Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فيلم الجوكر الجديد يعطي لمحة كئيبة عن مستقبل السينما

دراسة الشخصية القائمة بذاتها التي يلعبها خواكين فينيكس تعد استراحة مرحّباً بها من شخصيات القصص المصورة المطروقة، لكن ما يمكن أن تعنيه بالنسبة للسينما على نطاق واسع هو أمر مقلق

من العرض الترويجي لشريط "الجوكر" (يوتيوب)

في الوقت الحالي، الفيلم الذي يثير الصخب الأعلى في العالم هو عبارة عن عمل بميزانية منخفضة، غارق في العدمية وكره الذات، يتحدث عن شخص مضطرب يعيش مع والدته ويحتقر المجتمع. على الرغم من إصداره في عام هيمنت عليه أفلام صديقة للعائلة مثل علاء الدين وليون كينغ، فمن المتوقع أن يكون بدوره واحداً من أكبر الأعمال التجارية لعام 2019. ويعود كل هذا إلى ارتباطه المبهم بأفلام باتمان.

فيلم الجوكر الذي قوبل عرضه الافتتاحي الأول ضمن مهرجان البندقية السينمائي خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة بحفاوة بالغة وقف خلالها المشاهدون لمدة ثماني دقائق، هو بصريح العبارة، ليس من أفلام باتمان.

خواكين فينيكس في هذا الأداء المثير للأعصاب والذي يخاطر بكل شيء، وحصل لتوه على تخمينات لنيل جائزة الأوسكار، لا يلعب شخصية الجوكر المألوفة في قصص باتمان المصورة ولا في الأفلام السينمائية السابقة.

 في حين أن الفيلم يحمل في حناياه بعض العناصر من أساطير باتمان، بدءً من مدينة غوثام سيتي التي تدور فيها الأحداث، وصولاً إلى وجود توماس والد الشخصية الحقيقية لباتمان بروس واين، الذي أعيدت صياغته هنا كرجل متوحش شبيه بالرئيس ترمب بدلاً من الملياردير اللطيف في القصص المصورة، لكن لا جدال حول أن الجوكر هو حتماً كيان قائم بحد ذاته. في الواقع، فإن أكثر الارتباطات الصريحة بين هذه الشخصية ومصدرها الأساسي هو فقط تلطيخ الوجه بمستحضرات التجميل ليبدو كمهرّج أشعث والاحتفاظ بالضحكة المضطربة. مع ذلك، ورغم عدم وجود باتمان، سيظل العمل ضخماً - وهذا أمر مثير للقلق.

فيلم الجوكر الذي يقف بمعزل عن المعالجات السينمائية الأقل طموحاً لشخصيات مجلات القصص المصورة "دي سي كومكس" الشهيرة مثل "باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة" أو"الفرقة الانتحارية"، يبدو من حيث أسلوبه وطموحه أقرب إلى أعمال سكورسيزي الكلاسيكية. وقد تمت الإشارة إلى كل من الحس الفكاهي السوداوي من فيلم "ملك الكوميديا" و العزلة المدنية والغضب من فيلم "سائق التاكسي" كتأثيرات واضحة على الفيلم. على عكس كثير من الأعمال الحديثة التي تندرج ضمن صنف أفلام القصص المصورة، فإن الجوكر يشكل أيضاً دراسة كاملة للشخصية، ورحلة مظلمة وعنيفة في ذهن رجل حطمه المجتمع وتركه خلفه. إنه بالضبط من نوع أفلام شركات الإنتاج المتفائلة والطموحة والقائمة على الطابع الشخصي والموضوعية، التي لم تعد تصنع بعد الآن.

فتكلفته التي يقال إنها 35 مليون دولار (ما يقارب 29 مليون جنيه استرليني)، هي بالإضافة إلى ذلك ميزانية أفلام المستوى المتوسط، التي باتت الاستوديوهات السينمائية الكبرى مترددة في إنفاقها - فالأفلام النموذجية حالياً تصنع مقابل بنسات قليلة أو مئات الملايين من الدولارات. لكن وارنر براذرز كانت مستعدة للعب مثل هذه المقامرة بسبب نجم العمل، ليس فينكس، الذي لم يتمكن مطلقاً من افتتاح فيلم يحمل اسمه وحده، ولكن الجوكر نفسه، تلك الشخصية الخيالية التي تجاوزت أن تكون مجرد الشرير المرافق لباتمان وتحولت إلى طقس لعبادة رجل واحد، إلى مزاج ومعلم روحي لأسلوب الحياة السامة بالنسبة لرواد الإنترنت.

يعد الجوكر بمثابة خطوة تالية مرحب بها في نمط أفلام القصص المصورة، ويثبت أن هذه الأعمال لا تحتاج أن تُنتج بشكل مستمر كسلسلة بالكاد تشبه القصص الأصلية، وتحولات عن الأشرار الخارقين، والمعارك المتسلسلة التي تدين جميعها إلى عالم مارفل السينمائي. لا، إذ يمكنها أيضاً أن تكون تجارب متفردة وغريبة الأطوار، يصنعها رواة قصص ذوو رؤى خاصة وفردية، الذين تم تشجيعهم على أن يكونوا فاعلين بدلاً من القيام بالمحاكاة فقط. في كثير من النواحي، إنه  شيء جيد.

لكن لدى هوليوود أيضاً ميل إلى تعلم الدروس الخاطئة من أفلامها الناجحة. لن يكون من المستغرب أن يدفع النجاح المحقق للجوكر  الصناعة إلى افتراض أن الطريقة الوحيدة لجذب الحشود الهائلة إلى المزيد من الأعمال الشاذة هي جعلها بشكل ما مقاربة للقصص المصورة، مع استخدام الأقنعة أو الأردية أو أساطير الأبطال الخارقين كواجهات ضرورية لحكايا أكثر غرابة وشذوذاً. لأنهم إن لم يفعلوا ذلك فلن يأتي أحد لمشاهدة الأفلام، على ما يبدو.

يضاف كل هذا إلى القلق المتزايد من أن الكثير من ثقافة السينما والطريقة التي نتحدث بها عن الأفلام قد باتت سطحية بسبب هيمنة ديزني والأبطال الخارقين على شباك التذاكر - وأن قوتهم التجارية أعادت صياغة ما نعتبره بشكل جماعي قمة صناعة الأفلام، وأنها الأساليب المرغوبة والأكثر جدارة برواية قصص عظيمة وصائبة. يتجسد هذا في الدعوات إلى أن يقوم مخرجون مثل ديفيد فينشر أو جورج ميلر أو دي ريس بإخراج أفلام الأبطال الخارقين، بدلاً من تمني أن يواصلوا صناعة أعمال فردية. ويبدو أيضاً في التغريدات التي ينشرها أحد المعجبين بشخصية تعيد تقديم كارولاين بهيئة بشرية، كما لو أن الرسوم المتحركة أصبحت الآن مجرد محطة توقف ثانوية قبل إعادة تصنيع الشخصية بهيئة إنسانية جديدة، الأمر الذي لا مفر منه. يبدو أن فيلم الجوكر، وما يمثله، وكأنه نقطة نهاية طبيعية لهذا النوع من النقاش.

يتوجب القول إن حدوث أي من تلك الأمور ليس مضموناً بالمطلق. قد يظهر فيلم الجوكر ويذهب، يجني الأرباح، ثم يختفي، وسيكون إرثه الوحيد هو أنه فيلم متفرد من بين أفلام دي سي كوميكس للقصص المصورة، يعززه الأشرار أو شخصيات من الدرجة الثانية من مدينة ’غوثام سيتي’ وأخرجه مبدعو هوليوود. ولكن هناك بالفعل شعور بأن الجوكر سيعني أكثر من ذلك بكثير، كما يتضح من الغضب الثائر حول تقييماته الأقل إيجابية، والادعاءات بأنه يصور الجوكر على أنه "القديس الراعي للعزاب القهريين في العالم"، والتأمل في ما يقوله الفيلم عن العنف والمجتمع والذكورة. بقدر ما نحن نريد فيلم الجوكر، لكن لا يبدو أنه سيمر بدون ضوضاء.

خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت، كتب الناقد السينمائي أليكس بيلينغتون من موقع "فيرست شوينغ" السينمائي تغريدة انتشرت بشكل كبير على تويتر مدعياً فيها بطريقة مثيرة "أنه سيكون هناك مرحلة ما قبل الجوكر ومرحلة ما بعد الجوكر ... لا أعلم إن كان العالم متهيئاً لهذا الفيلم ... إنه شديد التعقيد، إنه جنوني، إنه جريء." لقد كانت تغريدة تم انتقادها بشكل سريع وقابل للتبرير، وتحويلها إلى طرفة مصورة. لكن فيما يتعلق بما سيعنيه الجوكر بالنسبة لمستقبل صناعة الأفلام، هناك لمحة مزعجة وغير مريحة في الحقيقة التي تحملها تنبؤات بيلينغتون المفرطة في حماستها، ولكن ربما ليس بالطريقة التي قصدها.

© The Independent

المزيد من فنون