Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البريطانيون على موعد مع عام اقتصادي كئيب

مستوى المعيشة لن يتحسن في 2024 رغم تراجع التضخم

الاقتصاديون يتوقعون معاناة على رغم مما تشير إليه الأرقام الرسمية من تفاؤل (أ ف ب)

من بداية العام الآن حتى مارس (آذار) 2024 موعد الإعلان عن موازنة الربيع، ربما يفاخر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ووزير خزانته جيريمي هنت بأن التشاؤم في شأن الاقتصاد البريطاني انتهى، وأن 2024 هو عام التفاؤل بالنمو وتحسن أحوال الأسر وتخفيف عبء كلفة المعيشة، لكن الواقع يبدو غير ذلك وفق ما أظهر المسح السنوي لصحيفة "فايننشال تايمز"، الذي يشمل نحو 90 اقتصادياً بريطانياً مرموقاً يقدرون الوضع الاقتصادي خلال العام.

البريطانيون على موعد مع "اقتصاد كئيب" حتى موعد الانتخابات العامة القادمة، سواء كانت في مايو (أيار) 2024 أو على أقصى تقدير في يناير (كانون الثاني) 2025. سترتفع الأجور، ويستمر تراجع معدل التضخم الرئيس لكن الأسر البريطانية ستواصل المعاناة مع ارتفاع كلف المعيشة من زيادة إيجارات المساكن وأقساط قروض الرهن العقاري الشهرية وحتى ارتفاع الأسعار وربما معدلات البطالة.

صحيح أن التوقعات في شأن الاقتصاد البريطاني في الأعوام الأخيرة كانت خطأ أحياناً، بخاصة عندما تكون متشائمة، حتى مسح الصحيفة السابق توقع ركوداً في الاقتصاد لعام 2023 وهو ما لم يتأكد رسمياً حتى الآن بحسب أرقام النمو الأولية وإن كان في حالة جمود، لكن الغالبية العظمى من الاقتصاديين الذين استُطلعت آراؤهم في المسح الأخير يرون أن مع تراجع معدلات التضخم لن يشعر البريطانيون بأي تحسن في مستوى معيشتهم حتى موعد الانتخابات العامة.

من الأسود إلى الرمادي

يكاد يجمع كل الاقتصاديين على أن النمو الاقتصادي في بريطانيا سيكون مجمداً تقريباً في 2024، وفي أفضل الأحوال لن يزيد معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي البريطاني في المتوسط لهذا العام عن نسبة 0.5 في المئة، ذلك حتى مع احتمال تراجع ارتفاع معدلات التضخم بوضوح خلال العام، وفق ما يقول بول ديل من شركة الاستشارات "كابيتال إيكونوميكس".

على الأرجح ستظل الأسعار عامة مرتفعة بأعلى مما كانت عليه قبل بدء موجة التضخم وفق ما يقول البروفيسور أندرو أوزوالد من جامعة "واريك" الذي يرى أن زيادة الأجور لن تؤدي سوى إلى أن يشعر البريطانيون بانتقال حالة الاقتصاد "من الأسود إلى الرمادي".

يرى معظم المشاركين في المسح أن أصحاب الأجور المتردية قد يستفيدون من رفع الحد الأدنى للأجور إلا أن مستأجري مساكنهم وما بين 1.5 ومليونين من الأسر التي تدفع أقساط قروض رهن عقاري سيواجهون ارتفاعاً أكبر في كلفة المعيشة، وفق ما يقول رئيس المؤسسة الخيرية "برو بونو إيكونوميكس" مات ويتكر ،يبدأ هذا الشهر تطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور وخفض مساهمات التأمين القومي، ويتوقع أن يعلن وزير الخزانة عن مزيد من تخفيضات الضرائب في موازنة الربيع كي يشعر البريطانيون أن وقت الأزمة الاقتصادية يكاد ينتهي وذلك قبل الانتخابات العام.

لكن العضو السابق في لجنة السياسات النقدية ببنك إنجلترا (المركزي البريطاني) الذي يعمل حالياً في شركة الاستشارات "أوكسفورد إيكونوميكس" يرى أنه "سترتفع الأجور الحقيقية، لكن معدلات البطالة سترتفع أيضاً وكذلك العبء الضريبي (على رغم التخفيضات المعلنة) وإيجارات المساكن ونسبة الفائدة على قروض الرهن العقاري... لا أتوقع أي شعور بالتحسن من هنا حتى الانتخابات العامة". أما كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا السابق تشارلي بين فيقول، "ستتجمد مستويات المعيشة (لا تحسن ولا تردي) طوال مدة البرلمان (الحالي)".

التضخم والفائدة

توقع معظم الاقتصاديين الذين شملهم المسح تراجع معدلات التضخم بقدر معقول ومقبول، وأنه بنهاية العام ستكون نسبة التضخم قريبة من المستهدف لبنك إنجلترا.

وتقول عضو لجنة السياسات النقدية في بنك إنجلترا سابقاً ديان جوليوس، إن معدل البطالة المنخفض سيبقي على معدلات التضخم عالية، وإن أسعار الطاقة ستظل "مضطربة" نتيجة الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط. وتتفق معها المديرة في مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني جيسيكا هندز، من أن بنك إنجلترا "لن يبقى ساكناً بالتأكيد في عام 2024".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على رغم خفض معدلات التضخم ستظل أوضاع الناس من سيئ إلى أسوأ حتى يصلوا إلى تحسن مستدام في فائض الدخل الحقيقي، وفق ما يقول المدير غير التنفيذي في مكتب مسؤولية الموازنة برونوين كيرتس ويضيف أن "التحسن في الدخل لن يحدث من الآن حتى الانتخابات العامة القادمة".

في تقدير الاقتصاديين أن بنك إنجلترا سيبدأ في خفض أسعار الفائدة بشكل تدرجي من منتصف العام الحالي. ويذكر أن الأسواق حالياً تتعامل على أساس توقع أن يبدأ البنك المركزي خفض أسعار الفائدة في الربيع ويواصل التخفيض لتصل بنهاية العام إلى نسبة 3.75 في المئة من مستواها الحالي عند نسبة 5.25 في المئة.

مع ذلك يتوقع أن بعض قطاعات الصناعة لم تشهد حتى الآن التأثير الكامل لأسعار الفائدة المرتفعة وأن احتمالات تقليل الكلفة بإلغاء الوظائف وتسريح العاملين واردة. لذا يقدر معظم الاقتصاديين أن معدلات البطالة المنخفضة حالياً بالمعايير التاريخية يمكن أن ترتفع. وتشير توقعاتهم إلى ارتفاعها من نسبة أربعة في المئة حالياً إلى ما بين نسبة 4.2 وخمسة في المئة بنهاية عام 2024.

الاستقرار السياسي والاقتصادي

تشير نتائج المسح أيضاً إلى أن احتمالات عودة الاقتصاد للنمو ربما غير واردة قبل تولي حكومة جديدة، أي بعد الانتخابات العامة سواء أجريت منتصف العام أو مطلع 2025. تقول أستاذة السياسات العامة في جامعة كمبريدج البروفيسورة دايان كويل، "ليست المسألة هي الدخل والتضخم فحسب، إنما حياة الناس اليومية ستسير من سيئ إلى أسوأ مع انهيار الخدمات العامة... حان وقت دفع فاتورة تراجع الاستثمار في كل شيء من البنية التحتية إلى الصحة والتعليم والأعمال الخاصة".

وهناك شبه إجماع على تدهور الاستثمارات العامة، مما يعني استمرار الجمود في الاقتصاد وتضاؤل فرص النمو. وتبقى في النهاية الضبابية السياسية التي تجعل من فرص الاستثمار الخاص أيضاً متراجعة. يقول أستاذ المالية في جامعة ليفربول كوستاس ميلاس، "يحتاج البلد إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي. منذ عام 2010 شهدنا خمسة رؤساء وزارة مختلفين وسبعة وزراء للخزانة. بالله عليكم كيف يمكن نمو الاستثمار؟".

ما يمكن استخلاصه من نتائج المسح السنوي للاقتصاديين أن الأوضاع في بريطانيا، في شأن كلفة المعيشة ومستواها، لن تتحسن هذا العام في الأقل حتى ما بعد الانتخابات العامة. كل ذلك طبعاً. في ضوء استمرار السياسات الحالية وعدم تعرض اقتصاد البلاد لأي ضغط مفاجئ من أحداث داخلية أو عالمية.

اقرأ المزيد