هدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الخميس 5 سبتمبر (أيلول)، بفتح الأبواب إلى أوروبا أمام اللاجئين السوريين إذا لم تحصل أنقرة على المساعدات الدولية اللازمة.
وتشكّل قضية اللاجئين ورقة ضغط يستعملها أردوغان في علاقاته مع الدول الأوروبية، التي تربطها حدود مشتركة مع تركيا، المضيف الأكبر للاجئين السوريين، مع 3,6 مليون لاجئ سوري تقريباً فيها.
وقال أردوغان إن بلاده تعتزم إعادة توطين مليون لاجئ في المنطقة الآمنة المزمع إقامتها بالتعاون مع الولايات المتحدة شرق نهر الفرات في سوريا، وربما تفتح الطريق إلى أوروبا أمام المهاجرين ما لم تتلق دعماً دولياً كافياً لهذه الخطة. وتسيطر تركيا على أجزاء من شمال سوريا، حيث تقول إن 350 ألف سوري عادوا بالفعل إلى هناك.
وفي كلمة ألقاها في أنقرة، قال أردوغان "يجب علينا إقامة مثل هذه المنطقة الآمنة حيث تستطيع تركيا بناء بلدات فيها بدلاً من مدن المخيمات هنا. دعونا ننقلهم إلى المناطق الآمنة هناك". أضاف "اعطونا دعماً لوجيستياً وسنستطيع بناء منازل في عمق 30 كيلومتراً في شمال سوريا. بهذه الطريقة يمكننا أن نوفّر لهم أوضاع معيشة إنسانية. إمّا أن يحدث هذا أو سيكون علينا فتح الأبواب (إلى أوروبا)".
المنطقة الآمنة
وتابع أردوغان "إن لم تقدّموا الدعم فاعذرونا، فنحن لن نتحمل هذا العبء وحدنا. لم نتمكن من الحصول على الدعم من المجتمع الدولي وتحديداً الاتحاد الأوروبي"، موضحاً أن "هدفنا هو إعادة مليون على الأقل من أشقائنا السوريين إلى المنطقة الآمنة التي سنقيمها على حدودنا الممتدة بطول 450 كيلومتراً". وأضاف قائلاً "سيكون مثالياً لو أقمنا المنطقة الآمنة في سوريا مع أميركا لكننا مستعدون للتحرّك منفردين".
تركيا والولايات المتحدة، العضوان في حلف شمال الأطلسي، كانتا اتفقتا على إقامة منطقة عازلة بين الحدود التركية والمناطق السورية التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. وقال أردوغان، في وقت سابق، إن بلاده لن تسمح لواشنطن بتأخير الخطة التي تسعى السلطات التركية منذ فترة طويلة لتطبيقها. وهدّدت تركيا مراراً بشن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب في مناطق سيطرته شرق الفرات، علماً أن هذه الوحدات شكّلت أحد أبرز شركاء واشنطن في دحر تنظيم "داعش" في سوريا. وتعتبر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية فصيلاً "إرهابياً" لحزب العمل الكردستاني المحظور، الذي يشن تمرداً في تركيا منذ عام 1984، وتصنّفه أنقرة منظمة إرهابية.
يذكر أن الاتحاد الأوروبي وتركيا أبرما اتفاقاً، في مارس (آذار) 2016، وافقت بموجبه أنقرة على كبح تدفّق المهاجرين إلى أوروبا مقابل مساعدة بمليارات اليورو.
مصاعب اللاجئين
وفيما تؤمّن تركيا بعض الخدمات للاجئين السوريين، يعاني هؤلاء فيها من موجات عنف وتمييز ضدّهم، تُرجمت في مرات عدة باعتداءات عليهم وعلى مصادر رزقهم، وبحملات رسمية لترحيلهم قسرياً إلى سوريا.
ويقدّر معهد "بروكينغز" عدد السوريين في سنّ العمل (15-65 سنة) المسجّلين في تركيا بنحو 2,1 مليون شخص. لكنّ المنخرطين بنشاط في السوق غير معروف، لأنّ طبيعة توظيفهم غير الرسمية تصعّب تحديد عددهم. وبغياب بيانات شاملة عن حالة سوق العمل للسوريين في تركيا، يُقدّر أنّ بين 500 ألف ومليون سوري يعملون فعلاً. وبحسب "بروكينغز" تشير معظم المصادر إلى أنّ "أكثرية السوريين يعملون في قطاعَي الأنسجة والألبسة، فضلاً عن التعليم والبناء والخدمات والزراعة بشكل خاص. وبيّن مسح أجراه الهلال الأحمر التركي في العام 2018 أنّ 20,7 في المئة من العمّال السوريين في مجال التعليم يعملون في وظائف غير ثابتة، فيما تنخفض هذه النسبة إلى 92 في المئة للسوريين العاملين في قطاع الزراعة". وتضيف دراسة "بروكينغز" أن "التوظيف غير الثابت وغير الرسمي يترافق بأجور منخفضة، وهي أجور أدنى بكثير من الحدّ الأدنى المفروض قانوناً، إضافة إلى ظروف عمل رديئة واستغلال، خصوصاً لدى الأطفال والنساء".
وفي يناير (كانون الثاني) 2016، بدأت الحكومة بالسماح للاجئين للمسجّلين بالحصول على فرص توظيف رسمي من خلال تسهيل الحصول على تصاريح عمل. بيد أنّ هذه الخطوة لم تحسّن الوضع كثيراً، لأنه لم يتمّ إصدار سوى 65 ألف تصريح عمل بحلول نهاية العام 2018، بحسب وزارة الداخلية التركية.
وبحسب "بروكينغز" أيضا أن "نسبة 20 في المئة من السوريين بين 18 و29 سنة في إسطنبول يحملون شهادة جامعية، لكنّ هذه الشهادات لا تُترجم بأجور أعلى. وحدّد فريق أبحاث من الأمم المتحدة على الأقلّ 125 اختصاصياً زراعياً سورياً بتدريب جامعي في شانلي أورفا مثلاً، لكنّه أفاد أنّ معظمهم عاطل عن العمل أو يعمل في أعمال غير ماهرة".
الترحيل القسري
وفي خطوة لافتة، فضّت قوات الأمن التركية بالقوة تظاهرة للسوريين في اسطنبول، نظّموها في 28 من يوليو (تموز) الماضي، احتجاجاً على قرار بترحيل غير المسجلين منهم في بلدية المدينة إلى مخيمات أخرى في تركيا وترحيل البعض إلى سوريا.
وقد اتهمت منظّمة "هيومن رايتس واتش"، في يوليو الماضي، السلطات التركية بإجبار السوريين على توقيع وثائق مكتوبة باللغة التركية، يوافقون فيها على العودة إلى سوريا بشكل "طوعي"، قبل إعادتهم إليها قسراً. وتقوم السلطات بذلك تحت وطأة التهديد بالسجن.
وأفادت كذلك بعض التقارير الصحافية بترحيل تركيا مئات اللاجئين السوريين فيها قسراً إلى محافظة إدلب، شمال غربي سوريا، التي تشهد معارك ضارية بين قوات النظام السوري وحلفائها من جهة ومقاتلو المعارضة المسلحين والمدعومين من تركيا من جهة أخرى.
اعتداءات في اسطنبول
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفضلاً عن ذلك، يتعرّض اللاجئون السوريون في اسطنبول تحديداً، التي يقصدونها من أجل العمل لإعالة عائلاتهم، لحملات عنف وتحريض. فقد تعرّضت محلاتهم مرات عدة لاعتداءات وأعمال تخريب من قبل أتراك يعارضون وجودهم في المدينة، ويتّهمونهم بالاستفادة من الخدمات العامة وسرقة الوظائف، بسبب أجورهم المتدنية، ما فاقم أزمة البطالة في البلاد.
وإحدى هذه الاعتداءات كان ضحيّتها الشقيقان السوريان مصطفى وأحمد، اللذان شاهدا بثاً مباشراً عبر كاميرات المراقبة، فجر السبت 29 يونيو (حزيران)، لانقضاض مجموعة رجال أتراك على متجرهما للملابس الجاهزة، في حي كوتشوك سيكميجي، غرب مدينة إسطنبول.
وخوفاً من اعتداءات جديدة، بات السوريون في اسطنبول يرفعون يافطات باللغة التركية في محلاتهم، التزاماً أيضاً قرار بلدية المدينة، الذي فرض في بداية يوليو على المتاجر أن تضمن كتابة نسبة 75 في المئة على الأقل من اللافتات باللغة التركية.