ملخص
تبادل طرفا الصراع الاتهامات في شأن تدمير ما تبقى من مصفاة النفط بمنطقة الجيلي شمال الخرطوم بحري
دارت أمس السبت معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" عند مدخل ولاية سنار من الناحية الجنوبية، وتحديداً على بعد 15 كيلومتراً من وسط عاصمة الولاية (سنار)، لكن طيران الجيش ومدفعيته الثقيلة تمكنا من إعاقتها عن التقدم صوب وسط المدينة، مما أحدث حالة هلع وذعر وسط مواطني الولاية التي شهدت تدفقاً كبيراً للنازحين الفارين من ود مدني عقب احتلالها السبت الماضي من قبل "الدعم السريع".
وتبادل طرفا الصراع الاتهامات في شأن تدمير ما تبقى من مصفاة النفط بمنطقة الجيلي شمال الخرطوم بحري، إذ اتهم الجيش السوداني في بيان له "الدعم السريع" باستهداف المصفاة والمستودعات الملحقة بها للمرة الثانية خلال هذا الشهر.
وقال بيان الجيش "تدين القوات المسلحة بأشد العبارات هذا المسلك الإجرامي الذي يبرهن على أن هذه الميليشيات إنما تشن حربها على الشعب السوداني ومقدراته الوطنية. ويؤكد ضرورة تصنيفها كمنظمة إرهابية من قبل المنظمات الدولية والإقليمية".
وفي المقابل وجهت "الدعم السريع" في بيان لها أصابع الاتهام للجيش بتدمير المصفاة من خلال القصف للمرة الخامسة.
وأوضح البيان "هذه الأعمال التخريبية للمنشآت الحيوية التي ظلت تقوم بها ميليشيات البرهان تؤكد مدى اليأس والإحباط الذي أصابها جراء الهزائم المتتالية التي تعرضت لها من أشاوس قواتنا". مطالباً المجتمع المحلي والإقليمي والدولي بإدانة هذه الأعمال الإجرامية التي تستهدف الشعب السوداني ومقدراته الحيوية.
وكانت هذه المصفاة تعرضت في السادس من ديسمبر (كانون الأول) الجاري إلى تدمير جزئي لبعض مرافقها وتبادل الطرفان أيضاً الاتهامات وحمل كل منهما الآخر المسؤولية.
وفي الخرطوم خاض الطرفان معارك عنيفة في عدد من جبهات القتال باستخدام الأسلحة الثقيلة والخفيفة، مما أدى إلى سقوط قذائف في أحياء متفرقة من مدن العاصمة الثلاث.
وبحسب مصادر عسكرية، فإن المواجهات تركزت في محيط القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم وسلاح الإشارة في الخرطوم بحري.
كما شهدت مناطق جنوب الحزام في العاصمة قصفاً مدفعياً من قبل الجيش مستهدفاً مواقع تمركز قوات "الدعم السريع" في نواحي المدينة الرياضية وأرض المعسكرات، مما تسبب في سقوط عدد من دانات الهاون في تلك المناطق.
وفي أم درمان، أشار شهود عيان إلى أن مناطق المدينة القديمة شهدت تبادلاً للقصف المدفعي بين طرفي الصراع مما أجبر ما تبقى من سكانها على المكوث طوال اليوم داخل منازلهم.
لقاء البرهان وحميدتي
في الأثناء، تداول السودانيون بمواقع التواصل الاجتماعي اللقاء المرتقب بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" بإحدى دول الإقليم الأفريقي بترقب بالغ، من ناحية أنه الفرصة الأخيرة والسانحة لإنهاء هذه الحرب التي دخلت شهرها التاسع، إذ أنهكت الشعب السوداني ودفعته إلى أكبر موجة نزوح في العالم.
وتأكيداً لهذا اللقاء أشارت المصادر إلى أن وزير الخارجية السوداني علي الصادق سلم رسالة خطية لرئيس وزراء جيبوتي، رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد)، عبر السفير الجيبوتي لدى المغرب، خلال المنتدى العربي الذي عقد في مراكش الأسبوع الماضي، تفيد بأن البرهان مستعد للقاء حميدتي، بشروط محددة.
وحول تطورات الأوضاع العسكرية ومآلاتها يقول الكاتب السوداني، طارق الشيخ في حديثه لـ"اندبندنت عربية" إن "استيلاء الدعم السريع على مدينة ود مدني أدخل الحرب منعطفاً حرجاً، باعتبارها ثاني أكبر مدن البلاد، فالطريقة التي سلمت بها قيادة الجيش المدينة للقوات المهاجمة تطرح تساؤلات مهمة للغاية لا سيما أن ما حدث سبقه استسلام مشابه لعدد من الحاميات في دارفور مثل نيالا والجنينة والضعين وزالنجي"، مستدركاً بالسؤال "هل يكون ذلك مصادفة"؟ مجيباً "لا أعتقد وهذا يقود إلى تساؤل آخر حول ما إذا كان ذلك قد تم وفق تفاهمات بين الحاميات العسكرية والدعم السريع، وهي محتملة في ظل ما يشي بانفراط عقد قيادة الجيش التي هربت إلى بورتسودان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الشيخ "بعد قادة الجيش عن الحرب والتفرغ لأشياء أخرى غير هذه المعارك بلا شك حرك أسئلة كثيرة عن دور هؤلاء القادة وما إذا كان غيابهم وبعدهم مكانياً عن موقع الحرب قد أحدث شرخاً في جدار الترابط العسكري في الجيش، من ثم انفراط عقد الضبط والانضباط في هذه المؤسسة العسكرية العريقة".
وتابع "من الناحية الأخرى فإن دخول الدعم السريع إلى ولاية الجزيرة وكذلك أرض البطانة يعطي إشارات بتحول كبير في هذه الحرب، فدخول البطانة الذي يقود نحو الشرق يزيد احتمالية الوصول إلى الشرق، لا سيما أن هناك حلفاء للدعم السريع، يتمثلون في قوات الأسود الحرة ومجموعات من حركة البجا وقوى أخرى تجتمع على أنها تواجه عدواً مشتركاً يتمثل في الإخوان أو بمسماه حزب المؤتمر الوطني".
وتوقع الكاتب السوداني أن "تتحرك الأرض بقوة تحت قادة النظام السابق الذين هربوا من سجن كوبر بالخرطوم عند اندلاع الحرب في العاصمة منتصف أبريل (نيسان) واستقروا شرقاً في مدينتي كسلا وبورتسودان"، متوقعاً أيضاً أن "تدخل الحرب بعد سقوط ود مدني مرحلة تداعيات سريعة ربما تتمخض عنها أحداث مزلزلة ونهاية مفاجئة تماماً كما حدث في عاصمة الجزيرة".
اتساع الانتهاكات
إلى ذلك، نددت 29 من منظمات المجتمع المدني في السودان بتوسيع رقعة المواجهات العسكرية بين الجيش وقوات "الدعم السريع" وانتقالها لولايات جديدة، وحثت الأمم المتحدة والفاعلين الدوليين على ضرورة اتخاذ تدابير فورية لحماية المدنيين، ومطالبة بتكوين محكمة جنائية للنظر في جرائم الحرب المرتكبة في السودان.
وقال بيان صادر عن عدد من واجهات المجتمع المدني "ندين بشدة توسع نطاق حملة الفظاعات المدمرة والحرب القبيحة التي امتدت في الآونة الأخيرة إلى مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة"، مؤكداً أن انتقال الصراع إلى ولاية الجزيرة اتسعت معه الانتهاكات التي ظلت ترتكبها قوات "الدعم السريع" في ولايات دارفور والخرطوم التي شملت القتل والنهب والعنف الجنسي والاختفاء القسري.
ونوه البيان بتوثيق منظمات نسوية ومجموعات الناشطين سبع حالات عنف جنسي طاولت عدداً من الفتيات بمواقع مختلفة بولاية الجزيرة، مشيراً إلى تزايد حالات الاختفاء القسري وسط سكان الجزيرة، وأنه خلال يومين فقط اختفى 10 أشخاص في الأقل بينهم أطفال وكبار سن.
وحض البيان للضغط على قوات "الدعم السريع" وحلفائها لوقف القتل وتدمير البنية التحتية في السودان إلى جانب الضغط على الجيش السوداني للعودة إلى المفاوضات. داعياً المنظمات إلى تقديم المساعدات الإنسانية للمتأثرين من النزاع، واقترح تنفيذ بعثة لتقصي الحقائق بواسطة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وتعزيز البعثة بإنشاء بعثة موازية وفق صلاحيات مجلس الأمن تنظر في الانتهاكات التي تحدث في القانون الدولي.
واقترح وقف التدفقات المالية غير المشروعة واقتصادات التهريب وإدخال السلاح والتهرب من قوانين مراقبة حركة الأموال التي تدعم مرتكبي أعمال العنف في السودان. محملاً الجيش السوداني مسؤولية تفاقم الصراع بسبب قصفه عشوائياً مناطق وأجزاء متفرقة في السودان مما أدى إلى ارتفاع حصيلة القتلى وسط المدنيين.
كما اتهم البيان الجيش بممارسة الاستهداف القبلي لعدد من المجموعات علاوة على تصفية وتعذيب الأبرياء على حسب خلفياتهم القبلية، فضلاً عن انتقاده بشدة استيلاء عناصر "الدعم السريع" على ممتلكات المواطنين واعتبارها غنائم حرب. ورأى أن هذه الممارسة تعد أسلوباً تستخدمه الجماعات الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي الأصولية لتحفيز المقاتلين.
وضع كارثي
في غضون ذلك، حثت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان المنظمات الدولية والإقليمية على تسريع التدخل في ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بعد اجتياحها بواسطة قوات "الدعم السريع"، مؤكدة أن المدينة تشهد وضعاً كارثياً وباتت كل المرافق الصحية خارج الخدمة كما تم الاعتداء على المستشفيات والصيدليات الحكومية والخاصة، ونهبها وتخريبها بشكل كامل.
وأوضح بيان للجنة أن المستشفيات المرجعية، التي كانت تقدم أكثر من 90 في المئة من الخدمات الطبية التخصصية في البلاد، تعرضت لتدمير شامل وتكسير أجهزتها ورميها في الطرقات، إضافة إلى اغتيال بعض الكوادر الطبية واعتقال آخرين.
وأردف "استبيحت المدينة والمناطق المجاورة لها، والوضع المأسوي يتفاقم ساعة بعد أخرى بوقوع جرائم قتل واغتصاب وسرقات في وضح النهار. وبدأت العائلات تبحث عن وسيلة لحماية النساء والفتيات خشية وقوع اعتداءات جنسية. وأضحى غالبية المواطنين محاصرين ويمنعون من مغادرة المدينة بحثاً عن الأمان".
وواصل البيان "لولا مساعدات السكان في الطرق والقرى بالماء والأكل، لما استطاعوا مواصلة المسير. وعديد من الفارين يضطرون إلى النزوح للمرة الثانية أو الثالثة منذ بدء النزاع، واضطروا إلى الفرار سيراً على الأقدام، بسبب ندرة خيارات النقل المتاحة وشح الوقود".
ودعت اللجنة التمهيدية لنقابة الأطباء إلى وقف فوري لإطلاق النار في جميع أنحاء السودان، فضلاً عن التزام القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتيسير وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان ومن دون عوائق إلى المناطق المتضررة.