Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مقاربة نقدية مصرية للأدب العبري باعتباره شاهدا على قبر السلام

الربيع العربي أثار خوف بعض الكتاب اليهود… واستخدام مقصود لرمزية التاريخ

نموذج من الترجمة بين العربية والعبرية (يوتيوب)

ترجمة الأدب العبري إلى اللغة العربية تعاني كما يعرف الجميع، ندرة ملحوظة، سببها ليس تصويرها على أنها تدخل في نطاق "التطبيع مع العدو"، من جانب جماعة معتبرة من المثقفين والناشرين العرب، ولكنّ هناك أيضا - وربما هذا هو الأهم- شكاً في أن يجد هذا الأدب إقبالاً من قبِل القارئ العربي، يوازي أو حتى يقترب من اهتمامه مثلا بالأدب المترجم عن الإسبانية والانكليزية والفرنسية.

ويلاحظ في الوقت ذاته أن الاهتمام الأكاديمي العربي بالأدب العبري، خصوصاً في مصر، لا يعاني الندرة ذاتها، في ضوء دراسات يتوالى صدورها منذ الإعلان رسمياً عن قيام دولة إسرائيل في العام 1948. ويأتي كتاب "الأدب العبري المعاصر... شاهِدٌ على قبر السلام"، للأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، والصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة، في هذا السياق، ويتميز بالتطبيق على نماذج ترجمها المؤلف بنفسه من العبرية إلى العربية في إطار قناعة عبّر عنها في مقدمته بقوله: "تنبع أهمية دراسة نماذج مختارة من أدب الجار القابع في الشمال الشرقي، في ضوء أن سلوكه يصنفه بامتياز جار سوء، يجب رصد أوتحليل توجهاته، وتقديم خريطة معرفية متكاملة عنه للرأي العام قبل صانع القرار". هنا يتضح أن ذلك الاهتمام ينطلق من توجه سياسي بالأساس، وبفكرة مسبقة مفادها أننا بصدد أدب ينتجه عدو وبالتالي فإنه حتماً ينطوي على كراهية دفينة ومعلنة وتحريض عليها، ليكون السلام هدفاً لا يمكن تحقيقه، بما أن الطرف العبري وضعه في قبر مغلق بإحكام!

اختار أنور، وهو أستاذ الدراسات العبرية في جامعة الإسكندرية وعضو "المجلس المصري للشؤون الخارجية"، نماذج أدبية (رواية- قصة- شعر) "مؤثرة"، بما تحققه من إنتشار واسع.

نماذج نثرية وشعرية

ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أبواب، يتضمن الأول نماذج من النثر، ويشتمل الثاني على نماذج من الشعر، ويرصد الثالث توجهات التعليم الإسرائيلي ما قبل الجامعي.

وفي هذا المضمار رصد أنور توجهات مهاجِرة من أصول إيرانية كنموذج على قضايا المرأة، واختار منهج "المواطنة" في الثانوية العامة كنموذج على توجهات التعليم "نحوَنا"، بهدف تقييم محاولة صهر الطوائف المختلفة والثقافات المتباينة في بوتقة واحدة. تضمَّن الكتاب ترجمات من العبرية إلى العربية مقترنة برؤى نقدية مشفوعة بمراجع بالعربية والانكليزية والعبرية، "يمكن من خلالها الاستزادة أو المراجعة"، بواسطة القارئ الافتراضي بنفسه أو من خلال مترجم.

يقول المؤلف: "وفقاً للمستجدات، فرضَت أسئلة نفسها علينا وتحتاج إلى إجابات شافية، منها: هل إذا استجاب "جار السوء" لنداء "السلام الحقيقي"، أو بالأحرى استسلم ل "هجوم السلام" وأعاد الحقوق الفلسطينية، وكفَّ أذاه عن محيطه العربي، سيكون المجتمع العربي مهيأً للتعامل معه، وفرز مجرم الحرب عن الأقل تطرفاً؟ وهل المجتمع الإسرائيلي نفسه يؤهل أجياله القادمة للسلام؟ وهل يمكن أن تندلع حرب أهلية في إسرائيل إذا حلَّ السلام وزال الخطر الذي يوحد الصهاينة؟ هي إشكالية عبَّر عنها أحد قادة الصهيونية بقوله: "كنا شعباً بلا دولة، والآن يحدق بنا خطر أن نصبح دولة بلا شعب".

وإذا كان جل اهتمام المراقبين العرب، وبالتالي القراء، ينصب على معرفة ما يدور في رأس من يتحكمون في القرار في الجانب الآخر، وتحليل تصريحاتهم، فإن من الأهمية بمكان - يقول أنور- أن نتابع بقدر من التفصيل دقائقَ المجتمع ذاته بأجياله المختلفة وصور التعبير المنفصلة، وبما يتسق مع الجذور والخلفيات المتباينة. فهذا المجتمع –بحسب المؤلف- هو الذي يحسم الصراع ويجبر الساسة على تنفيذ إرادته وإلا رحلوا، وتمَّت الاستعانة بغيرهم ممن يتوسم فيهم أنهم الأكثر تعبيراً عن هوى الشارع اليوم وغداً.

يسعى الكتاب بحسب مقدمة المؤلف إلى رصد وتحليل توجهات المجتمع الإسرائيلي، "حتى نضع رد فعله على دعوات السلام العربية المتكررة، في سياقها الصحيح، بهدف أن نؤثر في المشهد بشكل أفضل، ونقيِّم ردود الأفعال على بوادر حسن النية بشكل أنجع. حتى لا تداهمنا الأحداث. أدواتنا في البحث هي إلقاء الضوء على بعض الظواهر شعراً ونثراً متضمناً أدب الأطفال وصحافة الأطفال وفي التعليم الإسرائيلي خصوصاً في مرحلة إنهاء الدراسة الثانوية التي تسبق الانضمام للجيش مباشرة، فضلاً عن أعمال تتناول صورة مصر في الأدب العبري الحديث والمعاصر".

"الرواية المصرية"

أورلي كاستل بلوم (1960) هي مصرية الأصل ولها رواية بعنوان "الرواية المصرية"، تتكئ فيها على سيرتها الذاتية؛ هي المولودة في تل أبيب لأبوين مصريين هاجرا إلى إسرائيل. الرواية هذه صُنِفَت في قائمة "الأكثر مبيعاً" وكاتبتها سبق لها الفوز بالكثير من الجوائز، كما ترجمت أعمالها إلى عدد من اللغات نقلاً عن العبرية. وبحسب تقييم أنور فإن انفصال الشخصية المحورية في تلك الرواية واسمها "فيفيان"، عن مكان عملها وعن مكان سكنها وأماكن أخرى، يعبر عن رفضها الاندماج في إسرائيل نفسها، الناجم مِن اكتئاب مِن جراء مقارنتها بمصر. تصور الرواية حال التذمر مِن المكان ومَن فيه على أنها مبررة ومنطقية كرد فعل على وحشية إسرائيل في سعيها لدمج المهاجرين الجدد، ففي مقابل دولة لا تتيح لمهاجريها قدراً من التميز والتفرد والاختلاف، كان من الطبيعي أن لا تترك الموظفة – ذات الأصول المصرية- استمارات العمل سوى للتشاجر بكل عنف مع الزملاء في المكان.

ويمكن القول – يؤكد أنور- إن فكرة انتظار الكارثة أو تكرار الكوارث هي من الأفكار المسيطرة على الأدب الإسرائيلي حتى في ذروة أوقات التفوق العسكري. في هذه الرواية أسهبت الشخصيات الرئيسة في وصف أماكن في مصر، ما عكس حنيناً إليها، ورفضاً للمكان الجديد المرتبط بالعنصرية والإحباط. تنتمي الشخصية المحورية إلى عائلة لم تقطن في مصر فحسب، بل لم تغادرها منذ آلاف السنين، إذ أنها رفضت الخروج مع النبي موسى، الذي بحسب مصادر عبرية لم يخرج معه سوى خُمس العبرانيين، وآثر الآخرون المكوث في بلد لم يعرفوا سواه وطناً لهم. وصل نسل هذه العائلة إلى مكانة مرموقة في مصر، حيث تولت "سيليست" رئاسة الطائفة اليهودية، كما ظلت متمتعة بثروة تمكنها من التنقل من شقة إلى أخرى من بين أملاكها الكثيرة.

ا.ب يهوشواع (1936) من أصول مغربية يدرس الكاتب قصة قصيرة له عنوانها "تمرد" نشرت في ملحق أدبي لصحيفة إسرائيلية في 20 كانون الأول (ديسمبر) 1957 ثم أعاد المؤلف نشرها في 2013 وفي ذهنه في المرتين الثورات العربية وتخوفه من انتقال عدواها إلى إسرائيل. وإعادة نشر تلك القصة ذات البعد الرمزي في زمان أحداثها ومكانها، جاءت عقب اضطرابات شهدتها الدولة العبرية تأثراً بثورة 25 يناير في مصر، ويلاحظ أن الكاتب اكتفى في المرتين بنشرها عبر صحيفتين إسرائيليتين ولم يضمنها أياً من كتبه. جعل المؤلف الشخصية المحورية في القصة والتي اختار لها اسم "شوقي" وهو من الأسماء العربية، يعد تدليلاً لاسم يهوشواع العبري بحسب المؤلف، تسير نحو المهمة "الثورية" الموكولة إليه وكأنه يسير وهو نائم، بلا حماسة أو وعي. وهذا يدل على تنفير القارئ من الانجراف مع المتمردين (الثوار)، كما يستخلص أحمد فؤاد أنور.           

ربط تقديم يهوشواع لقصته عند إعادة نشرها، بين "الربيع العربي"، وبين "الخريف الثائر القصير" في سرد المؤلف للأحداث. وبحسب أنور، تعبر القصة عن مكنونات مؤلف قرأ ما جرى في الثورة المصرية واعتبرها خطراً على إسرائيل تمثَّل في عداء للدولة العبرية بعد ثورة 1952، أو في اجتياح غرف تابعة لسفارة إسرائيل في القاهرة بعد ثورة 30 يونيو 2013 ورفع شعارات مثل: "على القدس رايحين شهداء بالملايين". الحديث عن فوضوية "الربيع العربي" في تصدير المؤلف، وربط الأحداث في المتن بموج البحر الذي يتكسر على الشواطئ، وكأنه يستسلم، يصور إسرائيل وكأنها "سدٌ"، أو "حاجزُ أمواجٍ"، يحمي أوروبا نفسها من هذه "الهبَّة العاطفية"، التي تنتقل من بلد إلى آخر، كتسونامي جامح.

أدب الأطفال وتعليمهم

يكمل أنور ما بدأه آخرون في ما يخص دراسة الأدب الموجه إلى الأطفال في إسرائيل، ومنه دراسة جمال الرفاعي "أدب الأطفال المصري وعنصرية أدب الأطفال الإسرائيلي" التي نشرت في مجلة "أدب ونقد" القاهرية في العام 1991، ودراسة الباحثة أسماء غريب بيومي "التربية السياسية في أدب الأطفال- دراسة مقارنة بين مصر وإسرائيل". ويقول أنور إنه مع ملاحظة أن الإصدارات الصحافية العبرية اتسمت بالغزارة في شكل تواكَب مع الدعوة إلى الأفكار والمخططات الصهيونية، اهتم كبار الأدباء مثل نحمان بياليك بكتابة الشعر للأطفال، وفي الوقت نفسه اهتمت الدوائر الصهيونية برصد أنشطتها وتاريخها، فنجد أن "دائرة معارف الصحافة العبرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر"، شملت إصدارات في 63 مدينة في مختلف أرجاء العالم.

ويورد أنور في هذا السياق ما أورده عاموس عوز في مذكراته: "بدأتُ القراءة بمفردي تقريباً، عندما كنت صغيراً، لأن الكرة الأرضية كانت تدور أبطأ"، في إشارة -كما يقول المؤلف- إلى إيقاع متثاقل للحياة في فترة طفولة الكاتب، وعدم وجود وسائل تواصُل تنافس القراءة. الصحف شكَّلت وجدانَه – يقصد عاموس عوز- منذ نعومة أظفاره، لذا بدأ منذ الصغر الكتابة لها، ما مهَّد له شهرة حقيقية حينما وصل إلى سن الثانية والعشرين. ويلاحظ أنور كذلك أن معظم صحف الأطفال العبرية ترأس تحريرها أدباء، "حرصوا على أن يكون لها خط تعليمي مباشر عبر أعمال أدبية تؤكد تفرد العنصر اليهودي، وبناء شخصية على أهُبة الاستعداد للحرب".  

وتكشف الدراسة أن مصر تشغل مكانة بارزة في الشعر العبري الحديث وأن الشعراء الإسرائيليين لجأوا إلى توظيف موتيف مصر في أشعارهم بأشكال مختلفة. وأظهرت الدراسة أن عدداً من الشعراء استخدم موتيف مصر الفرعونية للتذكير بما ترمز إليه من حالة العبودية التي عاش في ظلها اليهود في الشتات. وتظهر الدراسة أن الفترة التي أعقبت توقيع معاهدة السلام شهدت اهتماما ملحوظا من قِبل الشعراء الإسرائيليين بتوظيف موتيف مصر في أشعارهم، ومن هنا نجد أن شاعرة مثل اسنات ايتا اهتمت بالإشارة إلى نهر النيل لتأكيد الرغبة في تحقيق السلام في المنطقة! ويرتكز الشعر المُغَنى في نظرته إلى مصر على الاستمرارية، فالفروع تستمد أفكارها من البيئة التي تمتص خلاصتها من الجذور الممتدة تحت الأرض. والهدف في النهاية - يقول أنور - هو تثبيت حالة العداء لمصر المعاصرة، والإجهاز على عملية الاندماج الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي الكامل ليهود مصر بخلق ثقافة جديدة قائمة على الكراهية والرفض والعداء وترسيخ مفهوم التعالي على مصر. ويضيف: "صورة مصر في الشعر المغنّى اتسمت بالبساطة ليصل العداء لها إلى أكبر شريحة ولكل مستويات التعليم والثقافة مستهدفة جيل الشباب، كما يمكن القول إنه من بين الأهداف الواضحة في القصائد المغناة استنفار عزم الشباب وتحفيزهم ضد مصر قبل عهد السلام، وبعده، هذا بجانب تصوير سيناء على أنها أرض خاوية تنازلت عنها إسرائيل لمصر".

وفي الكتاب أيضا دراسة تلقي الضوء على تجربة استر شقاليم، بهدف التعرف على آليات استدعاء كل من التراث الفارسي والتراث اليهودي الديني في قصائدها وكيفية توظيفه في تلك القصائد؛ "التي تفيض بروح التمرد على وضع المرأة في التراث اليهودي". وشقاليم ولدت في إيران عام 1954 وهاجرت مع عائلتها إلى إسرائيل عندما كانت في الرابعة من عمرها. أشتهرت بعد إصدارها ديواناً بعنوان "شرقية" في العام 2006. تحدَّت في قصائدها المجتمع الإسرائيلي الرافض للشرقيين باعتبارهم أقل درجة في الثقافة والعلم. واستدعت التراث الديني اليهودي لبث روح التفاخر والثقة لدى النساء مع تأكيد أن الرب "خلقهن على صورته وكان سعيدا بهذا الخلق". كما استدعت التراث الديني الإيراني – ما قبل الإسلام- لتؤكد رغبتها في التمرد على المؤسسة الاشكنازية التي استهانت بقدر اليهود من أصول إيرانية.

ويرى أنور أن مقرر المواطنة للثانوية العامة كنموذج لتوجهات التعليم الإسرائيلي، "لا يدعم مبادئ التوجه نحو السلام العادل، لكونه لا يعترف بوجود ثقافات مختلفة ولا يحترم حق الغير وخصوصيته، فالولاء للدولة اليهودية له الأولوية المطلقة". ويضيف: "يمكن القول إن صانع القرار الإسرائيلي اختار أن ينهي المرحلة الالزامية بمقرر إجباري يحث على تهميش (الأقلية) وتزوير تاريخها، حذف منه ما يمكن أن يشكك في حق إسرائيل في الوجود ولو على حساب التاريخ والديموقراطية والقيم، "ولذا يعد هذا المقرر خطوة بالغة الخطورة في تجهيز نهائي للطلبة الذين سينضمّون بعد أشهر إلى الجيش الإسرائيلي".     

 

المزيد من ثقافة