عاش الكويتيون يوماً صعباً متأثرين برحيل أميرهم الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، الذي واروه الثرى اليوم، وسط مشاعر حزن وتأبين مرير من الرجل الذي اقترن اسمه في بلاده بـ"العفو والتواضع والحكمة"، في حين نعت الأوساط السياسية والشعبية على الساحة السياسية والاجتماعية الراحل، واصفين إياه بـ"فقيد الأمتين العربية والإسلامية".
وأعرب الكويتيون على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي عن تقديرهم تضامن القيادة السعودية مع حزنهم الكبير، بتوجيه الملك سلمان الجهات الدينية في الحرمين الشريفين بإقامة "صلاة الغائب" على الفقيد، تكريماً لذكراه.
وفي هذا الصدد نعى نجل الأمير الراحل رئيس الوزراء الكويتي أحمد النواف الصباح خلال افتتاح الجلسة الوزارية التي عقدت أمس السبت متأثراً "بقلوب راضية مؤمنة بقضاء الله وقدره وببالغ الحزن والأسى وبقلوب يعتصرها الألم ننعى والدنا الغالي وقائد مسيرتنا. الذي وافته المنية بعد مسيرة حافلة من العطاء والإخلاص والوفاء لوطنه الغالي وشعبه الكريم"، مشيراً إلى أن مجلس الوزراء "يستذكر بكل الاعتزاز والتقدير الأعمال الجليلة والتضحيات الكبيرة التي قدمها رحمه الله طوال حياته من أجل النهوض بالبلاد في مختلف المجالات ومن أجل خدمة الوطن والمواطن".
رسالة "أبوكم نواف"
وتضمنت وسائل الإعلام الكويتية مقالات رثاء وذكر للمواقف الإنسانية والتاريخية التي طبعت مسيرة الفقيد، إذ لفت جاسم بودي إلى أن الراحل اتسمت حياته السياسية بالتدرج والتأثير في عقود مضت لم تتوقف فقط عند مرحلة جلوسه على هرم السلطة، "فالقيادة بكل أهلها توفرت بكم منذ التدرج الأول، في قصر دسمان وفي مدرسة المباركية، وفي مؤازرة إخوانك الأمراء، وفي منصب المحافظ، وفي نيابة رئاسة الحرس الوطني، وفي وزارات الشؤون والدفاع والداخلية، ثم في ولاية العهد أميناً وعضيداً لأمير الإنسانية الراحل الشيخ صباح الأحمد. في كل تلك المناصب كنت رائداً تزرع بصمة خاصة وتحصد المحبة والولاء والإنجاز، وفي كل تلك المناصب كنت أميراً بعدلك وحكمتك ورؤيتك وهدوئك. لا تغضب من نصيحة ولا تبخل بنصيحة فالدين النصيحة".
وأشار في مقالة نشرتها صحيفة "الرأي" الكويتية وهو يخاطب الراحل، قائلاً "بقيت الأكثر التصاقاً بالكويت، تستقبل الجميع بقلب مفتوح. يشعرون أنك أخ كبير أو أب لهم، تسأل عن كبارهم وتتحرى أخبار صغارهم، تبادر إلى الاتصال والاطمئنان على الكبار وتوصي زائريك بأن ينقلوا إلى صغارهم "توصيات أبوكم نواف لكم بأن تكثروا من العلم اليوم كي تصبحوا قادة الغد".
أحد مؤسسي الكويت الحديث
أما "الجريدة" فصورت حال البلاد وهي تودع قائدها بمشهد "يلفه الحزن"، بوصف الراحل من مؤسسي الكويت الحديث، وليس فقط أحد أمرائها المتعاقبين، قائلة "يعتبر الشيخ نواف الأحمد رحمه الله، أحد مؤسسي الكويت الحديثة الذين أسهموا في إرساء دعائم الدولة، وشاركوا في عمليات النهضة والبناء التي شهدتها عقب الاستقلال مطلع الستينيات، وكانت له بصمة في العمل السياسي، ففي الـ12 من فبراير (شباط) عام 1961 عينه الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم محافظاً لحولي، وظل في هذا المنصب حتى الـ19 من مارس عام 1978 عندما عين وزيراً للداخلية في عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد حتى الـ26 من يناير (كانون الثاني) 1988 عندما تولى وزارة الدفاع، وبعد تحرير الكويت من الغزو العراقي عام 1991 تولى حقيبة الشؤون الاجتماعية والعمل ابتداء من الثاني من أبريل (نيسان) 1991 حتى الـ17 من أكتوبر 1992"، وهي الحقيبة الأكثر حساسية، لبلاد خرجت لتوها من احتلال شديد الوقع.
وفي تغريدة على منصة "إكس" لرئيس مجلس الأمة الكويتي السابق مرزوق الغانم، وصف الراحل بأنه "أمير أحب شعبه وأحبوه"، بينما أضاف أحمد العوضي وزير الصحة الأسبق أن "الإنجازات الزاخرة لأمير البلاد ستظل نبراساً لنا".
واعتبرت حتى المعارضين أمثال النائب السابق مسلم البراك يوم الوفاة "يوماً حزيناً في تاريخ الكويت، وأن الحزن لا يخيم فقط على قصر اليمامة الكويتي إنما على الكويت من شرقها إلى غربها لما للشيخ نواف من أياد بيضاء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف "لي معرفة شخصية بالشيخ كوني كنت برلمانياً عندما النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية وكانت الرحمة بادية في كل تصرفاته والحنان وحب الشعب والمستضعفين وحب الأيتام والأرامل، وكان حريصاً أن يعطي كل ذي حق حقه وبقلب متسامح، وعلى يقين متكامل أنه يبحث عن الرفق"، مسترسلاً في بعض المواقف التي كان شاهداً عليها مع الفقيد، تجسد حسه الإنساني في التعاطي مع الشأن العام.
يصور "سيلفي" مع الأطفال
من جانبه اعتبر رئيس اتحاد الجمعيات والمبرات الخيرية الكويتية ناصر العجمي أن "مبادرات الأمير الراحل أنقذت ملايين حول العالم من كابوس الفقر والعوز والفاقة". واستذكر مناقب الأمير الراحل وبصماته المشهودة التي يراها كتبت بأحرف من نور في ميدان العمل الخيري والإنساني الكويتي التي امتدت لعقود طويلة، فكان لافتاً دوره رحمه الله وتوجيهاته في إطلاق المبادرات الإنسانية والحملات الإغاثية الشعبية لدعم المنكوبين جراء الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا والشمال السوري أخيراً، وكذلك إغاثة منكوبي الزلزال الذي تعرضت له المغرب، وصولاً إلى الجسور الإغاثية الكويتية التي أطلقتها الكويت لإغاثة الأشقاء الفلسطينيين في غزة".
وفي حديث مع إمام مسجد بلال بن رباح محمد العتيبي، الذي يصلي فيه الأمير عادة، قال "كنت أشعر بشعور آخر إلى أن رأيت التواضع والخلق الرفيع والرحمة والألفة التي فيه، أشعر أنه واحد من المواطنين، وكان يمشي ويقبل رأس الأطفال في كل صلاة جمعة، ويقول خلوا عيالي لدرجة أنهم يأخذون صور سيلفي معه".
وروى المواطن الكويتي محمد عثمان الراشد في تغريدة له على منصة "إكس"، موقفاً مع الأمير يعود لسنوات مضت، "كنت حينها بدأت ببناء منزلي، وعلى مقربة من بيته، وفي أحد أيام الصيف ونظراً إلى حرارة الجو اضطررنا إلى أن نصب الخرسانة في ساعات الفجر الأولى وقبل أذان الفجر، وإذا برجل يمشي متوجهاً للمسجد القريب (مسجد الفارسي بالعديلية)، وتوقف في طريقه لإلقاء التحية والمباركة بالمنزل الجديد وتجاذب أطراف الحديث عن حرارة الجو، ثم استكمل طريقه منفرداً نحو المسجد، ما كان هذا الرجل المتواضع إلا الراحل الكبير، الذي أحب شعبه وتواضع لهم،، فبادلوه حباً بحب".