاب السوفياتي من أفغانستان وما تبعه من حرب أهلية لم تخمد نيرانها في ذلك البلد الآسيوي، لم يكن الأفغان العرب بعيدين من صراعاتها ضمن الفصائل المتناحرة من طالبان وغيرها، تصور بن لادن وقادة القاعدة أن بإمكانهم إبعاد أميركا والغرب عن التحالف مع بلادهم الأصلية.

وبما أن الصناعة الأساسية للتنظيم هي الإرهاب، كانت الهجمات التي حرص بن لادن شخصياً على أن يكون العنصر السعودي بارزاً فيها. وربما كان هدفه، مع النرجسية الشديدة والزهو الأجوف، أن يظهر لأميركا والغرب أن مواطني السعودية مستعدون للموت في سبيل إيذائهم وتهديد مصالحهم – على عكس الحكومة.

ولا تختلف تلك الرسالة عما يسعى الإخوان، وكل الجماعات المنبثقة من التنظيم، إلى إيصاله إلى الغرب، "نحن أبقى لكم من الحكومات التي تتحالفون معها، وشعوب بلادنا مستعدة للموت في سبيل ما نريد فاخشونا وتحالفوا معنا".

ونجح أسامة بن لادن وتنظيمه القاعدة في شيء واحد هو تأليب جماهير الغرب والعالم على المسلمين والإسلام، الذين أصبحوا يوصمون بالإرهاب والتطرّف عموماً. لكنه لم ينجح في ضرب علاقات الغرب مع حلفائه، وإن ترك بذور إرهاب – خصوصاً في اليمن – لا تزال دول المنطقة تحارب لاجتثاثها حتى الآن.

هذا المقال نشر في 11 سبتمبر (أيلول) 2019 وتعيد "اندبندنت عربية" نشره بمناسبة ذكرى هجمات سبتمبر

المزيد من سياسة