ملخص
ما أوجه الاختلاف بين الولايتين، وكيف يمكن أن يغير ذلك من نتيجة السباق؟
تبدو الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأميركية في كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بولاية نيو هامبشير المقررة، غداً الثلاثاء، مختلفة عن ولاية أيوا التي انتهت قبل أسبوع، ففي الحزب الجمهوري يخشى ترمب ألا يحقق الانتصار الكاسح نفسه الذي حققه في أيوا، وفي الحزب الديمقراطي لن يظهر اسم الرئيس جو بايدن على بطاقة الاقتراع للمرشحين الديمقراطيين للرئاسة، فما أوجه الاختلاف بين الولايتين، وكيف يمكن أن يغير ذلك من نتيجة السباق؟
تباينات ديموغرافية
على رغم شكوى عديد من المراقبين بأن ولايتي أيوا ونيو هامبشير اللتين تشهدان تقليدياً أول انتخابات تمهيدية رئاسية، لا تمثلان المجتمع الأميركي تمثيلاً دقيقاً من حيث التركيبة السكانية والتوجهات العامة للناخبين، فإنهما تقدمان مؤشراً مهماً حول المرشحين الأكثر قابلية للانتخاب حتى الآن من خلال منحهم الزخم المطلوب لاستكمال مسيرتهم، ومن ثم جمع الأموال الضرورية للإنفاق على الحملة الانتخابية من المانحين الرئيسين والأفراد العاديين.
وفي حين تتشابه الولايتان في نسبة السكان البيض (84 في المئة بأيوا مقابل 89 في نيو هامبشير)، وفي نسبة سكان المناطق الحضرية (64 في المئة بأيوا و61 في نيو هامبشير)، فإنهما تختلفان في جوانب أخرى كثيرة، فعدد سكان أيوا (3.2 مليون) يعادل أكثر من ضعف عدد سكان نيو هامبشير (1.4 مليون)، ومتوسط الدخل السنوي للفرد في أيوا (37.9 ألف دولار) يقل بنسبة 25 في المئة عنه في نيو هامبشير (48.3 ألف دولار)، ونسبة خريجي الجامعات 30 في المئة بأيوا و39 في المئة في نيو هامبشير.
غير أن الاختلافات المتعلقة بالانتساب الديني تشكل جزءاً مهماً ينعكس على طريقة تصويت الناخبين هذه المرة بالتحديد، حيث يشكل المسيحيون 77 في المئة من سكان أيوا، معظمهم متدينون، ويشكل البروتستانت الإنجيليون الذين يؤيد غالبيتهم الرئيس ترمب 28 في المئة من سكان الولاية، في حين يمثل المسيحيون في نيوهامبشير 59 في المئة من السكان، ولا يزيد البروتستانت الإنجيليون عن 13 في المئة فقط، بينما يشكل غير المنتسبين دينياً في نيو هامبشير 36 في المئة مقارنة بنحو 21 في المئة فقط في أيوا، وفقاً لمركز "بيو" الأميركي للأبحاث.
اختلاف النظام الانتخابي
لكن الأهم من التباينات السكانية التي يكون لها بعض الأثر في خيارات الناخبين، أن عملية الانتخاب نفسها تختلف بشكل واضح بين الولايتين، إذ جرت عملية التصويت في ولاية أيوا بنظام المؤتمرات الانتخابية (كوكسيس) التي تديرها الأحزاب، حيث كان يتعين على أعضاء الحزب الجمهوري الوصول في وقت محدد لحضور المؤتمرات الانتخابية التي تستغرق ساعات من المناقشات ومحاولات إقناع الناخبين بالأفضل قبل الإدلاء بالتصويت في وقت واحد، في حين تجري عملية التصويت في نيو هامبشير بالاقتراع السري المباشر الذي تديره الولاية، ويكون هناك فرصة أوسع لحضور الناخبين والإدلاء بأصواتهم على مدى 12 ساعة.
وهناك اختلاف أوضح يتمثل في نظام الانتخاب، حيث تجري الانتخابات في نيو هامبشير "بالنظام المفتوح لغير المنتسبين"، الذي يسمح للناخبين المستقلين غير المنتسبين للأحزاب بالمشاركة في الانتخابات التمهيدية لحزب يختارونه، ولكنها لا تسمح للناخبين المسجلين في أحد الأحزاب بالتصويت لحزب آخر. وعلى سبيل المثال كان الموعد النهائي للديمقراطيين المسجلين من أجل تغيير انتمائهم الحزبي والتصويت في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري هو السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولأن الناخبين المستقلين الذين لم يعلنوا عن انتمائهم الحزبي يفوق عددهم في نيو هامبشير إجمالي عدد الديمقراطيين والجمهوريين المسجلين في الولاية، يتوقع أن يشكلوا نصف عدد الناخبين، الثلاثاء المقبل، وفقاً لشبكة أخبار "أن بي سي"، وهذا هو السبب وراء تقدم الرئيس السابق دونالد ترمب في استطلاعات الرأي بنسبة أقل في نيو هامبشير مما حققه في أيوا.
أما في ولاية أيوا فقد جرت الانتخابات بالنظام "شبه المفتوح" الذي يسمح للناخبين بتجاوز الخطوط الحزبية، ولكن يجب عليهم الإفصاح علناً عن اختيارهم الحزبي في ورقة الاقتراع، حيث يعتبر اختيارهم التصويت للحزب الجمهوري بمثابة شكل من أشكال التسجيل لدى الحزب، ووفقاً لبيانات القبول بالحزب الجمهوري كان 18 في المئة فقط من المشاركين في المؤتمرات الحزبية في أيوا من المستقلين غالباً أو بدرجة أقل من الديمقراطيين الذين اختاروا تغيير انتمائهم الحزبي إلى الجمهوريين.
نيو هامبشير تختار الرؤساء
ينتشر في ولاية نيوهامبشير شعار قديم بين السكان يقول "أيوا تقطف الذرة، ونيوهامبشير تختار الرؤساء"، في إشارة إلى ما تشتهر به أيوا من زراعة الذرة كولاية ريفية نوعاً ما تسيطر على الجمهوريين فيها النزعة المحافظة الاجتماعية المسيحية الإنجيلية، في حين يميل الجمهوريون في نيوهامبشير إلى اتباع نزعة تحررية متجذرة، ويعتقدون أن اهتمامهم بالإنفاق الفيدرالي والدين العام يجعلهم أكثر ذكاء من إخوانهم في ولاية أيوا، الذين كانت قضايا الإجهاض والمتحولين جنسياً على رأس جدول أعمالهم.
وبينما تقول صحيفة "نيويورك تايمز"، إن بيانات ولاية أيوا تشير إلى أن عديداً من أعضاء الحزب الجمهوري في الولاية قرروا دعم الرئيس السابق دونالد ترمب قبل وقت طويل من المرحلة النهائية للحملة هناك، فإن الناخبين في نيو هامبشير يتمتعون بسمعة اتخاذ قراراتهم في وقت متأخر، وهو ما كشف عنه فوز السيناتور السابق جون ماكين عام 2008 على منافسيه الآخرين وترشيح الحزب الجمهوري له في النهاية ضد مرشح الحزب الديمقراطي آنذاك باراك أوباما.
وفي هذا العام، تراهن حاكمة ولاية ساوث كارولينا السابقة نيكي هايلي، على أن ناخبي نيو هامبشير يمكن أن يمنحوها الزخم الذي يسمح لها بالتفوق على ترمب أو في الأقل الاقتراب منه، فعلى مدى أسابيع ظلت هايلي تلعب على وتر غرور الجمهوريين في الولاية عندما قالت إن الناخبين الأساسيين سيصححون نتائج المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا، وهي محاولة للتماهي مع اعتقاد راسخ بين الجمهوريين في نيو هامبشير بأن لديهم فهماً أفضل لنوع السياسي الأكثر ملاءمة، الذي يمكن أن يصبح المرشح الرئاسي للحزب.
مع ذلك، يتمثل التحدي الذي يواجه هايلي في جاذبية ترمب الانتخابية، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أنه يتقدمها بفارق 16 نقطة، وهو الذي فاز في الانتخابات التمهيدية للولاية عام 2016 بما يقارب 20 نقطة مئوية، حيث حطمت تلك المنافسة آمال عديد من المنافسين المعتدلين حينذاك مثل جيب بوش وماركو روبيو وكريس كريستي، كما أعطت الولاية دفعة غير متوقعة لجون كاسيتش، الذي احتل المركز الثاني آنذاك.
هل صوت الديمقراطيون في أيوا؟
بينما كانت الأضواء مسلطة على الجمهوريين في ولاية أيوا لمتابعة انتصار دونالد ترمب الكاسح بالمؤتمرات الحزبية الرئاسية، الذي سيكون له تأثير فوري وملزم على السباق الرئاسي، عقد الديمقراطيون في الولاية نفسها مؤتمرهم الحزبي، ليلة الإثنين الماضي، أيضاً، لكن في خروج عن السنوات السابقة كانت هذه المؤتمرات من أجل إدارة شؤون الحزب الإدارية ومناقشة ترتيبات عملية اختيار المندوبين الذين سيمثلون الولاية في المؤتمر الوطني للحزب الذي سيعقد في شيكاغو الصيف المقبل.
مع ذلك، لم يصوت أعضاء التجمع الحزبي الديمقراطي، ولم يشيروا إلى اختيار من يمثل الحزب في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني)، وبدلاً من ذلك سيصوتون لمرشح الحزب من خلال التصويت عبر البريد التي بدأت في 12 يناير وتنتهي في 5 مارس (آذار) الذي يعرف باسم "الثلاثاء الكبير"، ليتم بعد ذلك فرز الأصوات وتحديد المندوبين الذي يمثلون أيوا في المؤتمر الوطني.
ويعود السبب في تغيير موعد وطريقة تصويت الديمقراطيين في أيوا ومحاولة إجراء تغيير مماثل في نيو هامبشير إلى الضغوط التي مارسها بايدن على الحزب لكي تكون ولاية ساوث كارولينا التي فاز بها بجدارة عام 2020 هي أول ولاية تشهد الاقتراع الرسمي في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، وذلك خشية تكرار النتيجة المهينة التي حققها في أيوا عام 2020 بحصوله على المركز الرابع، بينما حصل على المركز الخامس في ولاية نيو هامبشير.
بايدن خارج ورقة الاقتراع
مع ذلك سيشارك الديمقراطيون في ولاية نيو هامبشير على رغم أن المنافسة لن يتم احتسابها في سباق الترشيح الرئاسي الديمقراطي، نظراً إلى أن الولاية لم تمتثل للتقويم التمهيدي المقترح من قبل اللجنة الوطنية الديمقراطية (الذي يجعل ساوث كارولينا أولاً)، فقد أوضح الحزب أن الانتخابات الأولية في نيو هامبشير لن تمنح مندوبين للمرشحين الديمقراطيين الموجودين على بطاقة الاقتراع، مثل عضو مجلس النواب دين فيليبس عن ولاية مينيسوتا، والمؤلفة ماريان ويليامسون وغيرهما.
وعلى رغم أن المرشحين الذين يظهرون في بطاقة الاقتراع لن يكونوا مؤهلين للفوز بمندوبين في المؤتمر الوطني، فإن الديمقراطيين يطلقون حملة لدعم الرئيس بايدن، من أجل إقناع الناخبين الديمقراطيين والمستقلين بالتصويت له كتابة كمرشح غير مدرج بورقة الاقتراع، وهو ما يسمح به النظام الانتخابي في الولاية.
محاولة منع خسارة بايدن
ويعود السبب في هذا الاضطراب إلى أن اللجنة الوطنية الديمقراطية جعلت ولاية نيو هامبشير تعقد انتخاباتها التمهيدية في نفس يوم ولاية نيفادا وبعد ولاية ساوث كارولينا، في حين ينص قانون نيو هامبشير على أن تكون الولاية هي الأولى التي تجرى بها الانتخابات التمهيدية، كما رفض المشرعون في الولاية التي يديرها الجمهوريون الخروج عن التقاليد، واتهم المدعي العام للولاية اللجنة الوطنية الديمقراطية بقمع الناخبين، وأرسل إليها خطاباً لوقف هذا الإجراء، كما هدد باتخاذ مزيد من الإجراءات القانونية.
وفي حين أن بايدن غير قادر على القيام بحملته الانتخابية في الولاية من دون التعرض لعقوبات من الحزب الديمقراطي، فإن ذلك لم يمنع إدارته من إرسال أعضاء من المجلس الوزاري إلى نيو هامبشير في الأسابيع الأخيرة لحضور المناسبات الإدارية الرسمية ومجموعة من الفعاليات، في وقت أطلقت مجموعة من المتطوعين غير الأعضاء في حملة إعادة انتخاب بايدن جهداً شعبياً لحث الديمقراطيين والمستقلين على كتابة اسم بايدن في ورقة الاقتراع التي لم يدرج بها اسمه، وذلك في محاولة لمنع الرئيس الحالي من خسارة الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشير.
ويتحدى بايدن على المنصب الرئاسي عدد من المنافسين أبرزهم مؤلفة المساعدة الذاتية ماريان ويليامسون التي سبق أن ترشحت في انتخابات 2020 من دون أن يكون لها تأثير ملحوظ، والنائب الديمقراطي عن ولاية مينيسوتا في مجلس النواب دين فيليبس، وكلاهما سيظهر اسمه في ورقة الاقتراع لكن لن يتم احتساب النتيجة ضمن العملية التي تحدد الفوز بالترشيح.
ويميل بايدن إلى استقطاب الدعم في نيو هامبشير من الناخبين الذين تزيد أعمارهم على 50 سنة، بينما يعد الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة هم أضعف الفئات العمرية تأييداً له بحسب استطلاع أجرته كلية "إيمرسون".
ومن المتوقع أن يحظى بايدن بدعم أقل بكثير في الولاية حيث يمكن للناخبين المستقلين الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية لأي من الحزبين، في حين فاز الرئيس السابق باراك أوباما، الذي ظهر اسمه في بطاقة الاقتراع في آخر انتخابات تمهيدية عام 2012 على 49080 صوتاً.
وفي كل الأحوال سيترقب الجميع حجم ودرجة الاختلاف التي ستظهرها ولاية نيو هامبشير مقارنة بولاية أيوا، وتأثير ذلك على المراحل المتبقية من سباق الانتخابات التمهيدية للحزبين الجمهوري والديمقراطي.