مع اقتراب "وول ستريت" من نهاية العام، هناك سؤال واحد يشغل بال الأسواق والمستثمرين في هذه الأوقات حول توقعات انخفاض أسعار الفائدة في العام المقبل.
وتسعر "وول ستريت" انخفاضاً قوياً في أسعار الفائدة في 2024، وعليه حققت المؤشرات ارتفاعات قوية منذ بداية العام، إذ قفز مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بما يزيد على 25 في المئة في 2023، بينما قفز مؤشر "ناسداك" بما يزيد على 45 في المئة، وتعد تلك النسب تاريخية.
فرضيات خطأ
لكن المفارقة أن الاقتصاديين يرون أن هذا التسعير يوضع بناء على فرضية خاطئة في الأسواق، إذ يقارن ذلك بعقد من الزمن سادت فيه أسعار فائدة قريبة من الصفر بعد الأزمة المالية الكبرى في عام 2008، وأنه هناك حال شبيهة الآن مع خروج العالم من أزمة كورونا وما تبعها من أزمات تضخم وغيرها، لكن من غير المرجح أن يتكرر حالياً ما حدث بعد أزمة 2008 في ظل الضغوط التضخمية والإنفاق الحكومي مرتفع.
إشارات "الفيدرالي"
وكان متداولون ضاعفوا في الأسابيع الأخيرة رهاناتهم على إجراء تخفيضات حادة في أسعار الفائدة العام المقبل، بتشجيع من مؤشرات تباطؤ التضخم والتحول الحذر في السياسة النقدية من بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي)، إذ أشار "الفيدرالي" في آخر اجتماع له هذه السنة في ديسمبر (كانون الأول) الجاري إلى أنه انتهى من رفع أسعار الفائدة، ومن المرجح أن يبدأ في خفضها في عام 2024.
في غضون ذلك تشير التوقعات إلى انخفاض أسعار الفائدة بمقدار 1.5 نقطة مئوية في الأقل في الولايات المتحدة وأوروبا، وهو ما دفع إلى ارتفاعات قوية في أسواق الأسهم.
فائدة مرتفعة
فصحيح أنه من المتوقع أن يخفض "الفيدرالي" سعر الفائدة الرئيس إلى نحو 3.75 في المئة بحلول نهاية عام 2024، لكنه سيبقي الفائدة عند نحو ثلاثة في المئة بحلول نهاية عام 2026، ثم من المتوقع ارتفاعها مرة أخرى إلى نحو 3.5 في المئة بعد ذلك، بحسب ما تشير توقعات التسعير للفائدة في سوق المال، بحسب بيانات وكالة "رويترز".
ويعني ذلك أن الفائدة ستظل مرتفعة نسبياً وإن لم تكن بالارتفاعات الحالية، لكنها لن تكون صفرية أو قريبة من الصفر كما حدث بعد الأزمة المالية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فقد ظلت أسعار الفائدة بالقرب من الصفر معظم العقد الذي أعقب الأزمة المالية العالمية، ثم ارتفعت تدريجاً بين 2.25 في المئة إلى 2.50 في المئة في عام 2018.
ومن المتوقع أن تبلغ أسعار الفائدة في البنك المركزي الأوروبي نحو اثنين في المئة بحلول نهاية عام 2026، من أربعة في المئة حالياً، وهو انخفاض جيد لكنه لن يعيد أيضاً التجربة غير التقليدية التي مرت فيها أوروبا مع أسعار فائدة سلبية من عام 2014 إلى عام 2022.
سعر الفائدة المحايد
ويقول اقتصاديون إن مثل هذه التوقعات تتفق مع السيناريو الذي يتحرك فيه ما يسمى بسعر الفائدة "المحايد"، الذي لا يحفز النمو الاقتصادي ولا يبطئه بالوقت نفسه.
وتجنب الاقتصاد الأميركي حتى الآن الركود الذي توقعه كثيرون في ظل تشديد السياسة النقدية، وهو أمر دعم حجة أن سعر الفائدة محايد في الأسواق (أي أنه لا يؤدي إلى الركود).
وتعد أخطار التضخم المرتفعة على خلفية التوترات الجيوسياسية وإعادة السياسة المالية الأكثر مرونة والتحسينات المحتملة في الإنتاجية مع ظهور موجة الذكاء الاصطناعي من بين العوامل التي قد يصبح فيها معدل الفائدة المحايد أمراً واقعاً، فبينما يضغط التضخم لرفع الفائدة، تزيد الإنتاجية في الاقتصاد وتبقيه الفائدة حيادية.
تقديرات الأسواق أعلى
ومن الملاحظ أن توقعات السوق أعلى من تقديرات "الفيدرالي"، فهي عند 2.5 في المئة لأسعار الفائدة الطويلة الأجل، على رغم أن عديداً من صناع السياسات النقدية وضعوها فوق ثلاثة في المئة، وهو ما يكشف عن أن هناك تفاؤلاً مبالغاً فيه في الأسواق.
وفي منطقة اليورو، يشير صناع القرار في البنك المركزي الأوروبي إلى معدل محايد يتراوح بين 1.5 في المئة إلى اثنين في المئة.
وسيؤدي هذا التفاوت بين تقديرات البنوك المركزية والمستثمرين إلى احتمال أن تخطئ الأسواق في اتجاه أسعار الفائدة في السنوات المقبلة، وسيؤدي إلى تذبذب هائل في البورصات.