Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتحسب الشركات والأسواق من فترة رئاسة ثانية لترمب؟

خفض الضرائب وزيادة الرسوم على الواردات قد يفيدان الأعمال لكن الاقتصاد قد يكون في خطر

تشير التوقعات إلى أن عجز الموازنة الأميركية سيصل عند 5.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2024 ( اندبندنت عربية)

ليس التفكير في تأثير عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل من باب المبالغة في الافتراض، إذ إن الأسواق والمستثمرين والشركات والأعمال عموماً تضع خططها للمستقبل وتتعامل على أساس التوقعات المفترضة.

وبما أن كل المؤشرات حتى الآن تدل على أن ترمب سيكون مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية وأنه سيواجه الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن، بدأ المستثمرون ورجال الأعمال والمحللون والاقتصاديون في أميركا وحول العالم العمل على حساب تأثير عودة مرشح الحزب الجمهوري للحكم ثانية في الاقتصاد والأعمال.

إلى ذلك بدأت التحليلات والتوقعات حتى قبل الفوز الساحق لترمب في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الجمهوري والفارق الهائل بينه وبين منافسيه، وأيضاً قبل انسحاب ديسانتيس من سباق الترشح عن الحزب ودعمه ترمب.

وبحسب تحليل لصحيفة "إيكونوميست" العريقة نشر هذا الأسبوع فإن رجال المال والأعمال منقسمون حول تأثير عودة الرئيس السابق إلى البيت الأبيض، والتحليل هو نتاج أسابيع من حديث الصحيفة إلى عدد من المستثمرين الكبار ورؤساء الشركات الأميركية.

يشار إلى أنه حين غادر ترمب البيت الأبيض مطلع عام 2021 بعد خسارته انتخابات 2020 لصالح بايدن، تنفس كثير من رجال الأعمال ومديرو الشركات الصعداء، خصوصاً أن أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) آنذاك من الهجوم على الكونغرس كانت أزمة كبيرة لم يرد أحد أن يرتبط اسمه بها نتيجة تأييده ترمب.

الكبار مستفيدون

في غضون ذلك يسود التفاؤل أوساط الشركات الكبرى والمؤسسات الضخمة، ذلك لأنهم يجدون مزيداً من الفرص في وقت يصيب فيه الذعر الآخرين، إذ إن كبار رجال المال والأعمال عامة كانوا يحاولون الابتعاد عن ترمب حتى لا تضيرهم سمعة تصريحاته المثيرة للجدل، لكنهم كانوا أكثر المستفيدين من سياساته الحمائية، كما استفادوا أيضاً من سياسات الجمهوريين عامة التي تبناها ترمب بقوة مثل خفض الضرائب على الشركات والأعمال، ومع استمرار ارتفاع أسواق الأسهم في فترة رئاسة ترمب السابقة لم يكن للمستثمرين ورجال المال والأعمال أن يشتكوا.

قبل الانتخابات التمهيدية كانت استطلاعات الرأي تشير بوضوح إلى تقدم ترمب على بايدن بفارق واضح، ومن أهم العوامل التي جعلت الناخبين الأميركيين المستطلعة آراؤهم يفضلون ترمب على بايدن هو الاقتصاد، إذ اعتبرت النسبة الكبرى أن إدارة الأول للاقتصاد أفضل من إدارة بايدن، وقدرت نسبة أكبر أنها ترى المستقبل الاقتصادي في ظل الإدارة الحالية أسوأ مما كان لو كان ترمب في البيت الأبيض.

يعود ذلك بالطبع إلى أن أكبر اقتصاد في العالم حقق أداءً جيداً في فترة رئاسة دونالد ترمب، وبصورة أفضل بكثير من توقعات المحللين والاقتصاديين.

وفي تفكير متأخر يبرر هؤلاء فشل توقعاتهم بأن السياسات الاقتصادية لإدارة ترمب "جاءت أكثر اعتدالاً من التصريحات الانتخابية المغالية".

ومن أسباب تحسن الاقتصاد في ظل وجود المرشح الجمهوري في البيت الأبيض أن الاقتصاديين والمحللين لم يقدروا بصورة صحيحة السعة الإضافية للنشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، وذلك ما مكن إدارة ترمب السابقة من خفض الضرائب من دون أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم، إذ كان النمو القوي للاقتصاد وتراجع معدلات التضخم كافيين لتخفيف آثار الإجراءات الحمائية لإدارة ترمب وقتها.

لا يقتصر تفضيل ترمب على بايدن في إدارة الاقتصاد على الناخبين العاديين، بل إن الشركات ورجال الأعمال ليسوا راضين أيضاً عن سياسات بايدن الاقتصادية، فقد عينت إدارة بايدن لينا كان لتقود لجنة التجارة الفيدرالية التي تحسم في قضايا المنافسة، وكذلك غاري غنسلر ليقود هيئة البورصة والأوراق المالية، وكلاهما يمثل القيود البيروقراطية لرجال الأعمال، ذلك إضافة إلى ميل إدارة بايدن إلى زيادة الضرائب وسعيها إلى تطبيق قواعد "بازل 3" التي ستجبر البنوك على الاحتفاظ بنسبة 20 في المئة من رأس المال في حساباتها الجارية بصورة كاملة، مما يعني قيداً على القطاع المصرفي في تحقيق الأرباح.

أخطار سياسات ترمب الاقتصادية

يرى رجال الأعمال ورؤساء الشركات الكبرى أنه لو تمكن ترمب بوجوده في البيت الأبيض العام المقبل من التوصل إلى صفقة مع روسيا تنهي الحرب في أوكرانيا فإن ذلك حتى لو جاء على حساب كييف ومصالح أوروبا سيؤدي إلى خفض كلفة الطاقة للشركات والأعمال.

إذا كانت سياسات ترمب الاقتصادية في فترة رئاسته السابقة، التي تضمنت خفض الضرائب وتمويل ذلك بالاقتراض وزيادة عجز الموازنة، نجحت في فترة رئاسته الأولى فليس مضموناً أن تنجح الآن في ظل تغير الظروف تماماً حالياً. فالاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) يعمل على مدى العامين الماضيين من أجل خفض معدلات التضخم ويكاد يقترب من تحقيق هدفه، لكن سوق العمل في الاقتصاد الأميركي أصبحت قوية بما يزيد احتمال الغليان في الاقتصاد، ومن ثم حجة تدخل "الفيدرالي" ربما بتشديد نقدي أو في الأقل عدم بدء التيسير النقدي مبكراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الموازنة الأميركية في وضع سيئ حالياً قد لا يسمح بمزيد من الاقتراض لتمويل خفض الضرائب، ففي عام 2016 كانت نسبة العجز في الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي 3.2 في المئة وكان الدين العام عند نسبة 76 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

أما التوقعات للعام الحالي 2024 فتشير إلى أن نسبة عجز الموازنة عند 5.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن الدين العام سيصل إلى نسبة 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي حال لجوء إدارة ترمب المقبلة إلى خفض الضرائب سيكون "الفيدرالي" مضطراً إلى رفع سعر الفائدة مما يعني مزيداً من الضغط على الشركات والأعمال نتيجة زيادة كلفة الاقتراض وأيضاً على الحكومة الفيدرالية التي سترتفع مدفوعاتها لخدمة الدين.

انتقام أم اعتدال

صحيح أن "الفيدرالي" يتمتع باستقلالية عن الحكومة، إلا أن الشواهد من فترة رئاسة ترمب السابقة تشير على أنه يمكن أن يعين موالياً له ينفذ أهدافه في رئاسة البنك المركزي حين يحل موعد ذلك العام بعد المقبل.

ووقتها يمكن أن تعود معدلات التضخم للارتفاع، ويزيد من ارتفاعها فرض الرسوم والتعرفة الجمركية التي يعد بها ترمب الآن، وسيؤدي ذلك إلى تراجع معدلات النمو في الاقتصاد الأميركي.

تبقى المشكلة الأهم، التي تقلقل الشركات والمؤسسات وأسواق المال والأعمال هي "الاضطراب"، بمعنى أنه يصعب التنبؤ بمسار سياسات إدارة ترمب، فالمعروف عن دونالد ترمب أنه حاد التحول ويمكن أن يغير موقفه أكثر من مرة في اليوم، وذلك أخطر ما يمكن أن يواجه الأعمال التي تحتاج إلى استمرارية وقدرة على توقع المستقبل لتبني استراتيجيات نشاطها على هذا الأساس.

يراهن البعض على أن التصريحات الانتخابية غالباً ما تكون مغالية في التشدد، لكن ما إن يصبح المسؤول في موقعه تتسم ممارساته بالاعتدال.

وبما أن دونالد ترمب بطبعه متقلب المزاج فيمكن أن تكون سياسته أكثر اعتدالاً من تصريحاته، على سبيل المثال، يخشى البعض من أن فترة رئاسة ترمب الثانية ستكون فترة انتقامية من كل من عارضوه أو انتقدوه، إلا أن آخرين يرون أنه سيكون أكثر اعتدالاً بعدما جرب وتمرس في الحكم من 2016 إلى 2020.

مثلاً سبق وصرح ترمب في حملته الانتخابية بأنه إذا فاز بالانتخابات هذا العام سيفرض رسوماً على كل واردات أميركا بنسبة 10 في المئة.

وهناك الآن بعض العاملين في حملة ترمب يسربون بأنه في حال فوزه سيفرض رسوماً وتعرفة جمركية بنسبة 60 في المئة على كل الواردات من الصين، ومع أن بعض الشركات الأميركية قد تستفيد من القيود على الواردات إلا أن قطاعاً أكبر سيتضرر.

هناك أيضاً احتمال تخلي ترمب عن الدعم الحكومي للطاقة المتجددة الذي تتعهد به إدارة الرئيس بايدن، بخاصة أن الأول يسمي تلك البرامج "النصب الأخضر الجديد"، بالطبع لن يكون ذلك جيداً لكثير من الشركات التي تستفيد من ذلك الدعم "الفيدرالي".

كذلك وعد ترمب أنه في حال عودته إلى البيض الأبيض سيقوم بأكبر عملية تهجير في تاريخ أميركا لخفض أعداد المهاجرين بصورة غير قانونية، ومن شأن ذلك أن يزيد الضغط على سوق العمل الذي يعاني نقصاً بالفعل.

قد يكون ترمب بسياساته الاقتصادية أفضل للشركات والأعمال، لكن تبعات الإجراءات التي يمكن أن يتخذها في فترة رئاسية ثانية محتملة يمكن أن تؤثر في الاقتصاد الأميركي وكله وربما على العالم، ووقتها لن تكون الشركات والأعمال بعيدة من أن يطاولها ذلك التأثير السلبي، لكن في النهاية، يصعب التنبؤ بما سيكون عليه الرئيس الجديد مطلع العام المقبل.

اقرأ المزيد