Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد 18 عاماً من الحرب على الإرهاب... ماذا جنت أميركا والشرق الأوسط؟

ارتفعت مبيعات الولايات المتحدة من الأسلحة 5 أضعاف بعد أحداث سبتمبر... والمحصلة مزيد من الجماعات المتطرفة

رجل يقف على أنقاض مركز التجارة العالمي في نيويورك بعد هجمات القاعدة في 11 سبتمبر 2001 (أ.ف.ب)

قبل 18 عاماً، وفي الساعة الـ8:45 صباح ثلاثاء الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001، اصطدمت عمداً طائرة بوينغ 767 تابعة إلى الخطوط الأميركية، محمَّلة بأكثر من 9000 ليتر من وقود الطائرات بالبرج الشمالي لمركز التجارة العالمي في نيويورك. وأسفر الهجومُ عن فجوةٍ مشتعلةٍ بالطابق الـ80 لناطحة السحاب المكونة من 110 طوابق، ومقتل مئات الأشخاص على الفور، فضلاً عن مئات آخرين عالقين بالطوابق العليا.

وبعد 18 دقيقة، وبينما كانت تُجرى عمليات الإجلاء، وما أن بدأت كاميرات التلفزيون في بث صور حيَّة لما بدا في بدايته حادثاً غريباً، حتى اصطدمت طائرة بوينغ ثانية، عمداً وبقوة، بالبرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي، إذ اقتحمت الطابق الـ60. وتسبب التصادم في انفجارٍ هائلٍ أمطر الحطام المحترق على المنطقة، ومن ثم تأكد على الفور أن الولايات المتحدة تواجه هجوماً من نوع جديد ومثير، فطائرتا نيويورك لم تكونا الوحيدتين، بل استطاع 19 من عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي خطف طائرتين أخريين، إذ توجهت ثالثة إلى مقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في واشنطن، لكن أُحبطت، ورابعة تحطَّمت بحقل شانكسفيل في بنسلفانيا.

تلك الهجمات الإرهابيَّة التي أسفرت عن مقتل نحو 3000 شخص، غيَّرت مجرى الحياة بالولايات المتحدة وحول العالم، حتى بات المؤرخون والسياسيون يصفون مشهد الأحداث في العصر الحديث بما هو قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول). فمنذ هذه النقطة وقَّع الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش قانون "باتريوت USA Patriot Act"، لتعزيز الأمن الداخلي والحدودي وتوسيع جهود المراقبة لكشف الإرهاب، وخضعت المطارات لقواعد تفتيش وأمن جديدة وصارمة. وذهبت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حربين هما الأطول في تاريخ حروب العصر الحديث، إذ أرسلت قواتها إلى أفغانستان في 2001، وغزت العراق في 2003.

الحرب على الإرهاب

الهجمات الوحشيَّة، وما أعقبها من تغييرات طرأت على السياسة الأميركية داخلياً وخارجياً، كان لها تكلفة شملت الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وتحديداً دول الشرق الأوسط، إذ يوجد تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإرهابية التي صُعّدت في السنوات اللاحقة، وأصبحت الحرب على الإرهاب هي المحرك الرئيس لسياسات الولايات المتحدة، وحتى أحد أبرز أسباب الإنفاق الحكومي في تاريخ البلاد، ما كان له تكلفة على الصعيد البشري والاقتصادي. وباتت شعوب المنطقة، وليس الأمريكيون وحدهم هم أكثر ضحايا الإرهاب.

على سبيل المثال، أودت حرب أفغانستان بحياة 111 ألف شخص أفغاني و2372 أميركياً، وحسب آخر إحصائية، صادرة عام 2015 عن مشروع تكلفة الحرب التابع لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، فإنه "نحو 165 ألف مدني عراقي لقوا حتفهم نتيجة مباشرة للحرب الأميركية، إضافة إلى نحو 8 آلاف جندي أميركي ومتعاقد عسكري في العراق".

وحسب مجموعة "إير وورز" المعنية بتقييم الغارات الجويَّة ضد الجماعات الإرهابية، فإن هذه الأرقام من الضحايا واصلت الارتفاع، إذ قُتل ما يصل إلى 6000 مدني في الغارات التي قادتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش بالعراق وسوريا عام 2017، أكثر من أي سنة سابقة.

التغييرات التي طرأت على الولايات المتحدة على مدار 18 عاماً منذ الهجمات الإرهابية، يمكن حصرها في أربعة جوانب تتعلق جميعها بالأمن أو بالمفهوم الأشمل "الحرب على الإرهاب"، حيث الحروب المستمرة في الشرق الأوسط، وإنشاء وزارة الأمن الداخلي عام 2002، المسؤولة حالياً عن الآلاف من عمليات ترحيل المشتبه بهم، ومواجهة الهجرة غير الشرعية، وتخصيص برامج لأمن المطارات، وبرامج مراقبة مجتمعيّة تركزت على الأغلب على المسلمين داخل الولايات المتحدة.

وفي تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي، شمل آراء كثير من خبراء السياسة الخارجية، فإن "هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، حوَّلت السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وأثرت في حياة ملايين البشر، كما أثارت كثيراً من الأسئلة بشأن القيم التي تزعم القوى العظمى تمثيلها".

تقول روزا بروكس العميد المشارك لمركز الحقوق بجامعة جورج تاون، إن "الهجمات حطَّمت أكثر من الأرواح والممتلكات، فالهجمات ورد الحكومة الأميركية حطما الحدود بين الحرب والسلام".

وتضيف أنه في أميركا ما بعد كارثة سبتمبر (أيلول)، "أصبحنا ننظر إلى عددٍ متزايدٍ من التهديدات من خلال عدسة الحرب ومن مكافحة الإرهاب حتى الهجمات الإلكترونية. نتيجة لذلك، أدخلنا مجالات أكثر فأكثر في نطاق قانون الحرب، بتسامح أكبر مع السريَّة والإكراه والقوة المميتة".

وتتابع بروكس، "قبل الهجمات كانت عمليات القتل المستهدفة والاعتقال لأجل غير مسمى ومراقبة الحكومة للاتصالات، تعتبر أمراً مروعاً وغير قانوني. لكن في عصرنا الجديد من الحرب التي لا حدود لها، يذهب كل شيء تقريباً".

وفي كتابه "السياسة العالمية بعد 11 - 9"، الصادر عام 2016، يقول ديفيد هيلد، عمل أستاذ سياسة لدى جامعة دورهام حتى وفاته مارس (آذار) الماضي، "إن الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كان جريمة ضد الولايات المتحدة والإنسانية. ففي مواجهة الأحداث كانت أميركا وحلفاؤها اجتمعوا للدفاع عما كان يتعرض لهجوم بغيض: المواطنون من جميع أنحاء العالم والديموقراطية والعدالة وسيادة القانون".

وأضاف "واقعياً، أدت الحرب في العراق على نحو خاص إلى تقويض القانون الدولي، وإضعاف المؤسسات الدولية، وجنباً إلى جنب مع الحروب في أفغانستان وليبيا وسوريا، أدت إلى تآكل الاستقرار والسلام في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأماكن أخرى".

وتابع هيلد، "حروب ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) قادها أشخاصٌ لم يكونوا على دراية بالبلدان التي كانوا يقاتلون فيها، ولم يفهموا الثقافة أو اللغة، ولم يكن لديهم أي شعور بالسياسة والشعوب، وليس لديهم حساب للمصالح والانقسامات المحليَّة، ولا خطة لما بعد توقف القتال".

وأوضح "كان يقود هذه الحروب رجالٌ يسيطر عليهم الاعتقاد بأن لديهم القدرة على إعادة تشكيل والسيطرة على بلدان أخرى. ففي الحرب في أفغانستان ضد القاعدة، وفي العراق ضد صدام حسين، وليبيا ضد العقيد القذافي، وفي سوريا ضد بشار الأسد، دخلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في صراعات طويلة الأمد خلقت فراغات، وفتحت المجال أمام الجماعات المسلحة والمتطرفين المتعصبين لتزدهر وسط الفوضى".

زيادة مبيعات الأسلحة

هذه الحرب على الإرهاب صاحبتها سياسة أخرى تجاه الدول التي وُصفت بالحلفاء، التي أصبحت الولايات المتحدة أكثر تسامحاً مع سياستها الداخليّة التي تتعلق بكثيرٍ من التجاوزات الحقوقيَّة، ومن بين نتائج هذا زيادة مبيعات الأسلحة لهذه الدول.

وحسب رابطة السيطرة على الأسلحة، ففي السنوات الخمس الأولى التي أعقبت 11 سبتمبر (أيلول) 2001، باعت الولايات المتحدة ما يقرب من خمسة أضعاف الأسلحة من خلال المبيعات العسكريَّة الأجنبية (FMS) والمبيعات التجارية المباشرة (DCS) لـ25 دولة صنَّفتها واشنطن بأن لها دوراً استراتيجياً في الحرب على الإرهاب، مقارنة بالسنوات الخمس السابقة.

ومن السنة المالية 2002 إلى نظيرتها في 2006، زاد حجم المبيعات العسكرية الأجنبية من نحو 1.7 مليار دولار إلى 5.3 مليار دولار، كما وصلت المبيعات التجاريَّة المباشرة لهذه البلدان إلى مستويات قياسية جديدة، إذ ارتفعت من 72 مليون دولار خلال السنوات المالية 1997 - 2001 إلى أكثر من 3 مليارات دولار خلال السنوات المالية 2002 - 2006.

وحققت باكستان أكبر زيادة في المبيعات العسكريَّة (FMS وDCS) في فترة السنوات الخمس، إذ وقعت اتفاقيات بقيمة 3.6 مليار دولار في مقالات الدفاع الأميركية. أمَّا المستفيدون الآخرون من الحرب على الإرهاب، فهم البحرين التي شهدت زيادة قدرها 1.6 مليار دولار، والجزائر التي شهدت زيادة بنحو 600 مليون دولار.

العواقب الاقتصاديَّة

كان لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) آثارٌ اقتصادية فوريّة وطويلة الأجل، بعضها مستمر حتى يومنا هذا. بينما كلَّف الهجوم تنظيم القاعدة ما يتراوح بين 400 و500 ألف دولار للتخطيط لشن الهجمات، والتكلفة على الولايات المتحدة كانت باهظة للغاية، فحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" عام 2011 "قدّرت التكلفة الإجمالية بـ3.3 تريليون دولار".

وحسب تقرير صادر عن معهد واتسون للشؤون العامة والدوليَّة، في نوفمبر 2018، بعنوان "تكلفة ميزانية الولايات المتحدة لحروب ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) حتى 2019"، فإن تكلفة حروب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وباكستان وسوريا والإنفاق الإضافي على الأمن الداخلي ووزارة الدفاع وشؤون المحاربين القدامى، تتجاوز منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الـ5.6 تريليون دولار. وحتى عام 2017 كانت تبلغ التكلفة أكثر من 4.3 تريليون دولار.

وقال التقرير "إذا استمرت الولايات المتحدة في مسارها الحالي، فسوف يستمر الإنفاق على الحروب في النمو". ويتوقع أن يخصص "البنتاغون 80 مليار دولار على عمليات الطوارئ عبر البحار (OCO) حتى عام 2023".

ويضيف، "حتى لو انتهت الحروب بحلول عام 2023، فستظل الولايات المتحدة على المسار لإنفاق 808 مليارات دولار إضافية ليبلغ مجموعها 6.7 تريليون دولار على الأقل، ناهيك بتكاليف الفائدة في المستقبل. وعلاوة على ذلك، من المرجح أن تكون تكاليف الحرب أكبر من هذا لأنه ما لم تنه الولايات المتحدة نشر جنودها على الفور، فإن عدد المحاربين القدامى المرتبطين بحروب ما بعد 11 سبتمبر (أيلول) سوف يزداد أيضاً. فوائد المحاربين القدامى والإنفاق على العجز، وتكلفة الفائدة على الاقتراض لدفع ثمن الحروب سوف تشمل حصة كبيرة".

كان التأثير الاقتصادي الأكثر أهمية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) هو كيف أدى الإنفاق الدفاعي المتزايد إلى أزمة الديون الأميركية. ووفقاً لشركة الأبحاث المالية "ذا بالانس"، فإنه دون الحرب على الإرهاب، فإن ديون 2018 ستكون 19 تريليون دولار أو أقل، بينما يبلغ إجمالي الدين 21 تريليون دولار، في الوقت الحالي وهو ما يمثل 93% من الناتج الاقتصادي للبلاد. إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 20.4 تريليون دولار في عام 2018.

التكلفة الاقتصادية لا تقتصر على الولايات المتحدة، إذ وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2018، بلغ التأثير الاقتصادي العالمي للإرهاب 52 مليار دولار أميركي عام 2017. وعلى الرغم من أن هذا الرقم يمثل تراجعاً بنسبة 42% عن عام 2016، حيث كانت هذه هي السنة الثالثة على التوالي التي تنخفض فيها تكلفة الإرهاب عن ذروتها في عام 2014 البالغة 108 مليارات دولار أميركي، فإن الآثار الاقتصادية للبلدان التي تعاني الصراع المسلح أعلى كثيراً من غيرها. أفغانستان هي البلد الأكثر تضرراً من الأثر الاقتصادي للإرهاب بنسبة 12.8% من الناتج المحلي الإجمالي. وكان العراق هو البلد الثاني الذي عانى تكلفة أكبر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي.

هل نجحت الحروب الأميركية بعد 18 عاماً؟

لذا يبقى السؤال، هل أصبحت الولايات المتحدة أكثر أمناً في ظل الحرب على الإرهاب وتلك الإجراءات الأمنية التي اتخذها على مدار السنوات الـ18 الماضيَّة؟

يشير ديفيد إنسيرا الخبير في قضايا شؤون الأمن الداخلي الأميركي لدى مؤسسة التراث الأميركية، إلى أنه منذ الثلاثاء 11 سبتمبر (أيلول) 2001، واجهت الولايات المتحدة أكثر من 104 هجمات إرهابية، استهدفت مؤسسات عسكريَّة وعسكريين، لكن مع مرور الوقت تحوَّل الهدف الرئيس نحو تجمعات المدنيين. ومع ذلك أُحبط 87 من هذه المؤامرات.

ويضيف "الولايات المتحدة ربما أصبحت أكثر أماناً وقدرة على إحباط الخطط الإرهابية، ما جعل من الصعب على الإرهابيين شن هجمات كبيرة ومعقدة، ومع ذلك فإن العالم ككل أصبح أقل استقراراً، ما يجعل هناك حاجة إلى مواصلة منع الإرهابيين من إنشاء ملاذات آمنة في الخارج".

ومع ذلك، حذَّر روبرت مالي الرئيس التنفيذي لمجموعة الأزمات الدولية، وجون فينر الزميل الرفيع لدى مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، في ورقة بحثية نشرتها دورية فورين أفيرز في أغسطس (آب) 2018، من أنه "على الرغم من تقويض قدرة الإرهابيين على شن هجوم ضخم بدرجة هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، فإن النهج العسكري المفرط في مقاومة الإرهاب يفاقم الظروف ذاتها التي يزدهر فيها تجنيد الإرهابيين. إن تدمير مدن بأكملها والقتل غير المتعمد للمدنيين، إضافة إلى كونه مأساوياً، فإنه بمثابة أدوات دعائية قوية للجهاديين. مثل هذه الحوادث تغذي الاستياء والتظلمات ومعاداة أميركا".

وأوصيا بالحاجة إلى "طريقة أفضل لتخصيص موارد الولايات المتحدة في هذا الصدد، وتحديد أولويات الأمن القومي، والتحدث إلى الجمهور الأميركي حول الإرهاب".

وتقول ستيفاني سافيل في إدارة مشروع تكاليف الحرب بمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، إن "الجيش الأميركي يقوم بتصعيد شبكة غامضة من عمليات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم، في 76 دولة على الأقل، أو 40% من دول العالم".

وتضيف في مقال بدورية "فورين بوليسي إن فوكس"، "العمليات الأميركية في العراق والشرق الأوسط أدت إلى زيادة الاضطرابات السياسية والتوترات. ولا يُنظر إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على أنه قوة محررة، بل كعدوان. وأثار هذا تجنيد المتمردين، وهناك الآن المزيد من الجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى".

المزيد من سياسة