في إطار تجاوز سلسلة الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تواجه اقتصاد الصين، ضخ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي الصيني) سيولة نقدية قياسية في النظام المصرفي مع تعزيز دعمه للاقتصاد، في ظل الانتعاش الهش مع تراجع سوق الإسكان وضعف الطلب والأزمة العنيفة التي تواجه بنوك الظل المصرفي.
إلى ذلك قدم بنك الشعب الصيني للمصارف التجارية نحو 800 مليار يوان (112 مليار دولار) من خلال القروض لأجل عام واحد، مع الحفاظ على معدل الفائدة على التمويل من دون تغيير.
كما ضخ "المركزي الصيني" نحو 1.45 تريليون يوان (203.024 مليار دولار) من خلال آلية الإقراض متوسطة المدى، وهو ما يتجاوز مبلغ 650 مليار يوان (91.010 مليار دولار) المستحقة هذا الشهر، ليصل إجمال ما ضخه البنك إلى 315 مليار دولار.
وفي مذكرة بحثية حديثة علق المتخصص في الشأن الاقتصادي لدى "سوسيتيه جنرال" ميشيل لام قائلاً "يبدو أن بنك الشعب الصيني لا يزال يمنح الأولوية لاستقرار الصرف الأجنبي".
وخلال الاجتماع السنوي لمؤتمر العمل الاقتصادي المركزي استهدف كبار القادة الصينيين الوصول إلى معدل نمو اقتصادي عند خمسة في المئة خلال عام 2024، بعد إشارة مخرجات المؤتمر إلى عزم بكين اتباع سياسة مالية استباقية العام المقبل.
وكشف محللون اقتصاديون عن أنه في حين يسير الاقتصاد الصيني على الطريق الصحيح نحو النمو بنسبة خمسة في المئة هذا العام، إلا أن هذا المعدل الكبير يمكن مقارنته بالنمو الضعيف عام 2022 إثر أزمة الوباء، ومن ثم فإن الوصول إلى معدل نمو مماثل عام 2024 سيتطلب مزيداً من الدعم المالي.
وقالت مصادر مطلعة إلى وكالة "رويترز" إن قادة الصين اتفقوا على إجراء عجز بنسبة ثلاثة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في موازنة العام المقبل 2024، وإنه قد يتم تمويل دعم مالي آخر من خلال إصدار ديون خارج الموازنة العامة.
وتقارن نسبة العجز المالي المستهدف في العام المقبل بالهدف المعدل للعام الجاري عند 3.8 في المئة، وقد يشير هذا الانخفاض إلى رغبة السلطات الصينية في الحفاظ على الانضباط المالي.
المصادر أشارت كذلك إلى أن بكين قد تصدر سندات سيادية خاصة بقيمة تصل إلى تريليون يوان (140.16 مليار دولار) لتغطية النفقات الإضافية بحسب الحاجة، بينما يمنح خيار إصدار ديون خارج الموازنة مزيداً من المرونة للصين في تعزيز برامج التحفيز الاقتصادي للحفاظ على نمو مستقر.
إجراءات عاجلة لتقليص التقلبات الدولارية
وقبل أيام ذكرت وسائل إعلامية محلية في الصين أن بكين تعتزم تدعيم إجراءات سياساتها لتحفيز التعافي الاقتصادي خلال عام 2024، وذلك في إطار جدول الأعمال المتفق عليه في اجتماع لكبار قادة البلاد.
وكشفت عن أن بكين ستركز على تعزيز الطلب الكلي الفعال خلال العام المقبل، وتعتزم بذل جهود منسقة لزيادة الطلب المحلي.
وستعزز الصين تعديلات السياسة الاقتصادية الكلية للحد من التقلبات الدورية وإدارة هذا النوع من التقلبات، كما أنها ستتبع سياسة مالية استباقية وسياسة نقدية حكيمة على مدى العام المقبل.
وأشارت إلى أن بكين تحتاج إلى التغلب على بعض الصعوبات والتحديات من أجل دعم التعافي الاقتصادي بصورة أكبر، وأن المشكلات الرئيسة التي تواجه الاقتصاد الوطني تتلخص في عدم كفاية الطلب الفعال، ووجود فائض في القدرات لبعض الصناعات، وضعف توقعات عامة الناس، إلى جانب عدد من الأخطار الأخرى الخفية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت إلى أن الحكومة الصينية تخطط لإجراء خفوض هيكلية للضرائب والرسوم، وتسعى إلى بدء جولة جديدة من الإصلاح المالي والضريبي وتسريع إنشاء نموذج جديد للتنمية العقارية وبناء المساكن بكلفة يمكن تحملها، مع تنسيق حلول لمواجهة أخطار الديون المحلية ودعم التنمية المستقرة.
وفي مذكرة بحثية حديثة توقع الرئيس المشارك لقسم الخدمات المصرفية الاستثمارية العقارية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى "بنك أوف أميركا" مارتن سياه استمرار الانكماش العقاري في الصين لأعوام، مع توقعات بعدم انتهاء جفاف الصفقات في هذا القطاع قريباً مع نقص ثقة المستثمرين في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وذكر أنه من المرجح أن لتعافي القطاع العقاري في الصين إطاراً زمنياً قد يستمر لأعوام عدة، وتؤكد هذه التصريحات المخاوف في شأن وتيرة تعافي شركات التطوير العقاري المتعثرة في الصين، على رغم سلسلة الخطوات التي اتخذها صناع السياسات لتعزيز الثقة.
وكانت الأزمة العنيفة التي تواجه قطاع العقارات الصيني الذي يشكل نحو 30 في المئة من الاقتصاد، أحد أهم العوامل التي دفعت وكالة "موديز" إلى خفض التصنيف الائتماني لثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ خفضت تصنيف الصين الائتماني من مستقر إلى سلبي، مشيرة إلى "أخطار سلبية واسعة تواجه قوة الصين المالية والاقتصادية والمؤسساتية"، ناجمة عن أزمة سوق العقارات، لكن وزارة المال في بكين ردت على الفور وقالت إنه "لا داعي لمخاوف الوكالة حيال الاقتصاد الصيني".
أزمة العقارات أكبر مصدر للقلق
وفيما يواجه الاقتصاد الصيني رياحاً معاكسة على جبهات عدة، تتصدرها أزمة ديون قطاع العقارات وسلسلة الأزمات التي تواجه قطاع الظل المصرفي، تعهد قادة الصين باتخاذ إجراءات أكبر لدعم سوق العقارات المتعثرة في البلاد، وكشفوا عن تفاصيل خطط ترمي إلى إخراج ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم من حال انتعاش غير متكافئ.
وقبل أيام وخلال اجتماع سنوي مغلق، تعهد كبار صانعي القرارات في بكين وعلى رأسهم الرئيس الصيني شي جينبينغ "بنزع فتيل الأخطار في قطاع العقارات بصورة نشطة ولكن آمنة، والإيفاء بحاجات التمويل المعقولة لشركات العقارات".
وأكدوا بأنهم سيعملون على "تنسيق الجهود لنزع فتيل الأخطار من المؤسسات المالية الصغيرة ومتوسطة الحجم في الدين المحلي لقطاع العقارات"، كما تعهدوا بمواصلة الحماية بصورة فاعلة من الأخطار ونزع فتيلها في مجالات رئيسة.
لكن المشكلات في قطاع العقارات الذي يعد محركاً تقليدياً للنمو لا تزال من بين أكبر مصادر القلق، إذ إنه عالق في أزمة ديون عميقة بعد أن بلغت ديون عدد من شركات التطوير العقاري الصينية مئات مليارات الدولارات، وتواجه احتمال الإفلاس، إذ يسهم قطاع البناء والعقارات في نحو ربع إجمال الناتج الداخلي الصيني.
ومع تفاقم الأزمة في قطاع العقارات تشعر السلطات بالقلق، إذ إن المخاوف المرتبطة بالديون تقلص ثقة المستثمرين مما أدى إلى تراجع كبير في أسعار العقارات، وهو أمر يهدد بالتأثير في قطاعات أخرى.
وأقر مسؤولون خلال الاجتماع السنوي بأنه "لا يزال يتعين على الصين تجاوز بعض الصعوبات والتحديات لإنعاش الاقتصاد بصورة أفضل".
وأشار قادة الصين إلى أن "الاقتصاد الصيني حقق تعافياً والظروف المواتية تتجاوز العوامل غير المواتية في تنمية الصين".
في غضون ذلك نقلت "وكالة أنباء الصين الجديدة" عن المسؤولين قولهم إن "الاتجاه الأساس للتعافي الاقتصادي والتوقعات الإيجابية بعيدة الأمد لم تتغير"، فيما حذر الرئيس الصيني من أن التعافي الاقتصادي لبلاده "لا يزال في "مرحلة حاسمة"، وأمر بإجراءات لزيادة الطلب ونزع فتيل الأخطار.