منذ ثلاثة أشهر، بدأت تتراجع مسيرات العودة التي تنطلق أسبوعياً عند الحدود الشرقية، القريبة من السياج الأمني الفاصل بين غزّة وإسرائيل.
يأخذ التراجع أشكالاً مختلفة، من بينها ضعف المشاركة الجماهيرية، على الرغم من مساعي الحشد التي تبذلها الهيئة القيادية المشرفة عليها أسبوعياً، إضافة إلى تراخي الإعلام في تغطيتها.
يرجح كثيرون أن يكون سبب تراجع شعبية المسيرات، عدم لمس المواطنين في قطاع غزّة أيّ تحسن على مستوى الحياة، وشعورهم بأنّ هذه المسيرات لا أهداف حقيقية لها، وأنّها تأتي في إطار تحقيق المصلحة الحزبية، بعيداً من المصلحة الوطنية. وهذا الشعور لا يراود مواطنين فحسب، بل تحدث عنه مسؤولون في فصائل.
لا نتائج
بدأت المسيرات في مارس (آذار) 2018، وتنطلق أسبوعياً كلّ يوم جمعة، وفقاَ لما حددته الهيئة القيادية العليا (تتكوّن من أعضاء من مختلف الفصائل في غزّة). وقد عُرِّفت بأنها السلاح الجديد في وجه إسرائيل.
يؤمن أحمد المدلل، عضو الهيئة القيادية للمسيرات، بأنّها أعادت البوصلة للقضية الفلسطينية على الساحة العربية والدولية، على الرغم من وجود قضايا ساخنة في المنطقة، أثّرت في حضور الملف الفلسطيني.
ومن اليوم الأوّل للمسيرات، أعلنت قيادتها أنّها ستستمر حتى تحقيق أهدافها، وهي كسر الحصار المفروض على قطاع غزّة منذ 14 عاماً، وتحسين طبيعة الحياة بما فيها البعدَيْن الاقتصادي والحياتي.
لكن ذلك لم يحدث. يرى محمود النجار، الذي شارك في المسيرات منذ يومها الأوّل، أنّها "لم ولن تحقق أيّ نتائج على المدى الطويل"، بل يعتبر أنها "أسفرت عن مزيد من الإصابات في صفوف المشاركين، وزادت عدد حالات البتر. وهذا ما استفاد منه الناس فقط".
مكافأة... ولكن
وإذا ما رصدنا المشاركة الجماهيرية، فإنّ التقديرات تشير إلى أنّ المسيرات بدأت بعدد كبير، يقدّر بنحو 250 ألف مشارك، ولكن منذ فبراير (شباط) 2019 لا تتجاوز نسبة المشاركة 30 ألفاً في مخيمات العودة الخمسة، المنتشرة في مختلف محافظات القطاع.
ضعف المشاركة الجماهيرية ليس المتغير الأول في درب المسيرات، فقيادتها ابتدعت طرقاً مختلفة لمحاولة حشد المشاركين، يقول مصدر من حركة حماس إنّ قيادة الحركة ترسل إليهم رسائل نصية عبر الهاتف، تطالبهم بالمشاركة.
ووفق المصدر، فإنّ المشاركة ليست إجبارية، لكن حماس تعمل على مكافأة من يشارك بمنحة تقدر بـ100 دولار، تحت عنوان مساعدة إنسانية، تُضاف إلى راتبه، ويُعد ذلك إغراء.
ولمحاولة المساعدة في الحشد، توفر حماس باصات لنقل المشاركين من المساجد القريبة لمساكنهم إلى مخيمات العودة. وعلى الرغم من ذلك، يقول النجار "تراجع اهتمام الناس".
ومن الأسباب أيضاً عدم توفير العلاج لمصابي المسيرات، وقد تجاوز عددهم 30 ألفاً، بينهم 190 حالة بتر أطراف.
وهذا المواطن رامي، الذي بُترت ساقه، لم تتعرف إليه قيادة المسيرات، كما يؤكد أنّه أجرى عمليات جراحية على حسابه، ولم يُساعده أحد.
يتردد صدى ذلك بين الناس، وقد جعلهم يتحفّظن عن المشاركة في المسيرة.
مصالح حماس
ويلاحظ كثيرون أنّ قيادة المسيرات تخفّض نسبة حشد المشاركين في فترة التزام إسرائيل بتنفيذ تفاهماتها مع حماس، أما حينما تتنصّل، فترفع نسبة المشاركة والحشد الشعبي، ما يولّد لدى الناس شعوراً بأن ثمة مايسترو للمسيرات يعمل وفق حساباته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأبعد من ذلك، فبعد وصول التفاهمات بين الطرفين إلى رؤية واضحة، أوقفت قيادة المسيرات ما تسميه إسرائيل "الأدوات الخشنة" (الإرباك الليلي وحرق إطارات السيارات وإطلاق البالونات الحارقة وقص السلك الحدودي)، فبات المشاركون يشعرون بأنّ انضمامهم إلى المسيرات هو لتحقيق مصالح الأحزاب.
ومن قادة حماس من يرفض سياسة قيادة المسيرة في إدارة الأزمة مع إسرائيل، ويقول قيادي بارز في الحركة رفض الكشف عن اسمه إنّ الفصائل، ومنها حماس، تقود المسيرة وفق رغباتها ومصالحها، وعند وصول الأمر إلى مأزق، تعمل على توتير الحدود مع إسرائيل.
ويلفت المصدر إلى "أننا لن نسمع عن المسيرات، إلاّ في إطار السعي إلى الضغط على إسرائيل، لتنفيذ التفاهمات التي اتُّفق عليها مع مصر".
أخيراً، أثّر انخفاض عدد المشاركين في طبيعة استخدام الجيش الإسرائيلي السلاح. فخلال الأسابيع الخمسة الماضية، جرى تفريق المتظاهرين عبر استخدام قنابل الغاز فقط، بينما في السابق كان يجري ذلك من خلال الرصاص الحي والمطاطي.