ملخص
الحال أن انتصار لاي، الذي حقق فوزاً ساحقاً وبإقبال على التصويت بلغ 72 في المئة، نال قبولاً واسع النطاق في دول الغرب، وكذلك في البلدان الديمقراطية المجاورة لتايوان
كان التجمع حافلاً بالألوان وصاخباً، طغت عليه حشود شابة بمعظمها، تخلله عرض لفرقة موسيقى هيب هوب مشهورة جداً. احتفى أثناءه بمرشح الانتخابات الرئاسية الممثل لـ"الحزب الديمقراطي التقدمي" Democratic Progressive Party (DPP) لاي تشينغ تي، باعتباره الزعيم الذي سيدمج تايوان بشكل أكبر في المجتمع الدولي، ويبعدها عن الصين.
وتحدث عديد من الحاضرين عن مخاوفهم في شأن الاقتصاد والانقسامات الاجتماعية والفساد في الأوساط الرسمية. لكن قضية وجودية لم يكن بالإمكان تجاهلها، فكانت المناقشات تعود وتتمحور باستمرار إلى احتمالات رد فعل بكين على فوز لاي في الانتخابات، وهو الشخص الذي تبغضه الحكومة الصينية باعتباره "مثيراً للمشكلات الانفصالية".
إن التهديد المتمثل في قيام بكين بضم تايوان بالقوة مع البر الرئيس هو حقيقة يومية في جزيرة ماتسو، التي تقع على بعد تسعة أميال فقط من الصين (14.4 كم). هذه الجزيرة التي تقع فيما يشار إليه باسم "منطقة القتل" - أي خط الدفاع الأساس في حالة حدوث غزو.
وبعد مرور يومين على تجمع تايبيه، تحدث نقيب في الجيش اسمه لي، يبلغ من العمر 30 سنة، عن استمرار المناورات المسلحة استعداداً للقتال. فأفاد: "لن نتفاجأ إن هاجمتنا الصين بصورة مفاجئة. ولن يكون في اليد حيلة إن قررت شن هجوم. أنا لا أريد أن أموت، وأصدقائي بدورهم لا يريدون الموت. لكن على المرء تقبل فكرة الموت متى كان جندياً".
لي، الذي طلب عدم نشر اسمه الكامل، بسبب الخطر الذي قد يشكله ذلك على سلامته، يقيم والده في مدينة شنغهاي، يصر لي على أن الروابط العائلية لن تؤثر في واجبه بالدفاع عن وطنه ضد ما يراه من خطر ناجم عن السفن الحربية الصينية في مضيق تايوان.
وكذلك، أعرب لي عن رأيه بما يحدث في أوكرانيا، وهو المتابع الشغوف للأخبار الدولية، فأفضى قائلاً: "عندما اندلعت تلك الحرب، انتابني شعور بأن دورنا هو التالي، لأن الصين قد تتبع مثال روسيا. من ثم فإن الانتخابات التي نجريها بالغة الأهمية، والاحتمال كبير بألا تتقبل الصين نتيجة لا تعجبها".
وبالفعل، هذا ما جاءت عليه نتيجة الانتخابات، حيث فاز لاي بأكثر من 40 في المئة من الأصوات، وانتصر على هو يو أي، مرشح حزب "الكومينتانغ" Kuomintang (KMT) المعارض والمعروف بتوافقه الأكبر مع بكين، وكذلك على المرشح الثالث كو وين جي الذي يمثل "حزب الشعب التايواني"Taiwan People’s Party (TPP).
والحال أن انتصار لاي، الذي حقق فوزاً ساحقاً وبإقبال على التصويت بلغ 72 في المئة، نال قبولاً واسع النطاق في دول الغرب، وكذلك في البلدان الديمقراطية المجاورة لتايوان.
وفي هذا الإطار، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن على أنه سيرسل، الأسبوع المقبل، وفداً إلى تايبيه. وقالت وزارة الخارجية الأميركية تعليقاً على الموضوع: "لقد أثبت الشعب التايواني مجدداً قوة نظامه الديمقراطي المتين وعمليته الانتخابية". أما في لندن، فعلق وزير الخارجية ديفيد كاميرون على النتائج بالقول إنها "خير شهادة على الديمقراطية الحية في تايوان". وفي طوكيو، شددت وزيرة الخارجية يوكو كاميكاوا بالقول: "إن تايوان تتشارك مع اليابان قيمها الأساسية، وتعتبر شريكة حيوية وصديقة مهمة للبلاد".
في المقابل، سارعت بكين، الثابتة على موقفها القائل إن تايوان جزء من الصين، إلى إدانة ما وصفته بـ"التدخل الأجنبي". وقد أعلنت الحكومة الصينية أنها قد تقدمت بـ"احتجاج رسمي" إلى وزارة الخارجية الأميركية، متهمة فيه الولايات المتحدة بتجاوز حدود "العلاقات الثقافية والاقتصادية غير الرسمية مع تايوان". وكذلك، أعربت الصين عن "معارضتها الشديدة لما تعتبره تصرفات غير صحيحة من الجانب البريطاني"، مطالبة بريطانيا "بالكف عن أي تصرفات أو تصريحات تتدخل في شؤون الصين الداخلية". إلى ذلك، قامت بتوجيه شديد اللهجة لليابان، بسبب "تدخلها الخطر في الشؤون الداخلية الصينية".
وفي ما يتعلق بالإدارة الجديدة في تايبيه، قال تشين بينهوا، وهو مسؤول رفيع المستوى في مكتب شؤون تايوان الصيني - الكيان الذي يشارك بنشاط في الجهود الرامية إلى مواجهة حركة استقلال تايوان من خلال الدعاية والتكتيكات التخريبية - بشكل قاطع إن "تايوان هي تايوان الصينية".
بينهوا أكد أنه ما من سبيل على الإطلاق لمنع "التوجه الحتمي" نحو ضم الجزيرة إلى الصين، مضيفاً أن "هذه الانتخابات لن تغير النمط الأساس ومسار العلاقات عبر المضيق"، مؤكداً أن "الوطن الأم سيعاد توحيده في نهاية المطاف".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتجدر الإشارة إلى أن استعادة تايوان هي من أهم العهود التي قطعها الحزب الشيوعي الصيني. وفي هذا الإطار، أمر الرئيس الصيني شي جينبينغ جيش بلاده للاستعداد لعمليات عسكرية بحلول عام 2027، علماً أن الصين تخصص موازنة سنوية بقيمة 224 مليار دولار (176 مليار جنيه استرليني) للدفاع، أي ما يزيد 12 ضعفاً على الموازنة التي تخصصها تايوان لهذا الغرض.
وكان "جيش التحرير الشعبي الصيني" China’s People’s Liberation Army (PLA) قد أعلن، الجمعة الماضي، أي في اليوم السابق للانتخابات، أنه "متأهب تماماً" ومستعد "لسحق" أي مخططات تهدف إلى تعزيز استقلال تايوان. ومع ذلك، لم يصدر الجيش الصيني أي بيانات أو تصريحات بعد نتيجة الانتخابات.
ويشير واقع الحال أن أي عملية عسكرية صينية ستشوبها صعوبات ولن تكون سهلة على الإطلاق. وفي هذا الإطار، كثرت المقارنات بين حرب أوكرانيا وأي صراع محتمل على تايوان. ففي أوكرانيا، أثبت عجز الروس عن احتلال كييف، بعد عبورهم حدود بيلاروس الواقعة على مسافة 140 ميلاً (225.3 كلم)، حجم الصعوبات التي تواجهها القوات الغازية. وبموازاة ذلك، سيتأتى عن أي هجوم مائي على امتداد 120 ميلاً (193 كلم) في عرض البحر، تكون سفن قوات البحرية خلاله منكشفة على أخطار الهجمات، كم إضافي من التحديات والصعوبات.
ومن جهته أقرَّ وزير خارجية تايوان، جوزيف وو، بخطورة الوضع حيث قال "نأخذ التهديد العسكري الصيني على محمل الجد... وأعتقد أن عام 2027 هو العام الذي يجب أن نقلق في شأنه".
لكنه أضاف أن تايوان تجهز دفاعاتها، وأعرب عن شكره على "التضامن الذي أظهرته القوى الصديقة والحليفة، التي تجوب قواتها البحرية المياه الدولية في تلك المنطقة، ضمن رحلات هدفها ضمان حرية الملاحة".
استطراداً، قررت الولايات المتحدة، ومعها المملكة المتحدة، وفرنسا، وغيرها من القوى الحليفة التي أرسلت سفناً إلى مياه الجوار، تعزيز إمدادات الأسلحة التي ترسلها إلى تايوان. وفي تناقض مع مسألة دعم أوكرانيا، حيث تواجه إدارة بايدن انتقادات متزايدة من الجمهوريين، يظهر تأييد عام، في أوساط الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس، لمسألة زيادة الدعم العسكري سريعاً لتايوان، ولجعله في متناول البلاد.
وفي هذا الإطار، حذَّر وزير الخارجية الصيني وانغ يي داعمي تايوان في الغرب من أن "من يلعب بالنار في مسألة تايوان سيحرق نفسه في النهاية". لكن ظاهر الأمور يشير إلى أن بكين ليست في وضع يسمح لها بشن أي عمل عسكري واسع النطاق في الوقت الحالي.
ومع ذلك، فمن المتوقع أن تكثف بكين جهودها على مختلف الجبهات الأخرى بعد نتائج الانتخابات. ومن المتوقع أن تشمل هذه الجهود نشر تكتيكات مثل نشر المعلومات المضللة، وتنفيذ الهجمات السيبرانية، والتأثير في السياسيين والمسؤولين. إضافة إلى ذلك، قد يكون هناك تصعيد في الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية. وقد يتجلى هذا في إجراءات تهدف إلى إقناع مزيد من الدول الصغيرة القليلة التي تعترف حالياً بتايوان باعتبارها منفصلة عن الصين بتغيير موقفها، فضلاً عن تنفيذ العقوبات على الشركات والمنتجات التايوانية.
وعقب فوزه الانتخابي، تعهد لاي الدفاع عن بلاده ومواصلة تعزيز دفاعاتها. وذكر أن "الشعب التايواني قاوم بنجاح جهود القوى الخارجية للتأثير في هذه الانتخابات. نحن مصممون على حماية تايوان من التهديدات والترهيب المستمر من البر الرئيس للصين".
اليوم، قد تواجه الحكومة المنتخبة حديثاً التحدي المتمثل في العمل مع البرلمان "اليوان"، حيث لم تعد تتمتع فيه بالغالبية. وقد وعد وو، زعيم حزب "الكومينتانغ"، بشن المعارك مستقبلاً، فقال لمناصريه بعد هزيمة الحزب: "لا بد أن أحوِّل هذا الإحباط إلى عزم يدفعني للإشراف على عمل ’ الحزب الديمقراطي التقدمي’. وآمل ألا يفشلوا في الارتقاء إلى مستوى تحقيق تطلعات الشعب".
بصورة عامة، مثلت الانتخابات إعلاناً واضحاً وصريحاً من شعب تايوان، يؤكد رغبة هذا الأخير في الابتعاد عن السلطة الصينية وفي تجنب اختبار مصير يحاكي مصير هونغ كونغ. والحال أن ما ستفعله الصين للرد سيأتي بتداعيات جدية لن تقتصر مفاعيلها على شعب الجزيرة، بل تطال المنطقة برمتها وتتخطى نطاقها، في مرحلة حافلة بالتوتر والاضطرابات على الساحة الدولية.
© The Independent