ملخص
زار وفد رسمي سوداني الشهر الماضي، إيران في مهمة لشراء طائرات مسيرة
في ظل تباعد خطوات تحقيق السلام في السودان وإنهاء الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، بلغت المواجهات العسكرية بين الطرفين حدتها على كل جبهات القتال داخل العاصمة وخارجها، حيث دارت معارك بمدينتي أم درمان والخرطوم، كما تواصل القتال لليوم الثالث في مدينة بابنوسة غرب البلاد، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى.
كما أفاد تقرير استناداً لمسؤولين غربيين أن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات من دون طيار، وأنها بذلك تؤجج الصراع والحرب الأهلية في هذا البلد.
تزايد النزوح
وتتزايد عمليات النزوح بشكل يومي هرباً من تصاعد القتال في مناطق مختلفة، إذ قارب عدد النازحين 10 ملايين شخص، فضلاً عن تفاقم أزمة الأمن الغذائي في السودان بشكل ملحوظ.
وبحسب مصادر مدنية، فإن طرفي النزاع تبادلا، أمس الأربعاء، القصف المدفعي والجوي في مواقع عدة بالعاصمة، حيث استهدفت قوات "الدعم السريع" مراكز للجيش في منطقتي الشجرة وجبرة جنوب الخرطوم، وسُمع دوي انفجارات عنيفة بمحيط القيادة العامة والقصر الجمهوري وسط العاصمة تصاعد على أثره دخان كثيف في سماء تلك المنطقة.
في المقابل، شنت الطائرات المسيرة التابعة للجيش غارات متواصلة على مواقع "الدعم السريع" المتاخمة للقيادة العامة بضواحي بري، والطائف، وأركويت، والمعمورة.
وأشار مواطنون سودانيون إلى أن القصف المتبادل بين الطرفين تسبب في مقتل أمرأة وإصابة شاب، إضافة إلى هدم منازل بحي النهضة جنوب الخرطوم، كما بثّ حالة من الخوف والهلع وسط المواطنين.
ولفت شهود إلى أن تصاعد المعارك وما يرافقها من قصف مدفعي وجوي، تزامن مع عودة أسر عدة خصوصاً في أحياء جنوب الحزام التي أصبحت مأهولة بالسكان، الأمر الذي يشكل خطراً كبيراً على أرواح هؤلاء المواطنين. كما شهدت مدينة أم درمان قصفاً مدفعياً متواصلاً من منطقة وادي سيدنا العسكرية حيث تتركز المدفعية الاستراتيجية التابعة للجيش السوداني باتجاه أهداف محددة لـ"الدعم السريع" في جنوب أم درمان، وشرق وجنوب الخرطوم، ومنطقة شرق النيل ببحري، في ظل تقدم الجيش في المحور الغربي لأم درمان ووسطها والمناطق المحاذية للنيل، وهو ما أدى إلى فرار أعداد كبيرة من قوات "الدعم السريع"، عقب عمليات التمشيط التي تقوم بها "قوات العمل الخاص" لتصبح 90 في المئة من أحياء المدينة تحت سيطرة الجيش، حيث تبقت فقط المناطق الجنوبية المتاخمة لمنطقة جبل أولياء.
الهجوم على بابنوسة
وفي ولاية غرب كردفان وقعت اشتباكات عنيفة، فجر أمس الأربعاء، بين طرفي الحرب. كما شهدت مدينة بابنوسة توتراً لليوم الثالث على التوالي، وذلك إثر توغل "الدعم السريع" إلى عمق المدينة من أجل السيطرة على مقر "الفرقة 22" التابعة للجيش، ما أوقع قتلى وجرحى وسط المدنيين وأدى إلى تدمير عدد من المنازل ومنشآت حكومية بسبب تبادل القصف المدفعي بين الطرفين.
ووفقاً لشهود عيان، فإن المواجهات بين طرفي القتال تمركزت حول أحياء السلام، وبشمة، والتربية الجامعة، وأبو إسماعيل، ومصنع ألبان بابنوسة، ورئاسة السكة حديد، وسوق بابنوسة الرئيسي. لكن الطيران الحربي التابع للجيش تدخل بقوة، حيث شن غارات مكثفة على مواقع وتجمعات "الدعم السريع" المتمركزة غرب "الفرقة 22" وعند مدخل المدينة. كما تمكن الجيش من صد هجوم بري لقوات "الدعم"، رافقه قصف بالمسيّرات على مقر الجيش في المدينة.
وذكر شهود أن "قوات الدعم السريع استباحت عدداً كبيراً من الأحياء ونهبتها بالكامل بجانب نهب السوق الرئيسة ومقر الشرطة المحلية، ورئاسة السكة الحديد، وعدد من المرافق الحكومية".
وبثّ جنود من "الدعم السريع" مقاطع فيديو قالوا إنها من داخل مقر الجيش بالمدينة، لكن منصات تابعة للأخير، بثت احتفالات لجنود "الفرقة 22" بصد هجمات "الدعم السريع"، ونشرت صوراً وفيديوهات لأعداد كبيرة من قتلى القوات المهاجمة داخل وحول مقر قيادة الجيش.
اتساع الانتهاكات
من جهة أخرى، حذر "محامو الطوارئ" في السودان من اتساع دائرة الانتهاكات في ولاية غرب كردفان بسبب توسع الحرب، مؤكدة في بيان أن "الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع على مدينة بابنوسة وما جاورها من قرى مستخدمة الأسلحة الخفيفة والثقيلة والقصف الجوي والمدفعي، خلَّف ما يزيد على 23 قتيلاً من المدنيين وأكثر من 30 مصاباً، إضافة إلى اعتقال ستة مدنيين، ونزوح أعداد كبيرة من المواطنين إلى مناطق أخرى أكثر أمناً".
واستنكر البيان "مواصلة قوات الدعم السريع توسيع نطاق الحرب في المدن الآمنة وترويع المدنيين، كذلك دان الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها تلك القوات"، مؤكدة على أنها "جرائم لا تسقط بالتقادم وترتقي إلى المساءلة الجنائية وفق القانون الدولي الإنساني والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".
وأكدت مجموعة "محامو الطوارئ" أنها "عاقدة العزم على رصد انتهاكات طرفي الحرب من خلال تعاونها مع كل المنظمات الإقليمية والدولية لفضح هذه الجرائم، علاوة على العمل على عدم الإفلات من العقاب".
من جانبه، قال الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية، أمين إسماعيل مجذوب، إن "ما يجري من مواجهات في مدينة بابنوسة هي معركة اقتصادية في المقام الأول، حيث يحاول الدعم السريع تعويض ما فقده من إمدادات بترولية بخاصة مصفاة الجيلي الواقعة شمال الخرطوم بحري، فضلاً عن التسبب باختناقات للحكومة في مادة الوقود والضغط عليها اقتصادياً".
ولفت مجذوب إلى أن "قوات الدعم السريع غضت الطرف عن مناشدات الإدارات الأهلية في المنطقة بالابتعاد عن مناطق البترول حفاظاً على هذه الثروة الوطنية"، مضيفاً أنها "ربما أرادت السيطرة على هذه المنطقة لتقوية موقفها في أي مفاوضات قادمة، إضافة إلى تعويض ما فقدته من مكاسب في العاصمة بعد العمليات الأخيرة التي شنها ضدها الجيش، ما مكنه من السيطرة على أجزاء واسعة من مدن العاصمة الثلاث بخاصة أم درمان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تجدد معارك الفاشر
وتجددت، أمس الأربعاء، المعارك في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي كانت تشهد حالة من الهدوء الحذر، في ظل استمرار طرفي النزاع في تعزيز قواتهما العسكرية، حيث قتل شخص على الأقل، وأصيب أربعة آخرون. وبحسب بيان لغرفة طوارئ معسكر أبوشوك للنازحين، فإن مواجهات وقعت بين طرفي الحرب استُخدمت فيها أسلحة ثقيلة وخفيفة بالقرب من المعسكر والوادي الفاصل بين معسكري السلام وأبوجا بمدينة الفاشر مما أدى إلى مقتل شخص واحد وإصابة أربعة آخرين.
وأشار مواطنون إلى أن هذه المعارك بدأت عندما حاولت قوة كبيرة من "الدعم السريع" الدخول لعمق مدينة الفاشر عن طريق بوابة مليط، لكن صدتها الدفاعات المتقدمة للجيش في محيط "معسكر أبوشوك" الذي بات يتعرض خلال الفترة الماضية لانتهاكات واسعة جراء اندلاع اشتباكات متفرقة بين القوتين المتحاربتين.
وسبق للقوة المشتركة التابعة للحركات المسلحة الموقعة على "اتفاق جوبا للسلام" أن حذَّرت مرات عدة من مغبة الاستهداف المستمر لسكان معسكر أبوشوك من قبل طرفي النزاع، مؤكدة أنها لن تقف "مكتوفة الأيدي حيال الجرائم التي يتعرض لها ضحايا الحروب المقيمين في معسكرات شمال دارفور"، حيث ستتدخل للحماية حال تكرار أي هجمات.
وتتولى "القوة المشتركة" حماية أجزاء واسعة من مدينة الفاشر، بما في ذلك الأسواق الرئيسة ومقرات المنظمات الدولية وبعض المؤسسات الحكومية. وهددت بعض أطراف "القوة المشتركة" بقتال قوات "الدعم السريع"، في حال إقدامها على مهاجمة مدينة الفاشر.
وتسعى قوات "الدعم السريع"، التي تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس في إقليم دارفور للاستحواذ على مدينة الفاشر، التي تُعتبر المدينة الوحيدة في دارفور التي لا يزال الجيش يحتفظ بوجوده فيها.
الأوضاع الإنسانية
في الأثناء، بحث عضو مجلس السيادة الانتقالي، رئيس اللجنة الوطنية المشتركة للطوارئ الإنسانية والصحية، إبراهيم جابر إبراهيم، أمس الأربعاء، بمدينة بورتسودان، مع مدير العمليات باللجنة الدولية للصليب الأحمر مارتن شويب، مجمل الأوضاع الإنسانية والصحية، إضافة إلى أوجه التعاون والتنسيق المشترك بين الحكومة السودانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر فى مختلف المجالات ذات العلاقة. وبحسب بيان لمجلس السيادة، فإن اللقاء تطرق إلى الاحتياجات الضرورية الصحية والإنسانية وتوفير الدواء للمرضى بخاصة وأن الأحداث التي شهدتها ولاية الجزيرة أثرت بصورة كبيرة على المخزون الدوائي في البلاد. كما جرى تناول دور الصليب الأحمر في المساعدة على ضمان وصول وانسياب المخزون الدوائي من ولاية الجزيرة إلى مختلف أنحاء البلاد، حيث تم توجيه كل الجهات ذات الصلة بالتعاون مع الصليب الأحمر والعمل على تذليل العقبات التي تواجهه، منوهاً بأن الاجتماع أكد ضرورة تسهيل إجراءات اللجنة الدولية للصليب الأحمر حتى تقوم بدورها".
وأشار البيان إلى أن اللقاء تداول أنشطة وجهود الصليب الأحمر في الفترة الماضية والتحديات التي تواجه العاملين فى المجال الصحي والإنساني. ووعد مدير العمليات باللجنة الدولية للصليب الأحمر بتقديم كل الدعم والمساندة والعمل مع الشركاء الدوليين فى المجال الإنساني لدعم السودان في هذا الصدد.
أزمة نزوح
دولياً، أكدت منظمة الهجرة الدولية، أن الحرب في السودان أدت إلى أكبر أزمة نزوح يشهدها العالم حالياً، بعدد نازحين يقارب الـ10 ملايين شخص، بينهم أكثر من مليوني طفل موزعين على أكثر من سبعة آلاف موقع نزوح داخل البلاد، وذلك حتى نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2023.
وأفاد تقرير حديث للمنظمة بأن النازحين داخل السودان يمثلون قرابة مليوني أسرة يعيشون في 7211 موقعاً في البلاد، وبينهم 2.199.478 طفلاً من دون سن الخامسة. وتوقع التقرير تفاقم المستويات المرتفعة لانعدام الأمن الغذائي الحاد في السودان، مما يستدعي تدخلات عاجلة تتمثل في زراعة المحاصيل الشتوية، وابتدار أنشطة مُدرّة للدخل، من أجل تخفيف تأثيرات الأوضاع في البلاد على الأمن الغذائي، وتعزيز قدرة المجتمع على الصمود.
وحذّر التقرير من ضياع المستقبل التعليمي لملايين الأطفال في السودان، إذ إنهم محرومون من حقهم في التعليم بسبب النزاع، داعياً إلى بذل الجهود الضرورية العاجلة لضمان سلامتهم وحمايتهم من العنف، وضمان حصولهم على التعليم.
وحض التقرير على "التحرك العاجل لتوصيل المساعدات، والتغلب على تحديات استمرار الأعمال العدائية وانعدام الأمن، والهجمات على العاملين الإنسانيين، ومواجهة العقبات البيروقراطية"، مؤكداً أن "الاحتياجات الملحة للسكان تتطلب تمكين الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية من دون عوائق".
مسيرات إيرانية
إلى ذلك، أفاد تقرير استناداً لمسؤولين غربيين بأن إيران زودت الجيش السوداني بطائرات من دون طيار، وأنها بذلك تؤجج الصراع والحرب الأهلية في هذا البلد.
وبحسب وكالة "بلوميبرغ، فإن أقماراً اصطناعية التقطت صوراً لطائرة من دون طيار من نوع "مهاجر 6" الإيرانية، الشهر الحالي، في قاعدة خاضعة لسيطرة الجيش شمالي الخرطوم.
وقال ثلاثة مسؤولون غربيون، طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم، إن السودان تلقى شحنات من طائرة "مهاجر 6"، وهي مسيرة ذات محرك واحد مصنّعة في إيران، وتحمل ذخائر موجهة.
وذكرت الوكالة أن تدخل إيران في الصراع السوداني المستمر حدث منذ تسعة أشهر، وذلك إلى جانب الجيش الذي فقد مساحات واسعة من الأراضي لصالح "الدعم السريع".
كما يسلط التدخل الإيراني الضوء على أهمية ساحل السودان على البحر الأحمر الذي يبلغ طوله 400 ميل، حيث تتنافس دول مثل الصين وروسيا وتركيا للوصول إليه.
وزار وفد من المسؤولين السودانيين الشهر الماضي، إيران في مهمة لشراء طائرات مسيرة إيرانية الصنع، وذلك بعد انتهاء حظر تجارة الأسلحة المفروض على طهران من الأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية رصدت طائرة مسيرة إيرانية تحلق فوق السودان، حيث تعد هذه الطائرة جزءاً من مبادرة أوسع للحرس الثوري الإيراني لبيع المسيرات إلى السودان، بهدف تعزيز نفوذه في المنطقة. ويستخدم الجيش السوداني سلسلة "مهاجر" من الطائرات المسيرة، بما في ذلك "مهاجر-2"، و"مهاجر-4"، و"مهاجر-6"، مما يدل على اهتمام الخرطوم بتطوير قدراتها في مجال المسيرات.