عادت الهجرة غير الشرعية تدق باب الجزائريين بشكل لافت في الأيام الأخيرة، ما خلق حالاً من البلبلة، خصوصاً بعد انتشار فيديو يظهر عملية إنقاذ 18 شاباً جزائرياً من موت محتم، وذلك بعد مكوثهم خمسة أيام في عرض البحر الأبيض المتوسط، وقد انطلقوا من ساحل منطقة عين طاية في العاصمة، على متن قارب باتجاه السواحل الإسبانية. وهي الحادثة التي باتت تتكرر مع الشباب الجزائري على امتداد ساحل البلاد البالغ طولها حوالى 1200 كلم، الأمر الذي فتح أبواب التساؤل حول أسباب عودة هذه الظاهرة بقوة بعد اختفائها مع الأسابيع الأولى من الحراك، فهل تسلل اليأس إلى قلوب الشباب، وهل فقد الحراك الأمل في تحقيق ما خرج من أجله في 22 فبراير (شباط)؟
عاشت منطقة عين طاية الساحلية أياماً عصيبة تضاف إلى المشاكل المعيشية التي تعانيها مختلف العائلات، وذلك بعد انقطاع أخبار 18 شاباً خرجوا خلسة على متن قارب صيد لبلوغ السواحل الإسبانية، في مغامرة محفوفة بالمخاطر تكشف عن درجة الإحباط التي بلغها شباب الجزائر، على الرغم من بعض الأمل الذي رافق الحراك مع بداياته.
روايات العائلات
وتروي والدة أحد الشباب الـ18 في حديث لـ "اندبندنت عربية"، أن ابنها البالغ من العمر 30 سنة، أعلمها بقراره "الفرار" من الجزائر، فاقداً الأمل في بناء مستقبل في بلاده. وأشارت إلى أنه سعى بكل الطرق للحصول على منصب عمل، لكنه لم ينجح في مسعاه، وقد عاد أمله في تحسن الأوضاع بعد انطلاق الحراك وجهود المؤسسة العسكرية في ملاحقة الفاسدين ومحاربة الفساد، غير أن "تمدد" عمر الأزمة، جعل اليأس يتسلل إلى قلبه من جديد، مؤكدة أنه ورفاقه فقدوا الأمل في حدوث أي تغيير.
من جهة أخرى، قال أحمد شقيق أحد الشباب "الفارين"، إن الأمل الذي عاد للجزائريين يوم 22 فبراير، ذاب وسط الاختلافات والانشقاقات والمصالح، ما دفع بالشباب إلى المغامرة في البحر، وهو الأمر الذي حدث مع شقيقه البالغ من العمر 24 سنة، الذي قرر الهجرة بطريقة غير شرعية، كاشفاً أن العائلة وبقية عائلات الشباب الـ18، عاشوا الجحيم بعد اختفاء أبنائهم في عرض البحر، وقال "لم نكن نعلم عن مصيرهم شيئاً، هل هم أحياء أم مفقودون أم أموات؟". وتابع "لولا لطف الله لقضوا كلهم، كيف لا وقد مكثوا في عرض البحر خمسة أيام، لتنقذهم باخرة نقل المسافرين، سلمتهم إلى حراس السواحل الإسبانية قرب جزيرة "بالما دي ما يوركا". "وتنتظر العائلات ما ستسفر عنها التحقيقات هناك"، يختم أحمد حديثه.
محاولات بالجملة للهجرة سراً
وكشفت بيانات وزارة الدفاع الجزائرية عن محاولات الهجرة غير الشرعية على متن "قوارب الموت"، وقالت وحدات حرس الشواطئ "تمكنت من إلقاء القبض على 337 شخصاً حاولوا الهجرة بطريقة غير شرعية خلال أغسطس (آب) 2019، وذلك عبر سواحل البلاد. وأضافت "أول من أمس أحبطت محاولات هجرة غير شرعية لـ 61 شخصاً كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع".
كذلك، علمت "اندبندنت عربية" من مصادر مطلعة أن ثمانية شبان من محافظة سكيكدة شرق الجزائر، تتراوح أعمارهم بين 31 و47 سنة، بلغوا السواحل الإيطالية وتحديداً جزيرة سردينيا، على متن قارب صيد طوله سبعة أمتار، وقد دفع كل شخص مبلغ 12 مليون سنتيم أي ما يعادل 1000 دولار لمنظم الرحلة.
مخاوف من إبحار قوارب الموت ليلاً ونهاراً
وفي هذا الإطار، يعتبر الإعلامي محمد لهوازي في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الحراك الشعبي استطاع كبح ظاهرة الهجرة غير الشرعية مؤقتاً، لأنه امتص شحنة الغضب والتذمر من سوء الأوضاع المعيشية ومختلف الممارسات السلبية، التي ارتبطت بمنح الوظائف وغيرها من مظاهر الإرهاب الإداري، التي كانت تقف حائلاً بين الشباب وتحقيق طموحاته.
وقال إن "الشباب فضلوا التريث والمشاركة بقوة في المسيرات الشعبية لعلها تأتي بجديد يحدث التغيير المنشود، لكن نشوة الانتصار التي ضخّها الحراك الشعبي في نفوس الشباب لم تدم طويلاً، وعادت بيانات وزارة الدفاع للحديث عن قوافل الحراقة بشكل يومي، والتي يجري فيها توقيف عشرات المهاجرين السريّين عبر قوارب متجهة إلى الجزر التابعة لإسبانيا وإيطاليا".
وتابع الإعلامي قائلاً "ظاهرة الهجرة غير الشرعية ترتبط بعاملين رئيسيين، الأول يتعلق بالوضع المعيشي للمواطنين، والثاني بالوضع العام السياسي والاقتصادي للبلاد، وهما عنصران يتحكمان بشكل كبير في ارتفاع نسبة الهجرة السرية أو انخفاضها في اتجاه الضفة الشمالية للمتوسط"، موضحاً أنه "إذا اعتبرنا أن المستوى المعيشي هو نتاج اللااستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد، والذي يتطلب مشاركة المواطن في صنع القرارات، فأتوقع أن الغموض الذي يلف الوضع السياسي مع التجاذبات الحاصلة، من شأنها رفع نسب الهجرة غير الشرعية"، وخلص إلى أننا "سنشهد المزيد من قوارب الموت تبحر ليلاً ونهاراً صوب الشمال".
اختلافات وانقسامات
وبالعودة إلى الأسباب التي فتحت أبواب الهجرة غير الشرعية على مصراعيها، فيتبين أن اليأس وفقدان الأمل من أبرز العوامل التي تدفع الشباب الجزائري إلى المغامرة وتعريض حياتهم لخطر الغرق. وعلى الرغم من أن الحراك الشعبي في بداياته "أوقف" هذه الظاهرة لما جاء به من آمال وآفاق بنت عليها فئة واسعة من الشعب الجزائري مستقبلاً أفضل، إلا أن الاختلافات والانقسامات التي ميزت المشهد العام خلال الأسابيع الماضية، وإطالة عمر الأزمة، "عن قصد أو عن غير قصد"، جعل بلوغ هدف التغيير نحو مستقبل واعد أمراً صعب التحقيق، لتعود الأمور إلى نقطة الصفر في مخيلة الشباب. فمتى يلتفت صنّاع القرار في الجزائر كما النخبة للشباب، زبدة المجتمع بعد أن بلغت نسبتهم 75 في المئة؟