Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كثرة المرشحين الرئاسيين في تونس: عافية ديمقراطية أم مراهقة سياسية؟

"يبدو المشهد منقسماً بين مَن يتحكم بدواليب النظام والشارع"

مناصرو المرشح الرئاسي نبيل القروي يتظاهرون للمطالبة باطلاق سراحه امام محكمة العاصمة التونسية الثلاثاء 3 سبتمبر (أيلول) (أ. ف. ب.)

يبدو مشهد الانتخابات الرئاسية في تونس ضبابياً، تشوبه الفوضى والتخبط مع انطلاق الحملات الانتخابية واقتراب يوم الاقتراع في منتصف شهر سبتمبر(أيلول) الحالي.
الانتخابات الرئاسية الثانية التي تعيشها تونس، تختلف في كثير من تفاصيلها عن باقي التجارب الديمقراطية التي عرفها العالم، فمع انطلاق السباق الأخير باتجاه كرسي الرئاسة، يتنافس 26 مرشحاً للفوز بالمنصب، الرقم الذي يُعتبر كبيراً مقارنةً بديمقراطيات عريقة في أوروبا، حيث شهدت الانتخابات الرئاسية الفرنسية ترشح 11 سياسياً لخوض الاستحقاق، بينما تكون المنافسة عادة في الديمقراطيات الرئاسية بين مرشحَيْ حزبين.

"الكثرة وقلة البركة"

بعد انتخابات عام 2014 التي ترشح فيها 27 شخصاً للفوز بمنصب الرئاسة، توقع محلّلون أن يكون الاستحقاق الذي سيليه فرصةً لكسب التوازن وفهم المعايير الديمقراطية في ما يخص المناصب السياسية أو آليات الحكم في ظل النظام الديمقراطي.
ووصفت الأستاذة الجامعية ألفة يوسف الحال، قائلةً إن "وجود هذا العدد الكبير من المرشحين أمر مثير للتعجب والريبة، ذلك أننا إذا فهمنا العدد الكبير للمرشحين في انتخابات 2014 على أنها أول تجربة انتخابية، فإن تكرار الرقم الضخم ذاته تقريباً في عدد الترشيحات، له تفسيرات مختلفة، منها ما هو نفسي واجتماعي، أساسه أن السياسيين ما بعد عام 2011 مصابون عموماً بتضخّم الأنا وبنرجسية مريضة، تجعلهم يتصورون أنهم سيأتون بما لم يسبقهم إليه أحد، وهذه النرجسية تعبّر في اللاوعي عن انعدام كفاءة واضح وضعف في إدارة الشأنَيْن السياسي والاقتصادي وعجز عن مساعدة البلاد في الخروج من أزمتها المستديمة منذ ثماني سنوات. ويصح فيهم المثل التونسي القائل: الكثرة وقلة البركة". وأضافت يوسف أن "الوضعَيْن السياسي والاستراتيجي تغيّرا، ففي انتخابات سنة 2014 كان هناك مرشحان أوفر حظاً. أما اليوم، فالعملية الانتخابية معقدة، خصوصاً في ظلّ مفاجأة القدر ووفاة الرئيس الباجي قائد السبسي وتقديم الانتخابات الرئاسية على التشريعية، وهناك ترشيحات الهدف منها تشتيت الأصوات وتحالفات تحت الطاولة قبل الاقتراع، ستؤدي وفق حساباتهم إلى صعود مرشح أو آخر. إلى اليوم، تبدو الصورة غير واضحة وضبابية، بين صفحات مأجورة على مواقع التواصل الاجتماعي ترفع من شأن مرشح وتشتم آخر، وبين نشر نتائج استطلاعات رأي على الرغم من أنها ممنوعة علناً، لكنها تُنشر على صفحات التواصل الاجتماعي. فلا أحد يعرف الصح من الخطأ، وأين تكمن عملية توجيه أصوات الناخبين".

تعدد يُحسب للتجربة الديمقراطية

في المقابل، تعتبر أستاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي أنه "لا يوجد استثناء بالمفهوم السلبي للتجربة الديمقراطية التونسية، وتَعدُّد الترشحات يُحسب لها، كما يُحسب لها أيضاً أن لا أحد يمكنه أن يجزم اليوم، مَن سيكون الفائز بمنصب الرئيس"، مضيفةً أن "هنالك بعض الشوائب التي تعترض هذه التجربة ومنها سجن مرشح بارز في الانتخابات وفرار مرشح آخر، في حادثتين جعلتا التونسيين يتساءلون عن مصداقية الطبقة السياسية واهتزاز ثقتهم بها، إضافةً إلى تعدّد المرشحين ووجود وجوه جديدة لم نعرفها من قبل، آتية من مشارب مختلفة".
وأكدت القليبي أن "التونسيين مجنّدون للانتخابات ويتابعونها بأهمية كبيرة وهذا يعكس أن التونسي أكثر من أي وقت مضى، مهتم ومعني بأن يكون خياره حرّاً وعقلانياً. والحديث في الشارع اليوم وخارج صفحات وسائل التواصل الاجتماعي يتركز أساساً على الانتخابات ومَن سيكون رئيس تونس المقبل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مخاطر الفوضى الانتخابية

من جهة أخرى، اعتبر المحلل السياسي المنذر ثابت أنّ الانتخابات التي ستجري منتصف هذا الشهر، "تجدد القطيعة بين الشارع والنخبة نتيجة التراكمات الحاصلة منذ عام 2011 بين النخبة السياسية التي انشغلت بإعادة تأسيس النظام وأهملت الملفات الاقتصادية والاجتماعية واستحقاقات حراك العمق الشعبي المنتفض منذ سقوط نظام (الرئيس السابق زين العابدين) بن علي، ما جعل الرهان الانتخابي معركة مواقع تشنها نخب سياسية معزولة اجتماعياً، في ظل تصاعد ظواهر جديدة من خارج المنظومة، دفعت بمرشحين مثل نبيل القروي وقيس سعيد إلى واجهة الأحداث السياسية كرسالة عقابية يوجهها الشارع إلى الطبقة السياسية التي أفرغت منذ انتخابات 2014 العملية الانتخابية من مضمونها عبر إعادة حركة النهضة إلى الحكم، بعدما اتجه الرأي العام نحو الدفع بها إلى المعارضة. وما يحصل اليوم نتاج لهذه التراكمات". وأضاف ثابت "المشهد يبدو منقسماً بين لعبة مَن يتحكم بدواليب النظام "حركة النهضة" والشارع الذي كان عنوانه نبيل القروي. ووفق التطورات الراهنة، لا يمكن الحديث عن انتخابات شفافة ونزيهة، بما أنّ مبدأ المساواة بين المرشحين غير متوفر ويُعاد تشكيل ظلال أجهزة الدولة من جديد، ليصبح المشهد ضبابياً وغير واضح.

الديمقراطية وتحدي الاستقرار السياسي

أما الإعلامية ناديا دجوي، فقالت إن سقوط قانون الإقصاء الذي رفض الرئيس الراحل توقيعه، دفع بالأمور إلى السير بالإجراءات القضائية وتوقيف أحد المرشحين في السجن. وكان هذا القانون أثار انتباه الحقوقيين وأساتذة القانون الدستوري الذين نبّهوا إلى استحالة تغيير القوانين الانتخابية قبل فترة قصيرة من الانتخابات. واليوم، نحن أمام تجربة ستُظهر ما إذا كانت تونس تسير في اتجاه الديمقراطية الحقيقية أم لا".
ورأت دجوي أن "تونس اليوم تحتاج إلى استقرار سياسي، وبغية تحقيقه، لا بد من احترام قواعد اللعبة الديمقراطية، وهذا يفرض أن تكون الهيئات الدستورية مستقلة ومحايدة وتنجز عملها بشفافية وأي مساس بهذه المؤسسات التي تشرف على سير العملية الانتخابية، سيفقدها ويفقد الانتخابات المصداقية أمام الشعب".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي